; logged out
الرئيسية / الصين ودبلوماسية "تاي تشي" غير المتحيزة تجاه أمن الخليج: " العلاقات الجيدة مع جميع الأطراف والتعددية لحل الصراعات "

العدد 136

الصين ودبلوماسية "تاي تشي" غير المتحيزة تجاه أمن الخليج: " العلاقات الجيدة مع جميع الأطراف والتعددية لحل الصراعات "

الخميس، 28 آذار/مارس 2019

بالرغم من أن الصين لديها تاريخ طويل من العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك اليمن وإيران والعراق، إلا أن دورها في الشؤون الأمنية الخليجية حديث العهد نسبيًا إذا قورن بدور أمريكا وفرنسا والمملكة المتحدة ومصر. لقد تطورت دبلوماسية الصين تجاه المنطقة خلال العقود الستة الماضية، من دبلوماسية تحكمها الأيديولوجية إلى نموذج قائم على البرجماتية، ومن منطق "توازن السلطة" إلى منطق "التوازن الاستراتيجي". وطوال نصف القرن الماضي، كانت دول الخليج منشغلة بمنطق توازن السلطة بدلاً من الأمن المشترك. ما جعل من الصعب توقع إجراء ترتيب أمني مشترك تستفيد منه جميع الأطراف، مما يستحضر مفهوم التعادل الصفري. وفي ضوء ذلك، وإلى جانب رغبة الصين في عدم الانجراف إلى صراعات إقليمية، ليس غريبًا أن يعتمد الموقف الصيني تجاه الخليج على المقايضة بين الفائدة الاقتصادية والالتزام الأخلاقي. إذ تهدف الصين إلى حماية مصالحها التجارية المتزايدة في الخليج والمحافظة على مكانتها كقوة عظيمة في العالم، وفي الوقت نفسه تجنب التورط في الجغرافيا السياسية، مما يجعل السعي لمبادرة محددة للأمن المشترك في الخليج صعبًا للغاية. ويتناول هذا الفصل خمس حالات من الصراع الخليجي ورد فعل الصين تجاه كل منها، وهي: الحرب بين إيران والعراق 1980-1988م، والأزمة الخليجية في 1990-1991م، وحرب العراق عام 2003م، والقضية النووية الإيرانية 2006-2015م، والخلاف بين إيران والسعودية منذ 2015م. وقد دعت بكين باستمرار للسلام والحوار في الخليج، ولكنها أيضًا ترى أن إقامة هيكل أمني مشترك في الخليج – وإن كان حاسمًا – سيكون من الصعب تحقيقه على المدى القصير.

