array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 139

المراكز البحثية في أوروبا: شراكة في صناعة القرار وإنتاج متميز

الإثنين، 08 تموز/يوليو 2019

حلَّت المراكز البحثية منذ نصف القرن الماضي محل الجامعات باعتبارها المصدر الرئيسي للأفكار السياسية الجديدة، وازداد حضورها في المشهد العام بشكل ملحوظ خاصة في القارة الأوروبية؛ كونها تلعب دورًا هامًا في إنتاج وإدارة المعرفة والبحث والعلمي، وما لها من تأثير في عملية صنع القرار وصياغة السياسات العامة للدول في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية وغيرها، فضلاً عن قدرتها على استشراف التطورات المستقبلية وتحديد كيفية التعامل معها.

ويزداد دور تلك المراكز ونجاحها في الدول المتقدمة، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، أكثر من غيرها نظرًا للإمكانيات المتاحة لها في تلك الدول، بالإضافة إلى الاهتمام المباشر الذي يوليه صنَّاع القرار وواضعو السياسات بما تنتجه هذه المراكز من تحليلات وبحوث ودراسات تساعدهم في اتخاذ القرارات السليمة.

أنماط وأنواع مراكز الفكر

برغم تنوع التعريفات التي وُضعت لمراكز الفكر ThinkTanks، إلا أن هناك تعريف جامع لها طرحه مشروع مراكز الفكر والدراسات العالمي المسؤول عن تصنيف مراكز الفكر سنويا؛ إذ يُعرِّفها بأنها "مؤسسات تقوم بالدراسات والبحوث الموجهة لصانعي القرار، والتـي قـد تتضـمن توجيهـات أو توصيات معينة حول القضايا المحلية والدولية، بهدف تمكين صانعي القرار والمـواطنين من صـياغة سياسات حول قضايا السياسة العامة. وتهدف هذه المراكز عادة لخدمة المصالح العامة من خلال ترجمة نتائج البحوث والدراسات بلغة مفهومة، وموثوقة وسهلة الوصول لصناع القرار والرأي العام".[1]

وتتعدد أنماط المراكز البحثية المنتشرة في أوروبا بشكل عام، وذلك طبقًا لمعيار التبعية والاستقلال في عملها وإنتاجها الفكري؛ إذ يُصنِّف برنامج مراكز الفكر والمجتمع المدني في جامعة بنسلفانيا مراكز الأبحاث طبقًا لهذا المعيار على النحو التالي:[2]

  1. المراكز البحثية الحكومية: وهذا النوع من المراكز يخضع لملكية الحكومة من حيث تعيين إدارته، وتحديد مجالاته وأنشطته البحثية، وارتباط ميزانيته بالتمويل الحكومي، ويعد جزءًا من الهيكل الحكومي الرسمي. وما يميز هذا النوع هو سهولة التمويل وقربه من صناع القرار لكن في المقابل فهو لا يتمتع بالاستقلالية الكاملة فضلا عن تأثره بالبيروقراطية الحكومية.
  2. المراكز البحثية شبه الحكومية: تحصل هذه المراكز على تمويل حصري من المنح الحكومية والتعاقدات على المشاريع البحثية لكنها لا تعتبر جزءًا من الهيكل الحكومي الرسمي.
  3. المراكز البحثية المستقلة: وتعمل هذه المراكز بشكل مستقل عن مصالح أي جهة، سواء كانت جماعات مصالح أو مانحين، وكذلك لديها استقلالية ذاتية في أنشطتها وبرامجها، لكنها تعتمد في تمويلها عادة على عدة مصادر؛ مثل مؤسسات التمويل الدولية، أو المؤسسات المانحة للبحث العلمي أو مشاريع بحثية حكومية أو شركات كبرى أو رجال أعمال وغيرها من المصادر غير المشروطة.
  4. المراكز البحثية شبه المستقلة: إذ تعد هذه المراكز مستقلة في عملها عن الحكومة، لكن تسيطر عليها جماعة مصالح أو جهة مانحة أو وكالة متعاقدة والتي توفِّر غالبية التمويل ولها تأثير كبير على مخرجات هذه المراكز ومجالات عملها وأنشطتها.
  5. المراكز البحثية الجامعية: وتُعنى هذه المراكز بأبحاث السياسات العامة وتكون تابعة لجامعة ما، كما أن مقرها يكون داخل الجامعة نفسها.
  6. المراكز البحثية الحزبية: وهي مراكز تابعة بشكل رسمي لحزب ما، وتهتم بسياسات الحزب وتطوير برامجه المختلفة، كما هو الحال في أمريكا مع الحزب الديمقراطي والجمهوري.

