array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 136

الأمن الذاتي لدول الخليج: الركيزة الأساسية لتحقيق توازن القوى الإقليمي

الأحد، 31 آذار/مارس 2019

مع أهمية كافة آليات الحفاظ على أمن منطقة الخليج العربي، فإن تحقيق الأمن الذاتي لايزال هو جل تلك الآليات لاعتبارات عديدة ليس أقلها إنه في ظل التداخل والتشابك بين أمن الخليج العربي ودوائر أخرى أكبر نطاقًا فإن الأمن الذاتي يظل هو الركيزة الأساسية لدول الخليج في مواجهة التهديدات الأمنية من خلال ممارسة مفهوم الردع على أرض الواقع  وهو ما بدأته دول الخليج بالفعل ابتداءً بالحفاظ على أمن مملكة البحرين عام 2011م،  كونه جزء لا يتجزأ من أمن دول الخليج العربي ووصولاً إلى قيادة المملكة العربية السعودية للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن وإجهاض المشروع الإقليمي لإيران، وتأسيسًا على ما سبق تثار أربعة تساؤلات:

 الأول: ما هي آلية تفاعلات القوى داخل الأقاليم المختلفة ومن بينها منطقة الخليج العربي؟

 والثاني: ما هي أهم مؤشرات تطور القدرات العسكرية لدول الخليج؟

 والثالث: ما مدى انعكاس القدرات العسكرية لدول الخليج على مواجهة التهديدات الأمنية؟

 والرابعة: ما هي أبرز التحديات التي تواجه تحقيق الأمن الذاتي الخليجي؟ وما متطلبات تطوير الدفاع الخليجي المشترك؟         

أولاً: تفاعلات الأمن الإقليمي عمومًا وفي منطقة الخليج العربي على نحو خاص:

من خلال رصد وتحليل الدراسات التي تناولت مفهوم الأمن الإقليمي وشروط تحقيقه وهو ذلك المستوى من الأمن الذي يقع ما بين الأمن الوطني والأمن العالمي، وهي دراسات عديدة كان من بينها أطروحتين لنيل درجة الدكتوراه عام 2009م، بعنوان" تطور الأمن الإقليمي الخليجي منذ عام 2003: دراسة في تأثير استراتيجية حلف الناتو"، فقد أجمعت تلك الكتابات على أن التفاعلات داخل الأقاليم عمومًا وذات الموقع الاستراتيجي بالنسبة للأمن العالمي على نحو خاص ومن بينها منطقة الخليج العربي دائمًا تدور بين ثلاث قوى الأولى: وهي القوى التدخلية وهي كافة القوى التي لها مصالح جوهرية في الإقليم ومن ثم فإنها دائمًا ما تتواجد فيه بشكل أو بآخر وهي عديدة في حالة أمن الخليج العربي الذي كان-ولايزال- يشهد تنافسًا دوليًا من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية والآسيوية، بينما تتمثل القوى الثانية في القوى المناوئة: وهي تلك القوى التي تسعى للتصدي لذلك التدخل وتتمثل في العراق إبان حقبة صدام حسين وإيران في الوقت الراهن، أما القوة الثالثة فهي القوى الموازنة: وتتمثل في دول مجلس الخليج العربية التي من شأنها ضبط تلك التفاعلات بحيث تظل الصراعات عند الحدود المألوفة بما يضمن عدم خروجها عن السيطرة، ومن ثم فإن الأزمات التي شهدتها المنطقة ابتداءً بالحرب العراقية-الإيرانية1980-1988م، ومرورًا بالغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م، ووصولاً للغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، جميعها أزمات شهدت غيابًا لتأثير القوة الموازنة أو بالأحرى كان آداؤها رمزيًا، إذ كان من شأن دور تلك القوة الحفاظ على معادلة توازن القوى الإقليمي- ذلك  المصطلح الذي وإن تعددت تعريفاته ولكن جميعها أجمعت على أنه يعني" عدم امتلاك أي دولة قوة كافية للهيمنة وإجبار الدول الأخرى في المنطقة على الرضوخ لمشاريعها وتطلعاتها"، وقد كانت هناك إسهامات فكرية متميزة للغاية حول مفهوم توازن القوى منها على سبيل المثال لا الحصر  ما قدمه هانز مورجانثو مؤسس النظرية الواقعية في العلاقات الدولية الذي حدد مرتكزين أساسيين لمفهوم توازن القوى الأول: مادي ويقصد به تعادل أو تساو حسابي بين مقدار القوة العسكرية التي تمتلكها القوى الدولية، والثاني: إدراكي ويقصد به إدراك تلك القوى لذلك التعادل ويعد ذلك جزءًا من مفهوم أشمل وهو "المعضلة الأمنية".

