; logged out
الرئيسية / الواقع الدولي المعاصر صمام أمان لكبح جماح ترامب ونتنياهو

العدد 136

الواقع الدولي المعاصر صمام أمان لكبح جماح ترامب ونتنياهو

الأحد، 31 آذار/مارس 2019

أشار دونالد نيف في  كتابه" Fallen Pillars 1995" ،إلى أن تقارير وزارة الدفاع الأمريكية والخارجية والاستخبارات الأمريكية (CIA) وهيأة الأركان الأمريكية أكدت في عام 1947 م، أن الرئيس الأمريكي ترومان، أكد أن إقامة دولة يهودية في فلسطين بالشرق الأوسط سيشعل الحروب ويؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة، ورغم كل هذه التقارير للمؤسسات الأمريكية اتخذ ترومان قراره وأيد قرار التقسيم 29 نوفمبر 1947م، لاعتبارات داخلية تتعلق بانتخابات الرئاسة، وقد أثبت تتابع الأحداث والواقع أن قيام إسرائيل وراء عدم الاستقرار والحروب، فرغم مرور أكثر من سبعة عقود ما زالت حالة عدم الاستقرار مستمرة بسبب إسرائيل رغم محاولاتها التضليل بأنها ليست السبب وتشجع الطائفية والعرقية.

إن طرد الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم ومنازلهم أدى إلى حرب 1948م، وكما قال المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، كان تهجيرًا قسريًا منظمًا من قبل المنظمات اليهودية بتطهير عرقي للعرب وإحلال اليهود مكانهم مخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية، ورفضت إسرائيل بعد الهدنة قرار الأمم المتحدة 194 بتاريخ 11 ديسمبر 1948م، الذي ينص على عودة اللاجئين العرب الذين طردوا من ديارهم؟ وشنت إسرائيل عام 1956م، بالاتفاق مع فرنسا وبريطانيا العدوان الثلاثي على مصر، وبالتالي استمر العدوان الإسرائيلي ضمن المبدأ الاستراتيجي بنقل المعركة إلى أرض العدو وكانت دائما تشن الحروب الخاطفة على الدول العربية المجاورة مصر والأردن والضفة الغربية وغزة حتى كانت حرب يونيو/ حزيران 1967م.

التوسع الإسرائيلي وتضليل الاستخبارات وحرب 5 يونيو 1967

ينقل المؤرخ الإسرائيلي غي لارون في كتابه (The Six –day War, Yale University Press 2017) ، عن مردخاي هود، قائد سلاح الطيران الإسرائيلي في حرب الأيام الستة، يونيو 1967م، قوله "خططنا لمدة 16 سنة للذي تم خلال هذه الثمانين دقيقة الأولى. كنا نعيش مع هذا المخطط، ننام مع هذا المخطط، ننام معه ونأكل معه، ولم نتوقف عن تحسينه"، هذا التحضير الدقيق وأسبابه هو العرض المقدم في كتاب لارون وعنوان الفصل المخصص له لا لبس فيه " توسيع حدود إسرائيل". ومنذ إعلان إسرائيل عام 1948م، فالتخطيط للتوسع هي الاستراتيجية الإسرائيلية، وعندما تولى ليفي أشكول رئاسة الوزارة الإسرائيلية عام 1963م، التقى قائد الأركان تسفي تسور، الذي شرح له يتعين تقوية القوة العسكرية بحيث يكون في مقدور إسرائيل خلال الحرب المقبلة، التي حسب قوله آتية لا محالة مع جيرانها، غزو سيناء والضفة الغربية وجنوب لبنان. وقال عايزر وايزمان الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لإسرائيل" من أجل أمنه كان على الجيش توسيع الحدود سواء توافق ذلك مع توجه الحكومة أم لم يتوافق". وحسب دوائر رئاسة الأركان الإسرائيلية التي منذ اتفاقيات الهدنة عام 1949م، ترى أن حدود الهدنة غير قابلة للحماية، ولذلك منذ 1950م، عمل قطاع التخطيط بالجيش على وضع حدود أخرى أكثر أمنًا. واستهدفت الدراسة بالتخطيط ثلاثة حواجز جغرافية، نهر الأردن وهضبة الجولان ونهر الليطاني في جنوب لبنان، وأضيفت سيناء في وثيقة عام 1953م، قصد تمكين إسرائيل من موارد بترولية ومعدنية ومنطقة حاجزة عن الجيش المصري.

