; logged out
الرئيسية / 6 محددات تصوغ السياسة الإيرانية إزاء الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط والخليج

العدد 136

6 محددات تصوغ السياسة الإيرانية إزاء الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط والخليج

الأحد، 31 آذار/مارس 2019

على مدار العقود الأربعة الماضية، اكتسبت قضية الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط اهتمامًا خاصًا من جانب إيران، وذلك لاعتبارات عديدة: يتمثل أولها، في أن إيران كانت تتطلع دومًا إلى ممارسة دور رئيسي في المنطقة، باعتبار أنها تمتلك، وفقا لرؤيتها، من الإمكانيات ما يؤهلها للقيام بذلك. وهنا، فإن هذه الطموحات لم تختلف سواء قبل اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979م، أو بعدها، وإنما اختلفت الآليات فقط التي سعت من خلالها إلى تحقيق هذه الطموحات.

ورغم أن إيران الثورة حرصت على تغيير توجهات سياستها الخارجية، خاصة فيما يتصل بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول الجوار، إلا أنها لم تتراجع عن مساعيها للتمدد في الخارج، وعدم الالتزام بالحدود الطبيعية للدولة الإيرانية مستغلة في هذا السياق أدوات خشنة وناعمة، على غرار تكوين ودعم بعض التنظيمات الإرهابية والمسلحة، مثل حزب الله اللبناني، وتبني نظريات أيديولوجية مثل "تصدير الثورة" و"نصرة المستضعفين في الأرض" و"إقامة الحكومة العالمية للإسلام"، وهى الشعارات التي حرصت على إخفاء أهدافها الحقيقية خلفها، وفي مقدمتها تدعيم نفوذها في المنطقة والتحول إلى طرف رئيسي مشارك في صياغة ترتيباتها السياسية والأمنية.

وثانيها، أن إيران كانت باستمرار طرفًا رئيسيًا معنيًا بالتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي فرضت تحولات استراتيجية كبيرة كان لها تأثير على أمنها الإقليمي. إذ انخرطت في حرب دامت ثمانية أعوام مع العراق في الفترة من عام 1980م، وحتى عام 1988م، ثم سعت إلى استغلال الغزو العراقي للكويت عام 1990م، من أجل تعزيز جهودها لتحسين علاقاتها مع القوى الدولية وبعض دول الجوار. وأخيرًا كان لها دور في الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م، باعتبار أنه تسبب في غياب ألد خصومها الإقليميين وسمح لها بتوسيع نطاق نفوذها داخل العراق، مستغلة علاقاتها مع القوى الطائفية التي سبق أن لجأت إليها خلال عهد الرئيس الأسبق صدام حسين.

وأخيرا حاولت إقامة علاقات مع قوى داخلية، لاسيما ما يسمى بالفاعلين من غير الدول، من أجل تعزيز قدرتها على التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، على نحو تسبب في تصاعد حدة التوتر في علاقاتها مع كثير من تلك الدول، وهو ما بدا جليًا في مواقفها من الأحداث التي شهدتها تونس وامتدت إلى دول عربية أخرى منذ نهاية عام 2010م.

وثالثها، أن إيران سعت، في بعض الأحيان، إلى تحويل بعض المناطق في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها منطقة الخليج، إلى ساحة لإدارة صراعاتها مع بعض القوى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، على نحو يبدو جليًا في تهديداتها المستمرة بإغلاق مضيق هرمز في حالة ما إذا تم منعها من تصدير نفطها إلى الأسواق الدولية، على خلفية العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة الأمريكية فرضها عليها عقب انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018م.  

فقد قال الرئيس حسن روحاني، في 4 ديسمبر 2018م، أنه "لن يكون في وسع أى بلد تصدير النفط من الخليج في حالة ما إذا منعت إيران من تصدير نفطها"، في إشارة إلى أن إيران يمكنها، وفقًا لرؤية مسؤولي النظام، إغلاق مضيق هرمز لمنع مرور السفن المحملة بالنفط إلى الأسواق الدولية.

لكن إيران بدت حريصة على توجيه إشارات تفيد أن لديها آليات وخيارات أخرى بديلة لإغلاق المضيق، على نحو انعكس في التصريحات التي أدلى بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، في 4 فبراير 2019م، وقال فيها أن "وقف صادرات النفط لا يساوي بالضرورة إغلاق مضيق هرمز"، مضيفا أن "هناك طرقًا عديدة لتنفيذ ذلك، نأمل ألا نجبر على استخدامها".