وتنتشر في القارة الأوروبية مختلف أنماط المراكز البحثية، وتعد المراكز المستقلة هي الأكثر نشرًا لمخرجاتها على الرأي العام من خلال مجلاتها البحثية وأوراق السياسات وغيرها على عكس المراكز الحكومية التي توجه عملها بشكل حصري فقط للحكومة وفي الغالب بشكل سري. بيد أن ذلك لا يعني عدم وجود علاقة بين المراكز البحثية المستقلة والجهات الحكومية، خاصة أن الحكومات الأوروبية تتعاون مع الخبراء في تلك المراكز لأداء بعض الأدوار والمهام، والحصول على المشورة السياسية والرأي في العديد من القضايا الملحة.

من ناحية أخرى تجدر الإشارة إلى أن المراكز البحثية في أوروبا يُنظر إليها من جانب الحكومات على أنهم حلفاء مفيدون في صنع السياسات، لكن أحيانًا تراهم الحكومات بأنهم نُقَّاد إشكاليون لا يقدرون فقط على النظر بعمق في ساحة صنع القرار، بل أيضًا يمكنهم رفع مستوى قضية معينة والتواصل مع جمهور أوسع بما يجعل لها تأثير السياسات الحكومية.[3]

أدوار المراكز البحثية الأوروبية

تنبع أهمية المراكز البحثية من طبيعة الأدوار والوظائف التي تقوم بها للمساهمة في تشكيل السياسة العامة في أوروبا. وتركز هذه الدراسة على المراكز البحثية المستقلة التي لديها ارتباط بالحكومات الأوروبية. وتتمثل أبرز تلك الوظائف فيما يلي:

أولا- تقديم الاستشارات للحكومات:إذ تسعى الهيآت الحكومية وهيآت الاتحاد الأوروبي بانتظام إلى الحصول على المشورة والنصح من مراكز الفكر حول كيفية تطوير سياسة جديدة أو كيفية التعامل مع المواقف الصعبة أو كيفية تحسين مؤسسة أو تطوير برنامج معين أو استراتيجية جديدة، وهو ما يساهم في ترشيد وعقلنة اتخاذ القرار، والتقليل من احتمالية اتخاذ القرارات الخاطئة من جانب صُنَّاع القرار.[4]

وتأخذ الاستشارات عدة أشكال؛ منها تكليف أفراد متخصصون لإعداد تقارير مركزة ومختصرة لصُنَّاع القرار حول قضايا معينة، أو تكليف فرق بحثية على سبيل المثال لتقييم قضايا حساسة، أو تكليف خبراء مراكز الفكر لمراجعة التقارير المقدمة للقيادات العليا فيما يتعلق بزياراتهم الخارجية والقضايا موضوع البحث والنقاش.[5]

ثانيًا- تقييم وتقويم السياسات:حيثيقوم الخبراء في مراكز الفكر بانتظام بتقييم وتحليل برامج ومشاريع وسياسات الهيئات الحكومية في الدول الأوروبية أو الوكالات الأوروبية المعنية، فضلا عن إنها تقوم بعرض أفكارها الخاصة والموضوعات المثيرة للنقاش وتسلط الضوء على قضايا معينة من خلال نشرها في أوراق السياسات أو الكتب أو المجلات المتخصصة الصادرة عن تلك المراكز أو حتى من خلال مقالات باحثيها، وهو ما يهدف في النهاية إلى تحفيز النقاش على نطاق واسع والتأثير على السياسة العامة أو لفت نظر صُنَّاع القرار إلى قضايا ذات أولوية أكبر للدولة والمجتمع.[6]