 كانت إسرائيل تقوم بحملة إعلامية، تروج للخطر وتهديد الإبادة ولكن بعد حرب 67 بخمسة أعوام، اعترف قادة إسرائيل بأن الإبادة أو الخطر العسكري لم يكن واردًا عندهم، وإنما حرب خطط لها للتوسع وحدود جديدة ضمن مفهوم إسرائيل الكبرى، وقال حاييم هرتزوج قائد المخابرات العسكرية السابق ورئيس إسرائيل فيما بعد " لم يكن هناك أي خطر إبادة، والقيادة العامة للجيش الإسرائيلي لم تؤمن بذلك أبدًا" كما قال الجنرال حاييم بارليف " لم نكن مهددين بالإبادة عشية حرب الستة أيام، ولم نفكر أبدًا في ذلك الاحتمال". ويؤكد ذلك الجنرال ماتي بليد " كل تلك القصص حول الخطر الهائل الذي كنا نوجهه، لم تدخل أبدًا في حساباتنا قبل بدء القتال"؟

وبسبب عقيدة التوسع وحلم إسرائيل الكبرى كانت الحرب التي شنتها إسرائيل على الدول العربية، فقد سربت الاستخبارات الإسرائيلية عبر عميل مزدوج إلى الاستخبارات السوفيتية KGB، أن إسرائيل تحشد قواتها على الحدود السورية وقد سرب السوفيت هذه المعلومة إلى الحكومة السورية، وبالتالي نصبت إسرائيل الفخ لحرب الخامس من يونيو/حزيران، وكان الهجوم بداية على الجبهة المصرية، ولم يكن الجيش المصري ضعيفًا عندما شنت إسرائيل  الضربة الجوية، ولكن كما يقول رئيس الأركان آنذاك ووزير الدفاع فيما بعد، الفريق محمد فوزي، أن سبب الهزيمة، كان سوء إدارة المعركة، فبعد الغارة الجوية الإسرائيلية، أصدر المشير عبدالحكيم عامر قرارًا منفردًا وبدون رأي الرئيس عبدالناصر أو القيادة العسكرية بانسحاب الجيش المصري إلى غرب القناة، ويعتبر الفريق فوزي أنها هزيمة تكتيكية، وهو الذي تولى وزارة الدفاع وإعادة هيكلة الجيش المصري وإعداده للحرب القادمة، وخلال ثلاث سنوات أعاد للجيش المصري قوته، وأصبح جاهزا لاستعادة سيناء، كما خاضت مصر حرب استنزاف ضد إسرائيل وجعلت الاحتلال مكلفًا لها. إن الحروب كانت مستمرة وأساسية في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي وشعارات السلام ما هي إلا الاستعداد لجولة توسع إسرائيلي.

   واستفادت إسرائيل من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988م، حتى أن إسرائيل كانت تزود إيران بقطع الغيار للطائرات الإيرانية، الأمريكية الصنع، وتزود الولايات المتحدة العراق بالمعلومات الاستخبارية، وكان مناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل يرى أن الحرب في صالحها،  وتدمير القوة العسكرية العراقية والقوة الإيرانية يحقق التفوق الإسرائيلي بإنهاك الدولتين في الحرب، ويقال أن كارتر شجع العراق بالهجوم على إيران بسبب أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران والانتخابات الرئاسية، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية الكسندر هيج في زيارة له للمنطقة كأول وزير خارجية للرئيس ريغان وقدم تقريره حول تورط إدارة كارتر بتشجيع العراق، ولكن إدارة ريغان أيضًا وبالتعاون مع إسرائيل قدمت الأسلحة لإيران، فقد طلبت إسرائيل من واشنطن تزويد إيران بالأسلحة، مما أدى إلى الزيارة السرية للوفد الأمريكي برئاسة مستشار الأمن الأمريكي روبرت ماكفارلين 25مايو 1986م، إلى طهران على متن طائرة إسرائيلية وكان ضمن الوفد عمرام نور، مدير مكتب شمعون بيرس وزير الخارجية آنذاك وهي الزيارة التي عرفت بفضيحة إيران كونترا جيت Iran Contra-Scandal، إن إسرائيل ورطت إدارة ريغان في الفضيحة وشجعت استمرار الحرب وتقديم السلاح لإيران والعراق بالاستخبارات  لأنها أرادت تدمير قوة الدولتين؟