دبلوماسية "تاي تشي" Taiqi Diplomacy: مشاركة الصين في حل الصراع الدولي

أثناء فترة الحرب الباردة، كان ينظر الساسة الصينيون للخليج على أنه جزء حاسم بالغ الأهمية من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي هي نفسها جزء مما يسمى بـ "زونغ جين ديداي Zhongjian Didai " أي "الأرضية الوسطى" بين الفريق الرأسمالي والفريق الشيوعي. وعلى هذه الأرضية الوسطى، تنافست الصين مع الولايات المتحدة، والتي كانت تُعتبر الإمبريالية المهيمِنة، ولاحقًا مع الاتحاد السوفييتي، والذي كان يعرف بأنه إمبراطورية اشتراكية رجعية، وذلك منذ الستينيات وما بعدها. أما الشرق الأوسط، فقد أصبح تدريجيًا ساحة للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وبالتالي أصبح الأمن المشترك في المنطقة غير وارد على الإطلاق. ولقد انحازت الصين للقضية الفلسطينية في الصراع العربي ــــ الإسرائيلي، وقدمت المساعدة الاقتصادية والعسكرية، بالإضافة إلى الدعم السياسي والدبلوماسي، لياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما قدمت الدعم لبعض البلدان والحركات العربية الأخرى. ومن خلال تحمل عبء المعونة الاقتصادية الكبير، سعى الزعيم الصيني ماو تسي تونج لفك حصار الكتلتين الغربية والسوفيتية في الستينيات. ومنذ نهاية الثورة الثقافية (1966-1976م)، وتحديدًا منذ تطبيق الإصلاحات وسياسة الانفتاح في أواخر السبعينيات، سعت دبلوماسية الصين تجاه الخليج إلى سياسات "متحررة من الأيديولوجيات، وبلا إساءة لأي طرف". ولم تقترح بكين سياسة تحالف أو خيار للأمن المشترك. ويَعتبِر الحزب الشيوعي الصيني العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الخليج عنصرًا مهمًا في محاربة الفقر في الصين، والأهم من ذلك، في إضفاء الشرعية على حكمه هناك. وبعد عملية إعادة هيكلة اقتصادية استمرت لثلاثة عقود، أقامت الصين وجودًا اقتصاديًا بارزًا في الخليج في نطاق واسع من المجالات، بدايةً من البنية التحتية إلى الطاقة والمشاريع الاستثمارية. ومع تزايد عدد المصالح التجارية الملموسة، بات تصور الصين لدورها في أمن الخليج واضحًا، حيث تتسم سياسات الصين في الخليج بالحرص وتجنب المخاطر، وتوطيد الروابط بين السنة والشيعة، وبين الجمهوريات والمملكات، وبين إيران والبلدان العربية، مع تجنب الانخراط في الشؤون الداخلية للدول الإقليمية، وتلبية توقعات واختيارات النخب الحاكمة. لقد استلهمت عملية صنع القرار بشأن سياسة الصين غير المتحيزة وتأثرت بقدرٍ كبيرٍ بالفلسفة الدبلوماسية التي تمتد جذورها في فكر الطاوية والكونفوشيوسية " Taoism and Confucianism "، مما يجعلها ذات طابع سلبي إلى حدٍ كبيرٍ تجاه مبادرة الأمن المشترك في الخليج. إن من أهم المفاهيم في الفكر الصيني التقليدي مفهوم "تاي تشي" (Taiqi太极) أو "المطلق الأسمى"، وهو جوهر الطاوية، وقد كان لذلك المفهوم أثرًا كبيرًا في الكيمياء الصينية، والتنجيم الصيني، والبوذية، والكونفوشيوسية، والفنون القتالية الصينية (مثل تشي كونج)، والطب الصيني التقليدي، وغيرها. ويهدف مفهوم "تاي تشي" الكوني الصيني إلى التحقيق في كنه الكون ومعرفة أصوله. فوفقًا لتلك الفلسفة، مر الكون بفترتين من "وو تسي" (اللانهاية)، أي فترة ما قبل التاريخ المظلمة التي تلت (حسب التفسير العلمي الحديث للكون) الانفجار الكبير، و"تاي تشي"، أي الفترة التاريخية المبكرة التي مر الكون خلالها بانقسام الين (الأسود) واليانج (الأبيض)، واللذان يمثلان الأساس الذي تنشأ منه جميع الكائنات والأشياء التي تشكِّل الكون. ومن ثمَّ، يعد "تاي تشي" أعلى مصدر يمكن تخيله ينبثق منه الواقع، وهو يمثل توازنًا طبيعيًا ومنسجمًا بين الين واليانج. ووفقًا لفكر "تاي تشي"، تمثل الأرض الين والسماء اليانج، والأنثى هي الين والذكر هو اليانج، الليل هو الين والنهار هو اليانج، الشر هو الين والعدالة هي اليانج، وهكذا. بمعنى أن "الين" و"اليانج" أصل الكون في فكر "تاي تشي"؛ لأن لديهما القدرة على التضاعف بمعدل سريع، وفي النهاية تكوين جميع الأشياء والكائنات في الكون. ويعتمد فكر "تاي تشي" على افتراضات مختلفة: أولاً، أن خط الانقسام بين الين واليانج عبارة عن منحنى، أي أن كليهما يكمل بعضهما البعض ويتناقضان مع بعضهما البعض. ثانيًا، أن كل ما في الكون يحكمه قانون معين، وقدرة البشر على تغيير ذلك أضعف ما تكون، ولذلك من الأفضل اتباع القوانين بدلاً من التصرف باندفاعية (لأن الامتناع عن الفعل أفضل من الفعل نفسه، وذلك "للرجوع" إلى الحالة الطبيعية المنسجمة مع الـ"تاو"). ثالثًا، يشكل شقيّ الين واليانج دائرة، ولذلك ينبغي أن ينظر الإنسان للأشياء بصورتها الكاملة، واتخاذ أفعال متكاملة. رابعًا، التوازن بين الين واليانج هام لتحقيق الانسجام، فانعدام الانسجام قد يسبب صراعًا وفوضى. خامسًا وأخيرًا، الين واليانج ليسا ساكنين ولكنهما متحركين، وقوة كل منهما خفية وليست ظاهرة. وفي ضوء ذلك، تتغلغل جذور عملية صنع القرار الصينية المعاصرة بشأن السياسة الخارجية في فكر "تاي تشي" الطاوي، مما يؤدي إلى إنتاج أسلوب فريد للسياسة الخارجية: دبلوماسية "تاي تشي".

