array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 134

روسيا في الشرق لا تنافس أمريكا بل أداة أمريكية لتحقيق أهداف واشنطن

الثلاثاء، 05 شباط/فبراير 2019

امتاز الشرق الأوسط في العقدين الأخيرين بعدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بل دخل في أكثر من حرب دولية قاسية وظالمة ومشبوهة، بحجة تأسيس نظام عالمي جديد، بعد انهيار النظام السابق الذي حكم العالم بعد الحرب العالمية الثانية باسم الحرب الباردة، بين قطبين رئيسيين هما دول الغرب وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، ودول الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية باسم حلف "وارسو"، فكانت نشأة المرحلة الحالية في الشرق الأوسط متأثرة برواسب صراعات الحرب الباردة بين دول الشرق والغرب، وما كان يمثلهما من تحالفات دولية سياسية أو عسكرية، والتناقضات الاقتصادية بينهما فقد كانت على طرفي نقيض بين دول النظرية الاشتراكية الماركسية داخل بلادها وخارجها، وبين دول غارقة في تطبيق نظريات النظام الرأسمالي الاقتصادية، المعتمدة على حرية السوق والليبرالية الاقتصادية والعولمة والمنظمات الاقتصادية العالمية وصندوق النقد الدولي، والبنوك الدولية المتوحشة، فالشرق الأوسط يعيش في ظل اضطراب دولي وحرب باردة غير معلنة.

 

روسيا تعيد بناء ذاتها سياسيًا و اقتصاديًا:

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكيك حلف وارسو العسكري أصبحت تلك الدول في معظمها تابعة لحلف الناتو العسكري الغربي أولاً، وكلها تابعة للنظام الرأسمالي الاقتصادي الغربي ثانيًا، بما فيها دولة روسيا نفسها، فانتهى التنافس الدولي في بناء الأحلاف العسكرية العدائية دوليًا، وبدأت مرحلة التحالفات الاقتصادية المتنافسة، ضمن شروط التنافس الاقتصادي في النظام الدولي الجديد بعد عام 1991م، وهذا ما جعل دولة روسيا تعيد بناء اقتصادها داخليًا أولاً، وتتطلع لبناء علاقاتها السياسية الخارجية على أساس المصالح الاقتصادية، وبناء تحالفات أو صداقات جديدة على أسس سياسية واقتصادية، وبعيدة عن العلاقات الأيديولوجية والنظريات الفكرية.

ما لم تتوقعه الدول الغربية الرأسمالية هو سرعة عودة روسيا إلى مسرح التنافس الدولي خلال عقدين فقط، فمنذ أن استلم فلاديمير بوتين السلطة السياسية بعد ترشيح الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلسن لهأخذ بوضع خطط بناء روسيا الجديدة، وذلك بوضع الخطط التي تبني روسيا العظمى اقتصاديًا، وتنافس نظيراتها على الساحة الأوروبية وغيرها، على أساس النظريات التي بشر بها من قبل ميخائيل غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفيتي وصاحب نظرية البيروسترويكا، والتي كانت تخطط لتقديم دولة روسيا كشقيق أكبر لدول الاتحاد الأوروبي في كل المجالات، وهو ما لم ينجح به غورباتشوف في حينه، وقد تمكن بوتين أن ينجح في ذلك جزئيًا، بوضع خارطة طريق عودة روسيا إلى المسرح الدولي بقوة، وبعيدًا ومنافسًا ومستفيدًا من السياسات الغربية الأوروبية والأمريكية، وذلك بانفتاح روسيا على كل دول العالم وإقامة علاقات سياسية واقتصادية معها، وفي الأعوام الأخيرة بدأت روسيا تقدم سوق سلاحها لدول الشرق الأوسط كمنافس لسوق الأسلحة الغربية.

