; logged out
الرئيسية / هل كان بإمكان العرب أن يحلّوا محل الناتو في حماية الشعب الليبي؟

العدد 88

هل كان بإمكان العرب أن يحلّوا محل الناتو في حماية الشعب الليبي؟

الأحد، 01 كانون2/يناير 2012

هناك مقولة حديثة عن العرب في مجال السياسة تشير إلى أن )العرب لا يفوّتون فرصة لتفويت فرصة(. قضية التمرد الليبي والقرار الأممي رقم ١٩٧٣ كان فرصة ثمينة للعرب لإثبات وجودهم في الساحة الدولية ورغبتهم التامة في حل مشاكلهم الداخلية بذاتهم. ولكن وللأسف الشديد، انطبقت المقولة المذكورة أعلاه على القرار العربي وفوت العرب متمثلين في الجامعة العربية فرصة ثمينة لإثبات وحدتهم ورغبتهم في أن يكون لهم دور ملموس على الساحة الدولية.

تطوَّرَ الوضع في ليبيا وبشكل سريع، خاصة بعد أن تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس. الكثير من الباحثين يشيرون إلى أن تقدم جيوش المعارضة على أرضية المعركة بهذه السرعة لم يكن سهلاً لولا وقوف قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد قوات القذافي، أو بمعنى أصح مع قوات المعارضة والمجلس الانتقالي الوطني. السؤال الذي تحاول هذه المقالة الإجابة عنه هو هل كان بإمكان العرب أن يحلّوا محل حلف شمال الأطلسي ويقفون عسكرياً بجانب المجلس الانتقالي ضد القذافي؟ ليست الإجابة عن هذا التساؤل بالسهلة، فهناك العديد من العوامل التي يجب أن نأخذها بالحسبان قبل أن نجزم وبشكل حازم على مثل هذه الأسئلة.

في بداية الأمر، يجب أن نشير إلى أن قرار مجلس الأمن رقم ١٩٧٣ الذي يعطي مهمة حماية المدنيين في ليبيا إلى حلف الشمال الأطلسي لم يكن ممكناً لولا أن تكون جامعة الدول العربية قد اعتمدت هذا القرار من قبل. نذكّر هنا بأن جامعة الدول العربية قد قامت، بشهر مارس الماضي، باقتراح قرار يدعو مجلس الأمن إلى فرض حظر جوي على ليبيا حفاظاً على أرواح المدنيين الليبيين من جراء القصف العشوائي من قِبل قوات القذافي. نشير كذلك هنا إلى أن هذا القرار العربي قد حصل على موافقة أغلبية الدول العربية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لمَ لَمْ يطلب القادة العرب تصريحاً من مجلس الأمن بأن يسمح لهم (أي للعرب) بالتدخل العسكري في ليبيا لحفظ أرواح المدنيين؟ بمعنى آخر، ما هي الجدوى من معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة، والتي حصلت على موافقة جميع الأعضاء عند إنشاء صرح الجامعة العربية، إذا كان العرب يطلبون من مجلس الأمن التدخل لحل مشاكلهم الداخلية؟ المسألة هنا تتعلق بوجهة نظر فيما إذا كان العرب باستطاعتهم تحقيق الأمن والسلام والدفاع عن المدنيين تجاه أي عدوان داخلي أو خارجي بأنفسهم. بمعنى أصح، هل بإمكان دول جامعة الدول العربية حل مشاكلهم بأنفسهم دون تدخل القوات الخارجية وخاصة حلف شمال الأطلسي؟

ما هي الجدوى من معاهدة الدفاع المشترك إذا كان العرب يطلبون من مجلس الأمن التدخل لحل مشاكلهم الداخلية؟

لتحليل هذا السؤال بطريقة موضوعية، نحتاج إلى سرد القوات العسكرية العربية والنظر فيما إذا كانت هذه القوات باستطاعتها تحقيق الهدف من الحظر الجوي، ألا وهو حماية المدنيين من العمليات العسكرية لترسانة القذافي. فبحسب ملف التوازن العسكري لعام ٢٠١١ الصادر من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، تنفق الدول العربية مجتمعة ما يتعدى ٥ في المائة من مجموع الناتج المحلي العربي في مجال الدفاع. وبحسب المعايير الدولية، فإن الإنفاق العسكري الذي يتعدى ٤ في المائة من الناتج المحلي يعتبر إنفاقاً عسكرياً متطرفاً (ultra-militarization). هذا الإنفاق الزائد يدل بديهياً على وجود إمكانيات عسكرية بالوطن العربي. بطبيعة الحال هناك أسباب عدة تجبر الدول بصرف نسبة عالية من خزينتها العامة لميزانية الدفاع. من ضمن هذه الأسباب مسألة وجود الدولة في منطقة غير آمنة. فالحروب والمشاكل الداخلية التي تهدد الأمن في المنطقة العربية بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام تعتبر كثيرة جداً. ودون الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي، هناك مسألة القاعدة في شبة الجزيرة العربية وتنظيم القاعدة في المغرب العربي. أضف إلى هذه الوصفة مسألة العراق والصراع الداخلي الذي يهدد الوحدة العراقية، كذلك مسألة السودان والتصدع الجنوبي الذي أصاب المجتمع العربي وانتهى بتقسيم السودان إلى شمال وجنوب. كل هذه الأمور وغيرها تجعل المنطقة العربية منطقة ذات ثورات أمنية، مما يجبر الأنظمة الحاكمة على أخذ مسألة الأمن بعين الاعتبار لأنها تعتبر مسألة وجودية.

