array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 138

الدور الأمريكي في أمن المنطقة بين استراتيجية واشنطن ومسؤولية الشركاء

الخميس، 13 حزيران/يونيو 2019

في أعقاب سحب بريطانيا قواتها العسكرية من منطقة الخليج العربي في سبعينيات القرن المنصرم كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الضامن لأمن منطقة الخليج العربي ([1]). وقد تعزز هذا الدور خلال فترة الحرب الباردة مع إعلان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر (1977 -1981م) في خطاب حالة الاتحاد في الثالث والعشرين من يناير عام 1980م، أن أي محاولة من القوى الخارجية للسيطرة على منطقة الخليج ستمثل تهديدا للمصلحة الأمريكية، والذي يستدعي التدخل بقوة لحماية المصلحة الأمريكية، وبالتالي حماية الدول الخليجية من أي تدخل خارجي ([2]). وبعد نجاح عاصفة الصحراء وحرب تحرير دولة الكويت من الغزو العراقي (1990 -1991م) تعزز دور الولايات المتحدة في أمن منطقة الخليج العربي، والذي خدم المصالح المشتركة للحليفين (الأمريكي والخليجي)، واستفادت الولايات المتحدة من مبيعات السلاح الضخمة إلى دول المنطقة ([3]).

وخلال الفترة التي أعقبت حرب الخليج الثانية استمرت الشراكة الأمريكية – الخليجية في أقوى صورها؛ حتى جاءت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما (2009 -2016م) بسياسة تقوم على تقليل الانخراط الأمريكي في أزمات المنطقة التي تهدد استقرارها وأمنها وفي القلب منها الأمن الخليجي، خاصة بعد حربين مكلفتين اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وبشريًا خاضتها القوات الأمريكية في أفغانستان (2001م) والعراق (2003م)، وسحب القوات الأمريكية من المنطقة. وهي السياسة نفسها التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، التي تتبنى سياسة تقوم على تقليل الانخراط الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما بعد إعلانه عن ضرورة أن يدفع حلفاؤها تكلفة الدفاع عن المنطقة، وقراره في ديسمبر الماضي (٢٠١٨م) بسحب القوات الأمريكية من سوريا، والتي تقدر بحوالي ألفي جندي، وتقليل عدد القوات الأمريكية التي تصل إلى أربع عشر ألف جندي في أفغانستان إلى نصف. وهو الأمر الذي أزعج حلفاء الولايات المتحدة داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها؛ لأنه ينذر ببدء تخلي واشنطن عن التزاماتها التقليدية بالحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وكذلك غضب العديد من مسؤولي الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتهم وزير الدفاع الأمريكي السابق، جيمس ماتيس، الذي كان أبرز مسؤولي الإدارة الملتزمين بالحفاظ على التحالفات والقيادة العالمية الأمريكية ([4]).

وعلى الرغم من اتفاق سياسات الرئيسين الأمريكيين باراك أوباما ودونالد ترامب تجاه الشرق الأوسط على ضرورة تقليل الولايات المتحدة التزاماتها الأمنية بالمنطقة التي تراجعت أهميتها للمصالح والأمن القومي الأمريكي، إلا أنهما يتبنيان استراتيجيتين مختلفتين لأمن منطقة الخليج العربي التي تجاور خطوط الصراعات العرقية والطائفية في المنطقة.

أسباب الانسحاب الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط:

مع اختلافات توجهات السياسة الخارجية لإدارة الرئيس "دونالد ترامب" تجاه منطقة الشرق الأوسط عن سياسة الرئيس السابق "باراك أوباما"، إلا أنهما يتفقان على حاجة الولايات المتحدة إلى الاستمرار في تقليل التزاماتها الأمنية الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، في وقت تتراجع فيه مصالحها في المنقطة، وبما يتماشى مع رؤية الأمريكيين الرافضين للالتزامات العسكرية الشاملة وغير الحاسمة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية لتحقيق إنجازات في الشرق الأوسط بمفردها، وخلال آخر ثلاث انتخابات رئاسية أيد الأمريكيون المرشح الذي وعد بسياسة خارجية أقل تدخلا([5]).

