array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 134

طموحات موسكو في سوريا: ترجمة استثماراتها السياسية والعسكرية لمكاسب

الثلاثاء، 05 شباط/فبراير 2019

انخرط الروس بتفاصيل المشهد السوري، عبر أربع أدوات متوازية؛ الحل العسكري الصفري؛ وما يستلزمه من ادعاءات إعلامية؛ وأدوات التحكم والتبعية الاقتصادية؛ بالإضافة إلى خطة "النصر" السياسية، إذ تشكل هذه الأدوات بمجموعها مناخًا مناسبًا لتعميم مقارباتها السياسية على الجغرافية السورية من جهة، وتعزز من قدرتها على التحكم بكافة المسارات واتجاهاتها؛ ولعل الإنجاز الأبرز بالمعنى العسكري الاستراتيجي هو ما يرتبط بضمان بقاء وحماية المصالح العسكرية لأطول فترة ممكنة، وهذا ما تجلى فيما عرف بالاتفاقيةالعسكريةالروسيةالسورية التي وقعت بتاريخ 26 أغسطس 2015م.

لكن من جهة أخرى؛ وانسجامًا مع حقيقة أن المشهد السوري رغم تقلص مساحات العمل العسكري إلا أنه الساحة المفتوحة للعديد من الصراعات السياسية؛ وبهذا المعنى لا تنطلق الحركية الروسية منأرضيةتوافقسياسي كامل؛ فمن جهة أولى هي لا تزال غير متوافقة كليًا معالقوى الرئيسيةالمؤثرةعلىالساحةالروسيةوفيمقدمتهاالولاياتالمتحدة،وسيبقى سيرها تحت الاختبار الدائم لتحالفاتها الإقليمية لا سيما مع الجانب التركي، إذ تدلل التوقعات على احتمال التضارب في الخطوات المقبلة، إذ أن هذه التحالفاتبنيت في حدودأمنيةبحتة وتفاهمات سياسية مغرقة بالعمومية؛ ومن جهة ثانية تزداد حدود التباين بين دمشق وموسكو وطهران لا سيما فيما يتعلق بالاستثمار بالجيش السوري؛ ومن جهة ثالثة مرتبطة بالعملية السياسية.

لذا سيحاول هذا المقال بيان تلك الجهات الثلاث لفهم طبيعة الوجود الروسي الراهن ومبرراته وملامح استراتيجيته المستقبلية.

التدخل الروسي: غايات تحركها دوافع الريادة

يمكن توصيف الولوج العسكري الروسي المباشر بجملة من التعريفات؛ فمن جهة أولى هو خطوة فرضتها الضرورة الناشئة من اللحظة السياسية والعسكرية الحرجة في الملف السوري؛ بعد طلب كلاً من قاسم سليماني من موسكو التدخل المباشر وإنقاذ الأسد أثناء زيارته لموسكو مطلع شهر أيلول لعام 2015م، أي قبل أسابيع من بدء التدخل الروسي الذي تم في 30/9/2015؛[1] وبعد زيارة وفد من دمشق لوزير الدفاع الروسي والطلب منه بالتدخل والإنقاذ.[2]

إذ فرضت تلك اللحظة نفسها على معادلة وجود النظام؛ كتزايد الإنجازات العسكرية لقوى المعارضة والثورة المسلحة في مقابل عجز متدحرج لقوى النظام السوري وميليشياته، الأمر الذي اقترب من قلب الموازين العسكرية في الجغرافية السورية ويهدد مشروع الحفاظ على ما بات يعرف بـ" سورية المفيدة"، لذا كانت ضروريًا الاستجابة وفق الاعتقاد الروسي لطلبات التدخل المباشر وتحسين شروط الأسد وصد الأفعال المهددة للمصالح الجيواستراتيجية الروسية.

ومن جهة ثانية؛ ارتأت موسكو أن يكون هذا التدخل عنوانًا لعودة نوعية جديدة إلى المنطقة، يعمل من خلالها على ملء الشواغر الناجمة عن محددات استراتيجية أوباما (السابقة) القائمة على مبدأ الإدارة من خلف وعدم الانخراط المباشر في ملفات الشرق الأوسط، بحيث تؤسس تلك العودة لمرحلة تحسين الشروط الروسية في المنطقة بعد سلسلة الخسارات الاستراتيجية التي منيت بها بعد ثورات الربيع العربي وبعد تداعيات "القضية الأوكرانية"؛ بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الروسية التي لا تزال آخذة بالتعاظم، لذا فإن انتهاج مبدأ إدارة (الأزمة بالأزمة) ربما يحقق للفاعل الروسي فرصًا تهيئ له انفراجات استراتيجية، كما أنه يعمل على احتساب الشروط الروسية في جل الصيغ الأمنية والاستراتيجية في المنطقة .