غزو لبنان 1982 وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من الجنوب

    كان الهدف الإسرائيلي من اتفافية كامب ديفيد 1979م، هو إخراج أكبر دولة عربية وجيشها من المعادلة العسكرية من أجل تفرغ إسرائيل للتوسع في لبنان والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة قوتها في جنوب لبنان، فبعد الانسحاب من سيناء مايو 1982م، شنت إسرائيل حربًا لغزو لبنان في يونيو 1982م، وخاضت حربا مع منظمة التحرير والقوى اللبنانية أدت لخروج المنظمة من لبنان واحتلال بيروت، ولكن بفعل المقاومة اللبنانية والفلسطينية انسحبت إسرائيل فيما بعد، واستمرت في احتلال جنوب لبنان من أجل مياه الليطاني، وأدى احتلال بيروت لمذبحة صبرا وشاتيلا وهي حرب إبادة للسكان في المخيمات الفلسطينية، وانفردت إسرائيل بالفلسطينيين، وأعلنت ضم الضفة الغربية وتغيير الاسم إلى يهودا والسامرة، وازدياد نشاط الاستيطان حتى أصبح الآن في الضفة الغربية والقدس الشرقية 650 ألف مستوطن ونشر المستوطنات وإقامة الحواجز مما جعل الضفة الغربية كانتونات متفرقة وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل رغم أن كل ذلك مخالف للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للامم المتحدة ؟

اتفاق أوسلو 1993 سراب السلام وانتشار الاستيطان

خرج العراق من الحرب العراقية –الإيرانية وقد جمع أسلحة متنوعة تم تطويرها من الصواريخ والمدفع العملاق وغيرها مما أقلق إسرائيل بسبب تحول ميزان القوى، ثم جاء غزو العراق للكويت في أغسطس 1990م، التي لا زالت علامات الاستفهام حول السفيرة الأمريكية في العراق ومقابلتها للرئيس العراقي قبيل الغزو، كان الغزو كارثة على العراق والنظام الإقليمي العربي ما زالت آثارها حتى الآن وانهيار النظام الإقليمي  استغلت إدارة بوش الأب الأزمة وتراجع الاتحاد السوفيتي وتحت شعار النظام العالمي الجديد، كان عاصفة الصحراء التي قادتها الولايات المتحدة، ويقول إلكسي فاسيليف مستشار الرئيس السوفيتي غورباتشوف لشؤون الشرق الأوسط، والذي حضر القمة السوفيتية الأمريكية سبتمبر 1990م، أن الأهداف الأمريكية، كان في قمتها تدمير الترسانة العسكرية العراقية والقواعد العسكرية والتحكم في البترول وتحرير الكويت، ورغم محاولات الحل السياسي إلا أن تدمير القوة العسكرية العراقية كان الهدف منها تحول  ميزان قوى عسكري جديد لصالح إسرائيل،  وبعد انقسام النظام الإقليمي، كان مؤتمر مدريد برعاية الرئيسين، بوش وغورباتشوف، في أكتوبر 1991م، في مدريد بحضور الدول العربية وإسرائيل، كانت إسرائيل هي الرابح الوحيد بعد عاصفة الصحراء، ومن ثم دخلت المفاوضات بين الوفود العربية وإسرائيل، وشعرت منظمة التحرير بأنها في أضعف أحوالها، ودخلت القنوات الخلفية لاتفاق أوسلو الذي وقع بين منظمة التحرير الفلسطينية سبتمبر 1993م، ولم تنفذ إسرائيل الاتفاق سوى سلطة فلسطينية ضعيفة وعودة بعض القيادات الفلسطينية لغزة والضفة الغربية، وأخذت إسرائيل تسخر السلطة الفلسطينية لحماية إسرائيل تحت شعار التنسيق الأمني وإعداد قوى الأمن الفلسطينية لحماية إسرائيل، وأخذت تتزايد مستعمرات الاستيطان، وحسب تقرير المعهد الأوروبي للأمن مايو 2017م، فإن 44% من موظفي القطاع العام في السلطة الفلسطينية هم من جهاز الأمن العام (80 ألف عدد الجهاز) نصيبهم من الميزانية السنوية للسلطة ما بين 35-40%، علمًا بأن 64% من الفلسطينيين يرفضون التنسيق الأمني مع إسرائيل. وخدم الاتفاق إسرائيل حيث فتح لها المجال لإقامة علاقات دبلوماسية  مع بعض الدول العربية وإقامة علاقات دبلوماسية مع دول كانت ما زالت مترددة لإقامة علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء مثل الهند والصين وأعادت بعض الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية أو أقامت علاقات دبلوماسية معها ؟