على الرغم من وجود هذه التصدعات الأمنية، لم يسجل التاريخ موقفاً عربياً موحداً للقضاء على جذور مثل هذه التهديدات الوجودية. فأصبح العرب يعتمدون على قوات أجنبية للقضاء على مثل هذه التهديدات. فالمثال الأفضل الذي بإمكانه أن يسطر اعتماد الأنظمة العربية على القوات الخارجية في حل مشاكلهم الوجودية الداخلية يتمثل في مسألة القاعدة في اليمن العربي. فعلى الرغم من وجود توجّه عربي مشترك للقضاء على الجماعات الإرهابية، إلا أن القوات الوطنية أصبح لها دور جانبي في مثل هذه القضايا، وهذا ما أشارت إليه مستندات وزارة الخارجية الأمريكية التي تم تسريبها للعامة عن طريق موقع ويكيليكس. كذلك مثال مسألة تقسيم السودان كبرهان آخر، لم يكن للعرب دور فعّال ملموس في قضية الجنوب على الرغم من أنها تمثل مسألة سيادية في بلد عربي. فبحسب موقع The Fund for Peace في ترتيبه للدول الفاشلة عالمياً، نجد بأن أربع دول عربية (الصومال، السودان، العراق واليمن) هي من ضمن اللائحة الخطرة حول فشل الدولة في احتواء مشاكلها الداخلية. ولكن على الرغم من كل هذا، قد يكون الموقف العربي تجاه هذه القضايا غير موحّد، لذلك نرى قلة المواقف العربية الفعّالة تجاه المسائل القِطرية لما قد يسببه ذلك من انزعاج للحكومة الوطنية في ذلك البلد. غير أن المسألة الليبية تختلف تماماً عن بقية المشاكل التي يهتم بها مجلس الجامعة.

فكبداية للمعضلة الليبية، بعد بضعة أيام من اندلاع الثورة الشبابية، صرح النظام الليبي بأنه سيمارس جرائم ضد الإنسانية؛ بمعنى آخر، إنه سيقوم بقتل شعبه أمام الملأ. برغم أن رَفْع السلاح ضد شعب مسالم طالَبَ بحقوقه المدنية أمر مخالف لجميع القوانين الدولية وللأعراف العربية. لذلك سارع مجلس الجامعة بأن يعلّق عضوية ليبيا في الجامعة العربية كوسيلة لكبح النظام الليبي عن نواياه المخيفة. لم يكن لهذا القرار صدى في قنوات القرار الليبي؛ فلأجل ذلك سعت الجامعة العربية لطلب حظر جوي حفاظاً على أرواح المدنيين. لم يَحْظَ هذا القرار بموافقة جميع الدول العربية المشاركة في اللقاء، حيث إن الوفد السوري عارض أي نوع من أنواع التدخل في السيادة الوطنية لأي دولة عربية. ولكن، على الرغم من هذا الاختلاف، كانت أغلب الوفود العربية موافقة على طلب الحظر الجوي. من الجدير بالذكر أن هذا القرار قد حصل على أصداء إيجابية على الساحة العالمية، فقد رحبت كل من فرنسا وبريطانيا وأمريكا بهذا السجل الجديد للجامعة. في ظل هذا التطوّر، لِمَ لَمْ يقم العرب بطلب بأن يُسمَح لهم، من قبل مجلس الأمن، بأن يكونوا (أي العرب) هم المسؤولين عن حماية المدنيين الليبيين من آلات معمّر القذافي العسكرية، رغبة في أن يقوم العرب بحل مشاكلهم الداخلية بأنفسهم دون تدخل غربي؟ فالوقت كان مناسباً بأن يقوم العرب باستخدام طاقاتهم العسكرية في مجال يتناسب والقانون الدولي. نعلم جيداً بأن بعض الدول العربية شاركت في عملية الحظر الجوي بجانب الناتو، ألا وهي قطر والإمارات والأردن؛ على الرغم من ذلك تظل مشاركاتها العسكرية في هذه العملية على مستوى فردي.

