; logged out
الرئيسية / الأمن الإقليمي: المرتكزات والتحديات

العدد 136

الأمن الإقليمي: المرتكزات والتحديات

الأحد، 31 آذار/مارس 2019

الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، يشهد متغيرات سريعة ومتلاحقة في الوقت الحاضر، وإن كانت هذه المتغيرات بما تحمل من مخاطر وتحديات ليست جديدة فقد عرفت طريقها للمنطقة منذ أمد ليس بالقصير نظرًا لموقعها المتميز وإمكانياتها الكبيرة، وتشابك مصالح الدول الكبرى، وتمخض عن ذلك عدة محطات لمهددات الأمن الإقليمي تعددت مصادرها وتفاوت تأثيرها على دول المنطقة.

فقد زادت مخاطر الأمن الإقليمي بعد قيام إسرائيل على أرض فلسطين في النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، ثم مع وجود حالة الاستقطاب التي واكبت الحرب الباردة، وتطورت مع الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية منذ منتصف القرن العشرين حيث توالت نشوب الثورات العسكرية في المنطقة، وتغيير التحالفات وزيادة تأثير الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، وبين الاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو من جهة أخرى وبذلك تأثرت الدول التي دارت في فلك القطبين آنذاك، أو التي كانت تقف على الحياد (دول عدم الانحياز)، ثم جاءت الثورة الإسلامية في إيران مع نهاية عقد السبعينيات وانعكست توابعها في حرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية، ثم سقوط نظام صدام حسين عام 2003م، وما ترتب على ذلك من متغيرات إقليمية وظهور نفوذ دول وضعف نفوذ دول أخرى، وأخيرًا جاءت أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي التي خلخلت الأمن الإقليمي بصورة غير مسبوقة حيث غابت عن المشهد الإقليمي عدة دول عربية فاعلة ما أوجد حالة من الفراغ الذي هبت لتملأه دول إقليمية غير عربية وفي مقدمتها تركيا وإيران إضافة إلى الدور الإسرائيلي.

ونتيجة لتعرض المنطقة لهذه المخاطر والتحديات، أو الهزات العنيفة، تغيرت التحالفات الدولية والإقليمية، أو طرأت عليها حالات من التراجع والخذلان في دور بعض القوى التقليدية كما هو الحال بالنسبة لدور الولايات المتحدة الأمريكية، أو دخول قوى أخرى إلى المنطقة بتواجد عسكري ولها أجنداتها وحساباتها الخاصة مثل روسيا الاتحادية، أما إقليميًا فقد ظهرت تركيا وإيران ولكل منهما أجندة خاصة تختلف في التكتيك وأسلوب التنفيذ لكن تتفق في الأهداف النهائية وهي بسط النفوذ خارج حدودهما الإقليمية والتواجد في المنطقة العربية.

مخاطر الأمن الإقليمي وصلت إلى عقر دار الدول العربية، ولم تقف على الحدود أو تقرع الأبواب، بل دخلت دون استئذان وهو ما نجده ماثلًا في اليمن وسوريا وليبيا والعراق وما نخشاه على مستقبل الجزائر والسودان في ظل الحراك الشعبي في الدولتين العربيتين الكبيرتين من حيث المساحة والسكان والموارد الطبيعية، ولعل جماعات الإسلام السياسي، والجماعات المسلحة والميليشيات ذات الولاءات الخارجية من أخطر مهددات الأمن الإقليمي والدولة الوطنية الحديثة.

الأمن الإقليمي الذي يمر بمرحلة حرجة يتطلب الاصطفاف وتفعيل الأدوات والإمكانيات الذاتية للدفاع عن أمن المنطقة في وجه المخططات التي لم ولن تتوقف، وقد تكون المحن منحًا في الكثير من الأحيان، ومن هنا يمكن أن تكون الاستجابة لهذه التحديات بتوحيد الجهود والاعتماد أكثر من ذي قبل على الذات في وضع تصورات للأمن الإقليمي المشترك سواء بجهود ذاتية لدول المنطقة، أو بالتعاون مع الدول الكبرى التي لها مصالح في المنطقة وتسعى لاستقرار إقليم الشرق الأوسط، ولا سيما القوى الصاعدة. على أن تنطلق هذه التصورات من ضرورة إنهاء المشاكل العالقة وفي مقدمتها إنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي وفقًا لمقررات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام، مع ضرورة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل التي تعد من أكثر القضايا تعقيدًا وإلحاحًا في الوقت الحاضر ومن أكثر القضايا المنغصة للأمن الإقليمي وهنا تأتي ضرورة نزع فتيل البرنامج النووي الإيراني والإسرائيلي، وسوف يقود ذلك إلى تخفيف الاحتقان والتهديد وتوقف سباق التسلح بشقيه النووي والتقليدي وتتجه دول المنطقة إلى التنمية الشاملة والاستقرار، وفي هذا السياق أيضًا من الضروري حل الجماعات المسلحة والميليشيات التي تخرج عن سلطة الدولة، ووضع حلول جذرية لمحاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله سواءً كان إرهاب الدولة أو إرهاب الجماعات .

ويجب أن يكون ذلك تحت مظلة التوازن الاستراتيجي وملء الفراغ الإقليمي، وتوحيد الجهود في إطار قوة عاقلة فاعلة ذاتية محلية من دول المنطقة، وأن تكون قوة دفاعية لا هجومية، قوة تدعم الاستقرار، لا تنشر القلق والهجوم والتدخل في شؤون الآخرين، وأن تقوم الدول المشاركة في تأسيسها بوضع خطة موازية لدعم قدرات هذه القوة بتسليح ذاتي أي بتوطين الصناعات العسكرية الدفاعية، مع التوسع في برامج التدريب والتأهيل العسكري المشترك ومع القوى الكبرى والمعتدلة خاصة دول حوض البحر الأحمر وإفريقيا، مع تكثيف المناورات المشتركة على أن تضع هذه القوة في اعتبارها مهددات الأمن الإقليمي وفي مقدمتها الاستقرار وأمن الدول والشعوب، وتأمين الممرات المائية ومحاربة الإرهاب والقرصنة والاتجار غير المشروع في المخدرات والحد من الهجرة غير المشروعة وتهريب السلاح وغير ذلك.

وعليه نأمل إيجاد صيغة مدروسة وواقعية ومقبولة من جميع الأطراف العربية ، أو الدول العربية الفاعلة والمعنية بتثبيت الأمن الإقليمي لتشكيل قوة عسكرية أو حلف دفاعي عربي مشترك قابل للاستمرار ويرتكز على مقومات تضمن له النجاح على غرار حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فالدفاع عن المنطقة لابد أن يكون بأيدي أبنائها وفقًا لترتيب أولويات المخاطر والتحديات، ومن ثم كيفية مواجهتها بما يحقق أمن واستقرار المنطقة وتجنب تفاقمها أو استعارها، فبدون الاستقرار الإقليمي سوف تستمر هذه المنطقة تسبح في خضم صراعات تعطل التنمية وتطرد الاستثمارات وتجعلها فريسة للإرهاب وأطماع الدول الإقليمية والقوى الكبرى، تلك الأطماع التي أصبحت مكشوفة وعلنية دون مواراة وجميعها على حساب أمن ومصالح واستقرار الدول والشعوب العربية.

مقالات لنفس الكاتب