; logged out
الرئيسية / الابتكار والتطوير في البحث العلمي: الشراكات العلمية مع القطاع الخاص لتحقيق التنمية

العدد 139

الابتكار والتطوير في البحث العلمي: الشراكات العلمية مع القطاع الخاص لتحقيق التنمية

الإثنين، 08 تموز/يوليو 2019

 في ظل التغيرات الراهنة التي تشهدها المنطقة العربية، وغياب استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى إدخال إصلاحات جزئية أو كلية في شتى الميادين (الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، وحتى الثقافية) بغية وصول إلى التنمية من جهة، ومواكبة التغيرات الحاصلة على المستوى الإقليمي والعالمي من جهة أخرى. يتطلب ذلك من الحكومات العربية الاهتمام بالبحث العلمي والتطوير باعتبارهما الركيزة الأساسية للتنمية ووضع برامج استثمارية في هذا القطاع الذي يتيح الفرصة للدولة العربية بإتباع رؤى جديدة لدعم اقتصادها باعتباره عنصرًا إنتاجيًا يعطي الدولة القدرة على الدخول إلى سوق المنافسة.

    ولتطوير البحث العلمي في الوطن العربي والاستفادة من مخرجاته بغية تحقيق التنمية لابد من إقامة شراكة بين الجامعات والمراكز البحثية (التي تضم الباحثين المختصين) والقطاع الخاص الذي يساهم في تنويع مصادر التمويل للأبحاث العلمية، على أن تراعي هذه المؤسسات البحثية عند تبنيها مشروعًا معينًا التنسيق بين المستفيدين بتنفيذ مخرجاتها بغية تحسين الإنتاج خاصة في المجال التكنولوجي بما يتلاءم مع متطلبات السوق.  ونظرًا لأهمية هذه الشراكة البحثية قامت بعض الحكومات العربية بتقديم تسهيلات بإنشاء المراكز البحثية ودعم التعاون بين مختلف المؤسسات البحثية الحكومية والمؤسسات غير الحكومية لتطوير الإبداع والابتكار في المشاريع البحثية، بغية تحقيق التنمية.

 

أولاً: الشراكات العلمية في الوطن العربي:

 بين ضرورة تعزيز التعاون مع المؤسسات البحثية وتحقيق التنمية

      عرف البحث العلمي والتطوير في الوطن العربي عدة إصلاحات كانت تهدف إلى التكيف مع مختلف المستجدات الوطنية والإقليمية وخاصة العالمية، إذ يعتبر البحث العلمي والتطوير والابتكار محركًا أساسيًا للتنمية، وبناء مجتمع المعرفة، وقبل التطرق إلى واقع البحث العلمي في الوطن العربي في ظل التغيرات الراهنة ودور الشراكات العلمية في دعم البحث العلمي واستفادة من الأبحاث وعمل على تنفيذها واقعيًا كذلك دراسة كيفية مشاركة المهاجرين العرب في إنجاز المشاريع البحثية في الدولة الأم، لابد أولاً من توضيح العلاقة بين المتغيرات ( البحث العلمي، التطوير، الابتكار، والشراكة البحثية).

1-العلاقة بين: البحث العلمي، التطوير، الابتكار ، الشراكة البحثية

    إن البحث  والتطوير يسهمان بشكل  فعال في إنتاج  المعارف، وزيادة  مخزون المعرفة واستخدامه لابتكار تطبيقات جديدة، وتطوير المخرجات المعرفية وبعدها التطبيقي من جهة، وزيادة  الوعي المجتمعي  الذي له تأثيرات إيجابية على معدلات التنمية الاقتصاديّة والاجتماعية المستدامة من جهة أُخرى،  ويتم ذلك وفق  الخطط  الاستراتيجية  للبحث العلمي والتطوير على المستوى العالمي، الذي يأخذ بمبدأ الدورة الكاملة للبحث والابتكار، وربط المؤشرات التخطيطية والتحليلية، المقاسة في هذا المجال  بمراحل البحث  والتطوير التي تبدأ من البحوث  الأساسية  والتطبيقية، وتنتهي بتطوير منتج ، أو عملية إنتاجية، أو أسلوب جديد في إطار الأنشطة الابتكارية[i].