وفيما يلي فرضيات دبلوماسية "تاي تشي": أولاً – تؤكد دبلوماسية "تاي تشي" على أهمية استخدام القوة الدبلوماسية بدلاً من القوة العسكرية القائمة على الضغط والإكراه، ثانيًا – تركز الدبلوماسية على درجة عالية من الصبر بدلاً من الفعل المتعجل السطحي كحل للأزمة، ثالثًا – في سبيل تجنب المخاطر الممكنة، تتخذ تلك الدبلوماسية موقفًا متوازنًا ومحايدًا تجاه كل من الحكومات القائمة وقوى المعارضة كبديل للدعم المتحيز لأي من الأطراف، رابعًا – تركز الدبلوماسية على تعددية الأطراف بدلاً من اتخاذ الإجراءات من طرف واحد. وعلى هذا الأساس، تبنَّت الصين موقفًا غير حاسم، وربما سلبيًا، فيما يتعلق بمبادرات أمن الخليج.

رد فعل الصين تجاه حرب العراق (2003)

أدت الصين دورًا مهمًا عشية حرب العراق سنة 2003م، والتي يمكن من خلالها رؤية الكتلة الموالية للحرب التي تقودها واشنطن مقابل الكتلة المعارضة للحرب التي تقودها فرنسا على أنهما يحققان توازنًا مثل الين واليانج. وقد ترددت الصين في الانضمام لأي من الكتلتين. فمن جانب، كانت الصين معارضة للتوجه الأمريكي أحادي الطرف والحرب الاستباقية والهيمنة الأمريكية، أما من الجانب الآخر، لم تكن الصين على استعداد لترسيخ قوة معادية للولايات المتحدة، مؤكدةً أن الخلافات بين أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ينبغي حلها بوسائل سلمية وديموقراطية ودبلوماسية. وفي ضوء مفهوم "الأرضية الوسطى"، لم تنضم الصين للكتل الموالية للحرب بقيادة أمريكا وبريطانيا، ولا للكتلة المناهضة للحرب المتمثلة في فرنسا وألمانيا وروسيا. كما رفضت الصين المشاركة في القمة الفرنسية الألمانية الروسية المناهِضة للحرب في 10 فبراير 2003م، في باريس. وفي 4 مارس 2003م، ناشد وزير الخارجية الصيني، تانج جيا شوان، أعضاء مجلس الأمن المحافظة على التضامن والتعاون، ودعا المجتمع الدولي إلى التحلي بالصبر والحكمة في تنفيذ القرار رقم 1441 بشأن الأزمة العراقية، بدلاً من شن حرب ضد نظام صدام.