ويدعو الرئيس "ترامب" إلى انسحاب القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط؛ لأن هذا الانخراط يضر بالمصالح الأمريكية الاقتصادية، ويصرف انتباه الولايات المتحدة عن قضايا وأولويات عالمية، والتعامل مع التحديات في مناطق أخرى من العالم أكثر أهمية وتهدد أرواح الجنود الأمريكيين، وللاستفادة من فرص دولية متاحة تعيد للولايات المتحدة مكانتها بعد سنوات من التراجع. ويري "ترامب" أن التدخل الأمريكي في أزمات المنطقة المشتعلة يعرض حياة الجنود الأمريكيين للخطر، وأن هذا التدخل لا يخدم المصالح الوطنية الأمريكية المباشرة.

وتتمثل أهم الأسباب التي تدفع الإدارة الأمريكية إلى تقليل الانخراط في منطقة الشرق الأوسط، فيما يلي:

أولاً- تحول موازين القوى الدولية من الغرب، ممثلا في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إلى الشرق، ممثلا في الصين وروسيا، بما يهدد التفرد والهيمنة الأمريكية على النظام الدولي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق مع بداية تسعينيات القرن المنصرم، حيث تنظر استراتيجيتي الأمن القومي لعام ٢٠١٧([6]) والدفاع الوطني لعام ٢٠١٨([7]) أن موسكو وبكين قوتين تعديليتين في النظام الدولي، لرغبتهما في تشكيل آخر يتلاءم مع نموذجهما الاستبدادي، وتستخدمان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لصالحهما، ولذا يمثلان التحدي الرئيسي أمام ازدهار الولايات المتحدة وأمنها، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى تقليل الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط في وقت تخفض فيه وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) من القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة من أجل إعادة توجيه الموارد إلى التهديدات المتزايدة التي تشكلها تلك القوتين.

ثانيًا-نجاح الجهود الأمريكية في محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وعدم قدرته على استعادة نفوذه مجددًا. وقد كان هذا المبرر الذي طرحه الرئيس "ترامب" لسحب القوات الأمريكية من سوريا، ولا سيما بعد فقدان التنظيم سيطرته على الأراضي التي كانت تحت سلطته في سوريا والعراق في السابق. فضلا عن أنه فقد الآلاف من مقاتليه، وتراجعت قدرته على تجنيد مزيد من المقاتلين. ومن جانب آخر، لا يزال مقاتلو التنظيم يواجهون الآلاف من القوات الشرق أوسطية المصممة على القضاء عليه. بالإضافة إلى أن سوريا وإيران وإسرائيل وتركيا وروسيا لهم مصلحة مشتركة في منع عودة ظهور التنظيم من جديد. ولهذا فإن استمرار الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة لن يغير ذلك ([8]).

ثالثًا: تغير تهديدات المصالح الأمريكية من تهديدات مباشرة إلى تهديدات أمنية جديدة، تتمثل في الإرهاب والفوضى العابر للحدود، ما يتطلب تغيير البيئة التي تسمح بنموها، ولن يتم ذلك من دون الاستثمار في بناء الدولة بمستوى يتجاوز بكثير ما قد تسمح به اعتبارات السياسة الخارجية الأمريكية. ولهذا لا أمل – وفقًا لكثير من التحليلات الأمريكية -في فعل الولايات المتحدة الكثير لمواجهة العنف أو عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. ([9]).

رابعًا: تراجع أهمية نفط منطقة الشرق الأوسط، فعلى الرغم من أهميته، إلا أن تنويع أسواق الطاقة العالمية، ووفرة المعروض من النفط، بجانب الطفرة الأمريكية في إنتاج النفط الصخري أدي لإضعاف مورد النفط كمحرك للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة، ما سيجعل في التحليل الأخير دول المنطقة أقل أهمية في أسواق الطاقة العالمية، وأقل قدرة على التحكم في الأسعار، وتراجع اهتمام الولايات المتحدة بحماية تدفقات النفط من المنطقة.

ويتوقع التقرير الأخير لوكالة الطاقة الدولية أن الولايات المتحدة تقود نمو إمدادات النفط العالمية خلال السنوات الخمس القادمة بفضل التقدم لصناعة النفط الصخري، إذ ستضيف أربعة ملايين برميل يوميًا إلى إنتاج البلاد المزدهر بالفعل، وأن صادراتها النفطية ستتفوق على روسيا وتقترب من المملكة العربية السعودية بحلول 2024م، مما يسهم في تنويع الإمدادات العالمية ([10]).