 

مستقبل العلاقات الروسية مع دول الشرق الأوسط:

بعد انتهاء الحرب الباردة حاولت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة العالم منفردة، وقام فلاسفتها بادعاء نهاية التاريخ على قيم المبدأ الرأسمالي والحضارة المسيحية الغربية، ولكنها فشلت في ذلك فشلاً ذريعًا، عسكريًا وفلسفيًا، لأنها ظنت مخطئة أن قوتها العسكرية قبل قوتها الاقتصادية والفلسفية قادرة على فرض الهيمنة الأمريكية على العالم دون منازع، وما أضر باستراتيجيتها أكثر هو افتعالها أزمات دولية غير مكتملة الأركان أو غير مقنعة لدول العالم وشعوبه، بما فيها بدرجة ما الشعب الأمريكي نفسه، فخاضت الإدارات الأمريكية المتهورة في عهد الرئيس الأمريكي بوش الابن حربي احتلال أفغانستان عام 2001 م، بذريعة الحرب على الإرهاب، وحرب احتلال العراق عام 2003 م، بذريعة تدمير أسلحة الدمار الشامل، التي ثبت كذبها وافتراؤها من الإدارة الأمريكية، أما شبهة الحرب على الإرهاب فقد تبين أنها كانت ولا تزال أداة أيديولوجية لمحاربة أعداء اليمين المتطرف في أمريكا فقط، على قاعدة بوش الابن: من ليس مع أمريكا فهو مع الإرهاب.

من الملاحظ أن الحروب التي وقعت في العالم في العقدين الأخيرين كانت في الشرق الأوسط أولاً، وأن أمريكا كانت طرفًا مشاركًا فيها ثانيًا، وأنها كانت حروب كارثية ومدمرة لأمريكا وعدد من دول الشرق الأوسط ثالثًا، وأن من نتائج فشل الحربين الأمريكيتين على أفغانستان والعراق وغيرهما الانهيار الاقتصادي الأمريكي والعالمي عام 2008م، رابعًا، دون أن تتمكن من تجاوز هذه الأزمة الاقتصادية كليًا حتى الآن، وأن روسيا وكل الدول المعادية لأمريكا قد استفادت في تطوير تدخلها في الشؤون الدولية مثل الصين وإيران وتركيا وغيرها خامسًا، فجاء الرئيس الأمريكي ترامب وفي برنامجه الانتخابي تغيير هذه السياسة الأمريكية التي فشل في تغييرها سلفه باراك أوباما مدعيًا فكرة رسائل المصالحة مع العالم الإسلامي عام 2009م، فجاء الرئيس الأمريكي ترامب ليفرض سياسة أمريكية جديد أساسها مبدأ أمريكا أولاً، ووقف المساعدات الأمريكية لدول الشرق الأوسط ثانيًا، والتي قدرها ترامب بسبعة تريليونات دولار دفعت دون تحقيق فائدة لأمريكا بحسب زعمه.

هذا الاضطراب الأمريكي في الشرق الأوسط فتح المجال أمام الدول الأخرى وفي مقدمتها روسيا للحديث والعمل على إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وقد تبين لهم على وجه اليقين أن أمريكا عجزت عن قيادة نظام عالمي أحادي القطب، فارتفعت أصوات في روسيا والصين وألمانيا والهند والبرازيل وتركيا وغيرها لتأسيس نظام عالمي جديد، بل ذهبت تركيا وألمانيا إلى إعادة النظر بميثاق الأمم المتحدة وقانون مجلس الأمن على صفة الخصوص، لكي يدخل مجلس الأمن دولاً ينبغي أن تكون ممثلة لثلثين من سكان الأرض، حيث أن دول مجلس الأمن الحالي لا تمثل أكثر من ثلث سكان البشرية.

روسيا تجني ثمار اضطراب السياسة الأمريكية الخارجية:

استفادت روسيا كثيرًا من ضعف أو تناقض المواقف الأمريكية إزاء أحداث كبرى في العالم، ومنها الأزمة السورية وأحداث الاحتجاجات الشعبية في الوطن العربي فيما أطلق عليه "الربيع العربي"، فكانت المواقف الأمريكية مترددة في التدخل المباشر فيها، بالرغم من تكرار تهديدها بذلك، ولا شك أن نتائج تدخلات أمريكا السابقة في الشرق الأوسط قد أثرت على الكونغرس والرؤساء الأمريكيين اللاحقين، والذين يصرون على عدم إرسال جنود أمريكيين إلى بؤر الصراع خارج أمريكا، واستثمرت روسيا إصلاحاتها الداخلية في الانفتاح على دول العالم أجمع، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط المحاذي للأراضي الروسية في أكثر من جانب، فعدد كبير من دول الشرق الأوسط تمثل بالنسبة لروسيا الاتحادية جزءًا من الأمن القومي الروسي أولاً، وهي أسواق كبيرة وواسعة ثانيًا، وذلك في حالة توجيه دفة السياسة الروسية إلى التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي معها، فلا نجاح لاقتصاد لا يجد استقرارًا أمنيًا ولا تعاونًا سياسيًا، وهذا ما جعل السياسة الخارجية الروسية تدخل قضايا الصراع في الشرق الأوسط بدرجة أكبر، لأن المشاركة في إيجاد حلول لمشاكل الشرق الأوسط سوف يوفر لها حوارًا مع كل دول الشرق الأوسط، فضلاً عن أنه قد يحقق لها أسواقًا اقتصادية تساعد في معالجة المشاكل الاقتصادية داخل روسيا أولاً، أو في محاولة تجاوز العقوبات الأمريكية والأوروبية عليها ثانيًا.

في نظر الرئيس الأمريكي ترامب إن مشاكل الشرق الأوسط لا نهاية لها، وإن أمريكا تعمل للخروج من بؤر الصراع التي ترهق الاقتصاد والجيش الأمريكي، بينما تحاول السياسة الروسية الاستفادة من هذه الصراعات لصناعة موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، ولكن ضمن القدرات الروسية وهي:

1 ـ قدرات روسية ضئيلة في الصناعات المدنية بالنسبة للصناعات الأمريكية والأوروبية والصينية وغيرها، فمجال التنافس الروسي في الصناعات المدنية في دول الشرق الأوسط ضئيل جدًا.

2ـ قدرات روسية عسكرية غير منافسة للسلاح الغربي، ولكن قد تنجح روسيا حيث لا تجد بعض دول الشرق الأوسط سلاحًا غربيًا، وسوق السلاح الروسي قد يجد أسواقًا كبيرة ومهمة وغنية في حالة قدمت روسيا نفسها إلى دول الشرق الأوسط كدولة صديقة ولا تتدخل في شؤونها الداخلية، كما تفعل روسيا اليوم مع تركيا ومع بعض دول الخليج العربي، التي تسعى لامتلاك منظومة الدفاع الجوي الروسية س400، ولكن بهدف تغيير روسيا لسياستها المنحازة للجانب الإيراني المتهور.

3 ـ قدرات اجتماعية أو فلسفية روسية تتناقض مع القيم الاجتماعية لشعوب الشرق الأوسط، بخلاف القيم الغربية التي نشرت بذورها في الشرق الأوسط منذ قرن تقريبًا، وهذا يجعل السياسة الروسية أمام صعوبة كبيرة، بل الأرجح أن تفشل السياسة الروسية من تحقيق اختراق اجتماعي وثقافي في الشرق الأوسط، بسبب الصورة النمطية عن روسيا وهي وريث التاريخ القمعي للاتحاد السوفيتي الستاليني نحو الحقوق الإنسانية والديمقراطية للشعوب.