ومن جهة ثالثة؛ ستساهم تلك العودة وفق المخيال الروسي في تشكيل أفق وملامح عامة جديدة ترجئ أي حسم في مسارات التفاعل ضمن الإقليم، عبر فرض معادلة أمنية تضمن التوازن الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وحلفائها مع الاتحاد الروسي وحلفائه "الجدد" من جهة أخرى؛ كما أنه من شأنها إعادة تصميم مسارات جيبولتيك الطاقة في المنطقة، تلك المسارات المرتبطة ارتباطًا عضويًا بمستقبل القضية السورية، إذ تدرك روسيا جيدًا أهمية موقع سوريا كونها مكان محتمل لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا وهو ما يهدد هيمنتها على تصدير الغاز للقارة الأوروبية (تتجاوز حصة الغاز الروسي من إجمالي الواردات الأوروبية 64 %). لذا نراها اليوم تندفع للاستثمار في قطاع الطاقة السوري لأنها تفضل أن يكون لها حصة في تطوير هذا القطاع بدلاً من أن تتنافس معه في المستقبل.

ومن جهة رابعة؛ هناك أهداف تفرض على موسكو تغيير أدوات فاعليتها السياسية كغاية تغييب الحركات الإسلامية بكل تدرجاتها من أي مشاريع للتغيير السياسي في المنطقة عبر تثبيت حوامل عودة النظام؛ بالإضافة إلى تثبيت أولوية مكافحة الإرهاب "وفقًا لسرديتها" على حساب قضايا التغيير السياسي، وذلك عبر الاستمرار في الاستثمار والتوظيف السياسي غير المباشر للجماعات العابرة للحدود. [3]

وبتتبع حركية التدخل الروسي منذ عام 2015م، نجد أنه ركز على أولويات وعلى مقدمتها تطويع الجغرافية وتغيير الموازين العسكرية حيث تم البدء بهندسة جديدة لا سيما بعد مؤتمر فيينا الذي عقد بعد شهر من التدخل العسكري (في أكتوبر 2015م) والذي أنتج فيما أنتج إطارًا سياسيًا جديدًا ترجم لاحقًا في القرار 2254؛ والذي بات يعد تعريفًا تنفيذيًا لبيان جنيف؛ وتنحية الحديث والاهتمام بمسألة (إسقاط الرئيس) و"احتمالية بقائه في المرحلة الانتقالية واحتفاظه بحق الترشح".

كما تم العمل على ضرب بنى المعارضة وقوى الثورة العسكرية لا سيما في إدلب وحلب (93% تقريبًا تم استهداف المعارضة وقوى الثورة، بينما أقل من 7% تم استهداف حواضن داعش وليس مقراته)؛ وتم "إخراج" حلب الشرقية من معادلات التأثير العسكري وإخراج المعارضة منها؛ ناهيك عن محاصرة جيوب المعارضة في محيط دمشق ثم العمل على تهجيرها كداريا ووادي بردى والمعضمية... وصولاً إلى درعا.[4]

أستانة:حرب باردة سياسيًا

كان واضحًا؛ أن الولايات المتحدة لم تعارض التدخل الروسي؛ وكل ما تعمل عليه كان من مداخل الإعاقة والعرقلة بهدف تزمين "التورط الروسي"؛ وبالمقابل عملت موسكو على جعل المسرح السوري بوابة للإدارة المشتركة مع الولايات المتحدة؛ التي بدأت تترجم "زهدها بالملف السياسي" إلى أشكال أكثر تقدمًا من "الانسحاب" وهذا ما يجعل منطق التفاوض على سورية أو من أجل سورية مغيبًا من أجندة العلاقات الثنائية؛ فبالنظر إلى أهم المحطات الفارقة بالملف السوري نجد أن مساحات التقارب وإن توافقت على كليات المشهد السوري إلا أنها لم تنتج تفاهمًا كما تطمح له موسكو باستثناء ما بات يعرف "بشرق النهر وغرب النهر" وما تستوجبه من تنسيقات عسكرياتية متعلقة بتنظيم المجال الجوي السوري؛ بينما في المجال السياسي باتت تلك المساحات شكلاً من النزاع السياسي البارد؛ ففي حين الأولى (واشنطن) لا تزال مستندة على جنيف والحل السياسي، نجد موسكو تجتهد لخلق منصات بديلة تعيد تعريف العملية السياسية وبالتالي تعزيز مناخات "التفاوض"؛ وما بين جهود العرقلة الأمريكية وجهود إعادة التعريف الروسية تحول الملف السوري لساحة نزاع بارد تفردت به موسكو عسكريًا دون انفراج في المشهد السياسي المعقد.

