array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 135

نجاح الوحدة الأوروبية: الواقعية وعدالة توزيع التكاليف والمؤسساتية

الإثنين، 04 آذار/مارس 2019

من الطبيعي أن تتطلع مختلف دول العالم الساعية إلى الاندماج الإقليمي والوحدة إلى التجربة الأوروبية، وهي تنظر فيما قد يعود عليها الاندماج وكيف يمكن إدارته. فالتجربة الأوروبية تجربة فريدة في الوحدة، وتعد أعمق ما حدث من عمليات الاتحاد بين الدول، بخلاف ما تم في غضون بناء الدول القومية. ومن المهم أن نفهم أن مسار الوحدة الأوروبية وتطورها استند إلى عدد من العوامل التاريخية والاقتصادية. فمثلا، حاول نابليون دمج أوروبا بقوة السلاح في القرن التاسع عشر، وهو ما حقق تقارب ما بين مختلف الدول الأوروبية برغم تكاليفه الباهظة، كما أن الكيفية التي تجمعت واتحدت بها الولايات الألمانية والإيطالية خلال نفس القرن، كانت ملهمة لما يمكن أن تتعلمه أوروبا مستقبلا بشأن الوحدة. بيد أن الأحداث التاريخية الأقرب قامت بالدور الأساسي في تشكيل الوحدة الأوروبية ولاسيما الحرب العالمية الثانية. إذ كانت الرغبة في منع اندلاع الحروب غاية غالبة للكثيرين ممن أيدوا الوحدة الأوروبية في خمسينيات القرن الماضي، استنادًا إلى إدراكهم القوي للارتباط الإيجابي بين الوحدة والسلام.

في واقع الأمر اتخذت الترتيبات الإقليمية الأوروبية مسارات متباينة وفقًا لطبيعة النظام السائد ووفقًا للتصور بشأن طبيعة العلاقات التي يجري تنظيمها بين مختلف دولها. فاختيار دول أوروبا الشرقية النظام الاشتراكي عقب الحرب العالمية الثانية أدى إلى اختلاف نظامها الإقليمي عن النظام التي قامت دول أوروبا الغربية ببنائه. وبسبب الظروف التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية انقسمت أوروبا إلى معسكرين. الغربي، وتوج بتجربتين إقليميتين هما الجماعة الاقتصادية الأوروبية والتي تحولت حاليًا إلى الاتحاد الأوروبي ورابطة التجارة الحرة الأوروبية المعروفة بالإفتا. في حين فضلت مجموعة دول أوروبا الشرقية التي اتبعت النظام الاشتراكي إقامة نظامها الإقليمي على شكل تعاون اقتصادي و تقني من خلال مجلس المعونة المتبادلة )الكوميكون( عام 1949م، إلا أن هذا الشكل من الترتيبات حل بعد انتهاء أجواء الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن الماضي و تحول دول أوروبا الشرقية نحو اقتصاد السوق وسعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، و هو ما تم فعلا لمعظم هذه الدول.

إن مسار الوحدة الأوروبية وتطورها، بما فيها عمليات التوسع الدورية التي عرفها الاتحاد الأوروبي منذ نشأته، وتوالي الأزمات الاقتصادية في بعض دوله الأعضاء، ناهيك عن تصاعد الحركات الشعبوية و تقلدها الحكم في عدة دول مؤخرًا، وتعزز رغبة الانفصال مثلما حدث مع بريطانيا بعد قبول ناخبيها الخروج من الاتحاد الأوروبي سنة 2016م، فيما يعرف بالبريكست، و الغموض الذي يلف مستقبل هذا الانسحاب بعد رفض البرلمان البريطاني التصديق على اتفاق الانسحاب مطلع هذا العام، قبل الموعد المحدد المقرر في 29 مارس من العام الحالي والخيارات المطروحة للانسحاب بدون اتفاق. إن هذه الأحداث تلقي الضوء مجددًا على مستقبل الاتحاد الأوروبي كتجربة ملهمة، وبالخصوص مؤسساته الاتحادية، ومدى قدرتها على الاستمرار والحفاظ على شعلة الوحدة الأوروبية متقدة.