ثالثًا-المساهمة فيتعزيز العلاقات الخارجية: إذ يعمل الخبراء المرموقون في مراكز الفكر كخبراء ومستشارين للحكومات خاصة في العلاقات الخارجية، والزيارات التي يقوم بها الرؤساء وأعضاء الحكومات للخارج؛ فعلى سبيل المثال، عندما قامت فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية، وفريقها بالعمل على الاستراتيجية العالمية للاتحاد الأوروبي، نظمت مؤسسات الفكر والوزارات الوطنية للشؤون الخارجية حلقات نقاشية للخبراء في جميع أنحاء أوروبا لتزويد موغيريني بخبرة إضافية في مجالات مثل حل النزاعات والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والناتو وحماية حقوق الإنسان وتغير المناخ.[7]

ومن ناحية أخرى، يعمد صناع القرار إلى اصطحاب خبراء مراكز الفكر ضمن الوفود الرسمية الحكومية في الزيارات الخارجية من أجل المساهمة في بحث وتحليل القضايا محل النقاش في الزيارة وتقديم الرأي والنصح لصُنَّاع القرار، بالإضافة إلى ما تقوم به المراكز البحثية من ندوات وورش عمل ومؤتمرات مشتركة وتبادلات ثقافية مع دول وأقاليم أخرى بما يساهم في تعزيز العلاقات بين الدول.[8]

رابعًا- تجسير الفجوة بين المعرفة والتطبيق: إذ تعمل مراكز الفكر كجسر واصل بين المعرفة النظرية وصناعة السياسات العملية؛ حيث تقوم هذه المراكز بأمرين: التحدث بانفتاح وحرية، وتوفير البحوث بسرعة لصناع القرار نظرًا لكونهم يعملون في إطار حدود منهجية أقل على عكس المركز البحثية الأكاديمية. بالإضافة إلى ذلك يعد ممثلو مراكز الفكر بمثابة سفراء لبلدانهم في الخارج حينما يلقون محاضرات أو يشاركون في أنشطة بحثية خارجية أو مشاريع بحثية مختلقة.[9]

خامسا- المشاركة في ممارسة الدبلوماسية السياسية: حيث يتم إرسال بعض خبراء مراكز الفكر من قبل وزارة الخارجية أو المؤسسات الأمنية أو غيرها للمشاركة في وساطة أو مفاوضات تجريها الدولة حول أزمة سياسية معينة، ويتم ذلك بشكل رسمي أو غير رسمي، أو بشكل معلن أو غير معلن. وقد حدث مثل ذلك الأمر في المرحلة السرية لما قبل الوصول إلى اتفاقية أوسلو 1993م؛ إذ قام تيد لارسون، رئيس معهد أبحاث السلام في أوسلو، بترتيب عملية المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في النرويج وبشكل سري.[10]

من ناحية أخرى، يتم أحيانًا تكليف الخبراء والباحثين بمراكز الفكر من قبل الحكومات للمشاركة في مؤتمرات دولية للاطلاع على أحدث المعلومات والطروحات السياسية أو بناء العلاقات مع كبار المسؤولين خاصة الشخصيات الخارجية أو الدولية.[11] كما يتم توظيف خبراء هذه المراكز من قبل الحكومات لإرسال رسائل استباقية أو إشارات دبلوماسية غير مباشرة إلى بعض الأطراف حول قضايا معينة.[12]