ومع ذلك أخذت روسيا تستغل كل الأخطاء الأمريكية في الشرق الأوسط، فتعرض نفسها دولة صديقة لإيران وتركيا وبعض الدول العربية والخليجية ومصر وفي إفريقيا، ولكن هذه الدول وهي تسعى لتحسين علاقاتها مع روسيا فإنها تضع يدها على قلبها، فلا ثقة دائمة بالحليف الروسي، والعلاقات معها قابلة للانقلاب السريع، فمن الصعوبة بناء علاقات قائمة على الثقة بين دول وشعوب الشرق الأوسط مع روسيا، سواء لتاريخها الحديث أو المعاصر ، وبالأخص إنها مارست سياسة قمعية إجرامية في سوريا، في تدمير مقومات حياة الأغلبية الشعبية السورية وهم من أهل السنة العرب، لصالح قراءة روسية ضيقة لمصالحها المؤقتة مع إيران وعائلة الأسد السورية، فروسيا ربطت نفسها اجتماعيًا وعسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا مع الحرب الطائفية التي خاضتها إيران ضد إرادة أغلبية الشعب السوري، وهذا سيجعل من مستقبل روسيا في الشرق الأوسط أمام عقدة تقبلها نفسيًا، فسلوكها الإجرامي في سوريا منذ عام 2015 م، وقتلها لأبرياء الشعب السوري من القسوة التي يصعب نسيانها، وهذا موقف مستنكر وغير سياسي من دولة تسعى للانتشار في الشرق الأوسط، فكيف تراهن روسيا على أقليات مستبدة تنتهك حقوق الأكثرية، وكيف تشارك في قصف جوي مدمر لأبرياء الشعب السوري وبيوتهم ومنازلهم وأسواقهم ومدارسهم ومستشفياتهم ومساجدهم ومخابزهم وغيرها.

وفي المقابل تجد بعض أنظمة دول الشرق الأوسط في التحرك الروسي نحو الشرق الأوسط تحركًا إيجابيًا، وبالأخص في القدر الذي تستطيع فيه هذه الدول من التحرر من القيود أو الموانع الأمريكية على تعاملاتها مع روسيا، أو في حالة رفض أمريكا لها أو فرض عقوبات أمريكية عليها، فهذا السلوك الأمريكي المضطرب فرض على بعض الدول محاولة مخاطبة روسيا وإيجاد قنوات اتصال معها، للخروج من بعض أزماتها في المنطقة، فبعض دول الخليج كانت لا تعترف بدولة الاتحاد السوفيتي أيام الحرب الباردة ولا تقيم معها علاقات دبلوماسية، وكان الرفض من جانب دول الخليج العربي أكثر منه رفضًا من الاتحاد السوفيتي، لأن التاريخ السوفيتي الملحد القمعي والدعاية الإعلامية الغربية ضد الاتحاد السوفيتي هي المسموعة، واليوم تبحث هذه الدول عن علاقات جيدة مع روسيا دون أن يلحق بها أي ضرر، وبهدف التخفيف من أضرار الأزمة السورية عليها، فعدم التدخل الأمريكي الحازم في سوريا جعلها تحاول إيجاد قنوات اتصال مع روسيا لإيجاد نوع من التوازن في علاقات روسيا الغارقة في حبائل الطائفية الإيرانية في سوريا والمنطقة، فدون الحاجة إلى روسيا لن تجد معظم دول الشرق الأوسط وبالأخص معظم الدول العربية حاجة لتوثيق علاقاتها معها، وبقاء ارتباطها بها ستكون رهن قضاء الحاجة معها.

 

العلاقات التركية الروسية والضغوط الغربية على تركيا:

إن العلاقات التركية الروسية أحد الأمثلة المهمة في علاقات روسيا مع دول الشرق الأوسط، فتركيا كانت السد الغربي الذي يقف على جبهة الصدام الغربي ضد الاتحاد السوفيتي لأربعة عقود، وتغير النظام الدولي فتح أمام تركيا فرصة كبيرة لتحسين علاقاتها السياسية مع روسيا تجاوزت الآن 30 مليار دولار من التبادل التجاري بينهما، والمأمول أن تصل لمائة (100) مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة، فضلا عن توقيع اتفاقيات تزويد تركيا بأحدث الأسلحة الروسية مثل منظومة صواريخ س400 التي ستصل تركيا في مطلع هذا العام (2019م)، وتنفيذ مشروع إنتاج الطاقة النووية في تركيا بتمويل وبناء مشترك مع روسيا، إضافة إلى الوصول للمرحلة الأخيرة من تنفيذ مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى تركيا وإلى أوروبا عبر تركيا.