الأبعاد الرئيسية للوحدة الأوروبية

إن المبدأ الأساسي الذي اهتدي به عند تكوين أوروبا الحديثة هو استخدام عملية اقتصادية لإنجاز هدف سياسي أساسي ((أوثق اتحاد على الدوام بين شعوب أوروبا))، مثلما جاء في ديباجة معاهدة روما التأسيسية.

وفي هذا الإطار، تعد إدارة المفاضلة بين التكاليف الاقتصادية الصرفة والفوائد السياسية التي قد تعود على أوروبا والدول الأعضاء من أبرز سمات نجاح الوحدة الأوروبية. وقد قام البحث عن توازن بين الأهداف الاقتصادية والسياسية بدور رئيسي في تاريخ الجماعة الأوروبية، بمعنى أن القرارات التي كانت تعتبر مكلفة من الناحية الاقتصادية كانت ممكنة بسبب المكاسب السياسية المتصلة بها.

من الناحية الاقتصادية، بعد سنوات من عدم التكامل الذي ميز الاقتصاديات الأوروبية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين نتيجة زيادة العوائق التجارية الداخلية والذي أدى إلى انخفاض التبادل التجاري داخل أوروبا بنسبة 10 %، على الرغم من زيادة الإنتاج خلال تلك الفترة بنسبة 34 %، لذا نظرت الدول الأوروبية إلى إقامة اتحاد فيما بينها كحل ممكن لعدم تكامل اقتصاداتها بعدها.

وفي هذا الإطار، كانت السياسة التجارية الدعامة الأولى في تحقيق الوحدة الأوروبية من خلال تحرير التجارة الداخلية وإنشاء اتحاد جمركي، وساهمت في تماسك الجماعة الأوروبية إلى حد كبير. وقد استهلت أولى جهود تحرير التجارة في إطار الجماعة الأوروبية، بإلغاء رسوم التصدير والاستيراد على منتجات قطاع الفحم والصلب منذ التوقيع على معاهدة باريس سنة 1951م، إلا أن هذا لم يصاحبه أي جهد موازي لتحرير تجارة بقية منتجات القطاعات الأخرى. وظلت التعريفات متباينة بين الدول الأعضاء إلى غاية الشروع في إنفاذ حزمة تخفيضات جمركية مرحلية تستهدف تحرير التجارة البينية بالتوازي مع إنشاء اتحاد جمركي ينطوي على توحيد التعريفة الجمركية الخارجية للتجارة مع بقية دول العالم خلال فترة عشر سنوات تمتد بين 1958-1969م.

وانطوى استكمال السوق الأوروبية المشتركة في المقام الأول على تأكيد حريات الانتقال الأربع داخل دول الاتحاد الأوروبي المحددة في معاهدة روما: انتقال السلع، الخدمات، ورأس المال والأفراد. و كان في كل مرة يتم التقدم نحو الأمام في إطار استكمال هذه السوق من خلال جداول أعمال للإصلاح للتغلب على الحواجز المتبقية بين الدول الأعضاء (كالقيود المفروضة على النفاذ إلى الأسواق، و المعايير الفنية المختلفة و ضوابط تحويل رؤوس الأموال و سوق الصرف و قواعد المنافسة ..الخ) .

وتجدر الإشارة إلى ضرورة عدم إغفال دور السياسات القطاعية (خاصة في قطاعي الحديد والصلب والقطاع الزراعي) في تصميم جهود الاندماج الأوروبية واستهلالها. وقد تم تصميم سياسة مشتركة في كلا المجالين والتي يدور تركيزها على إدارة الإنتاج والتجارة. كما وضعت الجماعة الأوروبية سياسة مشتركة في قطاع النقل، حيث خصت معاهدة روما سنة 1957م، فصلاً خاصًا لقطاع النقل يتضمن النقل البري وبالسكك الحديدية والقنوات المائية الداخلية وامتدادها للنقل البحري والجوي. واستهدفت السياسة إيجاد نقل يتصف بالتكامل والكفاءة.

