; logged out
الرئيسية / البنك الدولي: بريطانيا تخسر بخروجها اتفاقيات تجارة حرة ب 224 مليار استرليني

العدد 135

البنك الدولي: بريطانيا تخسر بخروجها اتفاقيات تجارة حرة ب 224 مليار استرليني

الإثنين، 04 آذار/مارس 2019

يعتبر الاتحاد الأوروبي من القوى الناشئة في العالم، بل منافس لأمريكا ومعه اليابان والصين وكوريا الجنوبية لاعتبارات سياسية، واقتصادية واستراتيجية ومالية وتجارية وأمنية وغيرها كنتيجة لما كانت ترغب فيه أوروبا بعدما خاضت حروبًا سواءً على أراضيها في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، أو البحث عن جمع قواها الداخلية في ظل التكتلات الإقليمية والوحدات التكاملية التي يعرفها العالم في كل من جنوب شرق آسيا، أو الاتحاد الأمريكي أو الاتحاد الإفريقي.

   وعليه، جاءت فكرة الاتحاد الأوروبي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة في ظل ما حققته فرنسا من مكاسب -كقوة استعمارية – لتوسيع نطاق الداخل على يد وزير خارجيتها روبرت شومان عام 1958م، من أجل تقويته من خارجه لكن في فضائه الأوروبي. أي بمعنى أدق وهو ما تم تحقيقه في خارج الأوطان عليه أن يأخذ سبيله باتجاه الداخل الإقليمي في كامل أوروبا مجتمعة بجعلها ذات ثقل كبير في موازين القوى لكي تصبح حينها قوة عالمية تؤهلها من وجهة أخرى للعب الدور القيادي كباقي القوى الطموحة المعرفة باسم القوى الناشئة Bricsأو ما يتعداها في هذا الشأن.

وازداد هذا الاتحاد من الشعور بفكرة أوروبا الموحدة في ظل التنافس الدولي خلال الحرب الباردة، فضلاً عن ضعف أوروبا كقوة عالمية في دخولها الصراع الدولي مجددًا إن لم يعد يسمح لها منفردة في القيام بذلك كونها كانت قابعة تحت الراية الأمريكية عبر مشروع مارشال عام 1945م، بهدف بناء ما هدمته الحرب العالمية الثانية.

 

1. مداخل لفهم الاتحاد الأوروبي

تولدت فكرة الاتحاد الأوروبي في إطار ما بات يطمح إليه تحت اسم الحوكمة الأوروبية. فهو اتحاد فيدرالي ناجح ولا يريد اقتلاع جذور أوروبا القديمة عن طموح الإرادات والقناعات والخيارات الجديدة في عالم التغيرات والتطورات والتكتلات بقدر ما يحاول الغوص في مشكلاته اليومية لمعالجتها في إطار ديمقراطي.

لقد انضم للاتحاد الأوروبي ما بين 2005 و2007م، حوالي 12 دولة أوروبية، ودعوة فرنسا إلى بناء اتحاد فيدرالي ناجح بانضمام الألمانيتين عام 1992م، في إطار القانون الأساسي لألمانيا الموحدة في دخولها إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق الالتزام بمبادئ الفيدرالية. ومن بين الدول التي أسهمت في إطلاق هذا الاتحاد (بلجيكا، إيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا) وبمزيد من دول الأعضاء أكثر شرقاً تحديداً مما أصبح على مشارف الثلاثين عضوًا تشكل ديمقراطيات جديدة. بينما البريطانيون نراهم لم يباركونه لدرجة أنهم موالون لأمريكا والناتو.

   ومن أجل تحقيق السلام الدائم في أوروبا فإن قادتها كانوا يرون بأن الجماعة الجديدة عليها مراعاة البناء الاقتصادي مع إزالة الحواجز في إطار إنعاش لحوكمة جديدة وجادة تقوم على سوق مشتركة قوامها النجاح الاقتصادي ليس إلا. بهدف تطوير فكر شومان ومشروعه القاضي باتجاه السلام ومفاعله على الأرض.

