; logged out
الرئيسية / الاقتصاد الرقمي ومستقبل التنمية والتشغيل في دول مجلس التعاون

العدد 138

الاقتصاد الرقمي ومستقبل التنمية والتشغيل في دول مجلس التعاون

الخميس، 13 حزيران/يونيو 2019

حققت دول مجلس التعاون الخليجي العديد من الإنجازات المشهودة في تاريخها الحديث، تحسنت خلالها مستويات المعيشة للسكان، وارتفع متوسط دخل الفرد إلى مستويات الدول المتقدمة، رصدتها مؤشرات التنمية المنشورة عن البنك الدولي، ومن حيث حجم الاقتصاد الوطني، احتلت السعودية المركز رقم 19 على المستوى الدولي، وتتصدر قطر دول العالم من حيث متوسط دخل الفرد، وتقع دول المجموعة ضمن فئة الدول عالية الدخل . World Development Indicators database, World Bank
وسعيًا للارتقاء بمستوى المعيشة تبذل الحكومات جهودًا متواصلة لتشغيل المواطنين وتغيير محددات سوق العمل، وساندت عملية توطين الوظائف، وأعلنت استراتيجيات وطنية للتوظيف، ودعمت القطاع الخاص الذي يوفر وظائف للمواطنين أو يساهم في توطين الوظائف.
وفي مواجهة التطورات في الأسواق العالمية للنفط، وآخرها التراجع الذي حدث منذ العام 2014م، أعلنت منهجًا جديدًا في التنمية يعتمد على اقتصاد السوق، ويقلل الاعتماد على الدور الحكومي، وقدمت العديد من الحوافز لتشجيع القطاع الخاص والأفراد على مباشرة الأعمال في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، لتنويع مصادر الدخل، وطبقت برامج واسعة للخصخصة، بغية تحقيق مزيد من اعتبارات الكفاءة التي يتفوق فيها القطاع الخاص بطبيعة الحال على القطاع الحكومي.
وتعتبر زيادة مشاركة الوطنيين في قوة العمل عمومًا، أحد التحديات الأساسية التي تواجه الاقتصادات الخليجية، حيث ترتفع نسبة البطالة بين المواطنين عنها بين الوافدين، فضلاً عن اتجاهها للتزايد، كذلك لا تزال نسبة البطالة بين الشباب عالية بشكل ملحوظ في دول المجموعة وتتعدى أحيانًا نسبة 30%، وتتوقع التقديرات أن تظل نسبة البطالة عالية، ما لم تتخذ الحكومات خططًا تنموية داعمة للتشغيل، ويوضح الجدول التالي بعض مؤشرات البطالة والتشغيل لدول الخليج العربية 2017-2020

 مؤشرات البطالة والتشغيل في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتوقعاتها 2017 -2020

بيان

2017

2018

2019

2020

معدلالبطالة % منقوةالعمل

3.9

4.0

4.0

4.0

عددالعاطلينبالمليون

1.1

1.2

1.2

1.2

معدلنموالتشغيل % سنويًا

2.6

2.5

2.4

2.3

معدلنموإنتاجيةالعمل %

–2.8

0.2

0.9

1.3

معدلفقرالعاملين (المدقعوالمعتدل)

0.3

0.2

0.2

0.2

عددالعاملينالفقراء (مدقعومعتدل) بالمليون

0.1

0.1

0.1

0.1

 