   وجاء الاحتلال الأمريكي للعراق 2003م، تحت ذريعة مزيفة المفاعل النووي العراقي، علمًا بأنه ثبت أنه ليس هو السبب ولكن لخدمة توازن القوى مع إسرائيل وإخراجه من المعادلة العسكرية، فالعراق كان عمقًا استراتيجيًا للأردن وسوريا وشاركت قواته في كل الحروب مع إسرائيل، 1948، 1967، 1973م، وكان القرار الذي أخذه الحاكم العسكري بريمر في مايو 2003م، حل الجيش والشرطة العراقية وحل حزب البعث وطردهم من الخدمة، ويبقى أن اللبوبي اليهودي في إدارة بوش الابن دوجلاس فيث وبول وولفيتز نائب وزير الدفاع وريتشارد بيرل وراء احتلال العراق وايضًا حل الجيش العراقي رغم معارضة الاستخبارات الأمريكية وقادة الجيش الأمريكي، وحتى دون معرفة مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس ووزير الخارجية كولن بول حتى بوش تنصل من معرفته في مقابلة 2006م، فاحتلال العراق وحل الجيش والبعث كان لخدمة إسرائيل وكانت كارثة على العراق، وقلب لتوازن القوى وترك فراغًا استراتيجيًا، علمًا بأن تقارير الاستخبارات CIA حذرت من الطائفية والقبيلية والعرقية والفوضى في حالة احتلال العراق، ولذلك يظهر الدور الإسرائيلي في العلاقات مع الأكراد واغتيال العلماء العراقيين الخبراء في المجالات العلمية وخاصة الطاقة النووية والتصنيع ودخول العراق في فوضى الإرهاب والجماعات المتطرفة.

احتكار إسرائيل السلاح النووي ومنع الدول الإقليمية من امتلاكه

      أخذت إسرائيل منذ إعلانها 1948م، تفكر في التفوق العسكري والسلاح النووي، وكان ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل وراء البرنامج النووي وكلف شمعون بيرس بالإشراف والمتابعة، وكانت فرنسا الداعم الأول لامتلاك إسرائيل السلاح النووي بإقامة المفاعل النووي في ديمونة بالنقب، وكانت فرنسا قلقة من دعم مصر للثورة الجزائرية وشاركت في العدوان الثلاثي على مصر 1956م، ولكن إسرائيل أصيبت بالرعب عندما أعلن في القاهرة  في يوليو 1962م، نجاح تجربة أطلاق صواريخ أرض-أرض وأصبحت إسرائيل في مرمى الصواريخ المصرية، واستنفر الموساد الإسرائيلي جهازه لإحباط المشروع خاصة عندما علمت  أن مصر استقطبت العلماء الألمان لتصنيع الصواريخ، وقامت إسرائيل باغتيال بعض العلماء الألمان وتهديدهم بالرحيل واختطاف بعضهم، وهو يعكس قلق إسرائيل من أي تفوق استراتيجي للدول العربية وخاصة المجاورة وبالذات مصر . وعندما حاولت العراق بناء مفاعلها النووي استطاعت إسرائيل أن تخترق الخبراء العاملين من الفرنسيين وقامت بغارة جوية لتدمير المفاعل في 7 يونيو1981م، وبالفعل دمر المفاعل واغتالت إسرائيل العالم المصري يحي المشد في باريس والذي كان من طاقم المفاعل، كما أن إسرائيل عرضت على الهند القيام بعملية مشتركة لضرب المفاعل النووي الباكستاني إلا أن الهند رفضت واستطاعت باكستان إعلانها امتلاكها القنبلة النووية 1998م، ولكن إسرائيل اعتبرتها قنبلة إسلامية تهددها، وكان إصرار رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو سببًا في الانقلاب العسكري عليه وإعدامه فيما بعد، لأنه، علق على موقف واشنطن، هناك قنبلة يهودية، وهندوسية وقنبلة، مسيحية وشيوعية، لماذا لا تكون هنك قنبلة إسلامية ؟؟

