; logged out
الرئيسية / الأمن الخليجي يرتبط بثلاثة مستويات اجتماعية ودولية وإقليمية وتأثر بالطائفية

العدد 140

الأمن الخليجي يرتبط بثلاثة مستويات اجتماعية ودولية وإقليمية وتأثر بالطائفية

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

تعتبر المبادرات الإقليمية الهادفة إلى إرساء الأمن والسلام في السياسات الدولية هي الأكثر ملاءمة وعملية وسط ما نشهده حاليًا من تعقد وتشابك السيناريو الأمني. إن النظام الأمني الإقليمي الذي أوجدته وعززته مختلف القوى من داخل المنطقة وخارجها، أضحى له دور أساسي في التسوية، وإدارة الأزمات التي تنامت داخل المشهد الإقليمي؛ وتعد آلية الأمن الإقليمي هي نتاج للتفاعل بين المبادرات الحكومية والدولية التي تحيط بالقضايا العديدة المتشابكة وبالمنطقة ككل. وبصورة كبيرة، يفضل النظام الأمني الشامل بوصفه نظامًا متفردًا بين أنظمة الأمن الأخرى.

ويعد النظام الأمني الشامل آلية يتعين على الأطراف من خلالها إدراك ضرورة التعاون في اتخاذ الإجراءات حيال القضايا التي تشكل خطرًا على الأمن الإقليمي، من أجل تجنب تحول تلك المخاطر ألى تهديدات كاملة لذلك الأمن، ويقود الأمن الشامل إلى ثقافة أمنية مشتركة تتكون من "استعدادات معرفية ووجدانية وتقديرية من شأنها تشكيل التصورات الخارجية والأمنية إلى جانب سياسات الكيان المشترك"، ويبدو من الناحية المنهجية أن الأمن الشامل هو مزيج معقد من المنهجين الواقعي والمثالي في التعامل مع القضايا المتعلقة بالأمن، مثل: الاقتصاد، و حقوق الإنسان، و البيئة. ولعل أبرز مثال على النظام الأمني الشامل هو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وتُعَرف منطقة الخليج وفقًا للباحثين في مجال الدراسات الأمنية على أنها مَجمع الأمن دون الإقليميsub-regional security complex، حيث القضايا الخلافية بين الجماعات المعنية أكثر تداخلاً وانتشارًا في المنطقة، وعلى وجه الخصوص التنافس السياسي الإقليمي بين القوتين الإقليميتين: السعودية وإيران، وهو تنافس قائم على تباين التوجهات في العالم الإسلامي وقد عززته النزعة الطائفية الإيرانية عبر إشراك العناصر الإقليمية سواء كانت من العناصر الحكومية أو غير الحكومية. وقد استغلت القوى الخارجية واستخدمت بؤر التوتر هذه بشكل مستمر منذ فترة الحرب الباردة وصولاً إلى اليوم بهدف تعزيز وحماية ما يرونه يمثل مصالحهم القومية الحيوية.

وتبعًا لذلك، أصبح كل من العراق واليمن وسوريا، أرضًا خصبة لظهور العناصر غير الحكومية كالقاعدة والدولة الإسلامية في العراق وسوريا ( ISIS/ISIL )، اللتان تهددان السلام والأمن في الخليج، وفي واقع الأمر، لقد أدى التورط الخارجي على عدة مستويات إلى تفاقم الأزمة الراهنة التي عصفت بالبيئة الأمنية الإقليمية الخليجية. ويمكن تحليل الأمن الخليجي بصورة مبدئية وفقًا لثلاثة مستويات: اجتماعية ودولية وإقليمية؛ ولقد تهتك النسيج الاجتماعي عبر النزعة الطائفية والعرقية، كما استمر النزاع على صعيد الدولة وعُزز عبر النزاعات الحدودية، إلى جانب تهديد السلام والاستقرار الإقليميين بفعل ذلك المزيج المعقد من التوتر الساخن والبارد بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي يتأثر بسياسات القوى الإقليمية والدولية وتعمل على إطالته. ناهيك عن أن القوة الداخلية والسياسة غير المتسقة للولايات المتحدة وشعبيتها المتدهورة بين الجماهير قد وظفت التناحر لتعزيز أجنداتها الإقليمية.

إن البنية الأمنية الخليجية الجديدة يتم تعريفها في بعض الأحيان على أنها تعاون أمني غير رسمي، وفي أحيانٍ أخرى تُعَرف بوصفها المؤسسة الرسمية المُشَكَلة من قبل الدول القومية، ويهدف كلا الاستخدامين إلى حث إيران على التخلص من عزلتها عبر المفاوضات الأمنية التي امتدت لعقود مع الجيران الخليجيين، فثمة خيط واحد من شأنه جذب كل هذه الأطراف المنفصلة نحو وضعٍ مستقر، ألا وهو: اتباع النظام الأمني الشامل، إن المخاوف الأمنية لدى كل من إيران وإسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية والعراق ودول الخليج وسوريا وتركيا تتوقف على بعضها البعض، ولا يمكن تناولها بصورة فردية.