ولكن تركيا لا تنسى أنها مرت بتجربة قاسية وخاسرة جدًا في لحظة ارتكاب طيار تركي خطأً مقصودًا أو غير مقصود بإسقاط طائرة روسية 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2015م، أدى إلى توتر العلاقات بينهما وبالأخص من الجانب الروسي والرئيس الروسي بوتين شخصيًا، ولولا حاجة روسيا لتركيا في تحسين أوضاع روسيا الاقتصادية أولاً، وحاجتها لإخراج روسيا من أزمتها في سوريا ثانيًا، لما تصالحا سريعًا فروسيا لم تأت إلى سوريا للإقامة الدائمة ولا الطويلة، وعدم التوصل لحل للأزمة السورية سيكون ثقيلاً على التواجد العسكري الروسي في سوريا، وروسيا بكل قدراتها العسكرية لم تستطع كسر المعارضة السورية، لأنها الممثل الأكبر للشعب السوري، وروسيا لم تستطع إنهاء الصراع في سوريا بحسب رغباتها ولا رغبات إيران ولا توابعها الميليشياوية التي دمرت سوريا وعجزت عن إخراجها من هذا الدمار، فروسيا أخطأت في تدخلها العسكري في سوريا ولا تستطيع الاستغناء عن الدور التركي لمساعدتها فيها.

وبعد أن وجدت تركيا إغراءات تحسين علاقاتها مع روسيا، أسست لتعاون وثيق معها اقتصاديا وزراعيًا وصناعيًا، وفي مجال الطاقة وعسكريًا أيضًا، وعندئذ جاءت العروض الأمريكية لإعادة العلاقات الأمريكية ــ التركية إلى سابق عهدها، فرفعت أمريكا العقوبات الاقتصادية عن تركيا، وعرضت عليها تزويدها بصواريخ باتريوت وهي أحدث منظومة دفاع جوي أمريكي، وقد كانت موجودة على الأرض التركية التابعة لحلف الناتو قبل ثلاث سنوات، ولكن الناتو سحبها بضغوط أمريكية بعد الأزمة التركية الروسية نوفمبر 2015م، ولكن سعي تركيا لامتلاك منظومة الدفاع الجوي الروسية س400 قد أزعج أمريكا والناتو كثيرًا، ولكنهم لم يستطيعوا منعها من شراء الصواريخ الروسية طالما هم منعوا عنها صواريخ باتريوت الأمريكية.

كما أن أمريكا التي عارضت الاستراتيجية التركية بشأن شمال سوريا كثيرًا، ودعمت الأحزاب الكردية الانفصالية بالمال والسلاح والرجال والتدريب ومكنتها من السيطرة على معظم أراضي شمال سوريا، وبالأخص منبج التي رفضت تركيا دخول الأحزاب الكردية الانفصالية إليها، وما تم لها ذلك إلا بتعهدات أمريكية لتركيا أن يتم سحبها بعد تحريرها من تنظيم داعش، دون أن تحترم تعهداتها بذلك، مما اضطر القوات التركية دخول الأراضي السورية في عمليتين عسكريتين، دعمت فيهما قوات المعارضة السورية والجيش السوري الحر لتحرير أراضيها ومدنها من الفصائل الانفصالية، الأولى في عملية درع الفرات 2016م، والثانية عملية غصن الزيتون 2017م، حتى وصلت القوات السورية الحرة على مشارف منبج، وأعلنت الحكومة التركية عزمها على دعمها لدخول منبج وشرق الفرات، فإذا بالإدارة الأمريكية تعلن عن سحبها لجيشها من سوريا بتاريخ 9 ديسمبر الماضي، بل وإعلان أمريكا عن تفاهماتها مع الجيش التركي لتولي محاربة الإرهاب في المناطق التي تنسحب منها أمريكا.