سادسًا: التثقيف السياسي: إذ تقوم المراكز البحثية في أوروبا بدور توعوي هام من خلال تثقيف الجماهير بأهم القضايا المحلية والسياسات المتبعة نحوها، وكذلك قضايا العلاقات الخارجية وحدود تأثيرها على الداخل، كما تساهم المراكز البحثية في بعض الأحيان في حشد الجمهور نحو تأييد سياسة معينة لخدمة الصالح العام.[13]

سابعًا- الدراسات المستقبلية: شهد علم المستقبليات تطورًا ملحوظًا في أوروبا في السنوات الأخيرة، وقد أضحت الدراسات الاستشرافية جزءًا من المتطلبات الأساسية للتخطيط الاستراتيجي للحكومات في الدول المتقدمة، لكونه يقدم رؤية لأبرز الأزمات التي يمكن أن تحدث في المستقبل كنوع من الإنذار المبكر وتحديد أفضل السبل لمواجهتها، بما يُمكِّن الحكومات من استباق الأزمات وتجهيز الآليات اللازمة والمناسبة لحلها.[14]

ومن خلال تلك الأدوار المتنوعة، تهدف المراكز البحثية، من خلال خبرائها وباحثيها وعلاقاتها، إلى عقلنة وترشيد القرارات الحكومية، بما يساهم بنسبة كبيرة في تحسين تخطيط السياسات العامة في الدولة وتقليل حجم المخاطر أو الفشل في صنع القرار، وتوفير الرؤى والأفكار الأكثر قابلية للتطبيق لصُنَّاع القرار.

أبرز مراكز الفكر الأوروبية

يبلغ عدد المراكز البحثية الموجودة في أوروبا، طبقًا لأحدث التقديرات، 2219 مركزًا بحثيًا، وهي بذلك تعد أعلى القارات من حيث عدد المراكز البحثية.[15] وتأتي المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا في مقدمة الدول الأوروبية ذات الكثافة المرتفعة من حيث عدد المراكز البحثية المنتشرة بها؛ إذ يبلغ عدد المراكز البحثية في المملكة المتحدة 321 مركز، وألمانيا 218 مركز، وفرنسا 203 مركز بحثي.[16]

وفي هذا الإطار يمكن استعراض نماذج من أبرز مراكز الفكر المستقلة في أوروبا، ومجالات اهتماماتها وأعداد الباحثين فيها وعلاقاتها بالحكومات، وذلك على النحو التالي:

(1) المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" - بريطانيا:[17]

تأسس المعهد عام 1920م، ويُعد أحد أعرق المعاهد البحثية المستقلة في بريطانيا. ويستهدف المركز المساعدة في بناء عالم آمن ومستدام ومزدهر وعادل، من خلال النقاش المستنير والتحليل المستقل والأفكار السياسية الجديدة والتواصل مع الجماهير. وقد جاء المعهد في عام 2018م، في المرتبة السابعة عالميًا والثالثة في أوروبا الغربية في تصنيف مراكز الفكر على مستوى العالم.

ويُشرك المعهد الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني وباحثيه في نقاش مفتوح ومناقشات خاصة حول أهم التطورات في الشؤون الدولية، كما يدير المعهد كل عام أكثر من 300 مناسبة خاصة وعامة - مؤتمرات وورش عمل وموائد مستديرة - في لندن ودوليًا مع مختلف الشركاء من الصحفيين والمجتمع البحثي والمنظمات غير الحكومة والدبلوماسيين.

ويستضيف المعهد سنويًا المئات من الضيوف الدوليين من خلال أنشطتها البحثية المختلفة، كما ينشر المعهد ثلاثة دوريات عالمية معروفة؛ وهي "مجلة العالم اليوم"، ومجلة "الشؤون الدولية"، و"مجلة السياسة الإلكترونية". كما يقدِّم المعهد المشورة والتقارير وأوراق السياسات لمختلف حكومات العالم؛ إلا أن أحد أكثر برامج المعهد حساسية هو "برنامج الشرق الأوسط" والمهتم بأحداث فلسطين والعراق ولبنان، خاصة مع استشارات للحكومات المعنية بقضايا الشرق الأوسط.