في بداية حرب العراق، أصدرت الحكومة الصينية إعلانًا في صحيفة الشعب اليومية "People’s Daily" يؤكد أن الصين كانت لديها مخاوف شديدة تجاه الإجراءات العسكرية الأمريكية ومن الدول الأخرى تجاه العراق، مصرحةً أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1441 الصادر في نوفمبر 2002م، ينبغي أن يكون أساس الحل السياسي. وقد دعت الصين جميع الدول المعنية لوقف أعمالها العسكرية والعودة إلى المسار الصحيح نحو التسوية السياسية لقضية العراق."

رد فعل الصين على القضية النووية الإيرانية (2006 – 2015)

يمكن وصف القضية النووية الإيرانية بأنها مأزق دبلوماسي طويل المدى، حيث يمكن اعتبار الطرفين المتصارعين بأنهما الين (أمريكا) واليانج (إيران). ولم تؤيد الصين في البداية اقتراح الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإحالة القضية إلى مجلس الأمن لمناقشتها والتعامل معها، ولكنها وافقت على ذلك في النهاية لأن جميع القوى الرئيسية كانت قد وافقت على الاقتراح. وتمسكت بكين بأربعة مبادئ عند السعي للوصول إلى حل للأزمة: أولاً، أن إيران لديها الحق المشروع لاستخدام الطاقة النووية وإجراء البحوث في هذا المجال من أجل أغراض سلمية؛ ثانيًا، أي سعي إيراني للحصول على أسلحة نووية مرفوض لأنه ينتهك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وقد يحفز سباقًا لامتلاك الأسلحة النووية في الشرق الأوسط؛ ثالثًا، ينبغي تسوية القضية النووية الإيرانية بوسائل سلمية ودبلوماسية؛ رابعًا وأخيرًا، ينبغي أن تؤدي الأمم المتحدة دورًا محوريًا في حل هذا الصراع. وقد أصدر مجلس الأمن من 2006 إلى 2010م، أربعة قرارات تفرض عقوبات على إيران. وفي كل مرة، استُبعدت من القرارات أي مادة مقترحة تتعارض مع مبادئ الصين أو مع مصالحها الاقتصادية الحيوية. وبمعنى آخر، انحازت الصين للمجتمع الدولي فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية بعد مراعاة مبادئها ومصالحها المعلنة. وفي أبريل 2008م، اجتمع كبار المسؤولين من المؤسسات المعنية بالسياسة الخارجية من الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي في شنغهاي لمناقشة القضية النووية الإيرانية. وتوصل المسؤولون إلى توافق في الآراء على الإطار الممكن لحل ممكن شامل وملائم وطويل المدى للقضية، بما في ذلك الطلب من إيران تعليق نشاطها في التخصيب النووي مؤقتًا. وفي 31 مارس 2015م، طرح وزير الخارجية الصيني، وانج يي، أربعة مبادئ للعمل على القضية النووية الإيرانية، وهي: السعي للتسوية السياسية، والتمسك بإجراءات متوازية تتخذها كل دولة، وتبني إجراءات إضافية بناءً على تجاوب الأطراف، والسعي لحل شامل. وقد توصل الأعضاء الدائمون الخمسة في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا، في 14 يوليو 2015م، إلى اتفاق تاريخي مع إيران. وقال وزير الخارجية الصيني، وانج يي، إن الصين لم تكن من ضمن الأطراف المتصارعة في القضية، ولذلك فيمكنها أن تسهل إجراء وساطة دولية عادلة وغير متحيزة. وقد أدت الصين في الحقيقة دورًا فريدًا وبنّاءً في دعم إتمام الصفقة النووية الناجحة التي نتجت، وهو ما أقرت به جميع الأطراف. غير أن الصين لم تستغل تلك الفرصة لطرح اقتراح للأمن المشترك في الخليج.