   بينما فرنسا كقوة عسكرية لم توفق في تطوير الاتحاد من منظور الدفاع الأوروبي الذي راهنت عليه منذ عام 1945م، بعدما فشلت إذ ذاك من خلال عدم التصديق عليه خاصة الجمعية العامة الوطنية الفرنسية.

 ولعل افتقاد البريطانيين للحوافز السياسية-يُجزم البعض-لدخول التكامل بالرغم مما قدمته الحكومات المتعاقبة لديهم تحت حجة الانضمام إلى الجماعة الأوروبية؛ إلا أنهم باتوا يحتاطون من تطوير السوق مع فرنسا وألمانيا. لماذا؟ وهذا ما أثر سلبًا على قدرات الاتحاد من الداخل. كما تمارس بريطانيا على دول المجموعة ضغط من نوع خاص بميولاتها لأمريكا.

   إنها صورة لحكومة-دولية جديدة باتت تقودها المفوضية الأوروبية (*) من أجل توسيع نطاق الجماعة وبمزيد من دول الأعضاء ومن خلال المشكلات المطروحة الاتحاد بات يقوم مقام الدول في تقليص صلاحيات حكوماتها مع تنامي معضلات عبر وطنية مما يفرض على الاتحاد نقل كامل الصلاحيات إليه دون التخلي عنها، الأمر الذي كلف الاتحاد ضغوطات جمة سواءً أكانت داخلية أو خارجية. ومن هنا بات يُراعي هذا الطرح من قبل أنصار -الوظيفية الجديدة-حيث تشكل المؤسسات الأوروبية من الوجهة الفيدرالية ضرورة الاحتكام إلى مبادئ الديمقراطية الليبرالية عن طريق سيادة القانون والحقوق الأساسية والحكم النيابي.

وبالتالي بات الاتحاد ينقصه هذا التوجه بخصوص هذا الإطار الليبرالي انطلاقًا من -سن القوانين والذي يعني مراقبة السلطة التنفيذية من قبل نواب الشعب المنتخبين – حتى يسمح للحكومات الأوروبية تولي مهامها في إطار ما تمارسه من صلاحيات عن طريق الاجتماع؛ أي بمعنى أن الحكومات الأوروبية جديرة بمزاولة مهامها الداخلية على أكمل وجه حتى يتسنى لها القيام بدورها المنوط في إطار الحكومة – الدولية بهدف إنجاح الاتحاد الأوروبي بأكثر فاعلية وديمقراطية أوسع.

   وإذا كان الاتحاد الأوروبي يترجى بأن يكون فاعلاً في الداخل مع شعوبه ومتفاعلاً مع فضائه الإقليمي فإنه يدعوه بأن يكون أكثر قوة وديمقراطية باسم القانون والحكم النيابي. لكن هذا التوجه الصعب المنال سيسمح له بازدهار المواطن الأوروبي أم يبقى على ديمومة الكيان الأوروبي انطلاقًا من دوله العتيدة؟

إلا أن نهوض الكيان الأوروبي في إطار الاتحاد الأوروبي يعبر في أمر الواقع عن ذلك المشروع التعاوني -الاقتصادي، وحفاظًا على هوية المواطنين الأوروبيين سواءً من الزحف الصيني مثلما عرفه قبله المد الشيوعي أو الاستقطاب الأمريكي أو التخوف الإسلامي!

إن تشكيل الاتحاد الأوروبي يعني كذلك تلك التطورات التي عرفها منذ النشأة – إعلان شومان –إلى اليوم وفيه تتعدد الصلاحيات وتتنوع المصالح سواءً تعلق الأمر بالأمن أو بالعلاقات الاقتصادية والسياسية في ظل وجود مؤسسات ونقابات عمالية تسهم في ذلك، فضلاً عن حماية البيئة بحكم تواجد أحزاب الخضر والمنظمات التطوعية وما توليه لقضية المناخ في عالم متغير ومتزايد في الانفتاح والمخاطر المحدقة به في إطار العلاقات الخارجية التي تقوم على تعزيز المصالح المشتركة في ذات السياق.