خامسا-التفوق العسكري الإسرائيلي. تغيب التهديدات الأمنية الجدية لأمن إسرائيل في ظل التفوق النوعي الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يجعلها قادرة على التصدي لأي تهديد، حيث يري الرئيس "ترامب "أن تل أبيب تتلقى ما يكفي من المساعدات الدفاعية الأمريكية للدفاع عن نفسها ([11]).

استراتيجية "الموازنة من الخارج" والأمن الخليجي:

في ظل عدم رغبة واشنطن للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وتقليل انخراطها في قضاياها، ونقل مهمة حماية استقرار المنطقة، وخوفًا من أن يؤدي الانسحاب إلى إيجاد فراغ تسعى قوي معادية لها لملئه، فإن إدارة الرئيس "باراك أوباما" سعت إلى إقامة نظام لتوازن القوى بالشرق الأوسط، وخاصة بمنطقة الخليج العربي، يساعد واشنطن على تخفيض وجودها بالمنطقة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على استقرارها.

يقوم هذا التوازن على استراتيجية "الموازنة من الخارج"، والتي تعني وجود قوتين إقليميتين رئيسيتين هما إيران من جهة والدول الخليجية (وقد يضاف لها مصر وتركيا) توازن بعضها البعض مع استمرار الانخراط الأمريكي الدبلوماسي في المنطقة، ومساعدة القوى الأضعف إذا استدعى الأمر، ورفض التدخل العسكري المباشر في أزمات المنطقة، وفي المقابل الاعتماد على القوة البحرية والجوية للتدخل في الصراعات الطارئة. وألا يكون هناك تدخل عسكري بري إلا في حالة سعي قوة إقليمية لتهديد توازن القوى القائم، وسعيها للهيمنة على القوى الأخرى. وهي استراتيجية استخدمتها الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة ([12]).

وفي تطبيق لتلك الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط مع تعدد الأزمات في المنطقة سعت الولايات المتحدة للتوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) في 14 يوليو 2015م، والذي أنهى أزمة البرنامج النووي الإيراني وعزز من النفوذ الإقليمي لطهران في منطقة الخليج العربي، والاستمرار في تحسين العلاقات مع طهران؛ لأنه ليس من المصلحة الأمريكية تخلي طهران عن الاتفاق النووي وبدء السعي لامتلاك قنبلة نووية، ولكن في حال سعي إيران إلى السيطرة على منطقة الخليج العربي، فإن الولايات المتحدة عليها تقديم الدعم للدول الخليجية لعودة التوازن مرة أخرى في المنطقة([13]).

وفي الوقت ذاته قامت الإدارة الأمريكية على حث الدول الخليجية على تطوير قدراتها العسكرية، وتقديم الدعم العسكري لها؛ لموازنة القوة الإيرانية، وتقليل الاعتماد على التدخل العسكري المباشر لتوفير الحماية للدول الخليجية. ولهذا، فقد دعا الرئيس الأمريكي "أوباما" إلى أن تتقاسم السعودية وإيران النفوذ في منطقة الخليج العربي ([14]).

ومع تزايد هواجس الدول الخليجية من الاتفاق النووي الإيراني لاحتمالات أن يؤدي هذا الاتفاق إلى تزايد النفوذ الإيراني واستخدام المواد المالية التي ستحصل عليها بعد رفع العقوبات عنها في دعم التنظيمات المسلحة الموالية لها والتي تعمل على تهديد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها الدول الخليجية، أعلن الرئيس الأمريكي في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي أن كافة الخيارات مطروحة ضد إيران بما فيها العمل العسكري لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وأن العمل العسكري سيكون في حالة (1) مهاجمة إيران أو الشروع في تهديد حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة، (2) التهديدات الإيرانية لإمدادات النفط، أو ناقلاته بالخليج العربي([15]). وفي تطبيق للاستراتيجية "الموازنة من الخارج" في منطقة الخليج العربي قدمت الولايات المتحدة مساعدات لوجستية ومخابراتية للمملكة العربية السعودية في عملياتها ضد الحوثيين في اليمن ([16]).