من الناحية السياسية، كان للفكرة السياسية الخاصة بإقامة سلام دائم بين فرنسا وألمانيا جاذبية وحافز لدى الأوروبيين الساعيين للاندماج وإلى خلق نوع ما من أوروبا الاتحادية التي تحقق التعايش السلمي بين أعضائها، على الرغم من أن فكرة قيام حرب فرنسية – ألمانية أصبحت بعيدة التصور، مما ساهم لاحقًا في دفع الجماعة الأوروبية ببذل جهود لتعميق الاندماج بين أعضائها وتوسيع عضويتها.

أصول مؤسسات الوحدة الأوروبية

إن أصول المؤسسات الأوروبية التالية للحرب العالمية الثانية قديمة نوعا ما، إلا أنها أعطيت دفعة قوية بروح النزعة الدولية التي سادت تفكير الحلفاء بشأن عالم ما بعد الحرب. وقد أفضت هذه النزعة إلى نشأة مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وقد كانت الخطوة الرئيسية الأولى صوب الوحدة الأوروبية هي تكوين الجماعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1951 (معاهدة باريس)، وكان أعضاؤها ستة، بلجيكا، هولندا، لوكسمبورغ، فرنسا إيطاليا وألمانيا الغربية. كان الغرض من قيام هذه الجماعة هو حفز انتعاش الصناعات الثقيلة في ألمانيا الغربية، مع جعل استخدام نواتجها في شن حرب مرة أخرى أمرًا مستحيلاً. وتم إنشاء سلطة عليا، كهيأة إدارية، لها صلاحية فرض حصص على الناتج الوطني، وتحديد الأسعار الدنيا والقصوى. يسيطر على سياساتها مجلس الجماعة الذي تمثل فيه فرادى حكومات الدول الأعضاء، تبعها إنشاء البرلمان الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية للإشراف على الشؤون القانونية للجماعة.

وقد بذلت منذ البداية محاولات لإنشاء منظمات أوروبية فوق قومية أخرى، وتم التفاوض بين مجموعة الدول الست حول جماعة للدفاع وجماعة سياسية، تمخضت في الأخير على إنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية ومجموعة الطاقة الذرية ((يوراتوم Euratom))، فيما يعرف بمعاهدة روما لسنة 1957م، وفي البداية كانت الجماعة الاقتصادية الأوروبية ومجموعة الطاقة الذرية تقومان بشكل منفصل عن الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، لكن الهيآت الثلاث اندمجت في عام 1967م، وتم إنشاء مفوضية واحدة، المفوضية الأوروبية، ومجلس واحد، المجلس الأوروبي، وبرلمان واحد، البرلمان الأوروبي ومحكمة واحدة، هي محكمة العدل الأوروبية، وهو ما شكل اللبنة الأولى للجماعة الأوروبية التي تطورت فيما بعد إلى الاتحاد الأوروبي.

وتعكس المؤسسات الراهنة للاتحاد الأوروبي بوضوح تلك المؤسسات التي تم إنشاؤها منذ أكثر من 50 سنة. فالمفوضية الأوروبية تعتبر بجلاء هيأة فوق قومية مسؤولة على المحافظة على الاتحاد الأوروبي والنهوض به، ولها سلطة اقتراح التوجيهات واللوائح، والتي تصبح، إذا ما وافق عليها المجلس، والبرلمان، قانونًا للجماعة الأوروبية. وحيث أن لهذه القوانين نفاذًا مباشرًا، فإنها تعوض التشريعات الوطنية في المجال المعني. كما أن المفوضية تمثل الاتحاد كهيأة مفاوضات في المحافل الدولية، كمنظمة التجارة العالمية ومجموعة الدول السبع ومجموعة دول العشرين. وتتكون المفوضية الأوروبية حاليًا من ممثلي الدول الأعضاء الذين يتم تعيينهم لمدة أربع سنوات، وتقوم المفوضية باقتراح مشروعات سياسات الاتحاد وتنفذها، لكنها لا تستطيع رسم هذه السياسات فعليًا، وهو ما يدخل في اختصاص المجلس الأوروبي.