كما تعد مشكلة توزيع للأدوار والوظائف والقطاعات من مهام الاتحاد للتقارب أكثر بين دوله وشعوبه بمعالجة قضاياه بما يسمح له بالتفوق والسيطرة؛ ففرنسا مثلاً تدعو إلى قيام سياسة زراعية مشتركة لتعويض نقصها من خلال التفوق الصناعي الألماني من جهة، بينما الدول الأخرى ذات الاقتصاديات الضعيفة والتي ليس بمقدورها منافستهما من الداخل وعليه فهي مطالبة إذًا بتوافر الصناديق البنيوية حتى لا تخسر حال قيام سوق مشتركة وموحدة. 

إلا أن البريطانيون، على خلاف ذلك، فهم أصحاب تسوية الميزانيات بإسهامات مرتفعة. وإلى غاية استقالة ديغول عام 1969م، باتت كل من بريطانيا والدانمرك وايرلندا والنرويج تطمح إلى الانضمام شريطة القبول بالطرح الفرنسي خاصة في عهد جورج بومبيدو ألا وهو تمويل السياسة الزراعية المشتركة، بالإضافة إلى توافر شروط وآليات تعميق الاتحاد النقدي والتنسيق في السياسة الخارجية للاتحاد. فالغاية هو التوصل إلى توثيق ألمانيا بالاتحاد لدى الجماعة الأوروبية بعيدًا عن إضعافها من الداخل من ناحية، وانتهاج سياسة منفتحة لتقوية الاتحاد النقدي من ناحية أخرى.

   إن مشكلة الميزانية باتت من صلاحية البرلمان الأوروبي كخطوة أولى من نوعها لدعم المشاريع وضبط المراقبة على مخرجات الاتحاد بتفعيل سياساته الاقتصادية ومخططاته التنموية لكي تعود عليه بالفائدة. علمًا بأن انضمام بريطانيا للاتحاد في يناير 1973م، مع قبول استفتاء الشعبي عام 1975م. لكن مجيء حزب العمال في الانتخابات الموالية والذي بدأ معارضة شرسة للجماعة إلى غاية الثمانينيات من القرن الماضي بعدما تم التفاوض مجددًا على هذا المنحى والتي تعمقت مساراته مع مارجريت تاتشر حينما وصلت إلى السلطة عام 1979م، خاصة بعدما صرحت على لسانها: '' استرداد أموالنا ''. في الوقت ذاته ينمو في الاتحاد ومن الوجهة البريطانية انكماش غير مسبوق تجاهه من خلال عرقلة مشاريعه إلى غاية التوصل إلى اتفاق عام 1984م، لتقليص حجم الميزانية البريطانية للجماعة. حاول الرئيس الفرنسي ديستان في السبعينيات إعطاء دفع جديد للمجلس الأوروبي بين الزعماء الوطنيين للتأثير على الجماعة من الباب التشريعي حيال الانتخابات التي تمس البرلمان الأوروبي.

 ومن بين ما بات يعرقل من توجهات الجماعة الأوروبية في هذا الصدد هو التوصل إلى صياغة دستور في البرلمان الأوروبي كمبادرة من قبل أنصار الفيدرالية بهدف توسيع الصلاحيات والعمل بمقتضى فتح مجال للتفاوض مع جميع الدول الأوروبية. إلا أن ألمانيا مثلاً لم تحبذ استبعاد بريطانيا مع إصرار فرنسا في عهد ميتران لدى المجلس الأوروبي حول مشروع السوق الموحدة المقدم من قبل المفوضية الأوروبية .

توصل البرلمان الأوروبي إلى عقد مؤتمر ''حكومي دولي'' بشأن التعديلات ذات الصلة ببرنامج السوق الموحدة بحلول عام 1992م، مانحًا إذ ذاك جملة من الإصلاحات للجماعة التي تشكل كل من البيئة، والبحث التكنولوجي والتطوير، والسياسات الاجتماعية ذات العلاقة بالتوظيف والتعاون في مجال السياسة الخارجية. لقد جاء المصطلح في هذا الخصوص معبرًا عن أو بما يسمى بـ ''القانون الأوروبي الموحد''، بعيدًا عن بقاء سياسة خارجية منفصلة للاتحاد. ومن بين مقترحاته التصويت بالأغلبية المشروطة في ميادين تمس تشريعات السوق الموحدة مع تعزيز دور البرلمان الأوروبي من خلال ''إجراء تعاون'' يمنح له إعطاء النفوذ بخصوص هذه التشريعات، فضلاً عن موافقته على المعاهدات التي تمس كل من الانتساب والانضمام.