أما على صعيد العلاقة مع الحكومة البريطانية؛ فيقوم المعهد بتقديم المشورة بشكل دوري في بعض القضايا؛ منها على سبيل المثال تقديم المعهد، في يوليو 2016م، تقريرين أحدهما للجنة الفرعية للطاقة والبيئة حول "الآثار المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على سياسة تغير المناخ والطاقة"، والثاني للجنة الخرينة حول "العلاقة الاقتصادية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي".

وتجدر الإشارة إلى أن المعهد يتلقى تمويلا غير مشروط من مصادر متنوعة حفاظًا على استقلاليته؛ وتتضمن تلك المصادر بعض الجهات الحكومية، والشركات الخاصة والسفارات والجامعات والمؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني.

(2) المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)- فرنسا:[18]

تأسس المعهد عام 1979م، على يد ييري دي مونتريال المسؤول عن فكرة المؤتمر السنوي للسياسات العالمية الذي يقوم به المعهد. ويرأس المعهد حاليًا "توماس جومارت"، وقد صُنَّف المعهد في المرتبة الأولى في أوروبا الغربية والثانية عالميًا ضمن مراكز الفكر الأكثر تأثيرًا في عام 2018م.

يوجد المقر الرئيسي للمعهد في باريس بالإضافة إلى مكتب فرعي صغير في بروكسل. ويضم المعهد فريقا متعدد الجنسيات يتكون من 50 باحث وخبير ويدير 10 برامج بحثية. ويغطي المعهد في إطار عمله البحثي مجموعة واسعة من المناطق الدولية؛ مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وأجزاء أخرى من الاتحاد السوفيتي السابق وآسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، كما يولي مزيد من الاهتمام لمنطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء باعتبارها مناطق نفوذ تقليدي لفرنسا، كما يركز المعهد على القضايا الكبرى مثل الأمن والشؤون الاستراتيجية، الطاقة، الفضاء، والهجرة والمواطنة.

ومن أبرز مخرجات المعهد "مجلة السياسة الخارجية Politique étrangère" وهي مجلة فصلية، والتقرير السنوي RAMSES. وفي عام 2018م، نشر خبراء وباحثو المعهد أكثر من 70 ورقة سياسات. من ناحية أخرى ينظم المعهد كل عام أكثر من 140 مؤتمرًا في باريس وخارجها، وحوالي 10 أحداث دولية، فضلاً عن العديد من ورش العمل والندوات، ويرحب من خلالها بأكثر من 120 ضيفًا رفيعي المستوى، من بينهم رؤساء الدول والمسؤولين الحكوميين.

(3) مؤسسة فريدريش إيبرت (FES)- ألمانيا:[19]

أُنشئت المؤسسة عام 1925م، وتعد أكبر وأقدم المؤسسات البحثية الألمانية، وقد كانت مرتبطة بالحزب الديمقراطي الاجتماعي، ولكن مستقلة عنه الآن. وهي مؤسسة مستقلة وغير ربحية. وقد جاءت المؤسسة في المرتبة السابعة في أوروبا الغربية والتاسعة عشر عالميًا ضمن مراكز الفكر الأكثر تأثيرًا في عام 2018م.

ويتركز عمل المؤسسة على الأفكار والقيم الأساسية للديمقراطية الاجتماعية والحرية والعدالة والتضامن، وذلك من خلال تطوير الاستراتيجيات حول القضايا الأساسية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وتقديمها لصانع القرار، وتعزيز التعاون الدولي من خلال مكاتب المؤسسة المنتشرة في أكثر من 100 دولة، عبر دعم حقوق الإنسان الديمقراطية، والهياكل الاجتماعية والدستورية، فضلا عن دورها في التثقيف السياسي للمواطنين الألمان وغيرهم.