منذ إخراج حلب من معادلات الصراع العسكري سعى الروس إلى تحويل "الانتصار العسكري" إلى استثمار سياسي عبر خلق منصة سياسية موازية لجنيف وهي الأستانة والتي تعتبر منصة تفاهم أمنية بين القوى المنخرطة عسكريًا في سورية (طهران وأنقرة وموسكو)؛ منصةً تهندس أطر الحل السياسي بما يمنع من فرضية استمرار الانزلاق الروسي (منذ الجولة الأولى طرح الروس مشروع دستور)، وتسحب وظائف جنيف السياسية أو تحدد خيارات جنيف وفق ما تراه الأستانة.

وبعد اتفاقيات خفض التصعيد وما تبعها من تسكين جبهات الصراع وفق تفاهمات أمنية تضمن انخراط القوى الإقليمية والدولية في عملية ضبط المشهد الأمني وتساهم في تعزيز ترتيبات المشهد السياسي بما يتفق بالنهاية مع الطرح الروسي. ؛ استمر الروس في التوجه نحو مناطق "سورية غير المفيدة" وذلك بغية الدخول بشكل عضوي في معادلات محاربة الإرهاب عبر بوابتي البادية السورية ومحافظة دير الزور والمدخل الجنوبي الغربي لمحافظة الرقة؛ وعبر الاستمرار في تقديم الدعم والتوجيه العسكري لقوات النظام وحلفائه وتمتين بنيته لكي يكون قادرًا على الولوج في استحقاقات المرحلة القادمة. بالإضافة إلى تعزيز سياسة الغزل وفق المنوال الروسي بدأت مؤشرات ضغط روسي في تلك القوات فيما يتعلق في اتفاقات خفض التصعيد فيما يتعلق بتوفير فرص نجاحها وعدم تهديدها باعتبارها "مكسبًا روسيًا يخفف من تكلفة التدخل سياسيًا".[5]

ولعل الشكل الأكثر وضوحًا للعرقلة الأمريكية بعد كل ما استلزمته الهندسة الروسية، أتى قبيل مؤتمر سوتشي الذي عقد في نهاية الشهر الأول من عام 2018 م، الذي كان عنوانه الروسي "طموحات البدء بتنفيذ العملية السياسية وفق منظور موسكو، إلا أن إصدار مخرج اللاورقة من قبل الدول الخمس (أمريكيا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأدرن) قبيل المؤتمر سوتشي والذي يعد (وإن توافق بالملمح العام السياسي مع الطرح الروسي) تعطيلاً وتزمينًا للانزلاق الروسي إذ أكد المخرج على أن مسار جنيف هو الوحيد المهتم بالعملية السياسية وقوض من صلاحيات الرئيس.[6]

وبعد سوتشي: أدرك الروس أن في الجغرافية لاتزال الإمكانية قائمة لتقليل خيارات المعارضة فكانت معارك عسكرية عنوانها بالبدء إخراج أية قوة عسكرية معارضة ضمن المجال الجغرافي لما يعرف بسورية المفيدة فكانت انتكاسة الغوطة وجنوب دمشق والغوطة الغربية وصولاً لريفي حمص وحماه؛ ثم درعا، لتخسر المعارضة السورية وقوى الثورة مساحات شاسعة من مناطق سيطرتها؛ وكان الهدف الأكبر من وراء ذلك محاصرة واشنطن وحلفائها المحليين وتعزيز مركزية الفاعل الروسي في كل اتفاقات الملف السوري سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وذلك بحكم تحكمه في العديد من العناصر الضابطة للمشهد السوري.