كما يواصل الحرس الثوري إجراء مناورات عسكرية في منطقة الخليج، بالتوازي مع التهديدات التي يوجهها قادته بإمكانية قيام إيران باستهداف مصالح أمريكية في المنطقة في حالة تعرضها لأي هجوم. إذ أكد قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، في 13 سبتمبر 2018م، أن "على الذين يمتلكون قواعد وقوات ومعدات على أطراف إيران وبمدى ألفى كيلو العلم بأن صواريخ الحرس الثوري عالية الدقة".

محددات رئيسية:

يمكن القول أن السياسة الإيرانية إزاء قضية الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط تعتمد على مجموعة من المحددات الرئيسية التي تتمثل في:

1-تكريس النفوذ: تدعي إيران أن القدرات التي تمتلكها، على أكثر من مستوى، تؤهلها للتحول ليس إلى قوة إقليمية في المنطقة فحسب، وإنما إلى القوة الإقليمية الأولى، وهو فارق شاسع يرتبط برؤية النظام الإيراني للمجال الحيوي الذي تحاول إيران ممارسة نفوذها فيه.

واللافت في هذا السياق، أن إيران حاولت نقل هذه الرؤية إلى المسؤولين الأجانب. فعلى سبيل المثال، أشار الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي العربي السابق إلى سوريا، عندما كان يبذل جهودًا حثيثة خلال فترة توليه منصبه (أغسطس 2012-مايو 2014م) بهدف إقناع إيران بالتدخل من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة السورية، إلى أن الأخيرة اشترطت أن يكون هناك اعتراف دولى بها باعتبارها القوة الرئيسية الأولى فى المنطقة، إذ قال له المسؤولون الإيرانيون الذين التقى بهم حسب تصريحاته: "نحن لسنا دولة مهمة فى الإقليم، بل نحن الدولة المهمة فيه".

2-مناوءة العمق العربي للخليج: رفضت إيران بصفة دائمة أية مبادرات عربية تتصل بقضية أمن الخليج باعتبارها قضية حيوية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط برمتها، على غرار "إعلان دمشق" الذي تم توقيعه في 6 مارس 1991م، في العاصمة السورية دمشق، واعتبرت أن الترتيبات الأمنية التي يمكن أن يفرضها تمثل تقليصًا لقدرتها على تكريس نفوذها باعتبارها القوة الأولى وفقًا لتصورات قيادتها.

ومن هنا عارضت طهران تلك المبادرة، وأعلنت على لسان نائب وزير الخارجية الأسبق محمد بشارتي رفضها أى دور مصري وسوري في ترتيبات الأمن في الخليج، وادعت أن ذلك يعود إلى الأسس التي تقوم عليها رؤيتها لـ"أمن الخليج" والتي تتضمن النقاط التالية:

-       رفض التدخل الأجنبي في الترتيبات الأمنية التي تجري صياغتها في المنطقة.

-       التعاون الشامل بين جميع دول الإقليم، أى إيران ودول مجلس التعاون الخليجي الست، مع استثناء العراق (آنذاك بالطبع) بسبب غزو الكويت.

-       استناد الترتيبات الأمنية في المنطقة إلى الصلات التاريخية والدينية والاقتصادية المشتركة بين دول الخليج.

واللافت في هذا السياق، هو أن إيران ما زالت تستند إلى تلكالمبررات نفسها في رفض وعرقلة أية مبادرات تتعلق بقضية أمن الخليج، رغم أنها في النهاية لا تعبر عن التوجهات الحقيقية للسياسة الإيرانية إزاء تلك القضية. بل ربما يمكن القول أن إيران تمعن في تبني آليات معاكسة لتلك المبررات.

فعلى سبيل المثال، تعتبر إيران إحدى أهم الأطراف التي تسعى إلى التدخل في عملية إعادة صياغة الترتيبات الأمنية في بعض دول المنطقة، على غرار ما يحدث في سوريا واليمن والعراق ولبنان، بل والأراضي الفلسطينية، بشكل أدى في النهاية إلى عرقلة الجهود التي تبذل للوصول إلى تسويات لهذه الأزمات، بل وتفاقم تداعياتها السلبية على المنطقة برمتها.