(4) مركز بروغل (Bruegel)- بلجيكا:[20]

يعد بروغل مركز أبحاث أوروبي متخصص في السياسات الاقتصادية ومؤثر على متخذي القرارات، وهو حديث العهد بالعمل البحثي حيث تأسس عام 2005م، ويهتم بشفافيته لأداء مهمته، وهي تحسين نوعية السياسة الاقتصادية مع مشاركة نتائج بحثه للتحليل والنقاش. ويضم بروغل من بين أعضائه الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي كواضعي السياسات مع شركات ومؤسسات دولية، وهم في الوقت نفسه يمثلون مصادر تمويل المركز.

وقد حصل "بروغل" في عام 2015م، على جائزة الفكر الاقتصادي الأوروبي للعام من قبل مجلة Prospect في المملكة المتحدة (في عامي 2016 و2017م، أيضًا). كما جاء المركز في المرتبة الثانية أوروبيًا والرابعة عالميًا ضمن مراكز الفكر الأكثر تأثيرًا في عام 2018م.

(5) معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)- السويد:[21]

هو معهد مستقل مختص بشؤون النزاعات المسلحة ونزع السلاح والتسلح ومراقبة الأسلحة. وقد تأسس المعهد عام 1966م، بقرار من البرلمان السويدي، ويحصل على منحة سنوية من الحكومة السويدية مع تبرعات من منظمات أخرى لتوسعة أنشطته، كما يوفر المعهد البيانات والتحليلات والتوصيات، بناءً على المصادر المتاحة، لواضعي السياسات والباحثين ووسائل الإعلام والمهتمين من الجمهور

وقد جاء المعهد في المرتبة 24 أوروبيًا و32 عالميًا ضمن مراكز الفكر الأكثر تأثيرًا في عام 2018م. كما يضم المعهد حوالي 60 باحثًا وخبيرًا. كما تتضمن وسائل نشر مخرجات المعهد برنامجًا نشطًا للإعلام والاتصالات، وكذلك الندوات والمؤتمرات الدورية، بالإضافة إلى النشرة الإخبارية الشهرية عن تطورات النزاعات المسلحة وسباق التسلح وغيرها. ومن أهم البيانات الصادرة عن المعهد وثائق الميزانيات الخاصة بوزارة الدفاع والإنفاق العسكري العالمي.

حدود تأثير مراكز الفكر الأوروبية على صنع القرار

ترتبط حدود تأثير مراكز الفكر على عملية صنع القرار بعدة عوامل؛ أهمها مناخ الحرية الذي تعمل فيه هذه المراكز، وجودة مخرجاتها من تقارير وأوراق سياسات واستراتيجيات وغيرها، فضلاً عن كفاءة باحثيها وخبرائها، بالإضافة إلى مدى اعتماد متخذي القرار عليها.

في هذا الإطار يزداد تأثير المراكز البحثية الأوروبية على عملية صنع واتخاذ القرارات سواء الداخلية أو الخارجية، نظرًا لما تتمتع به الدول الأوروبية من بيئة سياسية وتعليمية وبحثية تساهم في تحسين مخرجات هذه المراكز وتعزيز دورها في المجتمع، خاصة أن مراكز الفكر تقدِّم رؤى هامة للمستقبل الأوروبي، وتساهم في توليد أفكار وتوصيات حول كيفية التعامل مع القضايا المعقدة، مثل سياسات الاتحاد الأوروبي والمواطنة الأوروبية والهوية والقيم. [22]

من ناحية أخرى، تساعد المراكز البحثية الحكومات الأوروبية على تقديم كفاءات من خبرائها يمكنهم تولي مناصب سياسية رفيعة في الحكومات، وهو ما يُطلق عليه سياسة "الباب الدوَّار"؛ إذ تتوفر الكثير من الوظائف السياسية بسبب التغيير المنتظم للحكومات بعد الانتخابات.[23]

ختامًا، يمكن القول إنه برغم تزايد نفوذ وتأثير المراكز البحثية الأوروبية على عملية صنع القرار، إلا إن التساؤل الأكثر إثارة للجدل في أوروبا في المرحلة الحالية يرتبط بحدود تأثُر تلك المراكز بالصعود اليميني المتطرف سواء من حيث تمويلها أو أجنداتها البحثية أو نشاطاتها وأدوارها المختلفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث متخصص في الشؤون الأوروبية

 

الهوامش

 

[1] James G. McGann, The Global "Go-To Think Tanks 2009", Thank Tanks and Civil Societies Program, Final United Nations University Edition, January 2010, p65.