لعل المتغير الأكثر أهمية هنا يتعلق بقرار الانسحاب الأمريكي؛ فعلى الرغم من أن القرار في حيثياته الأولية يبدو قرارًا مفاجئًا لحلفاء واشنطن قبل غيرهم، ويحمل استعجالاً أمريكيًا بالانسحاب العسكري غير المدروس من الملف السوري؛ إلا أنه وبالوقوف على طبيعة القرار الأمريكي في ظل إدارة ترامب؛ وبفهم حدود وجدوى إصرار المؤسسات الأمريكية على عدم التناغم مع "ترامب"؛ نجده قرارًا متوقعًا منسجمًا مع توجهات الرئيس الأمريكي، هذا القرار وإن رحبت به موسكو سياسيًا إلا أنها تتعامل بخشية حياله فهي لا تزال تنتظر تداعياته وتعريفاته التنفيذية ومجالاته وهل سيتطور ليكون انسحابًا سياسيًا؛ فمن جهة أولى هناك خشية من تحسين العلاقات الأمريكية التركية الأمر الذي سينعكس على تموضع تركيا في ثلاثي الأستانة[7]؛ ومن جهة ثانية ووفقًا لخبراء روس فإنهم واثقون من أن الولايات المتحدة لن تغادر سورية في أي مكان فالأميركيون استثمروا بالفعل الكثير من المال في بناء القواعد في البلاد، والبيانات حول انسحاب القوات هي مجرد معلومات غير صحيحة والانسحاب إن تم فمن أجل إعادة صياغة الوضع الذي يتطور في سورية[8]، بينما الجهة الثالثة وفقًا لتفاعلات المشهد الإعلامي والبحثي في موسكو فهو "خطة ماكرة" لانقسام الحلفاء في سورية[9].

إعادة تكوين الجيش: كنموذج توضيحي لعلاقة الحلفاء

يشكل الجيش -باعتباره أحد أهم أركان النظام وأنجع أدواته-مساحة مهمة لفهم طبيعة العلاقة الثلاثية (موسكو وطهران ودمشق)؛ فعلى الرغم من أهمية البعد الاقتصادي إلا أن القطاع الدفاعي هو الاستثمار الأبرز والأكثر إغراءً للحلفاء من جهة والهدف الأوضح للنظام سواء من حيث إعادة ترتيبه وتعزيز قنوات التحكم به أو فيما يرتبط بطموحات النظام بضبط الاستثمارات الروسية والإيرانية وتوسيع هوامش الحركة.

روسيًا؛ وبغض النظر عن الاتفاقات الرسمية جهدت موسكو في تحسين شروط قوة الجيش عبر المضي في التأثير في إعادة تنظيمه، إذ بينت معظم الدراسات التي أصدرتها مؤسسات الأبحاث الروسية أن اعتماد النظام على ما أسمته "التشكيلات المسلحة غير الحكومية" أدى إلى تآكل القيادة الموحدة للجيش وتجزئته، وباتت القوات المسلحة السورية تفتقر إلى الانضباط والمركزية والتحديث التقني والتنظيمي والسلطة، ناهيك عن أن مشاركة إيران النشطة في إنشاء وتمويل الجماعات الموالية للنظام تزيد من تعقيد المشكلة أكثر؛ ووفقًا لحركية موسكو في هذا المجال يتضح أنها لإعادة تنظيم الجيش السوري، فمنذ عام 2015م، وللتقليل من تأثير ودور مختلف الميليشيات شكلت روسيا الفيلقين الرابع ثم الخامس من الميليشيات العاملة في اللاذقية ومن فائض القوة البشرية التي أفرزته "المصالحات". [10]