   وبالرغم من أن السياق الإقليمي كان مواتيًا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانضمام العديد من دول أوروبا الشرقية للاتحاد لكي يتوسع لصالحه بما فيه الألمانيتين، لكن العملة الموحدة والتي كانت هي الرابط الرئيس في تقوية الاتحاد نفسه لدعم التوجه الاقتصادي والسياسي الذي دعا إليه ميتران على خلفية تقوية هذا الأخير يتوجب إطار يسمح له بمزاولة مهامه الرئيسية مما يعود حتى على ألمانيا في دعم وحدتها الترابية. كانت نتيجة المصادقة على معاهدة ماستريخت هو توسيع صلاحيات أكثر للاتحاد ومن أبرزها ما يلي: 1. السياسة الخارجية والأمنية الدفاعية . 2. التنقل والأمن الداخلي.

                     2. أسباب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

   ثمة خلاف بين القادة السياسيين نتيجة التخوف من الشعب البريطاني حيال الاتحاد الذي عبر عنه بالرفض بنسبة 52 % من خلال انفصال بريطانيا عن الاتحاد في يوليو 2016م، بسبب عدم الثقة وقلة فرص التفاهم والتحاور بين أطراف المجموعة. بينما نرى في الوقت ذاته من الموالين منهم وهم أقل ويقدرون بنسبة 48 % ممن قبلوا بفكرة البقاء في الاتحاد. وعليه جاء الخروج البريطاني من الاتحاد ينبئ بأنه يمر بمخاض عسير نتيجة سياسته الجافة فحسب، في مواجهة مشكلاته المطروحة عليه باستمرار. ومن بينها ما يلي:

1. مشكلة المهاجرين واللاجئين: يشكل عدد الوافدين من أوروبا إلى بريطانيا خطراً على أمنها واستقرارها نتيجة تزايد الأعداد الكبيرة الوافدة لها التي تقدر سنويًا بــــ 863 ألف مهاجر، أي بما يقدر تكلفته بـــــ 3.67 مليار جنيه استرليني؛ أي بما يعادل 4.131 مليار دولار. إلى جانب العمالة الأوروبية التي تقدر ب 286 ألف أوروبي باتجاه السوق البريطاني والتي باتت تزاحم العامل البريطاني في إطار النظام الاجتماعي.

2. الإرهاب: يتزايد عدد الوافدين الجدد نتيجة فتح الحدود مما بات يخيف المواطن البريطاني على أمنه. ولعل الخوف من المستقبل جسده مجيء هؤلاء سواءً أكانوا أوروبيين أو أجانب والذي قد يتحول فيه الوضع إلى هجمات إرهابية محتملة.

3. الاحتياط المالي والصحي: تشير الدراساتإلى أن التخلص من أعباء المهاجرين قد يوفر للخزينة العامة 350 مليون جنيه استرليني؛ أي بما يعادل 480 مليون دولار أسبوعيًا، كما يعادل نصف ميزانية التعليم.

4.إعادة الاعتبار للقوة البريطانية: يطمح النفوذ البريطاني بأن يكون له وزنه الخاص بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي الذي لا يسمح لها بالتحرك الحر والمطلق بهدف الحصول على مقاعد في المؤسسات العالمية والتي خسرتها بمجرد انضمامها إلى الاتحاد كمنظمة التجارة العالمية.

5. البحث عن الازدهار: لا تحبذ القوى الداعية لرفض البقاء في الاتحاد على خلفية إن مصير بريطانيا بات مهددًا أكثر بحثًا عن الازدهار كغاية مطلوبة للمواطن البريطاني الذي لم يعد بمقدوره أن يحتضن غيره من الأوروبيين أو يذهب للعيش عندهم.