3-تفضيل الصياغات الثنائية: تعمد إيران دائمًا إلى التركيز على ما يمكن تسميته بـ"التوافقات الثنائية" وليس "الجماعية" بينها وبين دول المنطقة فيما يتعلق بقضية الأمن الإقليمي. وحاولت في هذا السياق استغلال عدم وجود رؤية عربية موحدة إزاءها، بل رؤى متعددة، وفي بعض الأحيان متناقضة. ومن هنا توصلت، في فترات مختلفة، إلى مذكرات للتعاون الأمني مع بعض دول المنطقة.

وتعتبر التفاهمات الدفاعية والأمنية التي توصلت إليها إيران وقطر تحديدًا أحد أبرز الأمثلة على ذلك. ففي 9 مارس 2010م، وقعت الدولتان مذكرة للتعاون الدفاعي، تضمنت مكافحة الجريمة المنظمة، وحماية الحدود ومكافحة تهريب المخدرات وغسل الأموال والاتجار بالبشر. وفي 26 ديسمبر 2013م، اتفقت الدولتان على التعاون لحماية الحدود المشتركة وتدريب قوات خفر السواحل القطرية، على هامش زيارة قام بها وفد من الحرس الثوري إلى الدوحة.

وفي 20 أكتوبر 2015م، أبرمت طهران والدوحة اتفاقية للتعاون الأمني والعسكري بعنوان "مكافحة الإرهاب والتصدي للعناصر المخلة بالأمن في المنطقة". وتمثل أحد أهم بنودها في قيام الحرس الثوري بتدريب القوات البحرية القطرية. كما أجرت الدولتان مناورات عسكرية مشتركة، بدأتها في 27 ديسمبر 2013م، بمناورات بحرية في منطقة الخليج.

وقد حاولت إيران استغلال الضغوط التي تعرضت لها قطر على ضوء قرارات المقاطعة التي اتخذتها الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب والداعمة للاستقرار، بداية من 5 يونيو 2017م، من أجل تعزيز نفوذها داخل قطر، ورفع مستوى التنسيق مع الأخيرة، بالتعاون مع تركيا.

ففي هذا السياق، قام وفد من الحرس الثوري بزيارة الدوحة في 15 مارس 2018م، للمشاركة في مؤتمر الدوحة الدولي للدفاع البحري "ديمدكس 2018"م، حيث حرص رئيس الوفد نائب قائد القوات البحرية علي رضا تنكسيري على الترويج لمزاعم حول "تمسك إيران بأمن الخليج"، مضيفًا: "إن الخليج بيتنا، وأمنه بيدنا". وتشير تقارير عديدة إلى أن الحرس الثوري يتولى حماية قصر الأمير تميم بن حمد بذريعة تدريب بعض القوات.

وبدا أن ثمة تقاربًا ملحوظًا في الرؤيتين القطرية والإيرانية فيما يتعلق بقضية أمن الخليج، بعد أن دعت قطر إلى التوصل لإطار أمني إقليمي يستوعب إيران، متجاهلة بذلك كل التداعيات السلبية التي تفرضها أدوار إيران في المنطقة.

واللافت في هذا السياق، أن هذا التعاون الأمني والعسكري بين الطرفين كان له تأثير حتى على الملفات الإقليمية التي تحظى باهتمام خاص من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الملفين اليمني والسوري.

فقد شاركت قطر في دعم المتمردين الحوثيين، ماديًا وعسكريًا وإعلاميا، من أجل دفعهم إلى عدم الاستجابة لقرارات مجلس الأمن والجهود التي تبذل للوصول إلى تسوية للأزمة في اليمن، وبدا ثمة تنسيق عالي المستوى يجري بين طهران والدوحة في هذا السياق.

بل إن الأمر لم يقتصر على ذلك، حيث اتهمت جهات يمنية عديدة قطر بأنها وراء عمليات التخريب التي تشهدها بعض المناطق التي يتم تحريرها من جانب قوات الشرعية اليمنية وقوات التحالف العربي.

أما في سوريا، فقد شاركت الدوحة وطهران في التوصل إلى ما يسمى بـ"صفقة البلدات الأربعة" (مضايا والزبداني وكفريا والفوعة)، في 12 أبريل 2017م، وقضت بإخراج المقاتلين والمدنيين السنة من بلدتى مضايا والزبدانى فى ريف دمشق، مقابل إخراج المقاتلين والمدنيين الشيعة من بلدتي الفوعة وكفريا.