ملحوظة: تشير معدلات فقر العمل المعتدل والمدقع إلى حصص العمال الذين يعيشون على دخل أو استهلاك للفرد الواحد بين 1.90 دولار أمريكي و3.20 دولار أمريكي في اليوم، وفق تعادل القوة الشرائية بالنسبة للدخل، وأقل من 1.90 دولار أمريكي في اليوم (PPP)، بالنسبة للاستهلاك، مجاميع دول مجلس التعاون الخليجي مخصصة للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي: البحرين، الكويت، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
المصدر: Source: ILO modelled estimates, November 2018
أبعاد مشكلة البطالة في دول مجلس التعاون
تعتبر معدلات بطالة الشباب في منطقة الخليج العربي هي الأعلى في العالم لأكثر من25عامًا، وتتعدى نسبتها 30 بالمائة في عام 2017م، في دول مجلس التعاون الخليجية، ورغم أهمية الأبعاد الاقتصادية في مشكلة البطالة باعتبارها هدر لجانب من الموارد البشرية وتعطيل للطاقات الإنتاجية، فإن الأبعاد الاجتماعية والنفسية لا تقل أهمية عن ذلك، حيث تطول سنوات البحث عن العمل وقد تستغرق سنوات قبل العثور على فرصة عمل لائق، هذا التأخير في الانتقال إلى العمل يؤثر على مسارات أخرى، بما في ذلك سن الزواج، وتملك سكن خاص، والمشاركة المدنية.
تتعدى مشكلة البطالة بين الشباب في دول الخليج الجانب الاقتصادي في تشخيصها ووضع الحلول لها، فالقطاع الحكومي تم توطينه بالكامل، وهو بطبيعته ليس مستوعبًا للعمالة، كما أن القطاع الخاص في حاجة إلى رينيسانس أو عهد جديد، من المبادرات ومن رواد الأعمال، ومن الممارسات والأعمال بالمفهوم المعاصر ، كما على الحكومات أن تدرك أنها أمام جيل من الشباب ذكورًا وإناثًا، لا يطيقون فترة انتظار طويلة، بين التخرج واستلام العمل، حتى يتم كسر الفجوة بين ما تلقوه من معارف واكتسبوه من مهارات، وبين طبيعة وأنشطة مؤسسات الأعمال في بلدانهم.
نتجت مشكلة البطالة عن سلسلة من الأزمات، بما في ذلك الأزمة المالية لعام 2008، وأحداث 2011، والصراعات المسلحة بالمنطقة، وهبوط أسعار النفط عام 2014م، مما أثر على مستويات النشاط ونمط الإنفاق الحكومي، ومع ذلك، تعد العوامل الهيكلية السبب الرئيسي وراء ارتفاع معدلات بطالة الشباب في المنطقة.
دور القطاع الخاص في التشغيل وتوفير فرص العمل
تمثل قدرة القطاع الخاص على توليد فرص عمل جديدة محل تحدٍ كبير في ضوء تجربة السنوات السابقة بدول مجلس التعاون، حيث كانت نتائج الجهود التي بذلت في هذا الاتجاه محدودة، إلا أن تراجع نمو توظيفهم في القطاع الحكومي كان أوضح، الأمر الذي أدى إلى ظهور البطالة بين الوطنيين، وبين الشباب بصفة خاصة.
والواقع أن حل مشكلة البطالة في ظل المصاعب التي تواجه توطين العمالة الخليجية في القطاع الخاص، بوضعه الحالي، يتطلب التصدي لأسباب عزوفهم عن العمل بذلك القطاع، كما يجب أن يتصدى لمعالجة أسباب تفضيل القطاع الخاص بدوره لتشغيل الوافدين، فالأمر قد لا يتطلب فقط تهيئة الوطنيين للعمل بالقطاع الخاص، وإنما قد يحتاج أيضا تهيئة القطاع الخاص نفسه لتشغيل الوطنيين، واستيعاب أعداد كبيرة منهم.
وهناك أسباب كثيرة لعزوف الوطنيين عن العمل بالقطاع الخاص، وتفضيل القطاع الخاص لتشغيل الأجانب، منها فارق الأجور والمزايا بين العمل بالحكومة والعمل بالقطاع الخاص، وقصور المهارات المطلوبة لدى الوطنيين للعمل في كثير من الأعمال المهنية والفنية أو الإدارية، فضلاً عن افتقارهم لبعض ثقافة العمل بالقطاع الخاص من انضباط وجدية، وربط الأجر بالإنتاجية، وهو مالا يطبق في الأجهزة الحكومية.