نقل مهمة الأمن للحلفاء الشرق أوسطيين:

في اتجاه مغاير للاستراتيجية "الموازنة من الخارج" التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" للحفاظ على الأمن العربي وفي القلب منه الخليجي، تبنى الرئيس "دونالد ترامب" مع معارضته للتقارب الأمريكي خلال الإدارة السابقة مع إيران، وانسحابه الأحادي من الاتفاق النووي الإيراني في مايو ٢٠١٨م، وتركيز السياسة الأمريكية على الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، والدعم العسكري والمالي للميلشيات الشيعية في عديد من الدول العربية، استراتيجية تقوم على نقل مهمة الأمن إلى شركاء وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وهو ما أكدت عليه استراتيجية الأمن القومي للإدارة الأمريكية الصادرة في ديسمبر ٢٠١٧م، حيث أشارت إلى أهمية استمرار حلفاء واشنطن على تقاسم أعباء الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، والعمل بشكل مستقل عن المساعدة الأمريكية ([17]).

وتقوم سياسة الإدارة لتحقيق الأمن الخليجي والعربي في ظل نقل مهمته إلى القوى الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط على خمسة محاور رئيسية:

أولاً: استمرار الوجود العسكري في المنطقة: على الرغم من حديث الرئيس الأمريكي على سحب القوات العسكرية الأمريكية من سوريا والعراق، إلا أنه لم يتحدث عن سحب القوات الأمريكية المتواجدة في منطقة الخليج العربي، أو القواعد العسكرية هناك، حيث ستستمر الولايات المتحدة في الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي الضروري في المنطقةلحماية حلفائها من الهجمات الإرهابية والحفاظ على توازن القوى الذي يحقق المصالح الأمريكية، والذي يحافظ على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط ([18]).

ثانيًا-زيادة توفير السلاح الأمريكية لدول المنطقة من إطار الالتزام الأمريكي باكتساب حلفائها القدرات اللازمة، وتحسين استعداداتهم، وزيادة حجم قواتهم تماشيًا مع سياساتها لتقسيم الأعباء مع الحلفاء والشركاء الشرق أوسطيين. ففي أعقاب زيارة الرئيس "ترامب" للمملكة العربية السعودية في مايو ٢٠١٧م، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم حزمة من المعدات والخدمات الدفاعية تدعم الأمن طويل الأجل للمملكة ومنطقة الخليج في مواجهة النفوذ الإيراني الخبيث، والتهديدات الإيرانية ذات الصلة، وتصل قيمتها 110 مليارات دولار ([19]).

هدفت مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول المنطقة على مدار العقود الثلاثة الماضية إلى دعم القدرات الدفاعية لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها الشرق أوسطيين، وتعزيز الأمن الإقليمي، وضمان التوافقية بين الجيش الأمريكي والشركاء، وتوفير وظائف ذات رواتب عالية للعمال الأمريكيين. ([20]).

ثالثًا: مساعدة الحفاء على شراء منظومات الدفاع الصاروخي، والقدرات الأخرى التي تعزز من قدراتهم على مواجهة تهديدات الصواريخ، لا سيما مع تزايد قدرات إيران على إنتاج الصواريخ الباليستية، وامتلاك الميلشيات المسلحة التي تدعمها طهران صواريخ يهدد مداها أمن دول الخليج العربي.

فبعد جهود مكثفة بذلتها حكومة الرئيس "ترامب" ستشتري المملكة العربية السعودية نظامًا للدفاع الصاروخي من صنع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية بقيمة ١٥ مليار دولار. وسيدعم هذا النظام أمن السعودية ومنطقة الخليج في المدى البعيد في مواجهة تهديد الصواريخ الباليستية المتنامي من جانب النظام الإيراني والجماعات المتطرفة المدعومة من طهران. ومن الجدير بالذكر أن الكونجرس قد وافق في عام ٢٠١٧م، على صفقة بيع نظام ثاد للدفاع الصاروخي للمملكة ([21]).

