; logged out
الرئيسية / الدور الأوروبي في ليبيا: حدود الانخراط وتداعيات التدخُّل

العدد 140

الدور الأوروبي في ليبيا: حدود الانخراط وتداعيات التدخُّل

الأربعاء، 07 آب/أغسطس 2019

يتسم الانخراط الأوروبيّ في الأزمة الليبية منذ اندلاعها في فبراير عام 2011م، بعدة سمات، لعلَّ أبرزها هو عدم بلورة موقف أوروبي مُوحَّد تجاه ليبيا، في ظل تفضيل بعض الدول الأوروبية، وبالتحديد فرنسا والمملكة المتحدة، أولوية الحل العسكري في التعامل مع الثورة الليبية بما أدّى إلى درجة من درجات توازن الضعف بين الثوار من جانب وكتائب القذافي من جانب آخر في ظل انتشار مكثف للأسلحة، كذلك فإن التعامل الأوروبي هو تعامل برجماتي يراعي مصالح كل دولة على حدة، وهو ما أدّى إلى تنافس فرنسي- إيطالي وصل إلى حدّ الصراع الخفيّ ثم الصراع المُعلَن والحرب الكلامية بين الطرفين.

وفي ذات السياق، فإن الدور الأوروبي يتسم بالضبابية والازدواجية، وذلك في ظل عدم وجود مواقف واضحة تجاه أطراف الأزمة الليبية، وهو ما تجلّى بشكلٍ واضح خلال النصف الأول من العام الجاري، حيث أن الموقف الإيطالي نموذجًا على ذلك، وهو موقف بالرغم من اتساقه مع مواقف حكومة الوفاق إلا أنه من آنٍ لآخر يكون مُنفتح على قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، وبالرغم من دعوة الدول الأوروبية إلى الحوار ورفض استخدام السلاح إلا أنها لا تتبنى مواقف حاسمة تجاه المليشيات المُسلَّحة المنتشرة في العاصمة طرابلس برعاية من حكومة الوفاق، وكذلك لا تتخذ الدول الأوروبية مواقف حاسمة تجاه بعض الدول التي لا تكف عن تصدير الأسلحة والمقاتلين، بحرًا وجوًا، إلى ليبيا، وبالتحديد تركيا؛ التي تستغل التراخي الدولي والأوروبي من أجل تأجيج الصراع الليبي.

وفي ضوء ذلك؛ يحاول هذا التحليل إلقاء الضوء على الانخراط الأوروبي في الأزمة الليبية منذ بداياتها، وكذلك إلقاء الضوء على ملامح الصراع الفرنسي-الإيطالي حول ليبيا، مع محاولة تحديد أبرز الدوافع التي تُحرّك الدول الأوروبية في مواقفها تجاه الشأن الليبي، علاوةً على تبيان أبرز التداعيات المرتبطة بالدور الأوروبي في ليبيا.

أولاً: الدور الأوروبي إبان الثورة الليبية

جاء موقف الاتحاد الأوروبي مؤيدًا للثورة الليبية التي قامت بهدف إسقاط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، وقد قام الاتحاد في أواخر فبراير 2011م، بفرض عقوبات على القذافي، وكذلك بعض أفراد أسرته علاوةً على حظر بيع أي شيء يمكن استخدامه ضد المتظاهرين مثل الغاز المُسيِّل للدموع ومُعدّات مكافحة الشغب.

وقد تبلور الدور الأوروبي خلال الثورة الليبية انطلاقًا من غطاء قانونيّ مُتمثّل في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث تضمن القرار 1970 لمجلس الأمن في فبراير 2011م، حظر سفر عدة شخصيات ليبية بارزة على رأسها معمر القذافي وتجميد أصوله، بالإضافة إلى حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا مع قيام أعضاء مجلس الأمن بتفتيش السفن المتجهة إلى ليبيا ومصادرة كل ما يحظر توريده وإتلافه، في حين سمح القرار 1973  الصادر في مارس 2011م، للدول الأعضاء في مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية على أي جزء من الأراضي الليبية. 