كان بإمكان العرب القيام بمهمة حماية المدنيين الليبيين عن طريق الحظر الجوي

كان بإمكان العرب أن يثبتوا للعالم بأسره بأنه بإمكانهم (أي العرب) القيام بعمليات عسكرية للحفاظ على المدنيين دون الحاجة إلى مساعدات أجنبية. فالفرصة هنا كانت ثمينة، خاصة تجاه شخص طالب باستخدام السلاح ضد شعبه بدون أي مبرر. أضف إلى ذلك، فإن شخصية القذافي كانت تلاقي استنكاراً واسعاً من قبل القادة العرب، حيث إن القضايا الشخصية تطغى على المصالح الوطنية لدى القذافي، وهذا ما رأيناه في علاقاته مع السعودية، المغرب وكذلك مع سويسرا مؤخراً.

لقد شككت المقالات والتقارير الأخيرة حول مهمة الناتو في ليبيا برغبة الدول المشاركة في حماية المدنيين أم في تأميين نصيبها من كعكة النفط الليبي، خصوصاً عند عدم وجود تحرك عسكري ملموس من قبل مجلس الأمن تجاه الأحداث الداخلية في سوريا على الرغم من وجود براهين تؤكد نوعاً ما الجرائم اللاإنسانية التي يمارسها النظام السوري تجاه شعبه. كذلك يؤكد بعض المسؤولين الغربيين بأن الناتو قد تجاوز تطبيق قرار مجلس الأمن بشأن الحظر الجوي. فلو كان هناك تدخل عربي تجاه القذافي بليبيا، لوقف العالم بجانب هذا التدخل لأنه شرعي، ولا ينم عن طمع اقتصادي، فليس للعرب رغبة عارمة بالنفط الليبي، لأن أغلبه يُصدّر للخارج.

يجب أن نذكر هنا أن مسألة التدخل العسكري في ليبيا هي مسألة تختلط بها أمور سياسية بحتة. فالدول التي قررت المشاركة في مهمة حماية المدنيين بليبيا هي دول قد اعترفت رسمياً، أو على أقل تقدير ضمنياً، بالمجلس الانتقالي الوطني. ومعظم الدول العربية اعترفت بالمجلس الانتقالي كممثل وحيد للشعب الليبي في طور متأخر من حركة التمرد الشعبي على نظام القذافي. ولكن وعلى الرغم من المسألة السياسية، كان بإمكان العرب القيام بمهمة حماية المدنيين الليبيين عن طريق الحظر الجوي. حيث إن كندا كانت مشاركة في التحالف العسكري لحماية المدنيين الليبيين ولكنها لم تكن تعترف بالمجلس الانتقالي في بداية الأمر. تم الاعتراف بالمجلس من قبل الحكومة الكندية في منتصف شهر يونيو الماضي. كذلك الحال بالنسبة لدولة هولندا، فقد شاركت في التحالف العسكري، ولكن لم تعترف بالمجلس الانتقالي إلا في شهر يوليو الماضي. عوضاً عن ذلك، المصدر الأولي في هذا التدخل هو القرار الأممي ١٩٧٣؛ هذا القرار لا يشترط الاعتراف بالمجلس الانتقالي لتطبيق الحظر الجوي. ولا حتى الأمم المتحدة التي أصدرت هذا القرار لم تعترف بالمجلس الانتقالي لكي تصدر مثل هذا القرار. هذا يدل على أن مسألة المشاركة في حماية المدنيين ليست مُجْبِرة للاعتراف بالمجلس الإنتقالي، فالهدف الأساسي من قرار ١٩٧٣ هو تطبيق حظر جوي لحماية المدنيين وليس إسقاط نظام القذافي.

تنفق الدول العربية مجتمعة ما يتعدى ٥ في المائة من مجموع الناتج المحلي العربي في مجال الدفاع

في الختام، كان من الممكن أن تقوم الدول العربية بالدفاع عن المدنيين بليبيا طمعاً في تحسين صورة السياسة الخارجية العربية كونها قادرة على إدارة مشاكلها الداخلية بذاتها. أضف إلى ذلك مزايا القدرة العسكرية التي يتحلى بها العرب في تطبيق القرار الأممي؛ فالطائرات الحربية موجودة، كذلك القرب الجغرافي والانتماء القومي يجعل العرب أكثر تأهيلاً لتأمين سلامة المدنيين الليبيين. ولكن، السؤال البديهي الذي يطرح نفسه مباشرة وبطريقة شرعية: لو شاركت الدول العربية في قضية الحظر الجوي بليبيا، هل كانت شعوب الدول العربية المشاركة ستنهج طريق التمرد للحصول على بطاقة الحرية والديمقراطية؟ للإجابة عن هذا التساؤل، يجب أن تكون هناك دراسة فردية للشؤون الداخلية لكل دولة مشارِكة وكيفية اتخاذ القرار في هذه الدولة.

مقالات لنفس الكاتب