ويتكون المجلس الأوروبي رسميًا من وزراء خارجية جميع الدول الأعضاء، ويعقد قمتين سنويتين على مستوى رؤساء الدول والحكومات برئاسة أحد الدول الأعضاء، على الرغم أن معظم العمل يقوم به الوزراء المختصون بقضايا محددة (مثلاً، يناقش وزراء الزراعة السياسة الزراعية المشتركة، ووزراء المالية يناقشون الميزانية). ويتقاسم المجلس السلطات التنفيذية مع المفوضية الأوروبية، ويجوز له أن يعتمد مقترحات السياسات التي تقدمها المفوضية، وفي هذه الحالة تصبح المقترحات قوانين.

تتخذ القرارات في المجلس من الناحية النظرية بأغلبية الأصوات، بيد أن لكل بلد حق النقض في القضايا المهمة المتعلقة بالمصالح الوطنية، ونتيجة لذلك كان يتم التوصل إلى معظم القرارات عن طريق تبادل الحلول الوسط من أجل التوصل إلى الإجماع.

وتقوم محكمة العدل الأوروبية بتفسير قوانين الاتحاد، ونتائجها ملزمة حتى للحكومات الأعضاء. وتقوم الدول الأعضاء بتعيين القضاة، غير أنهم مطالبون بأن يكونوا مستقلين عن المصالح الوطنية، ولا يمكن لحكومات الدول الأعضاء أن تعزلهم.

وللبرلمان الأوروبي دور متنام في الاتحاد الأوروبي، فلابد للمفوضية الأوروبية والمجلس أن يستشيراه قبل البت في الكثير من القضايا، وله بعض السلطة على الميزانية. وتتمثل سلطته الكبرى في قدرته على إقالة المفوضية بأكملها، على الرغم من أن اللجوء إلى هذا السلاح صعب لدرجة أنه لا يستخدم من الناحية العملية.

مؤسسات الاتحاد الأوروبي: القدرة على إدارة آثار الوحدة

يمر الاتحاد الأوروبي باستمرار بفترات من النشاط والفتور، مع فترات من الحماس والتقدم السريع تليها فترات من الشكوك والتخندق، بل والارتداد في بعض الأحيان، وهو ما قد يظهر جليًا خلال هذه الفترة، بعد أكبر عملية توسعة عرفها الاتحاد سنتي 2004 و2007م، وعقب الأزمة المالية العالمية لسنة 2008م، وتداعياتها على بعض الدول الأعضاء، التي تراكمت مشاكلها الاقتصادية لتتحول إلى أزمة جديدة خاصة بمنطقة اليورو، أحيطت شكوك كبيرة حول قدرة الاتحاد الأوروبي على الاستمرار كمؤسسة، ناهيك عن تحقيق أي تقدم آخر.

يفهم بجلاء أن فترات التوسع والتقدم في الاتحاد الأوروبي ارتبطت بأوقات الازدهار الاقتصادي، في حين أن نوبات التراجع والفتور ذات صلة وثيقة بفترات الكساد والركود الاقتصادي.

أحد أهم السمات التي يبرز فيها دور مؤسسات الاتحاد الأوروبي خلال مراحل الازدهار، إدارة عمليات التوسعة المختلفة. أين تمكنت من استخدام فترات انتقالية طويلة في بعض المجالات الحساسة (كتنقل الأفراد) لتسهيل عملية انتقال الدول المرشحة إلى العضوية الكاملة، وقد كان الهدف من وراء هذه الفترات في الأساس محاولة لتخفيف ضغوط التصحيح والمواءمة التشريعية في الدول الأعضاء، حتى يبدو أن الالتزام بالانضمام لا رجعة فيه تقريبًا. رغم حالات التذمر الدورية فيما بين الناخبين في الدول الأعضاء، فإن استمرار توسعة العضوية كان الموقف الثابت للمؤسسات الأوروبية.

ويبدو التقدم المحقق في هذا المسعى جليًا، من خلال ارتفاع العضوية تبعا من 6 دول أعضاء إلى 28 دولة (بعد الخروج البريطاني سيضم الاتحاد الأوروبي 27 دولة). ويبدو أن الشغف بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لم يكن موقف مؤسسات الاتحاد فقط، بل من طرف الدول الأعضاء في حد ذاته، ويمكن إبراز ذلك من خلال التجربة البريطانية في الانضمام، وهي تبدو مفارقة تاريخية عند مقارنتها بالوضع الحالي الذي أفضى إلى خروجها.