من جهتها طهران؛ ومنذ بداية التدخل الروسي ساهمت إيران وبقوة في أن تكون الذراع العسكري البري لتفرض علاقة تحالف وتوازن مستمر مع موسكو عبر مساعدة الميليشيات الشيعية لقوات النظام في عمليات السيطرة بحكم الاستنزاف الشديد الحاصل في بنية النظام العسكرية؛ ولا ترتبط تلك الميليشيات ماليًا بمؤسسات الجيش فإن إيران بالدرجة الأولى هي من تمول وتسلح وتنشئ وتنظم وتدرب القسم الأكبر من تلك الميليشيات الشيعية، وقد قامت طهران بتقسيم جبهات القتال في سوريا إلى خمسة قطاعات رئيسية ( قطاع دمشق ويشمل محافظتي دمشق وريف دمشق، والجبهة الجنوبية وتشمل محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، والجبهة الوسطى وتشمل محافظات حمص وحماه وإدلب؛ وجبهة الساحل وتشمل محافظتي اللاذقية وطرطوس، والجبهة الشمالية وتشمل محافظات حلب والرقة)، كما قامت بتأسيس قواعد عسكرية ثابتة في جميع القطاعات الآنفة الذكر تستوعب 6 آلاف مقاتل وزودت تلك القواعد بأسلحة ثقيلة وقوة جوية وصواريخ مضادة للطائرات، ويبدو أن إيران عازمة على حماية خطوط إمدادها للنظام السوري وحزب الله اللبناني والدفاع عنها بالإضافة وهذا ما سيزيد أعباء موسكو في اختبار ضبط إيران، والإشارة الأبرز في موضوع الميليشيات التابعة لإيران أنه باتت جزء منها تابعًا بشكل رسمي للجيش الرسمي؛ كقوات الدفاع الوطني (NDF) قوات الدفاع المحلية (LDF).[11]

بينما النظام لا يزال يؤجل سؤال إعادة التكوين لصالح استيعاب الشبكات الروسية والإيرانية فلا يزال الفيلقين الرابع والخامس خارج أطر الجيش الرسمي، ولاتزال ورقة الاتفاقات ورقة يحسن النظام الضغط بها باعتباره المتحكم الأوحد في الدولة ومؤسساتها.[12]

توضح الأسطر أعلاه؛ بأن العلاقة البراغماتية التي تجمع الحلفاء لم تخفي حدود التباين وستقرب في حال انتفاء مناخات المصلحة المتبادلة أسئلة ما بعد الحرب وما تستوجبه من ضرورة تحويل المساندة إلى استثمار ينسجم مع توجهاتهما تظهر المعادلة المتحكمة في تلك العلاقة والتي تقوم على نقيضين؛ الأول يتعلق بالشبكتين الإيرانية والروسية؛ ففي حين ترى موسكو ضرورة توسيع شبكاتها لتكون مؤثرة على الجيش الذي ينتظر تحديات الدمج وإعادة الهيكلة والبناء ليكون مؤهلاً لحفظ المنجزات الروسية ويخفف من تكلفة التدخل السياسية، نجد الشبكة الإيرانية تستحوذ على مراكز نوعية في قوى المشاة التي تعتبر الخط الأول في المواجهات الميدانية وهذا ما يتعارض استراتيجيًا مع نهج موسكو؛ أما النقيض الثاني يرتبط بسياسة النظام المتعلقة بتعظيم التحكم على الجيش الذي استنزف وتحكمت الارتكاسات ببناه ووظائفه؛ وهذا يتطلب حكمًا توقف تنامي تلك الشبكات؛ وعليه يمكن القول أن المآل المتوقع رغم التمسك المشترك بضرورة التحالف، هو تزايد حدود التباين لدرجات أوسع.

طموحات موسكو المستقبلية: إنهاء الاستنزاف وتوسيع الاستثمار

يشكل المدخل السياسي البعد الأهم في طموحات موسكو المستقبلية فهو البوابة الوحيدة لترجمة استثماراتها السياسية والعسكرية لمكاسب استراتيجية مرتبطة بغايات التدخل؛ وعليه فإن الدفع باتجاه أستنة جنيف وانخراط جميع الفواعل بعناصر الحل الروسي سيشكل مجالاً لتخفيف الاستنزاف من جهة ومدخلاً لإعادة تكوين شرعية للأسد تكون بمثابة تطبيعًا قابلاً للاستثمار الروسي وهندسةً روسية للعلاقات الدولية للنظام.

وفيما يتعلق بالعملية السياسية فبعد الانحراف الشديد التي شهدته العملية السياسية والتغيير في هدفها من الانتقال السياسي إلى تعديل دستوري "يمتلك الأسد حق رفضه أو قبوله دستوريًا" وانتخابات، فإن المسار التفاوضي الراهن لا يزال يشهد تجاذبًا ما بين مساري الأستانة ومسار جنيف؛ وعلى الرغم من وضوح دور الأمم المتحدة "جنيف" في هذا الصدد إلا أن ثلاثة عناصر تجعل تلك العملية عملية طويلة وستشهد الكثير من التفاصيل المضللة التي ستعزز فرص موسكو للتحكم في حركيتها، وهي عدم التوافق (لا سيما الدول الضامنة) على فريق المعارضة وآليات تشكيله؛ وعدم التوافق على آليات عمل اللجنة الدستوري؛ عدم التوافق على المحددات السياسية الناظمة لعمل اللجنة. وهو ما سيدفع (وفق الاعتقاد الروسي) باتجاه رفض فكرة اللجنة الدستورية بالشروط القديمة وقبولها وفق التعريف الروسي