رابعًا: العمل مع الحلفاء في المنطقة على مواجهة النفوذ الإيراني الذي يهدد الأمن الإقليمي. وفي هذا الشأن أشار وزير الخارجية الأمريكية "مايك بومبيو" خلال كلمته بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في ١٠ يناير ٢٠١٩م، إلى جهود الدول العربية في إحباط الجهود الإيرانية للتهرب من العقوبات الأمريكية التي فرضت في أعقاب الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق النووي، والعمل على وقف الأنشطة البحرية الإيرانية غير المشروعة بالمنطقة. وأشار إلى تقديم الولايات المتحدة المساعدات لشركائها في اليمن لأخذ زمام المبادرة في منع التوسع الإيراني الذي سيكون كارثيًا على التجارة العالمية والأمن الإقليمي ([22]).

وعلى الرغم من جهود الكونجرس الأمريكي بمجلسيه لوقف الدعم الأمريكي للتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية لمواجهة الحركة الحوثية المدعومة من قبل إيران التي انقبلت على الحكومة الشرعية، لا تزال إدارة الرئيس "ترامب" تستمر في تقديم الدعم لجهود التحالف السعودي -الإماراتي لمنع تحول اليمن إلى ساحة نفوذ حقيقية لطهران.

وفي إطار المواجهة الأمريكية للنفوذ الإيراني الذي يهدد الأمن القومي العربي عامة والخليجي على وجه الخصوص بدأت الولايات المتحدة في فرض عقوبات على وكلاء طهران في منطقة الشرق الأوسط، والذين يمنحونها قوة للتأثير على أمن واستقرار المنطقة، ففرضت الولايات المتحدة حملة من العقوبات عليها وعلى قادتها وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني وزعيمه حسن نصر الله.

خامسًا: التحالف الاستراتيجي الشرق أوسطي. وقد تم الإعلان عنه لأول مرة خلال زيارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى المملكة العربية السعودية في مايو ٢٠١٧م، حيث وصف إعلان الرياض التحالف بأنه يساهم في "السلام والأمن في المنطقة والعالم". ولهذا، تعمل الولايات المتحدة على تشكيل هذا التحالف الذي يضم الدول الخليجية الست بجانب مصر والأردن بهدف مواجهة التهديدات الأكثر خطورة في المنطقة وتعزيز التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية التي تهدد أمن واستقرار الدول الخليجية، والمنطقة في صورتها الكلية أيضًا.

وقد تم تصميم التحالف في البداية لبناء قدرات دول الخليج العربي لمواجهة السياسات الإيرانية التي تهدد الأمن الخليجي دون تدخل الولايات المتحدة أو التدخل الروسي أو الصيني. ولكن في الآونة الأخيرة يحاول مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية إعادة تشكيله بحيث يعكس أهداف استراتيجية أكبر، بحيث يركز بجانب مواجهة النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في المنقطة على مواجهة التهديدات الالكترونية والهجمات على البنية التحتية وتنسيق إدارة الصراع من سوريا إلى اليمن، بجانب مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب ([23]).

خلاصة القول، في ظل استمرار تبني الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات القادمة نهج الاستدارة نحو آسيا في مقابل تقليل الانخراط الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ونقل عبء استقرار وحماية أمن المنطقة إلى ذاتها، والاعتماد على صيغ جديدة لتوازن القوى في المنطقة؛ بحيث لا تسيطر قوى عليها تهدد المصالح الأمريكية والدولية، فإن على الدول الخليجية الاعتماد على الذات في حماية أمنها، حيث لم يعد أمامها من خيار غير ذلك، ولا سيما مع انخراط قوى إقليمية ودولية ذات مصالح متعارضة مع المصالح الخليجية في صراعات وأزمات المنطقة لخدمة مصالحها الآنية بما يضر في التحليل الأخير بالأمن الخليجي، وهو ما يفرض على دول المنطقة البحث عن بدائل عربية تحفظ أمن المنطقة، وتحررها من رهن استقرارها وأمنها بالتدخل العسكري الأمريكي المباشر أو بصيغ أمنية دولية أو أمريكية لا تأخذ متطلبات الأمن القومي العربي وفي القلب منه الخليجي في الاعتبار بالقدر الكافي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*باحث متخصص في الشؤون الأمريكية ــ محرر بمجلة السياسة الدولية – مؤسسة الأهرام ـ مصر

 

[1]- Bilal Y. Saab, "After Hub-And-Spoke: Us Hegemony in A New Gulf Security Order", Atlantic Council, April 2016, P.4.