6. توسيع التجارة الحرة: عمد تيار الخروج إلى التصدي لفكرة البقاء بكل السبل التي يراها مشروعة إذًا على ضوء ما بات يغذي طموحه ونواياه سواءً أتعلق الأمر بداخل الاتحاد أو بخارجه. وعليه ساد الاعتقاد بأن الخروج من الاتحاد سيمنح بريطانيا فرص ذهبية لإقامة علاقات اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي دون الامتثال إلى قوانينه مما يسمح لها بإبرام اتفاقات ومعاهدات مع دول أجنبية لتوسيع نطاق التجارة الحرة.

7. الحاجة إلى الديمقراطية: يرى البريطانيون بأن الذين صوتوا لخروج بريطانيا يكمن في أن الاتحاد يحتاج إلى الديمقراطية مقارنة بالقوانين المعمول بها في بريطانيا قياسًا بما تقوم به المفوضية الأوروبية التي تعد غير منتخبة والتي بإمكانها وضع قوانين عن طريق الاقتراع الشعبي الأوروبي.

8. التخوف من سيطرة عملة اليورو: إن تهرب بريطانيا من الاتحاد النقدي هو الذي جعل انسحابها وشيكًا وبدون رجعة باعتباره يشكل محور اتخاذ القرار الأوروبي لدى الاتحاد للدفع به نحو مراتب عليا في إطار البناء الاقتصادي من أجل السوق الأوروبية.

9. إنشاء قوة عسكرية أوروبية موحدة: في ظل التحولات الجيو سياسية في العالم فإن التخوف من روسيا بات يقتضي إنشاء جيش أوروبي موحد. لكن هذا ما تعتبره بريطانيا مغامرة وتخشى تداعيات الموقف والزج بها في متاهات.

10. إقصاء تركيا: تمكن الرافضون لبقاء بريطانيا في الاتحاد بلعب ورقة تركيا التي تطمح دخوله بحكم تساويها نسبة مقربة من الشعب الألماني بحيث سيكون لها نسبة متساوية من الممثلين لها في البرلمان الأوروبي، الأمر الذي سيسمح بتنقل العديد من الأتراك إليها خاصة أمام تخوف المواطن البريطاني البسيط من الإسلام.  

3. تداعيات الخروج البريطاني وآثاره على الاقتصاد الأوروبي

   يُجمع بعض الاقتصاديين بأن خروج بريطانيا من الاتحاد سيحررها من سقف العجز من قبل بروكسل بنسبة 3 % من الناتج المحلي، أما بالنسبة لسقف الدين فهو يتراوح عند 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن مراقبة المفوضية الأوروبية. كما تعزم البنوك والمؤسسات المالية الكبرى بنقل خدماتها المالية في حال خروج بريطانيا إلى الاتحاد بعدما تتولى باريس مركز هام في منطقة اليورو. إلى جانب ما تفتقده المؤسسات المالية البريطانية من خلال بيع خدماتها المالية للدول الثمانية والعشرين في الاتحاد.

من زاوية أخرى، يؤكد بعض المراقبين أن العجز البريطاني في الميزان التجاري يقدر بــــــ 7.6 مليار جنيه استرليني، وعليه لا يمكن أخذ هذا الشريك محمل الجد يؤكد البعض. من الزاوية الاقتصادية، أنه بخروج بريطانيا من الاتحاد سيكلفها بمساهمة تقدر بـــــ 1637 مليار يورو؛ إلا أن صادرتها تقدر بـ 50 % من مجموعها. هذه الصادرات ستخضع كباقي الدول خارج الاتحاد، مما يكلفها بالرفع من الواردات.  

     وخوفًا من تداعيات الموقف البريطاني يري البعض أنه من المفروض أن يؤكد الرافضون ضرورة التفاوض على اتفاقية تجارة حرة مع بريطانيا حتى وإن تخلت عن عضويتها لصالح الاتحاد. فالجانب التجاري بمفرده يسجل فائضًا في المعاملات يُقدر بـــــــــ 100 مليار يورو بين الاتحاد وبريطانيا منها 20 مليار يورو فقط في صادرات قطاع الخدمات.