                             الاستنفار الإسرائيلي ضد المفاعل النووي الإيراني

إثر بروز قضية المفاعل النووي الإيراني قامت إسرائيل بتحريض المجتمع الدولي والولايات المتحدة ضد إيران، وتحريض واشنطن  للقيام بعمليات عسكرية، وحيث أن إسرائيل لا تستطيع ضرب إيران لعدة أسباب، إلا أنها تريد توريط واشنطن، ولذلك كان خلاف إسرائيل مع ادارة الرئيس أوباما بسبب الاتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 في عام 2015م، واتهمت إدارة أوباما بالتواطؤ وفتح قنوات مع إيران وبالفعل كانت محادثات بين إيران والولايات المتحدة بوساطة سلطنة عمان، وتم الاتفاق على صفقة المفاعل، وعندما جاءت إدارة ترامب حرضتها إسرائيل للانسحاب من اتفاقية المفاعل النووي مع إيران رغم تمسك الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا بالاتفاق، حتى الاستخبارات الأمريكية   CIAأكدت على التزام إيران بالاتفاق وعدم مخالفته كما صرحت أيضًا الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التزامها بالاتفاق، وكان وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيت قد صرح بأن المفاعل النووي الإيراني لا يهدد الولايات المتحدة لأن إيران دولة محاطة بدول نووية، روسيا والصين والهند وباكستان، وقد قامت إسرائيل بحملة إغتيال للعلماء الإيرانيين، كل أهداف إسرائيل لأن تبقى القوة النووية الوحيدة بالشرق الأوسط، وأن يكون الميزان الاستراتيجي بصالحها، ولكن انتشار أمتلاك الصواريخ البالستية سواء من الدول أو منظمات المقاومة يجعل إسرائيل في حالة انكشاف وضعف استراتيجي.

الحقوق الفلسطينية: القنبلة السكانية أقوى من قنبلة ديمونة النووية

إن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط ورغم مرور سبعة عقود على إعلان قيام إسرائيل، فإن الذي يقاوم الاحتلال هو الجيل الثالث أو الرابع من الفلسطينيين والشعوب العربية والإسلامية، ورغم محاولة إسرائيل عقد اتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية، فإن الشعوب العربية ترفض التطبيع وتؤيد القضية الفلسطينية فرغم اتفاقية كامب ديفيد فالشعب المصري يرفض التطبيع وكذلك في الأردن، ولذلك تبقى القضية الفلسطينية هي مثار عدم الاستقرار، ورغم ضعف النظام الإقليمي العربي في هذه المرحلة، فالشعوب تبقى المؤيد للمقاومة، وتحاول إسرائبل القفز على السلطة الفلسطينية باقامة تطبيع مع بعض الدول وتسخير الورقة الطائفية إلا أنها فشلت في ذلك حتى الآن، ورغم نقل السفارة الأمريكية للقدس وإعلان ترامب تأييده للقدس عاصمة لإسرائيل ويهودية الدولة، إلا أن القنبلة السكانية الفلسطينية تفرض نفسها في داخل إسرائيل، فأهل القدس يقاومون التهويد اليهودي للمدينة بكل الوسائل، ورغم إقامة المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية فقد فشل الاحتلال أن يفرض على الفلسطينيين حلاً لا يحقق كامل الحقوق الفلسطينية. هناك 210 ألف مستوطن في القدس الشرقية واحد عشر مستوطنة  وهناك 132 مستوطنة بالضفة الغربية، وكل ذلك مخالف للقانون الدولي ولقرار مجلس الأمن الدولي 2334 لعام 2016م. ويعيش في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة حوالي خمسة ملايين وهناك في داخل فلسطين 1948م، مليون ونصف فلسطيني، يعني هناك 6.5 مليون فلسطيني داخل فلسطين، ومع مطلع 2018م، بلغ عدد السكان اليهود في فلسطين 6.56 مليون نسمة، وهذه الحالة السكانية مقلقة لليهود وكما عبر عن ذلك أحد أهم المؤرخين الإسرائيليين بيني موريس بقوله " لا أعرف كيف نخرج من هذا الوضع فيما يتعلق باستمرار وجود إسرائيل كدولة " يهودية"  فاليوم يوجد بين البحر والنهر عرب أكثر من اليهود، والبلاد كلها تتحول، بشكل لا يمكن منعه، إلى دولة واحدة توجد فيها أغلبية عربية. وما زالت إسرائيل تسمي نفسها دولة يهودية، ولكن وضعًا نسيطر فيه على شعب محتل وليس له حقوق لا يمكن أن يستمر في القرن الـ 21". ويضيف قائلاً " إن هذا المكان سيرسب كدولة شرق أوسطية مع أغلبية عربية. والعنف بين المجموعات السكانية المختلفة، داخل الدولة، سيتصاعد والعرب سيطالبون بعودة اللاجئين، واليهود سيبقون أقلية صغيرة داخل بحر عربي كبير من الفلسطينيين .. ومن سيكون قادرًا من اليهود، سيهرب إلى أمريكا أو الغرب، إنهم ملزمون بالانتصار ". وحسب التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2017م، فإن عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية سيتجاوز عدد اليهود عام 2022م، بنحو 300 ألف نسمة.