ومن ناحية أخرى يلاحظ عدم مواءمة بيئة العمل في العديد من منشآت القطاع الخاص وتدني الإنتاجية والأجور بالتالي، وافتقاد بعض مزايا التأمينات الاجتماعية وحقوق العاملين والتي قد يقبل بها الأجانب.
ولا يتوقع أن يوفر هذا التوجه حلاً جذريًا لمشكلة البطالة بين الوطنيين، دون أن يستكمل بإعادة هيكلة بعض مجالات العمل والأنشطة في منشآت الأعمال الخاصة للارتقاء بأسلوب العمل، وتحسين بيئته، ومن ثم رفع الإنتاجية ومستويات الأجور وفتح مجالات عمل جديدة وجاذبة في العديد من الأنشطة الإنتاجية السلعية والخدمية وفي مشروعات تنموية بالقطاع الخاص، وهو الدور المتوقع للابتكارات التقنية، في إطار الاقتصاد الرقمي، الذي يعول عليه في معالجة مشكلة البطالة وزيادة فرص التشغيل والنمو الاقتصادي.
الاقتصاد الرقمي ومستقبل التنمية في دول مجلس التعاون
أتت الثورة الصناعية الرابعة بما أصبح يعرف بالاقتصاد الرقمي (New Digital Economy) NDE ، ووفقًا لتعريف مؤسسة Digital McKinsey يشير مصطلح NDE إلى مجموعة من التقنيات والعمليات التي من أهمها:
1) معدات الإنتاج المتقدمة، الروبوتات واتمتة المصنع.
2) مصادر جديدة للبيانات من اتصال الإنترنت المحمول في كل مكان.
3) الحوسبة السحابية.
4) تحليلات البيانات الكبيرة.
5) الذكاء الاصطناعي. وتستند هذه التقنيات والعمليات أساسًا، على تقنية المعلومات والاتصالات المتقدمة (ICT) والتي ستؤدي حتمًا إلى تقليل الطلب على المهام الروتينية بشكل كبير.
وتمنح التقنيات الرقمية (شبكة الإنترنت والجوالات الذكية، وتقنية المعلومات والاتصالات) بلدان العالم فرصة فريدة لتسريع خطى التنمية الاقتصادية الاحتوائية، وتحدث الابتكارات والتقنيات الرقمية حاليًا تحولات في جميع قطاعات الاقتصاد تقريبًا عن طريق إدخال نماذج عمل جديدة، ومنتجات جديدة، وخدمات جديدة، وفي خاتمة المطاف، طرق جديدة لخلق القيمة المضافة وتوفير فرص العمل‏‏.
وقد بدأت نتائج هذا التحول في الظهور بالفعل: حيث تبلغ قيمة الاقتصاد الرقمي العالمي حالياً 11.5 تريليون دولار، أو 15.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ويتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 25% خلال أقل من عقد من الزمان.
الفجوة الرقمية وكيف تتحقق التنمية
رغم الفجوة الرقمية الكبيرة بين الدول العربية والدول الصناعية الكبرى في تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والاستفادة من التقنيات الرقمية، إلا أننا لسنا في حاجة لاختراع العجلة من جديد، كل ما علينا هو ركوب العجلة والإبحار مع التيار.
وقد رصد تقرير البنك الدولي عن النمو عدد 13 دولة حققت معدلات نمو عالية ومستدامة عقب الحرب العالمية الثانية حتى الأن، وهي: بتسوانا، البرازيل، الصين، هونج كونج، اندونيسيا، اليابان، كوريا، ماليزيا، مالطا، عُمان، سنغافورة، تايوان، وتايلاند، وحدد التقرير خمسة عوامل ساعدت على تحقيق معدلات نمو عالية ومستدامة وهي:
1- استيراد المعرفة واستغلال الأسواق العالمية
2- تحقيق استقرار المتغيرات الكلية
3- إنجاز معدلات عالية من الادخار والاستثمار
4- حرية الأسواق في تخصص الموارد، فالحكومة توفر المناخ اللازم للنمو، وتترك للقطاع الخاص الاستثمار وخلق الثروة للناس.
5- توفير قيادة وحكومة تعرف ماهي السياسات الصحيحة، ولديها المهارات، أو تعرف كيف تتعاقد معها لتنفيذ تلك السياسات.
