array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 139

السرقة العلمية أحد أسباب تراجع تصنيف الجامعات العربية ضمن أفضل الجامعات في العالم

الإثنين، 08 تموز/يوليو 2019

يٌعد البحث العلمي أحد الركائز الأساسية لعملية التنمية، إلا أن حجم الدور الذي يلعبه البحث العلمي في عملية التنمية يعتمد على العديد من العوامل والمحددات المرتبطة بالسياقات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية. كما يوجد تفاوت في مهارات استخدام البحث العلمي وأدوات في تحسين أوضاع المواطنين من مجتمع إلى آخر.

     وعلى الدول الساعية إلى إحراز تقدم في التنمية الشاملة، بأبعادها المختلفة: الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية أن تركز على البحث العلمي بشتى جوانبه وتخصصاته، من أجل سد الفجوة المعرفية بينها وبين الدول المتقدمة. فالهدف النهائي من البحث العلمي هو:" إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات القائمة". وهذا ينطبق على البحوث الاجتماعية أو البحوث العلمية البحتة. فكلا المجالين لهما أهمية قصوى في فهم احتياجات المجتمع، ومحاولة إيجاد حلول عملية للمشكلات التي تواجهه. والبحث العملي هو أساس الابتكار.

   ومن هذا المنطلق يسعى هذا المقال إلى التعرف على أهمية البحث العلمي في المنطقة العربية، وتقديم بعض المقترحات لكيفية تطويره، وتعزيز أخلاقياته.

أولًا: حقائق وأرقام حول فجوة البحث العلمي في المنطقة العربية من واقع بعض التقارير الدولية ذات الصلة:

   منذ دخول العالم ما يعرف بعصر " الثورة الصناعية الرابعة" والتي بدأت مع دخول العالم عصر التكنولوجيا الرقمية في نهاية التسعينات، وبداية الألفية الجديدة، تأثرت عملية التنمية بالثورة الرقمية. وكان التركيز في بدايتها على استخدام البحث العلمي في إيجاد حلول لمشكلات الاستدامة البيئية، ونقص الغذاء. ولكن انتقلت أهمية البحث العلمي والتطوير إلى قطاعات أخرى في التنمية، وخاصة ما يتعلق بالبنية التحتية والاستدامة، وتوفير خدمات للمواطنين. وانتقلت أهمية البحث العلمي إلى العنصر البشري، وأضحت جزءًا أصيلاً من عملية التنمية البشرية (1).

     ونظرًا لأهمية البحث العلمي في تعزيز التنمية بشتى صورها، ظهر ما يعرف ب “مؤشر الابتكار العالمي" منذ عام 2007م، وهو مؤشر يقيس حال الابتكار والبحث العلمي في 130 دولة حول العالم، ويقيس من خلال 80 مؤشرًا حال الابتكار في شتى بقاع الأرض، وفي مجالات متنوعة. ومن ضمن المدخلات الأساسية في هذا المؤشر البحث العلمي، ومن ضمن المخرجات الأساسية لهذا المؤشر، مخرجات خاصة بالمعرفة والتكنولوجيا. يشير أخر تقرير لمؤشر الابتكار العالمي إلى احتلال إسرائيل المرتبة 11 بين دول العالم، في المقابل تراوحت البلدان العربية بين رقم 38 على مستوى العالم الذي احتلته دول الإمارات العربية المتحدة، وهي بالمناسبة الأولى عربيًا، المرتبة 126 التي احتلتها دولة اليمن، ولم يختلف الحال في بقية البلدان العربية (2).

ومن جانبه يشير التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية، تحت عنوان:" الابتكار أو الاندثار" إلى تراجع حال البحث العلمي في المنطقة العربية، وبحسب التقرير فقد أدت الصراعات والحروب، وما خلفته من آثار سياسية واجتماعية إلى تراجع دور البحث العلمي، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى تراجع مؤشرات التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي في المنطقة العربية برمتها. كما يشير نفس التقرير في مقدمته إلى تراجع إسهام البلدان العربية في الإنفاق على البحث العلمي إذ يبلغ 1% فقط من إجمالي حجم الانفاق العالمي على أنشطة البحث العلمي والتطوير (3).