    أما الشراكة البحثية في مجال البحث العلمي فتعرف بصورة عامة بأنها عملية تندرج في إطار علاقة تنظيمية مؤسساتية تواصلية واضحة ومحددة تمكن الأطراف المعنية من التعاون في مجالات البحث والتطوير واقتصاديات المعرفة عن طريق مشاركة الجامعات التي لها تأثير مباشر في إجراء البحث من حيث الدعم والتنفيذ، مع تلك الأطراف التي من المأمول أن تتأثر بمخرجات هذه البحوث معرفيًا وفنيًا واقتصاديًا، ويتم ذلك بتضافر الجهود المجتمعية والبحثية لتوفير مدخلات عينية أو غير عينية لإحداث التحسين المطلوب في الجودة العملية البحثية[ii].

     إن دعم التعاون بين الجامعات والمراكز البحثية والشركات عن طريق الربط بين البحث العلمي من ناحية واحتياجات السوق والشركات من ناحية أخرى يعد من العوامل المهمة التي تحقق غايات وأهدافًا كثيرة مما ينعكس بالنفع على كلا الطرفين ويعود بالإيجاب على الاقتصاد الوطني، حيث تستطيع الجامعة الحصول على مكاسب مادية لتغطية النفقات البحثية من طرف الشركات غير الحكومية. بالإضافة إلى تفعيل دور الجامعة في إشراك المؤسسات المجتمعية في المرحلة الأولية لجمع المعلومات من أجل إعداد البحث العلمي، كذلك لابد على الدول العربية تعزيز التعاون بين الجامعات وسوق العمل لتحسين فرص توظيف الخريجين ورفع مستوى استخدام المعرفة.

 

 

 مخطط يوضح العلاقة بين المتغيرات الدراسة

 

 

2-  الشراكة البحثية  كآلية استراتيجية لتطوير البحث العلمي وتحقيق التنمية

     إن تحسين وتطوير البحث العلمي في الوطن العربي يتطلب إيجاد المصادر البديلة لتمويلها ومساهمة كل الفواعل الحكومية وغير الحكومية في دعم المشاريع البحثية وتنفيذ مخرجاتها،  ويتجسد ذلك في إقامة شراكات بحثية بين المؤسسة البحثية الواحدة (الجامعة) ، وأخرى بين الجامعات والمراكز البحثية المختلفة والقطاعات الخاصة وكذلك المؤسسات المجتمعية، بالإضافة إلى الشراكات بين الجامعات والشراكات العالمية والمحلية.

      قبل التطرق إلى طبيعة العلاقة بين الشراكات العلمية ودورها في دعم وتطوير البحث العلمي والمشاريع البحثية لابد من الإشارة إلى واقع الجامعات ومراكز البحث العربية حسب التصنيفات كل من شنغهاي و QS  لسنة(2017-2018م)؛  إذ تصدرت الجامعات السعودية قائمة أفضل الجامعات في المنطقة العربية بـ(4) جامعات حسب تصنيف شنغهاي، ثم تلتها الجامعات الإماراتية بـ (3) جامعات، أما مصر ولبنان فكان نصيبهما بجامعتين، ثم تلتهما  كل من جامعة قطر وجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، وأخيرًا جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان وجامعة الخليج في البحرين  وذلك حسب  تصنيف QS. بينما باقي الجامعات العربية لم تحظ بأي مركز ضمن أفضل 500 جامعة وذلك حسب تصنيف شنغهاي و QS.

    وكما هو معروف أن الدول العربية تعاني من قلة المراكز البحثية خاصة في منطقة المغرب العربي التي تكاد أن تكون معدومة، مقارنة بدول الخليج العربي الذي زاد اهتمامها مؤخرًا بإنتاج المعرفة الذي تطلب بالضرورة  تأسيس مراكز الدراسات والأبحاث، وتوفير الأطر القانونية لتسهيل إصدار التراخيص لإنشاء المراكز البحثية، بالرغم من محدودية المراكز البحثية في الوطن العربي بصفة عامة، فإن عددًا منها وجد في التصنيف العالمي، اذ حلت 3 مراكز بحثية سعودية في تصنيف بنسلفانيا لعام 2017م[iii]،  بينما حصل "مركز الدراسات والأبحاث" ، بالمغرب، على المركز الثالث، و مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، في الإمارات العربية المتحدة، على الترتيب العاشر، كما منح "معهد الغد" السوداني  رتبة الثامن عشر  حسب "تقرير مؤشر مراكز البحوث العالمي لعام 2016."