وقد ساهمت قطر فى الوصول إلى هذه الصفقة بتدخلها لدى "جبهة فتح الشام" مقابل تدخل إيران لدى حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى، وهو ما ارتبط بصفقة أخرى تدخلت فيها الدولتان لتأمين الإفراج عن 26 قطريًا، بينهم أعضاء فى الأسرة القطرية الحاكمة، كانوا مختطفين من جانب جماعة شيعية عراقية منذ 18 ديسمبر 2015م، حيث تم الإفراج عنهم بعد أسبوع واحد من إبرام صفقة البلدات الأربع.

4-تهديد أمن واستقرار دول الخليج: لم تكف إيران عن تهديداتها المتواصلة لأمن واستقرار بعض دول الخليج، على غرار ما حدث في الكويت والبحرين، حيث سعت إلى تكوين وتدريب بعض الخلايا الإرهابية التي حاولت تنفيذ عمليات إرهابية داخل الدولتين.

فقد قامت طهران بتمويل "خلية العبدلي" الإرهابية التي أصدرت محكمة التمييز الكويتية، في 18 يونيو 2017م، حكمًا قضى بإدانة جميع المتهمين فيها. كما كشفت السلطات البحرينية، في 8 فبراير 2018م، الخلية الإرهابية التي قامت بتفجير أنبوب النفط البحريني-السعودي، وأشارت إلى أن التوجيهات الخاصة بتنفيذ تلك العملية جاءت من إيران، في ظل ارتباط عنصرين من منفذي العملية بالحرس الثوري. وفككت أجهزة الأمن البحرينية، في 2 مارس 2018م، خلية إرهابية كانت تضم 116 عنصرًا مدعومين من إيران، كانوا يستعدون لتنفيذ مخطط إرهابي.

ويتوازى ذلك بالطبع مع النفوذ الذي سعت إيران إلى تكريسه في العراق منذ إسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003م، والذي حاولت من خلاله توجيه تهديدات عديدة سواء لدول الجوار أو للقوى الدولية المعنية بالأمن والاستقرار في المنطقة.

فعلى سبيل المثال، دعت ميليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي الموالية لإيران، في 20 يونيو 2016م، إلى "العنف المسلح ضد الحكومة البحرينية"، على نحو لا يمكن فصله عن التوتر المستمر بين المنامة وطهران بسبب إمعان الأخيرة في التدخل في الشؤون الداخلية البحرينية ودعم بعض التنظيمات الإرهابية.

ويبدو واضحًا أن تلك التنظيمات تحولت إلى ميليشيات عابرة للحدود تهدف إلى خدمة مصالح طهران، على نحو ينعكس في الأدوار التي قامت بها في سوريا، إلى جانب دعمها للميليشيات الأخرى الموالية لإيران، مثل المتمردين الحوثيين.

5-امتلاك برنامج نووي مثير للشبهات: رغم إصرار إيران على تأكيد أن برنامجها النووي سلمي، إلا أن عدم التزامها ببنود الاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015م، فضلاً عن تهديداتها المستمرة لدول الجوار والقوى الدولية المعنية بتطورات المنطقة، إلى جانب حرصها على تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، كل ذلك يضفي مزيدًا من الشكوك على ادعاءاتها بخصوص طبيعة هذا البرنامج.

واللافت في هذا السياق، أن الاتفاق النووي لم يقلص من المخاطر التي يمكن أن يفرضها هذا البرنامج على أمن ومصالح دول الجوار، وخاصة دول الخليج. وهنا، فإن المسألة لا تتعلق فقط بالجانب العسكري المحتمل لهذا البرنامج، الذي تؤكده شواهد عديدة، على غرار تعمد إيران إخفاء بعض أنشطتها النووية عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعمدها بناء بعض المنشآت المهمة في هذا البرنامج تحت الأرض، مثل منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم.

إذ أن ثمة إشكالية أخرى تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لدول مجلس التعاون، وتتعلق بالمخاطر البيئية المحتملة لهذا البرنامج، والتي تعود إلى اعتبارين رئيسيين هما:

أ‌-     وقوع إيران في منطقة تصادم الصفائح الواقعة مباشرة تحت قشرة الكرة الأرضية، على نحو أدى إلى تعرضها لزلازل مدمرة أنتجت تداعيات كبيرة، على غرار الزلزال الذي وقع في عام 1990م، وأسفر عن مقتل 40 ألف شخص، والزلزال الذي شهدته مدينة بم في عام 2003م، وأدى إلى مقتل 42 ألف شخص.

ب‌-         قرب بعض المواقع النووية الإيرانية من عدد من العواصم الخليجية أكثر من قربها من طهران، على غرار مفاعل بوشهر، الذي يبعد عن الكويت بمسافة 250 كيلومتر فقط.