كما يشير التقرير سالف الذكر أيضًا إلى أن إجمالي الأوراق البحثية التي قام باحثون من الدول العربية بنشرها خلال الفترة من 1996م، وحتى 2015م-أي ما يقرب من العَقْد من الزمان – 560 ألف ورقة بحثية، وهو ما يمثل 1,37 % فقط من إجمالي عدد الوثائق البحثية المنشورة حول العالم (4).

وأوضح نفس التقرير أن مؤسسات التعليم العالي في المنطقة العربية لا تخرج سنويًا الأعداد الكافية من الخريجين المؤهلين للعمل. كما تعاني الجامعات في البلدان العربية نقصًا حادًا في أعداد الطلبة الملتحقين بأقسام العلوم لشتى فروعها، لصالح التخصصات النظرية، مثل: الفنون والعلوم الاجتماعية، والقانون، وغيرها. وهو الأمر الذي أدى إلى نقص في أعداد طلبة تخصصات الطب، والرعاية الصحية (5).

والجدير بالذكر أن ظاهرة عدم مواءمة التخصصات التي يدرسها الطلبة في الجامعات، لاحتياجات سوق العمل أضحت إحدى القضايا الهامة والأساسية على أجندة المؤسسات الدولية المَعنّية بقضايا التنمية، الأمر الذي دفع البنك الدولي إلى تخصيص تقرير التنمية الشاملة لسنة 2019م، لموضوع سوق العمل، ويحذر هذا التقرير من عدم قدرة بعض المجتمعات-ومنها المجتمعات العربية-على التكيف مع تغير نمط الوظائف المتاحة خلال العقد القادم. وهذا يتطلب من البلدان النامية تبني سياسات تعليمية تستهدف سوق العمل (6).

   تعطي هذه الأرقام إشارة واضحة إلى أن أوضاع البحث العلمي في المنطقة العربية ليست على النحو المطلوب من أجل دفع عجلة التنمية الشاملة المستدامة. فإذا كان العالم العربي يسعى إلى تحقيق تنمية مستقلة عن النموذج الغربي عليه أولًا أن يهتم بالبحث العلمي، والابتكار.

ثانيًا: المعوقات الأساسية أمام تعزيز دور البحث العلمي في التنمية:

   تشير الأرقام السابق عرضها إلى أن العالم العربي يتخلف عن الركب فيما يتعلق بالبحث العلمي، والتكنولوجيا، ويعود ذلك إلى عدد من العوامل، أهمها:

  1. محدودية الإنفاق على البحث العلمي، كما هو موضح من العرض السابق فالعالم العربي ينفق ما يوازي 1 % من إجمالي ما ينفقه العالم على هذا القطاع الذي أضحى قطاعًا أساسيًا في بنية الاقتصاد الوطني.
  2. أثرت حالة عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات السياسية في عدد من البلدان العربية على فرص تعزيز البحث العلمي، إذ يحتاج البحث العلمي إلى حالة من الاستقرار، وهذا ما تفتقر إليه الكثير من البلدان العربية.
  3. عدم استقلالية وحيادية المؤسسات العلمية في الكثير من البلدان العربية، إذ تحتاج منظومة البحث العلمي إلى بيئة داعمة ماديًا وأدبيًا دون التدخل من أجل فرض أجندة بعينها على الباحثين. فما يحتاجه البحث العلمي هو الحرية وتمتعه بالحياد بعيدًا عن أية قيود اجتماعية أو سياسية.
  4. غياب أخلاقيات البحث العلمي لدى الكثير من المؤسسات الأكاديمية والبحثية العربية، والتي تتجسد أساسًا في قواعد الاختزال، والاقتباس؛ بما أدى إلى تفشي ظاهرة السرقة العلمية في عدد من المؤسسات البحثية والأكاديمية العربية. وتشير بعض التقديرات إلى أن ظاهرة السرقة العلمية هي أحد الأسباب الأساسية في تراجع تصنيف الجامعات العربية ضمن أفضل الجامعات في العالم. وتعود هذه الظاهرة بالأساس إلى الجهل بأصول البحث العلمي مثل: التوثيق، الإسناد، الاقتباس، التلخيص، إعادة الصياغة…
  5. نقص الوعي المجتمعي بأهمية البحث العلمي بشقيه: الاجتماعي، والتطبيقي. ويتضح هذا في إقبال الطلبة في المرحلة الجامعية على دراسة التخصصات النظرية، والتي ترتبط في أغلبها بأعمال خدمية.
  6. غياب دور مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي في تعزيز أهمية البحث العلمي، وخلق روح الابتكار والإبداع لدى الأطفال.
  7. يلعب السياق العالمي، وتوازنات القوى دورًا هامًا في تقييد البحث العلمي في المنطقة العربية، إذ يشهد العالم بعض الممارسات الاحتكارية في مجال اقتصاديات المعرفة.