في بداية تأسيس الجماعة الأوروبية لم تفعل بريطانيا شيئًا لعرقلة التكتل بين الدول الست، غير أنها لم تكن راغبة، على ما يبدو، في الانضمام إلى أي كيان له طابع فوق قومي أو اتحادي، لذا لا يبدو مستغربا مقاومتها للهياكل الإدارية والسياسية للجماعة الأوروبية. فلبريطانيا تقليديًا مشاعر تختلف عن الدول الأوروبية الأخرى، ولديها روابط أقوى مع أمريكا وبقية العالم. وبرغم من تشكيلها اتحادًا أقل إحكامًا مع بعض الدول الأوروبية الأخرى خارج مجموعة الستة، هو الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، إلا سرعان ما غيرت تفكيرها والتمست عضوية كاملة في الجماعة الاقتصادية الأوروبية واستغرقت المفاوضات أكثر من عقد من الزمن (1960-1971م)، فتم التوصل إلى اتفاق سنة 1971م، بشأن الانضمام رسميا سنة 1972م، و هي أطول فترة مفاوضات مع الدول المرشحة للانضمام و هو ما قد يعكس جليًا وضعا خاصًا و ينطوي على دروس كبيرة في التحديات التي تواجهها مؤسسات الاتحاد في إدارة عمليات الانضمام والانسحاب منه، و بانضمام بريطانيا لحقت بها عدة دول من الرابطة مثل إيرلندا و الدانمرك.

وتبرز قضية مؤسسية هامة خلال عمليات التوسعة المختلفة التي قام بها الاتحاد الأوروبي، وهي مبدأ الإذعان الجماعي لاتفاقيات الاتحاد، بأنه على الدول الأعضاء الجدد أن يقبلوا بجميع ممارسات الاتحاد على ما هي عليه وقت انضمامهم، وهو ما يبدو أنه لم يكن مواتيًا جدًا لبعض الأعضاء الجدد. وحركت مختلف عمليات التوسع دوافع سياسية واقتصادية، فبالنسبة للدول الكبار كانت تعتبر سياسية إلى حد كبير، وبالنسبة لأصغر البلدان حجمًا ربما كانت اقتصادية في الغالب مثلما حدث مع اليونان وإسبانيا والنمسا. ويصور التوسع نحو وسط أوروبا وشرقها مؤخرًا نفس الظاهرة وإن كانت تمزج بين الدوافع السياسية والاقتصادية للجانبين في نفس الوقت.

السمة المؤسسية الأخرى، التي تميز الاتحاد الأوروبي، هي قدرته على وضع آلية مقبولة لتقاسم التكاليف وتوزيع المكاسب بين الدول الأعضاء، وهي مسألة هامة للتخفيف من انضمام الدول الصغيرة والهشة اقتصاديًا. فاستعداد الأعضاء الحاليين والأغنى للقيام بتحويلات إلى الأعضاء المنضمين حديثًا، جعل مسار انضمامهم سلسًا ومغريًا. وفي هذا الإطار تقوم المفوضية الأوروبية بدور رئيسي في إدارة شتى الآليات التي تعيد توزيع الدخل والموارد فيما بين الدول، وعادة ما يتم ذلك خلال مفاوضات الانضمام، وهو من صميم دور المفوضية. ويمكن أن تتخذ هذه الآليات شكل استثناءات معينة من الالتزامات، أو فترات انتقالية أطول للتكيف والمواءمة أو تحويلات مباشرة من الميزانية.

من السمات المؤسسية الأخرى للجماعة الأوروبية والجديرة بالملاحظة، قدرة المؤسسات الأوروبية المواءمة بين السياسات الوطنية والإجراءات التنظيمية المختلفة بين الدول الأعضاء. حيث كان للتغلب على الميل إلى وضع سياسات ولوائح على نحو مركزي أهمية بالغة، فالاعتراف المتبادل باللوائح التنظيمية المختلفة بين الدول الأعضاء كان أكثر نجاعة ويعتبر أقل تهديدًا للسلطات الوطنية من وضع لوائح مركزية مفروضة من قبل مؤسسات الاتحاد.