وقد شكَّل القرار الأخير جوهر التحركات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية، وتعتبر فرنسا والمملكة المتحدة هما المحرك الرئيسي لذلك القرار بعد أن قاما بصياغته برعاية أمريكية، وبالتالي فقد شكَّل ذلك القرار الأساس القانوني لتحرك الدول الأوروبية من أجل التدخل في الأزمة الليبية في إطار اتخاذ جميع التدابير الضرورية لحماية المدنيين بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ويمكن في هذا الإطار تفهُّم كون فرنسا، كانت أول دولة تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل شرعي للدولة الليبية، وذلك في العاشر من مارس 2011م، وكذلك كان للدول الأوروبية دور بارز عبر عمليات حلف الناتو في ليبيا.

حيث أنه في أواخر مارس 2011م، تسلَّم حلف الناتو قيادة العمليات العسكرية في ليبيا، وذلك إثر تفويض أممي تم بموجبه عمل منطقة حظر جوي فوق ليبيا، وكذلك السماح لقوات عسكرية أجنبية، منها قوات الحلف، باسخدام مختلف الإجراءات اللازمة لحماية الليبيين، وقد قامت طائرات الناتو بأكثر من 26 ألف طلعة جوية، أكثر من ثلثها لأهداف هجومية، وقد تم تدمير حوالي ستة آلاف هدف وإصابتها بخسائر كبيرة.

جدير بالذكر أن أكثر دول شاركت في تلك المهام، هما فرنسا وبريطانيا، فيما عارضت ألمانيا التدخُّل، وفي أواخر أكتوبر عام 2011م، أعلن حلف الناتو عن انتهاء عملياته في ليبيا، ولم ينشر الحلف قوات برية منذ بدء العملية حتى نهايتها.

ويرتبط انتهاء العمليات بشكل رئيسي بمقتل معمر القذافي في 20 أكتوبر 2011م، حيث أن الحلف قد اعتبر أنه بمقتل القذافي قد انتهى نظامه وبدأت مرحلة جديدة في ليبيا بعد حقبة استمرت حوالي أربعة عقود، وكذلك فقد رفض الحلف طلب من المجلس الوطني الليبي الانتقالي بتمديد مهمته حتى نهاية عام 2011م.

ثانيًا: الصراع الفرنسي -الإيطالي

شكلت ليبيا ساحة للتنافس بين كلٍ من فرنسا وإيطاليا، وهو تنافس يصلّ حدّ الصراع بين الدولتين، في إطار تباين المصالح لكليهما في ليبيا، ويمكن القول بأن ذلك الصراع قد تبلور بشكل أكبر خلال العامين الأخيرين خاصةً في ظل النجاحات التي حققها المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي في شرق ليبيا وجنوبها.

وقد نجحت فرنسا في عقد مؤتمر دولي في التاسع والعشرين من مايو 2018 م، بمشاركة أممية من أجل الوصول إلى حل للأزمة الليبية، وقد اتفقت الأطراف المتنازعة، وعلى رأسهم قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، على إقامة انتخابات تشريعية ورئاسية في نهاية عام 2018م.

وهو ما دفع إيطاليا لمحاولة لعب دور موازٍ عبر دعوتها لعقد مؤتمر "باليرمو" في منتصف نوفمبر 2018م، من أجل محاولة الوصول إلى حلول للأزمة الليبية حيث سعت إيطاليا إلى إزاحة باريس، ومحاولة لعب دور يتسم بقدر أكبر من الحيادية يربط بين الحفاظ على تماسك حليفها الرئيسي المتمثل في فايز السراج وحكومة الوفاق من جانب وبين الانفتاح على حفتر من جانب آخر، بالرغم من انتقادات تحركات الأخير العسكرية.

بيد أنه في مطلع عام 2019م، خرج الصراع بين الدولتين الأوروبيتين إلى مرحلة الحرب الكلامية بينهما، حيث هاجم نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني الدور الفرنسي في ليبيا، واعتبر أن باريس لا ترغب في استقرار الوضع ربما بسبب "تضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا"، وفق تصريحات رسمية له.