وقد تشربت منطقة الخليج على مر التاريخ بالعديد من العوامل التي من شأنها الإبقاء على الطبيعة المزمنة لذلك الصراع، فإلى جانب الإرث الاستعماري مثل: الاستحداث المصطنع لحدود الدولة، والتصميم الغربي لبنية الدولة، وتشكيل هويات قومية، فلقد أتاحت المنطقة، باعتبارها مستودعًا للموارد الطبيعية الهائلة، بيئة مواتية لسياسات القوة؛ حيث أفضت الإمكانية المستمرة لدخول العناصر الخارجية إلى ظهور السلطوية، ودور المؤسسة السياسية، فضلاً عن الإبقاء على الصراعات الحدودية المتعددة. وبعبارة أخرى، "ثمة عمليتان حديثتان مترابطتان: وهي تكوين الدولة وصعود القومية"، كانتا أساسًا لصراعات عديدة على صعيد الدولة (الصراع الحدودي)، وعلى الصعيد الإقليمي (الصراع الطائفي). وفي الواقع، بينما تتحدى الدول في المنطقة الافتراضات الأساسية المتعلقة بالمدرسة الواقعية للعلاقات الدولية، فإنهم في نفس الوقت في طور التوحيد.

وعلى المستوى المؤسسي، كان إرساء سياسة وأمن قويين (مثل: البوليس ووكالات الاستخباراتية) هدف رئيسي في كثير من دول الشرق الأوسط، أو عبر المصالح المشتركة ومن ثم اختلطت أفكار الأمن. ولقد أثار هذا الخلط بشكل ملحوظ تساؤلات حول "لصالح من يكون الأمن؟ ولحماية أي قيم، إن من المناسب تحليل السيناريو الأمني الحالي للخليج من أجل الوقوف على إمكانية تطبيق النظام الأمني الشامل عليه، وفي الواقع، فإن طبيعة ونطاق النزاعات، والعنف بين الجهات، سواء كانت جهات حكومية أو غير حكومية، إلى جانب القوى غير الإقليمية، تشرح السيناريو الأمني لأي منطقة، كما أنها تقدم أساسًا لمستويات التحليل من حيث توفير إطار للأمن الشامل في الخليج بهدف ضمان الأمن على الجوانب متعددة الأطراف لكل من الأفراد والدول والمنطقة ككل. ولهذا، يحلل الجزء التالي مصادر النزاع التي تهدد السلام والأمن لمنطقة الخليج على نطاق واسع. وتحلل هذه الورقة البحثية المخاوف الأمنية للخليج على ثلاثة مستويات: المستوى الإقليمي، ومستوى الدولة، ومستوى الأفراد، على التوالي من أجل تقديم نظرة أوسع للأمن الإقليمي.

الأمن الإقليمي: المملكة العربية السعودية وإيران، وصراع السيادة

يضم الصراع على المستوى الإقليمي الدور الإيراني في مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي الذي أزكى الصراع الإسلامي الداخلي من أجل استمرار وتعزيز زعامة العالم الإسلامي عبر وسائل عدة من سياسات القوة. بالإضافة الى ذلك تشهد المنطقة أيضاً على المستوى الأفقي نزاعاً ذو أسس طائفية؛ فعلى مدى التاريخ، عجت المنطقة بالصراعات الطائفية الناجمة عن تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979م، حيث أضافت الثورة الإسلامية عنصرًا أيديولوجيًا حادًا لتنافسها مع دول المنطقة، نظرًا لادعاء الدولة الإيرانية زعامتهما للمذهب الشيعي ومحاولة تصدير نظام ولاية الفقيه والتشيع. ولقد أعرب العديد من القادة العرب السنيين عن مخاوف بالغة بشأن قوة إيران المتصاعدة إلى جانب سياساتها الأكثر تشددَا.

وقد حذر عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني بن الحسين من "الهلال الشيعي" الممتد من إيران حتى العراق وسوريا ولبنان، مزعزعًا استقرار دول الخليج، ومشكلاً تحديًا للولايات المتحدة. وصرح حسني مبارك، رئيس مصر السابق "أن معظم الشيعة موالين لإيران وليس للبلدان التي يعيشون بها". وفي حوار مع جريدة "السياسة" الكويتية، توقع الملك عبد الله هزيمة الحملة المزعومة التي تقودها إيران من أجل تحويل العالم السني إلى شيعي ولمحو القوى التاريخية السنية. واستندت هذه المخاوف إلى الاعتقاد بأن إدارة الرئيس بوش قد ساهمت في "إنعاش واسع النطاق للشيعة عبر تمكينهم في العراق عقب سقوط صدام حسين والغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، الأمر الذي من شأنه التسبب في اضطراب التوازن الطائفي في العراق والمنطقة لأعوام قادمة". ولقد بات استخدام الطائفة الشيعية عاملاً رئيسياً في خلق بيئة مواتية لتوسيع نفوذ إيران المزعم في المنطقة.