ومن هنا، ظهرت مخاوف عديدة من إمكانية حدوث تسرب إشعاعي قد يمتد إلى مياه الخليج ويصل إلى العواصم الخليجية، سواء بسبب الزلازل المتكررة التي تقع في المنطقة التي تضم بعض المنشآت النووية، أو بسبب أى هجوم عسكري محتمل قد تتعرض له المنشآت النووية الإيرانية.

ففي هذا السياق، قال الدكتور عدنان التميمي مدير مركز مجلس التعاون الخليجي لإدارة حالات الطوارئ، في 23 نوفمبر 2016م، إن المركز يتابع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الآثار المحتملة للبرنامج النووي الإيراني التي يمكن أن تتسبب في تلوث مياه الخليج، الذي تعتمد عليه دول المجلس في تحلية مياه الشرب، وأبدى قلقه من اختفاء بعض الأجهزة الإشعاعية في مفاعل بوشهر.

بدائل محتملة:

من هنا، يمكن القول إن الرؤية الإيرانية لقضية الأمن الإقليمي في المنطقة لا تتوافق مع مصالح وأمن معظم الدول الأخرى، بل إنها تقوم في الأساس على محددات تنتج تداعيات سلبية على الأخيرة، وهو ما يفرض عليها دراسة بدائل محتملة للرد على تلك الرؤية، يمكن تناول بعضها على النحو التالي:

1-مواجهة أدوار إيران التخريبية في المنطقة: وهو ما بدأت بعض الدول المعنية في اتخاذ خطوات إجرائية على الأرض لتحقيقه، على غرار الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب، والدول المشاركة في اللجنة الرباعية العربية المعنية بمتابعة تطورات الأزمة مع إيران.

وبالطبع، فإن ذلك يتوازى مع الجهود التي تبذلها دول التحالف العربي بقيادة السعودية من أجل استعادة الشرعية الدستورية في اليمن وإنهاء التمرد الحوثي الذي تدعمه إيران.

كما يتوافق مع تركيزها على مخاطر التنسيق المستمر بين إيران وقطر، خاصة في ظل تشابه السياسات والآليات التي تتبناها الدولتان، على غرار دعمها للتنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض الدول، وتورطهما في تهديد أمنها واستقرارها.

2-العمل على إشراك دول المنطقة في المفاوضات المحتملة بين إيران والقوى الدولية: وهو ما دعت إليه بعض دول مجلس التعاون الخليجي. وكان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش آخر من دعى إلى ذلك، عندما طالب، في 19 سبتمبر 2018م، بأن تكون دول المجلس طرفًا في أية مفاوضات محتملة قد تجري بين إيران والقوى الدولية، وذلك بعد أن أعربت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبتها في التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران يستوعب التحفظات التي تبديها على الاتفاق النووي الحالي وتسببت في انسحابها منه وفرضها عقوبات جديدة على إيران.

3-الدعوة إلى ضرورة عدم حصر الخلافات مع إيران في الاتفاق النووي: إذ أن ثمة قضايا أخرى لا تقل أهمية، على غرار برنامج الصواريخ الباليستية، الذي يؤثر بالطبع على مصالح وأمن دول المنطقة، ليس فقط بسبب التهديدات الإيرانية المستمرة باستخدامها لاستهداف تلك الدول، وإنما أيضًا لإمعان طهران في تهريب الصواريخ إلى التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها حركة الحوثيين في اليمن، والتي استخدمتها في تهديد أمن السعودية التي نجحت في التصدي لها.

4-رفع مستوى التنسيق الأمني بين الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار: وهو ما يكسب الدعوة لمواجهة أدوار إيران التخريبية عمقًا عربيًا، على نحو تبدو انعكاساته واضحة في التنسيق المستمر بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها السعودية والإمارات والبحرين، والعديد من الدول العربية، مثل مصر والأردن.

وفي النهاية، يمكن القول إن هذه الخيارات سوف تكتسب أهمية وزخمًا خاصًا خلال الفترة القادمة، التي ربما تشهد مزيدًا من التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، على نحو يفتح الباب أمام احتمالات متعددة تتراوح بين التصعيد العسكري، المباشر وغير المباشر، والتفاوض، سرًا وعلنًا، في حالة ما إذا أدركت إيران أنها لن تستطيع استيعاب الضغوط التي تتعرض لها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*خبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ورئيس تحرير مجلة "مختارات إيرانية" الصادرة عن المركز

مجلة آراء حول الخليج