رد فعل الصين على الخلاف الإيراني ــ السعودي (منذ 2015 حتى الآن)

مع تزايد التطور الاقتصادي في الصين، أصبح اعتماد بكين على الأسواق الأجنبية لمواد الخام والوقود والموارد في ازدياد، وتحديدًا فيما يتعلق بمنطقة الخليج، وذلك منذ تولي شي جين بينج الرئاسة في 2013م. وقد حوَّلت الصين أولويتها الدبلوماسية، في ظل مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" (أي "حزام طريق الحرير الاقتصادي" و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" اللذين طرحهما الرئيس شي في 2013م) بعيدًا عن الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا وكندا، إلى الدول النامية، فجعلت الخليج إحدى أولوياتها. ويمكن أن تُعتبر مبادرة الصين "حزام واحد، طريق واحد" منهج بكين للتقارب والتعاون الأوروبي الآسيوي (أو ما يُطلق عليه Eurasian continentalism) من أجل الحقبة الجديدة. وتنطبق الصورة المجازية للين واليانج على إيران والسعودية اللتين تمثلان كيانين عملاقين على جانبيّ الخليج، يحافظان على توازن طبيعي للقوة بين العرب والفرس، وبين المسلمين السنة والشيعة، وبين القوى المؤيدة للولايات المتحدة والمناهضة لها. إن الخلاف بين إيران والسعودية يرجع إلى أسباب كثيرة وعميقة. وفي 3 يناير 2016، قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. وبعدها بفترة وجيزة، سارت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان وجيبوتي والصومال على خطى السعودية، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران. رأت الصين الخلاف على أنه الامتداد الطبيعي لخلافات الرياض وطهران في لبنان والعراق وسوريا واليمن. إذ كان الرئيس الصيني، شي جين بينج، يخطط لزيارة السعودية ومصر وإيران في أواخر يناير 2016، وكان نائب وزير الخارجية الصيني قد قام بزيارة مبكرة لتلك الدول الثلاث في 6-8 يناير وذلك تحضيرًا لزيارة الرئيس شي. وقد دعا الرياض وطهران إلى التحلي بضبط النفس وتخفيف التوترات الإقليمية. ولكن محاولة بكين لصنع السلام في هذه القضية لم يكن لها دورًا جوهريًا أو ملحوظًا، فوثيقة الصين للسياسة العربية لا تشير إلى إيران أو إلى حل الصراع، وناقش شي فقط العلاقات الثنائية مع قادة السعودية ومصر وإيران على حدة، أثناء زياراته الرسمية لتلك الدول الثلاث. وقد كان التركيز على تنفيذ الصين لمبادرتها "حزام واحد، طريق واحد"، بدون طرح أي خارطة طريق فعلية لتصالح الرياض وطهران. كما تم تجاهل مسألة خطط الأمن الخليجي المشترك، وقد كانت سياسة الصين المتوازنة تجاه الخليج واضحة في المحادثات، حيث حاولت الصين تعزيز علاقاتها الثنائية مع مصر والسعودية وإيران على نحوٍ متوازنٍ، مع رفع مستوى علاقات الدول الثلاث إلى "شراكة استراتيجية شاملة".