وفي ظل الفراغ الذي خلفته عراق ما بعد الغزو، أصبح التنافس الإيراني واضحاً. وقد وجدت إيران في البحرين والعراق واليمن الأرض الخصبة لتعميق المنافسة ، وتكشف التغيرات السياسية الأخيرة من أحداث الربيع العربي، عن المستوى الذي وصلت اليه المنافسة على الهيمنة الإقليمية في الخليج. هذا وقد زاد تورط الولايات المتحدة من تعقيد ذلك التنافس القائم على الطائفية داخل المنطقة،

وفي الواقع، فإن قوة إيران المتصاعدة تعتبر مقلقة؛ إذ أن العراق، من الناحية السياسية، ممزق إلى نزاعات طائفية طويلة الأمد، مما جعل الترتيب السياسي لما بعد صدام هشًا وضعيفًا. ومن الواضح أنه منذ عام 2014م، أضحت منظمة بدر "أهم أداة لدى إيران في العراق". لذا، فإن تتبع صعودها يماثل وضع خريطة توضح بشكل عام توسع الدولة العميقة الناشئة. وعلاوة على ذلك، ووفقاً لأحد المحللين، "فإن منظمة بدر في طريقها لتأسيس دولة داخل الدولة تكون معتمدة على إيران". وما تزال الطائفية مصدرًا دائمًا لتهديد السلام والأمن الإقليميين، علاوة على تسببها في حالات التدخل عبرالحدود من قبل الدول المجاورة، مثل: تركيا بحثًا عن الجماعات المنشقة الكردية، وإيران دعمًا للجماعات الشيعية المتعددة.

وبناء على ذلك، يُنظر الى تحالفات الأمن الخارجية الثنائية مع الولايات المتحدة بوصفها أكثر جدارة بالثقة على صعيد تعزيز أمن الأنظمة؛ داخلياً من ناحية، واحتواء التهديدات الأمنية من العناصر الخارجية من ناحية أخرى. وثانياً، لا تعد منظمة مجلس التعاون الخليجي منظمة إقليمية بطبيعتها؛ إذ أنها تركت الحضارة القديمة، الفارسية – إيران – خارج صندوقها، إن مثل تلك الخطوات تعيق مرة أخرى إنشاء النظام الأمني الشامل في المنطقة. وبالنظر الى النماذج العملية، فلقد عدل كل من حلف شمال الأطلسي ورابطة أمم جنوب شرق آسيا من أهدافهم ومهامهم بصورة مبدئية من أجل إعادة التكيف وفقًا للديناميكيات المتغيرة للمسائل الأمنية في منطقتهم المعنية، حيث تبنوا مفهوم الأمن الشامل. ثالثًا، ثمة حاجة إلى نهج غير عسكري من أجل ضمان الأمن في المنطقة، حيث تدرك الجهات الفاعلة بأنه يوجد نموذج بديل قائم على جوانب متعددة الأبعاد من الأمن، حيث لا تكون الحرب المفتوحة خيارًا للنزاعات الدولية والإقليمية. وبالتالي إفساح المجال أمام إدراك مفهوم الأمن بوصفه نهج تحرر وتكامل لضمان تحقيقه على ثلاثة مستويات: المستوى الإقليمي، ومستوى الدولة، ومستوى الأفراد. إن التحديات كثيرة. أولاً، التدخل الخارجي السائد على الجبهات المتعددة؛ إذ تعتبر القبضة الأمريكية إلى جانب التصاعد الروسي في منطقة الخليج على الجانبي العسكري والمدني، عوامل مقيدة لتأسيس النظام الأمني الشامل، ثانيًا، يضع كل من الاضطراب الاجتماعي، وعدم الاستقرار السياسي، والأزمات المالية، الحياة البشرية في فخ "العبودية المزدوجة": ألا وهي عبودية الحاجة وعبودية الخوف. ثالثًا، ثمة انعدام للإطار المؤسسي للدولة الذي من شأنه التعامل مع قضايا الأمن متعددة القطاعات والمتمركزة على البشر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ مساعد الجامعة المركزية في غوجارات جانديناجار ، غوجارات ، الهند

 

مجلة آراء حول الخليج