  وفقًا لهذا التصور فإن مورجانثو من أنصار تأسيس قوة ذاتية من أجل تحقيق التوازن مع القوى الأخرى – وهو ما أؤيده وبقوة- ومع أهمية ذلك الطرح فإنه قد يكون ملائمًا للدول الكبرى بيد أنه يعد تحديًا للدول الصغرى وخاصة إذا كانت دولاً تمتلك ثروات وذات موقع جغرافي استراتيجي وتعاني من فجوة في توازن القوى مع القوى المجاورة كما هو  حال دول الخليج، بما يفرضه ذلك الأمر من خيارات دفاعية محددة لتلك الدول وتتمثل في ثلاثة خيارات وهي تعزيز القدرات التسليحية والدخول في شراكات دفاعية وتحالفات ثم خيار الحياد، وأخذًا في الاعتبار أن هناك صعوبات عديدة تكتنف ذلك الخيار فإن كلا الخيارين الأول والثاني يظلان أساسًا لضمان أمن تلك الدول.  

    ثانيًا: مؤشرات تطور القدرات العسكرية لدول الخليج

ربما يكون من الصعوبة رصد كافة جهود دول الخليج لتعزيز قدراتها التسليحية من خلال تفاصيل محددة، إلا أن جل ما أصبو إليه من خلال تلك الرؤية هو الإجابة على تساؤل مفاده: كيف انعكست خطط التسليح سواء على مستوى كل دولة أو من خلال مسيرة التعاون العسكري الخليجي المشترك على مواجهة مهددات أمنها القومي؟ ولهذا التساؤل وجاهته لسببين الأول: أن نشوء مجلس التعاون ذاته كتجمع إقليمي يضم دول الخليج الست كان نتيجة تحدٍ أمني هائل وهو قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، التي استهدفت دول الخليج العربي في المقام الأول، والثاني: ما تشير إليه العديد من المؤشرات من أن دول الخليج هي الأعلى إنفاقًا على التسلح بين دول العالم قاطبة إبان العقود الماضية.