وبالعموم أيًا كان المخرج فإن المتوقع في هذا الصدد تنامي عدة معطيات مؤثرة على هدف اللجنة (الوصول لدستور جديد أو معدل)، وهي: تعنت النظام؛ ومن مؤشراته التمكين العسكري وعدم اقتناعه بتقديم التنازلات، وطبيعة الأسماء المرشحة (شخصيات لا وزن سياسي أو اجتماعي لها)؛ وبنية وفد المعارضة السائلة والمتباينة في سقف توقعاتها، وهذا من شأنه يزيد العطالة في حركية هذا المسار؛ وعليه لا يتوقع أن يكون المخرج العام من هذا المسار خارج الإطار والمحددات العامة للمبادئ الدستورية غير الملزمة؛ لذلك فإن طموحات موسكو ستكون عرضة للعرقلة لكنها ستبقى تستثمر بتلك المعطيات التي ترسم المشهد السوري من جديد؛ ليغدو ملائمًا لتنفيذ التعريف الروسي للحل السياسي وأن تكون معادلة الحل الروسية وفق العناصر التالية: حل السياسي ضمن أطر الدولة لتخفيف الدور الدولي قدر المستطاع؛ واستعادة سيطرة "الدولة" وترحيل القوى المعارضة والثورية وتحويل الاستحقاقات السياسية لتحديات حكومية.

يرافق عملية النحت الروسي تلك مجموعة من المعوقات التي تتباين بحدتها وتداعياتها ما بين الأثر المتوسط والأثر الاستراتيجي، والتي من شأنها جعل عملية التشكل الآخذة بالتبلور عملية غير مستقرة وتزيد من أثمان كلفة التدخل السياسية، ومن تلك المعوقات نذكر:

1-     معوقات مرتبطة ببنية الجيش المهترأة؛ فالجيش بعد الاضطراب البنيوي والتنظيمي والاستنزاف البشري على مستوى المتطوعين والمجندين غدا ميليشيا كبرى خاصة بعد شرعنة الميليشيات المحلية والأجنبية ضمن أطره الإدارية.

2-     معوقات مرتبطة بمعايير الاستقرار: ناهيك عن أثر العبث الديمغرافي وسلبيات تغييب العدالة الانتقالية؛ هناك أربعة معايير تحتاجها بيئات ما بعد الصراع وهي معايير لا يمتلكها النظام كالبرامج الكريمة لعودة اللاجئين وما تمليها من استجابات محلية وواقع أمني منضبط؛ التوافق السياسي؛ التماسك الاجتماعي؛ إعادة الشرعية وتأهيل الدولة لامتحان إعادة الإعمار.

3-     معوقات مرتبطة بالضامنين (إيران وتركيا)، فطهران المعضلة الكبرى لموسكو، من جهة أولى غير قادرة على ضبطها بحكم تغلغلها الواضح في بنية وعصب النظام، ومن جهة أخرى ينبغي مراعاة المحدد الأمني الذي فرضته الولايات المتحدة والمتمثل بمحاصرة طهران وإعادة ضبطها؛ أما أنقرة التي باتت منخرطة بالشمال السوري فهي لن تقبل بأي تسوية طالما الإدارة الذاتية مفعلة عسكريًا وأمنيًا وإداريًا شرق النهر وهو لايزال برسم تفاوضات لم يتبلور شكلها النهائي.

4-     معوقات مرتبطة بالضرورات السياسية؛ إذ سيشكل غياب اللحظة السياسية الجديدة في سورية عاملاً معرقلاً في مواجهة تحديات الدولة، كما إبعاد القوى المعارضة الحقيقية عن عمليات التشكيل سيجعل مقاربة إعادة تشكيل النظام هي الأوضح وهذا لا تزال تكلفته مفتوحة الأثمان.