ويكمن الأمل في العنصر الأول، أي الانفتاح على العالم، ذلك أنه من الأسهل أن تتعلم شيئًا عن أن تخترعه، وهو ما يفسر لماذا لا تنمو الدول المتقدمة بمعدل 7% الذي حققته بعض الدول النامية، ويفسر أيضًا لماذا يمكن للدول التي في الخلف أن تلحق بالدول المتقدمة.
وتقدم الأسواق العالمية، مجالات واسعة ومستقرة نسبيًا لمنتجات الدول النامية،
وهكذا استطاعت الدول التي حققت معدلات نمو عالية أن تستفيد بطريقتين:
الأولى استوردت الأفكار، والتكنولوجية، وحق المعرفة من باقي دول العالم، والثانية، أنها استغلت الطلب العالمي الذي وفر أسواقًا عميقة، ومرنة لمنتجاتها، وهكذا ساعدت التقنية وتدفق المعرفة على زيادة القدرات الإنتاجية للاقتصادات الوطنية، ووفرت الأسواق العالمية الطلب الضروري لإدراكها واستغلالها.
ببساطة يمكن لدول مجلس التعاون أن تستورد ما يعرفه باقي دول العالم، ثم تقوم بالاستثمار في المعرفة وفي رأس المال البشري، ويمثل ذلك أحد أهم مزايا التقنيات الرقمية والمعارف الحديثة، حيث لا تتطلب خبرات متراكمة، كما أنها تتعلق بأنماط جديدة من الاحتياجات والمنتجات وطرق الانتاج، وسبل التسويق والتبادل، ما يؤكد
أن الرقمية لها تأثير كبير على الاقتصادات الوطنية وتدعم النمو الاقتصادي ، وتساعد على خلق فرص العمل، ولفهم العلاقة بين التأثير الرقمي والنمو الاقتصادي ، يؤكد تقرير ماكينزي عن الرقمية الصلة بين مؤشر ماكينزي للاقتصاد الرقمي وإجمالي الناتج المحلي، Digital Middle East: Transforming the region into a leading digital economy. October 2016
حيث يظهر التقرير وجود علاقة قوية بين نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لبلد ما ودرجته في مؤشر ماكينزي، وتشير هذه النتائج إلى أن العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي والرقمنة تأخذ دورة حميدة: فالناتج المحلي الإجمالي الأعلى يسمح للبلدان بإنفاق المزيد على بناء الاقتصاد الرقمي، مما يزيد من أداء بلد ما في مؤشر الرقمنة، ومن ناحية أخرى يساهم المستوى العالي للرقمنة في دعم النمو الاقتصادي، مما يؤدي إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي.
وتتبع دول المنطقة حاليًا استراتيجيات رقمية متعددة، ويدرك القادة في المنطقة التأثير الذي يمكن أن يحدثه الاقتصاد الرقمي على دولهم، في الواقع، فإن تسريع رحلة الرقمنة سيكون له تأثير كبير على الاندماج الاجتماعي، وتنمية المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم، وخلق فرص العمل، ورفع الإنتاجية الاقتصادية، وتحسين كفاءة الحكومة، لذلك تعد الرقمنة عامل تمكين رئيسي لطموحات الحكومات في اقتصاداتها ومجتمعاتها.
وقد طورت حكومات المنطقة استراتيجيات حديثة، وتم تنفيذ العديد من مبادرات الرقمنة في العقد الماضي، وعلى رأسها رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية، حيث من أحد أهدافها الطموحة على مستوى البلاد رفع ترتيب الدولة في مؤشر مسح الحكومة الإلكترونية لتكون بين الدول الخمس الأولى، كما أعطى برنامج التحول الوطني 2020 الأولوية للتحول الرقمي كأحد أهم أربعة أهداف وطنية مشتركة، وحدد البرنامج 5 منصات رقمية و29 مبادرة رقمية أساسية للقطاعات الرئيسية وعدد من الأصول الرقمية الوطنية لدعم التحول الرقمي للحكومة.