الخلاصة

اتسمت منطقة الخليج في العقود الأربعة الماضية بتكتلات دفاعية مشتركة بدلاً من تحقيق الأمن المشترك. وفي مواجهة تلك المنافسة الجغرافية السياسية ذات المحصلة الصفرية، لا تمتلك الصين استراتيجية واضحة. إن جوهر التعاون الاستراتيجي الصيني مع دول الخليج يتمثل في المحافظة على المرونة الاستراتيجية، حيث تُجرَى تعديلات في السياسة الاستراتيجية، استجابةً لفرص جديدة، على أساس كل حالة على حدة، وفقًا لوجهة نظر صناع القرار تجاه أوجه المفاضلة. ومنذ انتخاب القيادة الصينية الجديدة في 2012م، أصبح الشرق الأوسط يُنظر إليه على أنه عنصر مهم في مبادرة الصين "حزام واحد، طريق واحد"، إذ يُرى أن دول مجلس التعاون الخليجي الست بجانب إيران والعراق تؤدي دورًا جوهريًا في تعزيز أمن الطاقة الصينية وتوسيع الأسواق الأجنبية ودفع قوتها الناعمة نحو الأمام في العقد القادم. وقد ركزت بكين على سياستها الخارجية القائمة على الممنوعات الأربعة: عدم الانحياز، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وعدم إلحاق شروط سياسية عند عرض المساعدة، وعدم وجود نطاقات نفوذ في الخارج. وقد حظيت تلك السياسة بترحيب من دول الخليج. وقد فضلت الصين مبادرة الأمن الخليجي المشترك، وذلك في سبيل حماية مصالحها ذات الطابع العملي، والتي وإن كانت هشة إلا أنها آخذة في التوسع والتزايد وتنامي الأهمية، ولكنها ما زالت غير واثقة من جوهر ذلك الأمن المشترك في الخليج. أما بالنسبة للمسار نحو الأمن المشترك، ترى بكين أن القوى الخارجية ينبغي ألا تسعى لسياسات تحالفية، وأن صراعات الخليج ينبغي أن تُحل على يد دول الخليج نفسها، عن طريق وسائل سلمية ومفاوضات. ويعتمد دور الصين في شؤون الأمن الخليجي على مبادئ الصين المتمثلة في "الحفاظ على العلاقات الجيدة مع جميع الأطراف، وتحقيق تعددية الأطراف في حل صراعات الخليج". ويرى المسؤولون الصينيون أن هذا المنهج سيهيّئ الظروف لتحسين خطاب الصين الدولي، بجعله أكثر إقناعًا، وعندها ستُزيد الصين من "أثرها المعنوي" ونفوذها السياسي، وستضمن استمرار "عدم وجود أعداء" بينها وبين دول الخليج والقوى الخارجية، فضلاً عن قدرتها على تحقيق مصالحها لأقصى حد، وهي الدبلوماسية على الطريقة الصينية والتي يُطلق عليها دبلوماسية "تاي تشي". إن هذه الدبلوماسية تتخذ طابعًا سلبيًا يتسم بتجنب المخاطر، مما يجعل من الصعب على بكين الطرح الفعلي لـ "مبادرة الأمن الخليجي المشترك". وتهدف الشراكات الاستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وبين الصين وإيران، إلى تشكيل بيئة مناسبة للتعاون الاقتصادي والسياسي الثنائي فقط، وليس السعي إلى حل الصراع. وفيما يتعلق بتنفيذ التعاون الاستراتيجي مع دول الخليج، لا تتقيد الصين باستخدام القنوات الثنائية مع الدول الإقليمية المحورية، ولكنها أيضًا تتجه الى الساحات متعددة الأطراف. ومن تلك القنوات ذات الصلة: منتدى التعاون الصيني العربي، والأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، ومجموعة العشرين، والمؤتمر المعني بالتفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا، والبنك الأسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، وصندوق طريق الحرير، واتحاد المغرب العربي، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، ومنظمة التعاون الإسلامي، إلا أن تلك القنوات ليست لأغراض الأمن المشترك. ويختلف ذلك النموذج تنموي التوجه إلى حدٍ كبير عن النموذج الغربي أمني التوجه. وقد نجحت دبلوماسية "تاي تشي" الصينية في الخليج، أي السعي نحو التعاون الاقتصادي مع نبذ الصراع الأمني الإقليمي، بوجه عام، وأصبحت الصين بالفعل قادرة على الانسجام مع جميع الأطراف. بيْد أن بكين قد تواجه صعوبة كبيرة في استمرارها على "عدم وجود أعداء" والمحافظة على "مستوى منخفض من المخاطر" مع جميع الأطراف، فسياستها المبهمة وغير الحاسمة بشأن الخليج يمكن بالكاد أن تلبي احتياجات التفاعل والانخراط في عوامل جغرافية اقتصادية وجغرافية سياسية. كما سيواجه ذلك التوجه غير المتحيز المزيد من العقبات على أرض الواقع، وسيكون من الصعب الحفاظ عليه على المدى البعيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*بروفيسور بمعهد دراسات الشرق الأوسط ـ شنغهاي ـ جامعة الدراسات الدولية ـ الصين

مجلة آراء حول الخليج