وخلال فترات الركود، يبرز دور مؤسسات الاتحاد الأوروبي ومدى قدرتها على الصمود كحارس ونصير للمثال الأوروبي. ففي حين قد تركز الحكومات الوطنية على مشاكلها الداخلية، فإن هيآت الاتحاد كالمفوضية والمجلس الأوروبي مطالبان بالتحرك والعمل بصورة أكثر اتساقًا بالطابع الأوروبي. ويمكن الاستفادة من دروس الماضي لاختبار مدى قدرة هذه المؤسسات في وجه العواصف التي تهدد الوحدة وهي دروس مهمة للوقت الحالي. فمثلاً، خلال فترة تراجع الاقتصاد الأوروبي خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، استجابت المفوضية الأوروبية بصورة سريعة ولافتة للنظر وواسعة الخيال. كانت هناك إشارات بأن الاندماج يتراجع، فقامت المفوضية، متذكرة الزخم الذي استحثته معاهدة روما التأسيسية، باتخاذ خطوة جريئة صوب مزيد من التكامل. ووفر المرسوم الأوروبي الموحد الجديد إطارًا سياسيًا، وهو ما تحول لاحقًا إلى الدستور الأوروبي، في حين تم إعادة تنشيط البرنامج الاقتصادي والتشريعي في كتاب أبيض. وانطوت عملية الاستكمال بوضوح في نقل المزيد من السيادة من الحكومات الوطنية إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

خاتمة

حسبما يتبين من التحليل المختصر لدور مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على الوحدة الأوروبية،يمكن القول إن الاندماج الأوروبي استمر وظل صامدًا لأن الداعين له والقائمين عليه كانوا واقعيين بشأن ما يمكن إنجازه. كما أن لتصميم مؤسسات الاتحاد والفصل بين السلطات، وتجنب التضارب بين المصالح الوطنية والنزعة الأوروبية شكل كلمة السر في هذا الصمود. ورغم أن النتائج لم تكون دومًا مرضية، فإن الاتحاد الأوروبي تجنب الانحدار الخطير أو الانهيار بشكل ملحوظ خلال عدة أزمات. وكان صموده راجعًا بدرجة كبيرة إلى القواعد التي أرستها مؤسساته، فآلية اتخاذ القرارات بالتصويت جعل من الصعب على الأغلبية أن تفرض سياساتها على الأقلية. كما أن دور المفوضية حساس ومهم جدًا في إنفاذها قوانين الاتحاد الأوروبي. ومن هنا تبرز أحد الدروس المتصلة بتصميم المؤسسات الإقليمية والحاجة الأساسية إلى وجود هيآات تنفيذية مركزية فوق قومية قوية.

تتعلق أحد الدروس الأخرى بالحاجة إلى النزعة العملية والواقعية. فالتوزيع العادل للتكاليف والمكاسب، كان عاملاً رئيسيًا في صنع القرارات في الاتحاد الأوروبي، غير أن وجود مؤسسات تعالجه منعه من أن يصبح حاجزًا لا يمكن اجتيازه أمام التقدم صوب مزيد من الوحدة.

في الأخير، لعل أحد أهم درس يمكن استلهامه من الوحدة الأوروبية. أنه لم يكن باستطاعة أوروبا أن تحقق الكثير من التقدم صوب الوحدة إلى أن اكتشفت أن تحقيق مزيد من التقدم يتوقف على مزيد من الاندماج بين أعضائها وليس التفكك والانسحاب. ولعل هذا الدرس مفيد لأوروبا حاليًا أكثر من أي وقت مضى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   أسـتـاذ مـحاضرـ كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر 3 (الجزائر) 

 

مصادر إضافية:

-        Galal Ahmed & Hoekman Bernard (Eds), Arab economic Integration : between hope and reality, The Egyptian Center for Economic Studies, Cairo, 2003.

-          محمد محمود الإمام، تجارب التكامل العالمية و مغزاها للتكامل العربي, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, 2004.

مجلة آراء حول الخليج