     سؤال يطرح نفسه هو: هل بريطانيا قوية خارج الاتحاد أم ضعيفة فيه؟ اقتصاديًا: تحتاج إلى الدعم الأوروبي لشركاتها الكبرى أو المفلسة منها تحديدًا، لكنها ضعيفة إذا ما قبلت بتدخل بروكسل في دعم أحد قطاعات اقتصادها دون أن تفرض حضورها بمفردها.

إن مناخ الاستثمار بإمكانه أن يُصاب بتأزم ما نظرًا لقلة المنافسة، والرفع من تكلفة الاستثمارات خاصة في بعض القطاعات بعد تأخير لبعض المشاريع الجديدة الأخرى خاصة إذا أخذنا على سبيل المثال على رأسه قطاع الطاقة الكهربائية التي توجه تحذيرات بخصوص انسحاب شركتي كل من شل وبي بي. إلى جانب ارتفاع تكاليف قطاع الطيران لدى المستهلك البريطاني والذي سيأخذ مجرى آخر، وذلك كباقي القطاعات الحيوية الأخرى بين بريطانيا والاتحاد في إطار تبادل الرحلات بين الوجهتين.

كما يعتقد بعض الاقتصاديين البريطانيين أن خروج بلادهم يجعلها عرضة لخطر ''الفقر'' نسبة إلى حجم التأثير المتفاوت بينهما من ناحية، بينما البنك الدولي يرى أن خروج بريطانيا من الاتحاد سيقودها إلى خسارة للعديد من اتفاقيات التجارة الحرة والتي تُقدر ب 224 مليار جنيه إسترليني مما سيضعف الاقتصاد البريطاني ذاته بنسبة 104 في المائة على الأقل مع مطلع عام 1919م.

   وتؤكد مؤشرات اقتصادية بحتة بأن هناك اضطراب مالي واقتصادي حقيقي ستعرفه بريطانيا في السنوات المقبلة عقب خروجها من الاتحاد وهي معرضة إذًا أمام خطورة الثمانية والعشرين من دوله إلى أجل غير محدد إلى غاية استعادة عافيتها التي سوف لن تكون إلا قبل 2030م.

4. آفاق الاقتصاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا

من بين ما هو مُشاع أن خروج بريطانيا سيكون عامل ضعف وانقسام للوحدة بالرغم من ديمقراطية الاستفتاءات الشعبية التي انقادت بموجبها الديمقراطية الليبرالية لحماية الأقليات؛ إلا أن هذه الأخيرة لا تولي اهتمامًا لغيرها، في المقابل فإن أغلبية البريطانيين صوتوا لصالح بقائها في الاتحاد خاصة في كل من اسكتلندا وايرلندا الشمالية من خلال التموقع الجغرافي والمستوى التعليمي والفئة العمرية الناخبة.

وإذا كان الاقتصاد العالمي يمر هذا العام بـــــ ''غيوم سوداء'' حسب تقارير صندوق النقد الدولي وأن الاستعفاء لن يكون إلا بعد منتصف العام المقبل أو المعروف بـــ ''التباطؤ الناعم'' نتيجة التخفيضات الضريبية التي بادر بها ترامب والتي سوف سينخفض بموجبها النمو الاقتصادي من 1.6 % مقارنة بالعام الماضي إلى 2.9 %.

والصين كطرف قوي في الاقتصاد العالمي ستتراوح نسبة النمو لديها بـ 6 % بحلول عام 2021م، والذي كان ينمو فيما سبق ما بين 1980 و2010م، بمعدل 10 %. إلا أن ضعف الاقتصاد وتباطؤ النمو سوف يضعف من الصراعات بين الصين وأمريكا نتيجة عدة مخاطر؛ الاقتصادية: الأولى بها تباطؤ في النمو، بينما الثانية بها ارتفاع في الضرائب التجارية لكن كلاهما يشكلان تجاريًا 20 % من التجارة العالمية، و40 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مما هو مرتبط باقتصاديات الدول الناشئة والنامية.