كما حددت رؤية الإمارات 2021م، الاستراتيجية الوطنية للابتكار التكنولوجيا الرقمية باعتبارها واحدة من القطاعات الوطنية السبعة الأولى، وتركز الاستراتيجية على تطوير المدن الذكية والبرمجيات والتطبيقات بما في ذلك التكنولوجيا المتقدمة في المجالات ذات الاهتمام العالمي مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والتكنولوجيا النانوية والطباعة ثلاثية الأبعاد، فضلاً عن التبني السريع للتكنولوجيا في مختلف الصناعات.
وتعطي رؤية قطر 2030 الأولوية لإنشاء اقتصاد قائم على المعرفة يتسم بالابتكار، وريادة الأعمال، والتميز في التعليم، والعمود الفقري الأساسي للبنية التحتية، وتقديم الخدمات العامة بكفاءة، والحكومة الشفافة والمساءلة
هناك سبب للتفاؤل
تشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2020م، ستصل المنطقة إلى 60 في المئة اعتماد الهاتف الذكي الشامل، وذلك تمشيًا مع بقية دول العالم عبر القطاعات، ويمثل الاقتصاد الرقمي 4,1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الشرق الأوسط، وتمثل مساهمة الرقمية إلى الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط نحو 50 في المئة فقط من الولايات المتحدة.
وتتمتع دول مجلس التعاون الخليجي عمومًا باقتصادات رقمية أكثر من جيرانها، على سبيل المثال، يمثل الاقتصاد الرقمي 8 درجات عالية في البحرين ٪ و 5,1٪ في الكويت -ولكن أقل من 1 في المئة في كل من عمان وقطر.
الاستثمار في البشر
بينما يواجه العالم تحديات العولمة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تؤدي إلى تحولات أساسية، حيث لم يسبق أن كان للاستثمار في البشر أهمية أكبر مما هي عليه اليوم حيث يؤدي رأس المال البشري على تزويد الأفراد بالمعارف والمهارات اللازمة للاستجابة للتحولات النظامية والهيكلية في النشاط الاقتصادي، ويزيد أيضًا من المشاركة في إيجاد عالم أكثر مساواة وشمولا واستدامة.
ويُعد التعليم، بالغ الأهمية في تعزيز النمو الاقتصادي الشامل وتوفير مستقبل تُتاح فيه الفرص للجميع، بيد أنه في حين تخلق تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة ضغوطًا جديدة على أسواق العمل، سيصبح إصلاح التعليم والتعلم المستمر ومبادرات إعادة تشكيل المهارات أمورًا أساسية لضمان حصول الأفراد على فرص اقتصادية من خلال الحفاظ على قدراتهم التنافسية في عالم العمل الجديد، وأن تتاح للشركات إمكانية الحصول على المواهب التي تحتاجها من أجل وظائف المستقبل.
والواقع أن الثورة الصناعية الرابعة تؤدي إلى انخفاض كبير في بعض أدوار العمل البشري المباشر، إذ تصبح زائدة عن الحاجة أو تتم الأعمال بطريقة آلية في الكثير من المجالات، ووفقًا لما ورد في تقرير مستقبل الوظائف، الصادر عن المنتدى الاقتصادي عام 2018، من المتوقع أن يتم إلغاء 75 مليون وظيفة بحلول عام 2022 في 20 اقتصادًا رئيسيًا، وفي الوقت نفسه، يمكن للتطورات التكنولوجية وطرق العمل الجديدة أيضًا أن تخلق 133 مليون وظيفة جديدة، مدفوعة في ذلك بالنمو الكبير في المنتجات والخدمات الجديدة التي ستتيح للناس استخدام الآلات والخوارزميات لتلبية متطلبات التحولات الديموجرافية والتغيرات الاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تُستكمل هذه التدابير بعملية إعادة تفكير استراتيجية في كيفية إعداد وتنظيم العمل وتحديد مجالات خلق فرص العمل التي يمكن أن تعزز فرص التشغيل والنمو من خلال زيادة الاستثمار العام والخاص في ثلاثة مجالات: قدرات الأفراد، والمؤسسات والقواعد المتعلقة بالعمل، والقطاعات التي تتجه إلى تحقيق النمو والتي تفيد المجتمع، بما فيها الرعاية والتعليم والمياه والطاقة، والبنية التحتية الرقمية.