ورغم ما يتررد من إدارة ترامب عن صفقة القرن، فالولايات المتحدة لم تعد وسيطًا مقبولاً بين أطراف الصراع، وليس هناك نظامًا عربيًا أو إسلاميًا يقر بأن القدس عاصمة لإسرائيل ولا يمكن لها من السيطرة على المسجد الأقصى، وإسرائيل تؤكد بسياستها بتحويل الصراع إلى صراعًا دينيًا، وأصبحت الآن الأصوات في الدول الغربية تؤيد القضية الفلسطينية ومنها حركات مقاطعة إسرائيل، مثل BDS سواء على مستوى المقاطعة الأكاديمية ومقاطعة رجال الأعمال وغيرها وتجد تأييدًا في الغرب من مختلف منظمات المجتمع المدني، وفي ظل وسائل الإعلام الحديثة والتواصل الاجتماعي أصبحت جرائم إسرائيل مكشوفة للرأي العام.

ورغم ما يروج له الإعلام الإسرائيلي لعلاقات إقليمية، فإن الدول العربية والإسلامية ترفض التطبيع، ونأخذ موقف ماليزيا في رفضها استقبال الإسرائيليين، وعدم اعتراف باكستان بها وتوتر العلاقة التركية الإسرائيلية؟ إن موقف الدول العربية وخاصة الشعوب العربية والإسلامية يجعل إسرائيل في موقف صعب لأنها أداة لقوى الاستعمار الغربي وأنها عامل في عدم استقرار المنطقة، وتؤكد أن تحذيرات المؤسسات الأمريكية للرئيس ترومان من تأييد قيام إسرائيل كانت حقيقة، واليوم وبعد سبعة عقود تبقى إسرائيل سببًا في الحروب والإرهاب والتوتر في منطقة الشرق الأوسط؟ وكما علق السفير الفرنسي لدى واشنطن  Gérard Araud  على فوز ترامب في انتخابات الرئاسة " إن العالم ينهار أمام أعيننا، نحن في عالم مضطرب "يقوده ترامب ونتنياهو وأصحاب كازينوهات قمار" ولكن في ظل هذا الواقع الدولي فإن موقف الصين وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي يعتبر صمام أمان لكبح جماح ترامب من زعزعة النظام بعدم تأييد سياسة ترامب في الصراع العربي الإسرائيلي تجاه الشرق الأوسط، وحتى الدول الإقليمية ترفض الانصياع لسياسة ترامب وموقفه من إسرائيل، وأن صفقة القرن ستولد ميته للرفض دولي إقليمي، والتحدي الداخلي في الكونغرس لترامب، وبسبب مصالح الدول الكبرى في الشرق الأوسط وتتناقض مع سياسة ترامب ونتنياهو .

مجلة آراء حول الخليج