   هذه المعادلة الدولية الخاضعة للاقتصاد العالمي قد تؤثر فعلاً على خروج بريطانيا من الاتحاد من خلال تقييم البنك الدولي. لذا تحاول بريطانيا الخروج باتفاق ضامن من خلال ما تطالب الوزيرة الأولى البريطانية تريزا ماي مؤخرًا في رسالة لها بتاريخ 14 يناير إلى البرلمانيين تدعوهم فيها إلى المصادقة بتجنب العودة إلى الحدود الفيزيائية بين ايرلندا وايرلندا الشمالية بهدف خلق ''إقليم جمركي موحد'' يجمع بين الاتحاد وبريطانيا. إلا أن هؤلاء البرلمانيون ما زالوا منقسمين بعدما رفضوا الانتخاب لصالح البريكسيت بنسبة 432 صوت نعم مقابل 202 صوت لا، الأمر الذي بات يُعقد من الموقع السياسي لتريزا ماي من خلال البحث عن مخرج لهذا الوضع الاستثنائي الذي بات يفصلها مدة وجيزة فقط لضمان خروج بريطانيا من الاتحاد بطرق قانونية حتى وإن ستتم المطالبة بدورة ثانية في انتخابات برلمانية أخرى.

الخاتمة

قد يعود هذا الانفصال البريطاني ذاته عن الاتحاد الأوروبي إلى تقليص اقتصادها بنسبة 7.7 % خلال 15 عامًا من الانفصال. وعليه حتى وإن لم يرغب البريطانيون حقًا في التخلي عن الاتحاد بالرغم مما دعوا إليه نتيجة تفاقم الأوضاع التي آلت إليها بريطانيا عمومًا، إلا أن ذلك كان يمثل لهم بمثابة خصوصية جغرافية وثقافية وحضارية واقتصادية تمنحهم ربما القوة ضد الاتحاد أو التعامل معه بسلاسة وبحكمة دون الدخول معه في علاقات وحدوية. كما لا يمكننا معرفة منحى قوة الاتحاد الأوروبي؛ إلا في ظل خروج بريطانيا منه كونه يعرف تصدعًا كبيرًا في قراراته الداخلية مما بات يقلق التيارات اليمنية خاصة المتطرفة منها على فقدان الدولة الوطنية قوتها السياسية في الدفاع عن مكتسباتها الأولوية حتى لا تخضع إلى القرار المركزي ببروكسل.

ومن هنا فلا بد من معرفة أولية عن هذه القوة الناشئة شأنها شأن كل قوة طموحة كالصين والهند واليابان والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا ... إلخ خاصة بعدما هيأت الفضاء التشريعي والاقتصادي والمالي والتجاري والأمني في ظل غياب الإطار العسكري لها الذي باتت تترجاه عير إنشاء جيش أوروبي ''موحد'' بحسب ما جاء به كل من الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ماركيل في ذكرى احتفالية الحرب العالمية الأولى (1918-2018م) في باريس مؤخرًا. هذا ما لم تقبله الإدارة الأمريكية كونها تشكل مجالاً حيوياً لقوتها العسكرية عبر الناتو لكن الاتحاد في المقابل يبقى هشًا ما لم يضطلع من هذه الزاوية بالجانب العسكري بحيث يعد هذا الشق من إحدى قياسات القوة الممكنة لديه. ما الغاية إذن من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا دخلت لكي تخرج مبكراً؟ أسئلة جوهرية في العمق لا بد من طرحها علماً بأن عالم اليوم هو عالم التكتلات الجهوية والوحدات الإقليمية في إطار الاقتصاديات العالمية والاقتصاديات الناشئة في ظل الهيمنة الأحادية القطبية التي لطالما باتت تشكل الضامن الرئيس في مواجهة المد العولمي الواسع النطاق في إطار العولمة النيوليبرالية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية الجزائر3

 

مجلة آراء حول الخليج