 ومجمل جهود دول الخليج في مجال التسلح بوجه عام تلخصها الندوة التي نظمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بالمنامة بمناسبة إطلاق تقرير التوازن العسكري لعام 2019م، في شهر فبراير من العام ذاته حيث أشار أحد الباحثين المتخصصين في شؤون الدفاع بالمعهد إلى أن هناك تطورًا نوعيًا في القدرات التسليحية لدول الخليج وخاصة فيما يتعلق بتحديث القوات البحرية والتي تزامن معها إطلاق برامج متطورة لتحديث معداته، فضلاً عن اقتناء الأجيال الحديثة من الطائرات، والتأكيد على قدرة الدفاعات الصاروخية الخليجية على صد التهديدات الإيرانية، ومع أهمية مضمون ذلك التقرير فإن العنصر الأهم هو آلية الدفاع الذاتي الخليجي والتي تتمثل في قوات درع الجزيرة والتي شهدت مراحل تطوير عديدة منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981م، وحتى الآن، سواء من حيث الهيكل أو الحرص على تفعيل عمل تلك القوات من خلال إجراء العديد من التمرينات المشتركة والتي تعكس تحولاً نوعيًا ليس فقط في أشكال تلك التمارين بل في أهدافها حيث تعد "عمليات عسكرية متكاملة من المحاكاة لمواجهة عدو حقيقي" ولعل الأمر اللافت في تلك التمارين هو أنها كانت بمشاركة كافة القوات المسلحة الخليجية البرية والبحرية والجوية بما يعنيه ذلك من توجه دول الخليج لتفعيل مفهوم" الإجراءات الاحترازية" على أرض الواقع في ظل حالة التأزيم المزمنة التي يشهدها الإطار الإقليمي بما يعني أن كافة السيناريوهات تظل قائمة، ولم تقتصر تلك التمرينات والمناورات فيما بين دول الخليج فحسب وإنما مع عدد من الدول الغربية وكذلك على المستوى العربي ولعل أبرزها "مناورات درع العرب1" التي شهدتها مصر في نوفمبر2018م، بين ست دول وهي مصر، والسعودية، والبحرين والإمارات، والكويت، والأردن، بالإضافة إلى كل من المغرب ولبنان كمراقبين، وقد يرى البعض أن المعضلة تبقى في الفجوة في حجم القوة العسكرية بين دول الخليج الست وإيران وذلك  استنادًا إلى  تقرير التوازن العسكري لعام 2019م، الصادر عن المعهد المشار إليه، ففي الوقت الذي تبلغ فيه القوات المسلحة الإيرانية العاملة 523,000 ألف جندي نجد أن إجمالي قوات دول الخليج الست العاملة هو 374,800 على النحو التالي" المملكة العربية السعودية 227,000م، دولة الإمارات العربية المتحدة 63,000، سلطنة عمان 42,600،الكويت17,500، البحرين 8,200، قطر 16,500" إلا أن ذلك ليس صحيحًا على إطلاقه حيث أن العبرة ليست في المسألة العددية بل أن لدى دول الخليج تفوقًا واضحًا في سلاح الجو سواء لدى المملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات العربية المتحدة وهما المحوران الرئيسيان اللذان يرتكز عليهما مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فضلاً عن شراء المملكة العربية السعودية طائرات حديثة من طراز إف  15وإنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية في مايو 2017م، بالإضافة إلى ما أشار إليه تقرير حديث لمجلة ديفينس نيوز الأمريكية الشهيرة من أن المملكة "بدأت طريقها نحو الاكتفاء الذاتي عسكريًا" وأن أبرز ما تم في هذا المجال هو خطة المملكة لتطوير البنية التحتية والصناعة ومن بينها قطاع الدفاع والصناعات العسكرية ويتوقع أن تبلغ الاستثمارات في تلك الخطة عمومًا حوالي 426 مليار دولار بحلول عام 2030م، بالإضافة إلى تطور آخر يكتسب أهمية بالغة وهو إعلان  الفريق ركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز قائد القوات الجوية الملكية السعوديةفي السابع عشر من مارس 2019م، أن المملكة تعتزم إنشاء مركز للحرب الجوية بالمنطقة الشرقية وذلك خلال زيارته لقاعدة نيليس الجوية الأمريكية مؤكدًا على أمرين الأول: أن ذلك المركز سوف يكون مماثلاً لما هو موجود في تلك القاعدة، والثاني: أن المركز سوف يتم دعمه بالكوادر البشرية المؤهلة وبالأنظمة التي سوف تتيح للأطقم الجوية والفنية التدريب في واقع مماثل للحرب الحديثة.    