هذه الخطوات الأمريكية في تلبية المطالب التركية لا يمكن عزلها عن رغبة أمريكا لإبعاد تركيا عن روسيا وإيران معًا، وهذا ما دفع الحكومة التركية لتأخير تحركها العسكري الثالث في منبج وشرق الفرات، وبينما تقول روسيا أنها متفاهمة مع تركيا في محاربة الإرهاب في منبج وشرق الفرات، وأن قواتهما العسكرية ستنسق في عملهما المشترك، على لسان وزير خارجيتها لافروف يوم 29 ديسمبر الماضي، فإنها أي الحكومة الروسية تطالب أن يحل الجيش السوري مكان الجيش الأمريكي على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية زاخاروفا، وهو ما لم توافق عليه قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا حتى الآن، أي أن أمريكا لم تنجح في دب الخلاف بين تركيا وروسيا في سوريا حتى الآن، فأمريكا تضع مصالحها مع تركيا على رأس أولوياتها في المنطقة، وإن كانت في حالة اختلاف مع الرئاسة والحكومة التركية المعاصرة في عدد كبير من القضايا.

من الملاحظ على الاتصالات التركية ـ الروسية أنها تتم على أربعة أسس وليست واحدة فقط، فتركيا تجري الكثير من اللقاءات الرئاسية ومؤتمرات القمة بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكنها تواصل بحث القضايا والتفاصيل الجزئية على مستوى وزير الخارجية جاويش أغلو ووزير الدفاع خلوصي آكار ومدير المخابرات التركية هاكان فيدان، وهذه المباحثات بين هذه الدوائر الأمنية مهم جدًا في التعامل مع الأجهزة الأمنية الروسية التي تستخدم في تنفيذ مهماتها الأمنية الخطيرة، فبعض مؤسساتها الأمنية هي أشبه بمنظمات المافيا الدولية، أو شركات الأمن المرخصة، أو الجيش الروسي السري، أو جيش فاغنر، وغيرها، والتي تعمل في مهمات خاصة أيضًا، وهذا النوع من المقاتلين الروس تستخدمهم روسيا في سوريا وليبيا والسودان وجنوب إفريقيا وغيرها، ومهمتها فرض سياسات معينة في تلك الدول، أو تأييد أطراف معينة خارج الاتفاقيات أو المواقف الرسمية الروسية، وهذه ذهنية روسية ممتدة من أيام المخابرات السوفيتية، التي كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحد ضباطها، ولكن استمرارها يجعل العقلية البوليسية جزءًا من التعامل الروسي مع الآخرين.

والتدخل الروسي في سوريا الذي تميز عند البعض بأنه غير مسار الثورة السورية لا يخرج عن هذه النظرة الأمنية والبوليسية للحكومة الروسية، فروسيا لا تتمسك ببشار الأسد ولا عائلته حتى الآن إلا لأنها تمثل الحكومة السورية الرسمية بنظر الأمم المتحدة، والمسار التركي الروسي الحالي إما أن يؤدي إلى حل سياسي تكون سوريا ما بعد الحرب غير سوريا ما قبلها، وإما أن تتورط روسيا وإيران في حرب استنزاف لا نهاية لها، والحل السياسي الذي من المرجح سلوكه هو عمل تركيا وروسيا لتشكيل لجنة صياغة الدستور السوري الجديد، وتأسيس دولة مدنية، بحيث لا يكون فيها مكانة لمركزية السلطة بيد رئيس الجمهورية، حتى لو لم يكن بشار الأسد، وتكون الإدارة اللامركزية منظمة لإدارة المحافظات السورية ومجالسها المحلية المنتخبة، فإذا كانت روسيا تعمل لغير ذلك وهذا أمر غير غريب على السياسة الروسية فإنها ستفقد أكثر مما تكسب في سوريا والشرق الأوسط أيضًا.

وإذا وجد لروسيا علاقات وطيدة وثابتة مع دولة ما من دول الشرق الأوسط فهي الدولة الإسرائيلية فقط، فروسيا في أيام الاتحاد السوفيتي تعتبر من الدول المؤسسة للدولة الإسرائيلية، فأمدتها بالهجرة الروسية المتعلمة والمتدربة عسكريًا، والاعتراف الدبلوماسي في الأمم المتحدة كأول دولة في العالم منذ إعلانها، وعلاقات روسيا مع الدول العربية ـ التي حاربت إسرائيل من قبل ـ كان دورها أن لا تحقق الأسلحة الروسية أي انتصار على إسرائيل، ولم يكن طرد السادات للمستشارين العسكريين الروس قبل حرب أكتوبر 1973م، إلا بعد تيقنه أنهم جواسيس لإسرائيل، وهذا أفقد الثقة لدى الدول العربية الباقية بالسلاح الروسي، والبعض نظر إلى صفقات الأسلحة الجديدة مع روسيا كنوع من شراء المواقف السياسية، أو التخفيف من أضرار السياسة الروسية ومخاطرها على دولهم.