[2]- Jimmy Carter, "State of The Union Address", Washington DC., 23 January 1980, https://bit.ly/1AJYam8, (Accessed March 18, 2019).

[3]- Bilal Y. Saab, op.cit, P.4.

[4]- “READ: James Mattis' resignation letter”, CNN, December 21, 2018, https://cnn.it/2A9wFvO, (Accessed March 18, 2019).

[5]- Stephen Miles, “Americans Are Sick of Endless War”, The Nation, June 21, 2018, https://bit.ly/2HQzrLc, (Accessed March 20, 2019).

[6]- “National Security Strategy of the United States of America”, (Washington, DC: The White House, December 2017), p. 2, 25.

[7]- “Summary of the 2018 National Defense Strategy of The United States of America: Sharpening the American Military’s Competitive Edge”, Department of Defence, p.2.

[8] -Aaron Miller and Richard Sokolsky, “5 reasons why Trump is right about getting America out of Syria” , Los Angeles Times, January 03, 2019, https://lat.ms/2BWDEID, (Accessed March 18, 2019).

[9]- Mara Karlin and Tamara Cofman Wittes, “America’s Middle East Purgatory: The Case for Doing Less”, Foreign Affairs, Vol. 98, No. 1, January/February 2019, P. 90-92.

[10]- “United States to Lead Global Oil Supply Growth, While No Peak in Oil Demand in Sight”, International Energy Agency, 11 March, 2019, https://bit.ly/2SZSLrd, (Accessed March 18, 2019).

[11]- Michael Wilner, “Trump: Israel Can Defend Itself with The Billions the Us Gave It”, The Jerusalem Post, December 27, 2018, https://bit.ly/2HQD57Q, (Accessed March 22, 2019).

[12]- John j. Mearsheimer, "A Return to Offshore Balancing", Newsweek, 12/31/08, https://bit.ly/2On14wN, (Accessed March 22, 2019). And Stephen m. Walt, "U.S. Middle East Strategy: Back to Balancing", Foreign Policy, November 21, 2013, https://bit.ly/2ebqJtb, (Accessed March 22, 2019).

[13]- John J. Mearsheimer and Stephen M. Walt, "The Case for Offshore Balancing: A Superior U.S. Grand Strategy", Foreign Affairs, Volume 95, Number 4, July/August 2016, p.75-76.

[14]- Jeffrey Goldberg, "The Obama Doctrine", The Atlantic, Issue April 2016, https://bit.ly/1UUZ50W, (Accessed March 22, 2019).

[15]- Kenneth Katzman, "Iran: Politics, Gulf Security, and U.S. Policy", Congressional Research Service, August 19, 2016, p.35.

[16]- Jackie Northam, "U.S. Confirms It Is Supporting Saudi Military Operations in Yemen", NPR, March 25, 2015, https://n.pr/2Ykl9Z9, (Accessed March 22, 2019).

[17]- “National Security Strategy of the United States of America”, Op.Cit., p. 11.

[18]- Ibid., P. 49-50

[19]- “President Trump and King Salman Sign Arms Deal”, White House, May 20, 2017, https://bit.ly/2HFdcZx, (Accessed March 20, 2019).

[20]- Micah Zenko, “US Military Policy in the Middle East: An Appraisal”, The Royal Institute of International Affairs, Research Paper, October 2018, p.23.

[21] - مايك ستون، "السعودية تشتري نظاما أمريكيا للدفاع الصاروخي بقيمة 15 مليار دولار"، رويترز، 29 نوفمبر 2018، https://bit.ly/2Sk9Oo9، (دخول ٢٢ مارس ٢٠١٩).

[22]- Michael R. Pompeo, “A Force for Good: America Reinvigorated in the Middle East”, U.S. State Department, January 10, 2019, https://bit.ly/2TF0ICX, (Accessed March 22, 2019).

[23]- Yasmine Farouk, “The Middle East Strategic Alliance Has a Long Way to Go”, Carnegie Endowment for International Peace, February 08, 2019, https://bit.ly/2tkK8gQ, (Accessed March 24, 2019).

مجلة آراء حول الخليج