 ومع أهمية تلك المؤشرات باعتبارها تعكس تكريس مفهوم الردع والذي يتفق الخبراء على أنه" إظهار القوة من أجل إثناء الخصم عن القيام بإجراءات غير مرغوب فيها" فإن جهود تعزيز القدرات التسليحية لها ما يعززها سواء من خلال مبادرات إقليمية تستهدف اضطلاع المملكة العربية السعودية بدور إقليمي مهم للدفاع عن مهددات أمن الخليج ومن ذلك  مبادرة  المملكة في الثاني عشر من ديسمبر2018م بشأن تأسيس"  "كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن"، وتضم تلك المبادرة كل من السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، ووفقًا لبيان وزارة الخارجية السعودية الصادر في أعقاب الاجتماع الذي عقد في الرياض لهذا الغرض فإن" سبع دول عربية وهي المملكة العربية السعودية، مصر، السودان، جيبوتي، اليمن، الصومال، والأردن قد اتفقت فيما بينها على تأسيس كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن يستهدف حماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية وتعزيز الأمن والاستثمار والتنمية لدول الحوض" وأن ذلك الكيان" هو مبادرة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لتحقيق الاستقرار في المنطقة، أو الشراكات الدفاعية والاستراتيجية مع القوى الكبرى والمنظمات الدفاعية في العالم، فإضافة إلى الاتفاقيات الأمنية بين دول الخليج والدول الغربية فقد حصلت اثنتان منها على صفة حليف من خارج حلف الناتو وهما مملكة البحرين عام 2002م، ودولة الكويت عام 2004م، وهي صفة تمنحها وزارة الخارجية الأمريكية للحلفاء الذين لديهم علاقات عمل استراتيجية مع القوات المسلحة الأمريكية، إلا أنهم في الوقت ذاته ليسوا أعضاءً في حلف شمال الأطلسي" الناتو" وبموجب تلك الصفة تحصل الدولة على مجموعة متنوعة من المزايا العسكرية والمالية لا تحصل عليها  الدول الأخرى غير الأعضاء في الحلف وذلك ضمن إطار للتعاون المشترك في المجال الدفاعي على المدى البعيد.

 ثالثًا:انعكاس القدرات العسكرية لدول الخليج على مواجهة التهديدات الأمنية

انطلاقًا من أن التحدي إنما يخلق الاستجابة، فدول الخليج برغم كونها تصنف ضمن الدول الصغرى وهو ما قد يضع قيدًا على حشد أعداد كبيرة من الجيوش على غرار دول الجوار الأخرى، إلا أنها انطلاقًا من التحولات التي تشهدها المنطقة العربية منذ عام 2011م، وحتى الآن وما أوجدته من تحديات أمنية لم تكن بعض دول الخليج بمنأى عنها ليس أقلها أزمة البحرين عام 2011م، فإن ذلك قد حدا بتلك الدول العمل على تطوير ما يمكن وصفه "بآليات ردع خليجية" تعكس تطور مفهوم الأمن الذاتي لدول الخليج ابتداءً بالقرار الخليجي بشأن دور قوات درع الجزيرة في الحفاظ على أمن مملكة البحرين خلال أزمة عام 2011م، انطلاقًا من أن أمن مملكة البحرين هو جزء لا يتجزأ من أمن دول الخليج ومرورًا بقرار تأسيس التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية وانتهاءً بإعلان المملكة تأسيس التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب عام 2015م، وجميعها آليات خليجية تتجاوز فكرة التنسيق والتعاون المشترك لتصبح جهودًا عملية خليجية على أرض الواقع لمواجهة تهديدات أمنية وإن تعددت أشكالها ومصادرها إلا أنه يجمعها أمر واحد وأنها تهديد مباشر لمفهوم الدولة الوطنية الموحدة بما استلزم إيجاد تلك الآليات لمواجهتها.

بالإضافة إلى جهود دول الخليج ضمن أطر أخرى لمواجهة خطر الإرهاب ومنها التحالف الدولي لمحاربة داعش، والجهود الدولية للتصدي لخطر القرصنة قبالة سواحل الصومال، بل وتأسيس بعض القواعد العسكرية في دول القرن الإفريقي والذي يعد امتدادًا جيو استراتيجيًا لأمن الخليج العربي.  

 رابعًا: تحديات الأمن الذاتي الخليجي ومتطلبات تطوير الدفاع المشترك:

 وفقًا لطبيعة الحروب الحديثة فإن المشكلة لا تكمن في القوة العددية وخاصة مع انحسار التهديدات البرية لدول الخليج منذ عام 2003م، إلا أن التحديات تكمن في مجموعتين من العوامل الأولى: ترتبط بقدرات دول الخليج، ففي الوقت الذي تعتبر فيه دول الخليج أن تعزيز تسلحها أمر استراتيجي فإنها تواجه في الوقت ذاته تحديات اقتصادية جراء انخفاض أسعار النفط بما قد يضع قيودًا على الاستمرار في وتيرة التسلح ذاتها، من ناحية ثانية فإنه ربما تكون هناك حاجة للاعتماد بشكل أكبر على نظم التجنيد وتوحيد القواعد التي تنظمها فيما بين دول الخليج، ومن ناحية ثالثة فإن تحقيق التكامل بشأن استيراد الأسلحة يبقى أمرًا مهمًا للغاية فإن حصول بعض دول الخليج على الأسلحة ذاتها ربما لن يسهم في تحقيق التكامل العسكري، وتتمثل المجموعة الثانية من العوامل في البيئة الإقليمية الأكبر التي تعمل فيها تلك القوة الذاتية الخليجية وخاصة في ظل وجود مؤشرات تشي بتغير المعادلة الإقليمية ومنها على سبيل المثال مقترح تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي والذي يتوقع أن تنضوي تحت لوائه العديد من الدول في المنطقة ومن بينها دول الخليج، صحيح أن دول الخليج تسهم بالفعل في تحالفات أخرى بالمنطقة سواء أكان التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب أو التحالف الدولي لمحاربة داعش، إلا أن دول الخليج ستكون مطالبة بالتوفيق بين التزاماتها الأمنية في تلك التحالفات كافة بما لا يؤثر على إطار الأمن الذاتي الخليجي، ويتمثل التحدي الثاني في تأثير الأزمة القطرية على منظومة مجلس التعاون وخاصة في ظل التقارب القطري-الإيراني، والقطري -التركي من خلال أطر عديدة وظهور ما يمكن اعتباره محاورًا داخل المنظومة الخليجية وهو ما قد يكون له تأثير على التكامل الدفاعي، أما التحدي الثالث فهو القدرة على تطوير "مجموعة الأمن البحري 81" والتي أقرتها دول الخليج وتمثل الجانب البحري من قوات درع الجزيرة، حيث يقع  على عاتق تلك القوة  مهمة  الحفاظ على أمن الممرات البحرية الحيوية في ظل تزايد مخاطر الأمن البحري من ناحية وتغير الاستراتيجيات الدفاعية الأمريكية، صحيح أنها لن تطال التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج العربي ولكنها تحولات يجب أن تؤخذ بالاعتبار، التحدي الرابع يتمثل في التحولات الاستراتيجية الإقليمية وأهمها القرار الروسي بتزويد سوريا بمنظومة صواريخ إس 300، فضلاً عن القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا وجميعها مؤشرات تمثل تحديات لدول الخليج في ظل تنامي العلاقات الإيرانية ـ السورية بل وظهور بوادر محور ثلاثي استراتيجي أبرز مؤشراته الاجتماع الثلاثي في سوريا بين رؤساء أركان الدول الثلاث" سوريا والعراق وإيران" في مارس 2019م، والذي يعد اللقاء الأول من نوعه حيث استهدف مناقشة مكافحة الإرهاب والتعاون الإقليمي وتطوير العلاقات الدفاعية والعسكرية.  

وانطلاقًا مما سبق يتعين على دول الخليج العمل على ثلاثة مسارات متوازية:

 الأول: ضرورة تكامل الخطط السعودية مع نظيراتها من دول الخليج التي تعمل في الاتجاه ذاته ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي أعلنت في عام 2017م، عن خطة لإعادة هيكلة قواتها الجوية من خلال تقييم المخاطر وتحديد الاحتياجات وهو ما سوف يعزز من أمن دول الخليج ككل وذلك كجزء من تطوير القوات المسلحة بوجه عام.

 والمسار الثاني هو: تنويع الشراكات الدولية لدول الخليج، صحيح أن هناك التزام من جانب الولايات المتحدة تجاه أمن الخليج العربي وهو ما تضمنه الخطاب الرسمي الأمريكي بغض النظر عن الالتقاء بشأن قضايا معينة والتقاطع بشأن أخرى، بما يعني أن هناك قناعة راسخة لدى الولايات المتحدة الأمريكية بأهمية أمن منطقة الخليج العربي عمومًا ودور المملكة العربية السعودية تجاه الأمن الإقليمي على نحو خاص وهو ما أشار إليه صراحة الجنرال المتقاعد جون أبي زيد مرشح الرئيس ترامب لتولي منصب السفير الأمريكي لدى المملكة العربية السعودية بالقول "إن أي تقليص بشأن العلاقات الأمريكية -السعودية من شأنه تقويض الأمن الإقليمي" وهو تصريح يعيد التأكيد على ضرورة التفرقة بين المصالح الاستراتيجية بين الدول والأزمات التي يتم توظيفها في هذا الاتجاه أو ذاك، وبالرغم من ذلك فإن وجود خريطة تحالفات متنوعة لدول الخليج يعد أمرًا ضروريًا وخاصة البعد العربي في أمن الخليج العربي من خلال التنسيق مع الدول المحورية وفي مقدمتها مصر والأردن، فضلاً عن دور الدول الآسيوية المحورية.