      أما فيما يتعلق بنشر الأبحاث العلمية قامت كل من مصر والأردن ولبنان وفلسطين وتونس إنشاء مراصد لمتابعة أنظمة البحث العلمي في مختلف الجامعات والمعاهد ومراكز البحث، وقيام بدراسة البيانات وتحليلها من أجل اتخاذ السياسات اللازمة لدعم الباحثين في نشر أبحاثهم في المجالات الدولية، فرغم هذه المبادرات إلا أن بعض المحللين يرون أن هناك قلة من أعضاء هيآت التدريس ينشرون أوراقهم في مجالات علمية محكمة ومسجلة في قوائم " موقع العلوم Web of Science" أو سكوباس"Scopus  ولديهم علاقات دولية[iv]. لأن الباحث العربي وظيفته في مؤسسات التعليم العالي مقتصرة بالدرجة الأولى على تقديم المادة العلمية للطلبة، لذلك نجد أن إسهاماته في الأبحاث المنشورة في المجالات المحكمة ضئيلة جدًا.

 

توجهات النشر العلمي للدول العربية في الفترة الممتدة بين (2008-2018)

مصدر: محمود صقر، "مؤشرات العلوم والتكنولوجيا والابتكار ودورها في رسم السياسات المستقبلية"،  بوابة الأهرام الزراعي، ينظر إلى رابط:

http://agri.ahram.org.eg/NewsContentQ/94631.aspx

 

     يتضح لنا من خلال هذا المخطط أن الدول العربية قامت بتبني سياسات جديدة في مجال البحث العلمي خاصة في السنوات الأخيرة ومتجسدة في دعم الباحثين في نشر أبحاثهم في المجالات الدولية حيث تحتل السعودية المرتبة الأولى عربيًا بــ 21907 بحثًا وتليها مصر بـــ 20849 بحثًا لسنة 2018م.

     أما إحصائيات نشر الأبحاث العربية لسنة 2017 م، فقدرت بـــ 8137 بحثًا في تونس، ثم تلتها الجزائر بــ 6926، والعراق بـــ 6372 بحثًا، أما المغرب فقدر نصيبها بـــ 6097 بحثًا، أما الرتبة الأخيرة فكانت من نصيب اليمن والذي قدر بــــ 491 بحثًا.

    وبلغت عدد الاقتباسات من المنشورات للباحثين العرب (2,344,016) خلال الفترة الممتدة من: (2013، 2018م)، وقد تحصلت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى (998,213)، ثم مصر في المرتبة الثانية (559,784)، وأما نسبة الاقتباس لكل بحث للدول العربية (5.5).

    أما فيما يخص نسبة الأبحاث المشتركة للدول العربية فقد بلغت 54% من إجمالي الأبحاث خلال الفترة من 2015 إلى 2018م، مصر والسعودية أكثر نسبة تعاون في مجال البحث العلمي.

 أما في ما يخص براءة الاختراع  فقد أودعت 17 دولة عربية مجتمعة 517 براءة ابتكار، لكن كانت أعلى نسبة من نصيب الدولة السعودية التي أودعت وحدها 296 براءة ابتكار وهو رقم يتجاوز ما قدمته الدول العربية الـ16 مجتمعةً (221 براءة)[v].  

 

أ‌-     تعاون الشراكات البحثية مع الجامعات العربية من أجل تطوير البحث العلمي والاستفادة من مخرجاته

     تهدف الشراكة البحثية إلى زيادة الفاعلية في إنتاج المعرفة عن طريق توفير الدعم اللازم لتحسين وتطوير البحث العلمي واستحداث آليات جديدة لتحقيق التنمية. فلا تقتصر الشراكة على الموارد المادية فقط بل تهدف إلى صياغة وتشكيل البرامج والمشاريع الملائمة مع البيئة الاجتماعية والاقتصادية  للدولة. كذلك تهدف الشراكات إلى إصلاح المنظومة التعليمية وتطويرها بما يتلاءم مع المستجدات والتغيرات الاجتماعية.