سبيل رفع مستوى التشغيل في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية:
1- توفير المزيد من فرص العمل عالية الإنتاجية بالقطاع الخاص
من المسلم به أن توفير فرصة عمل إضافية، لها تكلفتها، فالمسألة ليست مجرد قيد الشخص في قائمة الأجور، فالعامل يحتاج قدرًا من العناصر الإنتاجية الأخرى يتكامل معها كي يعمل وينتج، ويستحق نصيبًا في الناتج والدخل، بقدر مساهمته في القيمة المضافة. هذا القدر من العناصر الأخرى هو ما يعرف بالاستثمار أو تكوين أصول إنتاجية، وهذه مسؤولية القطاع الخاص، أما إعداد العامل نفسه والاستثمار فيه فتلك مسؤولية الحكومات فيما يعرف بالاستثمار في البشر أو تكوين رأس المال البشري.
ويتطلب ذلك العمل على محورين، الأول مزيد من الاستثمارات المادية، أي مزيد من المشروعات الخاصة، في مجالات عمل تنافسية، لزيادة الطلب على قوة العمل، فإذا ما أردنا تشغيل العاملين الذين في حالة بطالة في القطاع الخاص، علينا أن نخلق لهم فرص عمل، ليس فقط من خلال توطين الوظائف، وإنما من خلال خلق فرص عمل جديدة، وهو ما يتطلب مزيد من الاستثمارات المادية في الأصول الإنتاجية في قطاعات النشاط الاقتصادي الحديثة.
2- تحديث وتطوير منشآت الأعمال بالقطاع الخاص
لا تشكل بيئة عمل القطاع الخاص في دول المنطقة فرص عمل جاذبة للمواطنين، لذلك فإن تطوير بيئة العمل بها يمثل شرطًا ضروريًا للمساهمة في توفير فرص عمل عالية الإنتاجية ومرتفعة الأجر وجاذبة لقوة العمل ويتطلب ذلك العمل على 3 محاور.
المحور الأول، إعادة هيكلة كثير من المشروعات والمنشآت الخاصة لتطوير وسائل الإنتاج بها، بما يساعد على رفع إنتاجية العمل، ومن ثم تمكينها من دفع أجور أعلى تجذب العمالة الوطنية.
المحور الثاني، تنظيم العمل في القطاعات غير الرسمية في مجالات عديدة مثل تجارة التجزئة والخدمات المنزلية والمجتمعية، وسوف يساعد ذلك على رفع الإنتاجية وتطوير بيئة العمل وتحسين مستويات الأجور وجذب أعداد إضافية من العمالة الوطنية العادية والماهرة.
المحور الثالث، توسع القطاع الخاص في الأنشطة ذات التكنولوجيا الحديثة، واستخدام التقنيات الرقمية، في قطاعات جديدة، كالإلكترونيات، والهندسة البيولوجية، والاتصالات، والخدمات المالية والمصرفية، ومن ثم خلق فرص عمل ذات انتاجية عالية ومستويات أجور مرتفعة.
3- إعداد قوة العمل الوطنية للعمل في القطاع الخاص المتطور
أما في جانب العرض، فإن هناك عدة عناصر أساسية، أولها الاستمرار في دعم جهود مختلف الجهات الحكومية والأهلية التي توفر خدمات التدريب والتأهيل، وضرورة العناية بمراكز التدريب وتجهيزها، ودعم التعاون مع منشآت القطاع الخاص في مجال التدريب على رأس العمل وإشراكهم في وضع البرامج التدريبية.
ويمثل دور مؤسسات التعليم الأساسي والمهني والجامعي أهمية خاصة في تأهيل الخريجين لسوق العمل وتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة لشغل وظائف ذات إنتاجية عالية، ويمكن تطبيق نظام التعليم والتدريب التعاوني الذي تطبقه جامعات عالمية كثيرة، كما في جامعة ووترلو الكندية، حيث يتم توزيع المقررات الدراسية ما بين التدريس الفصلي والتدريب في منشآت الأعمال من خلال عقود تدريب أو عمل بعض الوقت، مما يساعد الطلاب على اكتساب ثقافة الأعمال، وقيم العمل والمهارات اللازمة، ويضمن فرص عمل عقب التخرج مباشرة.

مجلة آراء حول الخليج