[2] James G. McGann, 2018 Global Go To Think Tank Index Report, (Think Tanks and Civil Societies Program, University of Pennsylvania, USA, January 2019), P13, available at: https://bit.ly/2G27GPQ

كذلك انظر:

سامي الخزندار وطارق الأسعد، دور مراكز الفكر والدراسات في البحث العلمي وصنع السياسات العامة، (مجلة دفاتر السياسة والقانون، الجامعة الهاشمية، الأردن، العدد 4، يناير 2012) ص ص 9 – 10، على الرابط: https://bit.ly/2wEzd38          

[3] Pavol Demeš, The role of think tanks in shaping EU policies, (European Council on Foreign Relations, December 16. 2009), available at: https://bit.ly/2MAlrtd       

[4] Ibid.

[5] معاذ عليوي، دور مراكز الأبحاث في اتخاذ القرار وصنع السياسة العامة، (شبكة ضياء، المغرب، 19 ديسمبر 2017)، على الرابط: https://bit.ly/2KyjASY         

[6] Pavol Demeš, Op Cit.

[7] Katarzyna Rybka-Iwanska, 5 REASONS WHY THINK TANKS ARE SOFT-POWER TOOLS, (Center on Public Diplomacy, University of South California, October 18. 2017) available at: https://bit.ly/2MBlkgZ       

[8] Silvia Menegazzi, Cooperation between Africa and the EU: The role of think tanks, (DOC Research Institute, Germany, April 18. 2019), available at: https://bit.ly/2It63cO

[9] Katarzyna Rybka-Iwanska, Op Cit.                    

[10]سامي الخزندار وطارق الأسعد، مرجع سابق، ص 15.

[11] معاذ عليوي، مرجع سابق.

[12] رانجة ذكية، دور مؤسسات البحث العلمي ومراكز الفكر في ترشيد السياسات العامة في الدول العربية، (أعمال المؤتمر الدولي التاسع، مركز جيل البحث العلمي، الجزائر، 18-19 أغسطس 2015)، ص 11، متاح على الرابط: https://bit.ly/2k9V3mI              

[13]دينا شيرين محمد شفيق، دور وأهمية المراكز البحثية في صنع السياسة الخارجية، (المركز الديمقراطي العربي، مصر، 4 نوفمبر 2016)، متاح على الرابط: https://bit.ly/2MF9YbI     

[14] المرجع السابق.

[15] James G. McGann, Op cit, P35     

[16] Ibid, P36.

[17] لمزيد من التفاصيل، يمكن زيارة موقع المعهد الملكي البريطاني على الرابط: https://bit.ly/2Wv7YHA    

[18] لمزيد من التفاصيل، يمكن زيارة موقع المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية على الرابط: https://bit.ly/2WsD7Xg                   

[19] لمزيد من التفاصيل، يمكن زيارة موقع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية على الرابط: https://bit.ly/2QWQsGf                  

[20] لمزيد من التفاصيل، يمكن زيارة موقع مركز بروغل البلجيكي على الرابط: http://bruegel.org/about/ 

[21] لمزيد من التفاصيل، يمكن زيارة موقع معهد ستوكهولم لأبحاث السلام السويدي على الرابط: https://www.sipri.org/about

[22] Tatyana Bajenova, Think tanks in Europe : Rising, Peaking, or Declining?, (Observatoire European Des Think Tanks, February 21. 2017), available at: https://bit.ly/2WoA02A

[23] Ibid.

مجلة آراء حول الخليج