     إن مهام الشركات البحثية مع المؤسسات الجامعية هو ربط البحث العلمي بسوق العمل خاصة بعد أن دخلت معايير الجودة في التعليم مما جعل التعليم سلعة عالمية كغيرها من السلع تخضع لمعايير الجودة، لذلك تعتبر الشراكات العلمية بمختلف أنواعها مع الجامعات وسيلة لتحقيق أهداف الشراكة متمثلة في:

- مساهمات البحث العلمي الذي يعتبر إحدى أهم الركائز التي تدفع نحو التقدم التقني الذي يمكن بواسطته تحقيق متطلبات التنمية الاقتصادية الذي يتطلب الاستثمار في رأس المال البشري بغية الوصول إلى الاختراعات التقنية الحديثة وتحسين الإنتاج.

-الاستفادة من الدعم المالي من الشراكات مما يوفر مصادر التمويل البديلة للجامعة ويجعلها مستقلة ماديًا ومعنويًا عن الحكومة.

-استفادة الشراكات من الخبرات والإمكانات العلمية والكوادر البشرية المتاحة، كما يستفيد الباحثون من الإمكانيات المادية  وتوفير البيئة للعمل (مخابر بحثية والأجهزة) مما يؤدي إلى مخرجات عالية الجودة .

-مساهمة تلك المشاريع للوصول بالجامعة إلى المعايير الدولية للجودة ومنافسة الجامعات العالمية الرصينة في هذا المجال.

- الاستثمار المشترك حيث تقوم الجامعات باختيار المشاريع بما يتوافق مع اقتصاد السوق، بينما الشركات المستفيدة تكون مسؤوليتها مقتصرة على تمويل الأبحاث والمشاريع التي تم الاتفاق عليها مسبقًا مع الجامعة، وهذه المبادرة تساهم في رفع الكفاءة الوطنية في الجامعة بدءًا بأعضاء هيأة التدريس وطلبة الدراسات العليا والباحثين في مختلف التخصصات.

ب- الكوادر العلمية العربية في المهجر ودورها في تطوير البحث العلمي في الدولة الأم وتعزيز التعاون بين الشركات البحثية

      تشكل ظاهرة هجرة الأدمغة أهمية متزايدة لدى الحكومات العربية لارتباطها المباشر بالاقتصاد الوطني للدولة. فتزايد أعداد المهاجرين من الكوادر العلمية، يؤدي إلى استنزاف الموارد البشرية للدولة الأم مما يجعل مستقبلها عرضة للخطر، لذلك تسعى الحكومات العربية خاصة دول الخليج العربي التي شهدت نقلة نوعية في الإنتاج المعرفي القائم أساسًا على الكفاءات البشرية وميزة التنافسية على بناء سياسات هادفة لاستقطاب الكوادر العربية والاستفادة من خبرتهم والمتمثلة في :

ü     على المستوى المحلي أو الوطني:

-إعادة النظر في السياسة العامة للدولة وإعطاء الأولوية للاستثمار في رأس المال البشري وإدخال إصلاحات على منظومة التعليم لمواكبة التغيرات والتطورات الحاصلة في مختلف القطاعات بهدف إحداث التنمية.

- العمل على توطين الباحثين في بلدانهم وذلك بجعل المؤسسات البحثية أكثر استقرارًا، وتعزيز البيئة الفكرية والعلمية وتوفر مقومات العمل.

-الزيادة في الميزانية المالية المخصصة للبحث العلمي.

- إقامة مشاريع مشتركة بين المؤسسات البحثية من أجل تبادل الخبرات وتعزيز التعاون وتحقيق التنمية

ü     على المستوى الإقليمي العربي:

-إيجاد سوقًا إقليمية عربية تهدف إلى جلب المستثمرين الأجانب من بينهم المهاجرين العرب، الذي يتطلب من الحكومات العربية إعادة نظر في تشريعاتها وإدخال التعديلات اللازمة من أجل الوصول إلى بيئة استثمارية تنافسية في مختلف الميادين والتخصصات.