أما المسار الثالث فيتمثل في إمكانية الاستفادة من تجارب الدول والمنظمات الدفاعية في العالم بشأن إصدار ما يسمى" المفاهيم الاستراتيجية" أو "استراتيجيات الأمن القومي عمومًا" ومن ذلك التقرير الاستراتيجي للقوات المسلحة في فرنسا الصادر عام 2017م، واستراتيجيات الأمن القومي التي تصدرها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين كل عدة سنوات، بالإضافة إلى إصدار حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما يعرف" بالمفهوم الاستراتيجي " كل عشر سنوات وجميعها وثائق مهمة للغاية لإمكانية استفادة دول الخليج منها بإمكانية إصدار ما يسمى المفهوم الاستراتيجي لدول الخليج بحيث يتضمن مراجعة لطبيعة التهديدات الأمنية والتعرف على عناصر الثبات والتغير في تلك المهددات بل والأهم تحديد آليات مواجهتها وهو أمر من شأنه إيضاح الخطوط الفاصلة بين الخطط التكتيكية وتلك الاستراتيجية.

 وتخلص تلك الرؤية إلى خمس نتائج استراتيجية:

 النتيجة الأولى: تسارع وتيرة الاهتمام الخليجي بتطوير القدرات الدفاعية الذاتية كنتيجة حتمية للتحولات التي يشهدها العالم العربي منذ عام 2011م، وحتى الآن والتي أسفرت عن دخول أطراف دولية على خط التفاعل بما يعنيه ذلك من انتهاء الحدود الفاصلة بين الأمن الإقليمي ونظيره العالمي. 

 النتيجة الثانية: أن العبرة ليست بقدر القوة أو امتلاكها بل في إمكانية توظيفها بما يحقق مفهوم الردع وهو ما قامت به دول الخليج بالفعل خلال أزمات عديدة اعتبرت تحديًا مباشرًا لأمنها القومي.

 النتيجة الثالثة: هي أن الأمن في منطقة الخليج العربي يعد حالة ذات طبيعة خاصة فهو أمر لا يهم دول الخليج أو دول كبرى بعينها ومن ثم فإنه من أجل شمول الرؤية للمسار الراهن لذلك الأمن ومآلاته المستقبلية فإنه يتعين التفكير في توازن القوى البسيط وكذلك المركب، والأمن متعدد الشرائح الذي يميز شراكات دول الخليج والتي لا تقتصر على الدول الكبرى بل أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" يظل حاضراً وبقوة من خلال مبادرة استنبول للتعاون مع دول الخليج التي أطلقها عام 2004م.

النتيجة الرابعة: من خلال رصد وتحليل مضامين التدريبات والمناورات التي أجرتها دول الخليج خلال السنوات القليلة الماضية سواء في إطار قوات درع الجزيرة أو بالتعاون مع دول أخرى فإن ثمة حقيقة مؤكدة مفادها أن العنصر البشري الخليجي قد أضحى لديه جاهزية عالية للعمل ضمن بيئات مختلفة وفي أزمات مختلفة وهو ما يعزز جوهر الأمن الذاتي لدول الخليج.

 النتيجة الخامسة: أنه في ظل التحول الذي تشهده معادلة الأمن الإقليمي الراهنة سواء من خلال ظهور تحالفات فرعية أو مقترحات لتحالفات أكبر فإن وجود إطار أمني ذاتي خليجي فاعل سيكون المدخل الصحيح للتفاعل مع تلك التحولات بما يصون الأمن القومي لتلك الدول.

مجلة آراء حول الخليج