ولذا ليس من المتوقع أن تلعب روسيا دورًا منافسًا ولا متكاملاً مع الولايات المتحدة، بقدر أن تكون روسيا أداة أمريكية لتحقيق أهداف أمريكية، كما حصل في سوريا، فقد قامت أمريكا بتدمير المعارضة السورية الخارجة عن طوعها بأيدي روسية، وبدليل أن أمريكا لا تكترث من تواجد روسيا في سوريا ولا بأسلحتها، لأنه يمكن طردها إذا لزم الأمر ، وليس لروسيا طموحات استقرار دائم في سوريا، ولأنها تعرف دورها وحدودها، ومن أكبر طموحاتها نشوة النفوذ خارج حدودها ولو لم يكن حقيقيًا، وبيع منتوجاتها، وعدم وجود حرب إعلامية ضدها، ولذلك يبني الروس مؤسسات إعلامية كبيرة وواسعة لنقل صورة إيجابية عنهم، ولو كانت كاذبة، ومن غير المرجح أن تفكر السياسة التركية الخارجية أن تجعل روسيا بديلاً عن التحالف مع أمريكا، فعلاقات تركيا مع روسيا من لوازم الضرورة مع الكراهية.

خاتمة:

لم تصل منطقة الشرق الأوسط إلى عهد ما بعد الوصاية الغربية على أنظمتها السياسية، ولذلك ستجد روسيا متاعب كبيرة في تثبيت موطئ قدم حقيقي لها في معظم دول الشرق الأوسط، فكل علاقاتها مع دول الشرق الأوسط قابلة للانقلاب في لحظات عدم الحاجة إلى العلاقات الجيدة معها، بما فيها تواجد قواتها العسكرية في سوريا، كما أن دول المنطقة وشعوبها لا تتوقع منروسيا مناصرة يقينية وتامة لقضاياها العادلة، فروسيا تنظر لقضايا الشرق الأوسط بميزان مصالحها الاقتصادية الخاصة فقط، فهي لا تملك ثقة لمد نفوذها في الشرق الأوسط لمجرد مناصرتها للقضايا العادلة لشعوب الشرق الأوسط، وإنما في حالة ضعف بعض الدول في الدفاع عن أمنها، والحاجة لبقاء نظام السياسي في السلطة كما حصل في سوريا فقط، فإيران منعت إقامة قواعد عسكرية روسية على أراضيها، وهي التي استدعت روسيا لإقامة قواعد عسكرية لها في سوريا، لأنها لا تأمن الجانب الروسي على وطنها، وكذلك الحال مع العراق أو غيرها من الدول.

ومن المرجح أن روسيا غير واثقة من قدرتها على التغلب على الحضور أو الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولذلك فهي تتحرك مثل الماء فتتخلل حيث تجد مجالاً، وإلا فإنها أمام صدود وسدود كبيرة، وبالأخص بعد نهاية ولاية الرئيس الأمريكي ترامب أو عزله خلال هذا العام 2019م، وعندها فإنه من المرجح أن تأتي قيادة أمريكية غير لينة في تعاملها مع روسيا في الشرق الأوسط وخارجه، والفراغ الذي تحركت فيه روسيا يمكن إغلاقه بما فيه علاقاتها مع العدو الأول المعلن بالنسبة لأمريكا وهي إيران، فروسيا من عادتها بيع حلفائها خوفًا أو طمعًا، كما حصل مع مصر والعراق وليبيا من قبل، فيمكن لروسيا أن تبيع إيران وبشار الأسد ولكن بشرط توفر الثمن المقابل الذي ترضى به.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

مجلة آراء حول الخليج