- العمل على إيجاد بيئة آمنة في المنطقة العربية والحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي، والعمل على تطوير المنظومة التعلمية التي تساهم في التقليل من خطورة هجرة الأدمغة والاستثمار في رأس المال البشري.

- تكثيف الجهود بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية في المنطقة العربية من أجل بناء استراتيجية تهدف إلى حل مشكلة هجرة الكفاءات العربية إلى الدول الأجنبية، وإقامة شراكة بحثية تهدف إلى استقطاب الكفاءات العربية في الخارج.

3- اقتراحات لنجاح الشراكة العلمية في الوطن العربي.

-تعزيز الوعي لدى المسؤولين بالمؤسسات الجامعية ومراكز البحث في الوطن العربي بضرورة توفير بيئة مناسبة لتطوير البحث العلمي وتطبيق مخرجاته ميدانيًا.

-ضرورة إدماج القطاع الخاص والمراكز البحثية في المشاريع التنموية للدولة.

- توظيف الكوادر الوطنية في مختلف القطاعات والاستفادة من خبرتهم

-ضرورة إبرام اتفاقيات التعاون بين مختلف مراكز البحث والمؤسسات الجامعية في الوطن العربي، والعمل على إيجاد سوق مشترك والاستثمار في رأس المال البشري بشكل يؤمن تنمية اقتصادية إقليمية عربية.

- تكثيف جهود التعاون بين مختلف المراكز البحثية والجامعات من أجل بناء منظومة تعليمية موحدة

- تعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية والمؤسسات الإنتاجية سواء الحكومية أو غير الحكومية من أجل التوظيف والاستفادة من نتائج الأبحاث بغرض تحسين نوعية الإنتاج ( في مختلف القطاعات).

- إنشاء جمعية علمية عربية وفق المقاييس العالمية لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات مع الجمعيات أو المؤسسات البحثية الأجنبية خاصة في البحوث التطبيقية والتكنولوجية.

ثانيًا: البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي في المنطقة العربية: بين متطلبات بناء سياسة الجودة وتطبيقها.

     شهد قطاع التعليم العالي في الدول العربية عدة إصلاحات وتغيرات في منظومته وذلك تماشيًا مع التحولات العالمية والمحلية (سوق العمل)، إذ نجد أن العديد من الدول العربية تبنت سياسات تعليمية تجعل من الجامعات منبرًا للعلم والمعرفة ومساهمًا رئيسيًا في النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية.

    فالارتقاء بالبحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي يزيد من جودة البيئة العلمية الداخلية، لأن تطبيق نظام الجودة في مؤسسات التعليم العالي يهدف إلى دعم البحث العلمي وتشجيع الجامعات على تطبيق أحسن الممارسات على المستوى المؤسسي و البرامجي .

    لذلك نجد أن معظم الجامعات العربية قامت بمراجعة سياستها التعلمية واعتمادها على تطبيق نظام الجودة في مؤسسات التعليم العالي الذي أضحى ضرورة حتمية وملحة في ظل الاتجاهات الحالية للتعليم
العالي. الأمر الذي يفرض على المسؤولين إيجاد آليات مناسبة تعمل على ضمان الجودة الداخلية في تنقيد سياستها وأداء مهامها وتحقيق أهدافها والقيام بالتقييم الذاتي المستمر، فعندها يتم تبني إجراءات الجودة الخارجية التي تفتح الفرصة لهذه المؤسسة للدخول في سوق المنافسة مع المؤسسات المحلية والإقليمية والعالمية.

   وعليه فإن مساهمة البحث العلمي في الجامعات العربية وتعزيز القدرة على تطبيق معايير ضمان الجودة لابد أن تستوفي مجموعة من المتطلبات والتي يمكن تحديدها في النقاط التالية:

-بناء استراتيجية وطنية للبحث والتطوير في مؤسسات التعليم العالي التي تساهم في دعم وتشجيع البحث العلمي.