ختامًا:

مما لا شك فيه أن أهداف موسكو بالتدخل آخذة بالتحقق في ظل " نجاعة الاستراتيجية الصفرية" التي طبقتها الروس بتسارع وهندسة مرحلية نوعية تفضي بأحسن الأحوال لجمع المتناقضات في السلطة، إلا إنه وبالجهة المقابلة فقد عزز هذا التدخل من تعقيد مداخل الاستقرار والسلام وقوّضت إطار الانتقال السياسي، وخفضت روسيا من احتمال وجود آلية عدالة دولية لسورية، فاستمرار التمييع في صف المعارضة واستمرار تجاهل المستندات الدولية المتحكمة في العملية السياسية وعلى رأسها مستندات جنيف والقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن لا سيما القرار2254. ومن جهة أخرى فإن استمرار حاجة سورية للدعم الخارجي لإعادة بناء ما دمرته الحرب، وإعادة المهجرين، ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الحرب، فإنه لن يكون دون "ثمن سياسي" لا يتناسب مع المخيال الروسي.

لذا كمعطى ثابت ينتظر متغير ما لم يظهر بعد؛ فإنه يمكننا تصدير الآتي: طالما استمر الإمعان الروسي في تطويع كافة عناصر المشهد السوري للتملص من استحقاق الانتقال السياسي فإنه سيبقى يعتريه الكثير من العراقيل المتعلقة بمبدأ إدارة الأزمة وما تفرزه من مناوشات باردة قابلة للتطور السياسي لدرجة الاستعصاء ، وسيبقى هذا المشهد يستقبل الكثير من الانكسارات المتأتية من عدم تمكين المجتمع السوري وتقوية تموضعه في النظام السياسي الجديد، كتنامي الإرهاب وازدياد منسوب سيولته، وانسداد الحلول المتعلقة باللاجئين والمهجرين والمقتلعين من جذورهم، وتكريس وتثبيت عوامل الفشل لبنى الدولة ووظائفها، وطالما أن المبدأ العام الذي يحكم التدخل الروسي قائم على تعويم نظام الحكم الحالي وتعزز شرعيته وفق مفاهيم ومقاربات أمنية ستبقى أسباب التشظي والحريق مندلعة في المنطقة، فهذا النظام هو جذر الإرهاب والسيولات الأمنية في المنطقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحثأولبمركزعمرانللدراساتالاستراتيجية

 

 

 

[1]-زيارة قاسم سليماني إلى موسكو دفعت روسيا إلى التدخل في سوريا، صحيفة الشرق الأوسط؛ تاريخ 2/أكتوبر/2015؛ الرابط: https://goo.gl/6ow5B4

[2]- بعد سنتين على تدخل الروس في سوريا هكذا انتشلت موسكو الأسد.. ثم قيّدته؛ صحيفة عنب بلدي؛8/اكتوبر/ 2017، الرابط:https://goo.gl/RxNiG5

 

[3]- التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية، ورقة تحليلية صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية؛ 17/اكتوبر/2015، الرابط: https://goo.gl/jC3XBg

[4]- معن طلاع، نوار اوليفر:" المشهد العسكري في سورية وتحولاته المتوقعة" مركز عمران للدراسات الاستراتيجية؛16 /مارس/2018، الرابط: https://goo.gl/VTY18b

[5]- اتفاق المنطفة العازلة في ادلب، تقرير صادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 1/اكتوبر/2018، الرابط: https://goo.gl/W3to6x

[6]المرجع نفسه.

[7]من المستفيد من الانسحاب الأميركي من سورية" كاميرسانت، تاريخ 19\12\2018 انظر الرابطhttps://goo.gl/myzZC8

[8]- جوكوف دينيس "خبراء: أمريكا لن تغادر سورية" تسارغراد، تاريخ: 19\12\2018 https://goo.gl/vQG5td

[9]- رافائيل فاخرودينوف "الانسحاب خطة أمريكية ماكرة لإحداث انقسام بين الحلفاء في سورية"، غازيتا. رو، تاريخ: 4\1\2019 https://goo.gl/8UNSxT

[10] - الكسي خلوبنيكوف "تطور القوات المسلحة السورية الاتجاهات والمشاكل الرئيسية" المجلس الروسي للشؤون الدولية، تاريخ:7\121\2018 https://goo.gl/BMwkQk

 

[11]- تحولات المؤسسة العسكرية السورية: تحدي التغيير وإعادة التشكيل، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية؛ 31/ديسمبر/2018، الرابط: https://goo.gl/kjy2n3

[12]- المرجع نفسه

مجلة آراء حول الخليج