ثالثًا: بعض المقترحات لتعزيز البحث العلمي وأخلاقياته من أجل تحقيق التنمية المنشودة:

اتضح من العرض السابق واقع البحث العلمي في المنطقة العربية، وحجم التحديات التي تواجهه، والتي تحتاج مواجهتها إلى حلول مبتكرة تتناسب مع طبيعة القضية ذاتها. ويمكن إجمال هذه الحلول في التالي:

  1. تعزيز البيئة التشريعية والسياسية: يُعد السياق السياسي والتشريعي أحد العوامل الهامة في تعزيز بيئة البحث العلمي، ومن ثم يجب أن تعزز الدول الأطر التشريعية والقانونية، بما يسمح بتشجيع البحث العلمي، ومن هذه التشريعات: تشريعات حماية حقوق الملكية الفكرية، تشريعات ملزمة للشركات الخاصة بتخصيص جزء من أربحاها لدعم البحث العلمي (7).
  2. وضع البحث العلمي والابتكار كأولوية أولى على أجندة صنع القرار، والسعي إلى تعزيز ثقافة الابتكار داخل مؤسسات الدولة (8).
  3. رفع الوعي المجتمعي بأهمية البحث العلمي، ويتم ذلك من خلال عدد من الإجراءات أهمها تعزيز احترام قيم البحث العلمي في مراحل التعليم المبكرة، واحترام صورة العالم ودوره في المجتمع.
  4. رفع إجمالي حجم الإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية بالنسبة لإجمالي الناتج القومي، إذ يمثل حجم الإنفاق على البحث العلمي أحد أهم مؤشرات اتجاه الدولة نحو الانتقال إلى نمط اقتصاديات المعرفة.
  5. تشجيع الدول العربية للتعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال البحث العلمي، وذلك على المستويين المحلي والإقليمي.
  6. تعزيز البنى التكنولوجية التحتية في البلدان العربية بما يساهم في توفير البيئة التكنولوجية المواتية، وتعزيز التواصل بين القطاعات المختلفة داخل البلدان العربية، وفيما بينها.
  7. تعزيز دور الإعلام في التوعية بأهمية البحث العلمي في نفوس النشء من خلال برامج وأعمال درامية تعلي من أهمية العلماء والتفكير العلمي، على أن تعتمد هذه البرامج والمواد الدرامية على مادة عصرية جاذبة للشباب من شتى الأعمار. يأتي ذلك في محاولة لإزالة الأثر السلبي للصورة النمطية التي كرستها بعض الأعمال الدرامية في المنطقة العربية، والتي صورت العالم أو الباحث في صورة إنسان الكهف الذي لا يعرف أي شيء عن مقتضيات عصره.
  8. تنظيم فاعليات علمية وبرامج ومسابقات علمية للنشء والفئات المختلفة من الشباب.
  9. تعزيز أخلاقيات البحث العلمي، ومكافحة ظاهرة السرقة العلمية، وذلك عن طريق اتخاذ مجموعة من الإجراءات، على النحو التالي:
  • حماية حقوق الملكية الفكرية، وتغليظ العقوبات الأدبية والقانونية على من يقترفها، وهذا يتطلب التعامل معها باعتبارها جريمة جنائية، وليست فقط فعل مشين.
  • سحب الدرجات العلمية ممن يثبت قيامه بهذا الفعل، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضده.
  • دعم برامج البحوث والدراسات في الجامعات والمراكز البحثية ببرامج لكشف السرقة العلمية.
  • تدريب الطلاب في المرحلة الجامعية على أسس، ومبادئ، وأخلاقيات البحث العلمي المنضبط.
  • عقد دورات تدريبية متخصصة لأخلاقيات البحث العلمي سواء في العلوم التطبيقية أو العلوم الاجتماعية، على أن يتم في إطار هذه الدورات التمييز بين النقل والاقتباس، والسرقة مع وضع مدونة سلو، تشرح تفصيليًا قواعد الاقتباس، والتوثيق العلمي للمراجع.
  • تشكيل لجان تنسيقية بين وزرات العدل، والتعليم والبحث العلمي من أجل التغلب على تساهل بعض الجامعات والمراكز البحثية في منح الدرجات العلمية لم يثبت قيامه بالسرقة العلمية، ووضع لوائح وتشريعات داخلية في الجامعات.
  • تصميم برامج ومناهج دراسية يتم إقرارها على الطلبة في مرحلتي، البكالوريوس، والدراسات العليا تكون معنية بقواعد وإجراءات التوثيق العلمي.
  • توثيق الاسهامات السابقة للباحث أو طالب الدراسات العليا في مكتبة مركزية تتولى -من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة-مهمة الكشف على مدى أصالة النص المقدم.