- نشر ثقافة الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي عن طريق الإعلانات وبرمجة ملتقيات علمية تهدف إلى توضيح أهمية الجودة في رفع مستوى أداء المؤسسات. 

-  رسم سياسة تطبيق ضمان الجودة وتوثيقها بما يتوافق مع المواصفات الدولية والذي يشمل على (دليل الجودة، دليل الإجراءات، دليل العمل، سجلات وتقارير الجودة)، كما أن عملية تقنين ضمان الجودة يسهل على الأطراف (المستخدمين، مسؤولين، هيآت التدريس) الاطلاع على محتواها والتقيد بها عند أداء وظيفتهم.ال

-تكييف مؤسسات التعليم العالي مع البيئة الخارجية بوضع آليات ووسائل تمكنها من التأقلم مع المتغيرات الخارجية.

- اندماج في الاقتصاد المعرفي المبني على الجودة والمعرفة،  لذلك يتوجب على الجامعات العربية السعي إلى تثمين مواردها الداخلية، وكفاءتها العلمية وتفعيل جودتها الشاملة، والاستثمار في الموارد البشرية باعتباره مرد استراتيجي يضمن للمؤسسات ديمومتها في المنافسة.

- وضع نظام لتحقيق التكامل والتنسيق بين عمليات البحث العلمي في الدولة (الجامعات، مراكز البحث) بما يضمن عدم التكرار أو ازدواجية العملية البحثية، مع ضرورة وضع آليات لإتاحة البحث العلمي ومتابعة تطبيقها على أرض الواقع[vi].

الخاتمة:

   إن تصنيف المجتمعات عالميًا أصبح يقاس على أساس إنتاج المعرفة ومدى استخدامها واستثمارها مع توفير البيئة الملائمة لتفعيلها بغية توليد الثروة وزيادتها، كما تعتبر معيار أساسي لقياس تقديم الدول وتطورها.

   عرفت الدول العربية في الآونة الأخيرة  عدة إصلاحات مست قطاع التعليم العالي والبحث العلمي التي تهدف إلى تكيف القطاع مع المستجدات الحاصلة على الساحة الوطنية والإقليمية والعالمية، ويتم ذلك بتعزيز التعاون وإقامة الشراكة البحثية بين مختلف الفواعل ( الجامعات، مراكز البحثية، مؤسسات الخاصة، واشراك المجتمع في عملية اعداد البحث العلمي) على المستوى المحلي والاقليمي، وهذا يتطلب توفير امكانيات تنفيذ مخرجات البحث العلمي والاستفادة منها وتسخيرها لخدمة المجتمع والدولة وإيجاد الحلول للمشكلات التي تقوم على ابتكار نماذج ملائمة للظروف الاقتصادية والاجتماعية للبلاد بما يحقق لها التنمية المستدامة.

 

[i]- مؤشر البحث والتطوير والابتكار، مؤشر المعرفة العربي 2015، ص.108-109.

-أحمد سامي المعموري، محمد غالي الموسوي، الشراكة البحثية بين الجامعة العراقية والشركات -[ii] ينظر لرابط:

https://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=77996

[iii]- وحدة الدراسات الاجتماعية،: "مراكز الابحاث العربية  تحديات وافاق المستقبل" ،( مركز سمت للدراسات ،18 فبراير 2018) ،ص.03

[iv]- تقرير اليونسكو للعلوم ، ص. 423، ينظر لرابط الالكتروني:

https://ar.unesco.org/sites/default/files/usr15_the_arab_states_ar.pdf

[v]-السعودية تستحوذ على حصة الأسد من براءات الاختراع عربياً، ينظر لرابط:

 https://www.alarabiya.net/ar/aswaq/economy/2017/03/18/

 

[vi]- شريفة كلاع، الجامعات العربية والبحث العلمي: قراءة في واقع البحث العلمي ومعيقاته"، ورقة بحثية مقدمة لفعاليات الملتقى الدولي التاسع ، (مركز جيل  البحث  العلمي، الجزائر، 18/19 أوت 2015)، ص.9

مقالات لنفس الكاتب