الخلاصة أن قضية البحث العلمي في البلدان العربية ليست رفاهية معرفية كما كانت الصورة لسنوات طويلة بل هي قضية أمن قومي، على كافة البلدان العربية السعي على المستويين الإقليمي والمحلي إلى تعزيزها بشتى السبل، لاسيما أن العالم بدأ يتجه إلى البحث عن حلول مبتكرة لمشكلاته بعيدًا عن الحلول التقليدية. ومن هذا المنطلق على البلدان العربية السعي من أجل تعزيز التنمية المستدامة من خلال الحلول المبتكرة للمشكلات المُلحة التي تواجه العالم العربي، ومنها مشكلة الغذاء، وندرة المياه، والعديد من التحديات الأخرى.

وعلى قدر أهمية البحث العلمي، وامتلاك مقتضيات المعرفة العلمية الحديثة، وما يحققه هذا من تقدم ورخاء اقتصادي، هناك قضية هامة يجب أن تلتفت لها المجتمعات العربية، وهي: اللامساواة المعرفية، وهى ذلك النوع من اللامساواة الناجمة عن تفاوت قدرة الأفراد على البحث العلمي والاطلاع نتيجة لظروف خارجة عن إرادتهم، ومنها: ظروف النشأة الاجتماعية، الأوضاع الاقتصادية للأسرة المعيشة، وغيرها من أسباب تجعل بعض الأفراد يملكون مقتضيات المعرفة والبحث العلمي أكثر من غيرهم. وبما يؤثر على قدرتهم على التأثير في عملية القرار، وهنا على الدولة والمجتمع التدخل لتصحيح هذا الوضع من خلال توفير برامج للمعرفة والبحث العلمي تكون متاحة لأبناء كافة الفئات من المجتمع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدرس مساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

 

 

 

 

الهوامش:

  1. انجي محمد عبد الحميد، الابتكار والتنمية الشاملة: فرص وتحديات، ملحق اتجاهات نظرية، مجلة السياسة الدولية، (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد215، يناير 2019).
  2. The Global innovation Index2018,www.globalinnovationindex.org,Pp:12-13.
  3. التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية، " الابتكار أو الاندثار: البحث العلمي العربي"،(بيروت: مؤسسة الفكر العربي، 2018)، ص 15.
  4. المرجع السابق،ص 301.
  5. المرجع السابق، ص126.
  6. The World Development Report,The changing nature of work, Http://worldwork.org/en/punlication/wrd2019.
  7. سارة عبد العزيز سالم، دوافع ومشروطيات النحول نحو الدول الابتكارية، ملحق اتجاهات نظرية، مجلة السياسة الدولية،(القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 2015، يناير 2019)، ص12.
  8. المرجع السابق،ص 14

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

.

مجلة آراء حول الخليج