ويمكن القول بأن إطلاق معركة طوفان الكرامة في أبريل عام 2019م، من جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر بهدف التخلص من المليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس، قد شكلت أحد محركات الصراع الفرنسي-الإيطالي، خاصةً في ظل انحياز إيطاليا بدرجة كبيرة إلى حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وقُرب وجهة النظر الفرنسية من خطوات حفتر باتجاه تحرير العاصمة طرابلس من الميليشات المُسلَّحة.

حيث عارضت إيطاليا معركة طوفان الكرامة وسعت لاستصدار بيان من الاتحاد الأوروبي ينتقد تلك المعركة، ولكن قامت فرنسا بعرقلة بيان الاتحاد الأوروبي، وأكدت الخارجية الفرنسية في 11 أبريل الماضي، أنها لم تعرقل البيان ولكن أرادت تعزيز نصّ البيان بشأن ليبيا في ثلاثة مجالات، هي وضع المهاجرين، مشاركة جماعات خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة، وسُبل التوصل لحل سياسي مدعوم أمميًا.

وفي مايو الماضي، حاولت الدولتان التقارب السياسي فيما يتعلق بالوضع الليبي، حيث دعا وزيرا خارجية البلدين إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في طرابلس واستئناف الحوار السياسي، وطالبا الأطراف المعنية بالنأي بنفسها عن الجماعات الإرهابية، ويعكس ذلك تطورًا مهمًا في مواقف الدولتين في إطار محاولة التقارب في الرؤى بخصوص الأوضاع الليبية.

ثالثًا: دوافع التدخُّل الأوروبي في ليبيا

  1. الثروات النفطية:

 يعتبر النفط هو المحرك الأبرز للصراع الأوروبي على ليبيا، وهو الصراع المتمثل بشكل رئيسيّ في الخلافات الفرنسية -الإيطالية، وذلك في ظل الرغبة المُلّحة للسيطرة على ثروة البلاد النفطية الهائلة، حيث تُقدِّر "أوبك" احتياطيات ليبيا من النفط بنحو 48 مليار برميل، بما يجعلها الأكبر في إفريقيا.

وتعد شركة "إيني" الإيطالية هي أكبر شركة أجنبية في ليبيا، وقد نجحت الشركة في عام 2017م، في تحقيق أعلى معدل يومي لإنتاج النفط الليبي بحوالي (384) ألف برميل يوميًا، بالرغم من تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد.

كذلك توجد شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال"، والتي بلغ إنتاجها ما يعادل 31 ألف برميل يوميًا في عام 2017م، وهو إن كان أقل بكثير من إيطاليا، إلا أنه ضعف مستوى إنتاج الشركة الفرنسية في السنوات السابقة.

وما يثير قلق إيطاليا هو نجاح "توتال" في شراء حصة شركة "ماراثون أويل" الأمريكية التي تمتلك نسبة من امتياز حقل الواحة جنوب شرق ليبيا علاوةً على امتلاك "توتال" 27% من حقل شرارة في جنوب غرب ليبيا، والذي يُعد ثالث أكبر حقل نفطي في البلاد.

  1. مكافحة الإرهاب

حيث أن عدم الاستقرار في ليبيا يؤثر بشكل كبير على المصالح الأوروبية في غرب إفريقيا وكذلك في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما أعلنت عنه فرنسا بشكل رسميّ حيث أعلن وزير خارجية فرنسا "جان إيف لودريان" في مايو الماضي أن مكافحة الإرهاب هو الهدف الأول لفرنسا في المنطقة منذ وقت طويل.

خاصةً وأن معظم الأسلحة المهربة إلى غرب إفريقيا تأتي من ليبيا، وكذلك فإن الكثير من الجماعات الإرهابية لديها قواعد في ليبيا تؤثر بها على استقرار منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، وهو ما تجلّى مع محاولة تنظيم داعش الانتشار في ليبيا قبل أن يتم هزيمته في سرت في أواخر عام 2016م، على يد الجيش الوطني الليبي.

إضافةً إلى ذلك فإن استقطاب التنظيمات الإرهابية وانتشارها في ليبيا يؤثر بشكل كبير على أعمال شركات النفط الأوروبية في ليبيا خاصة في ظل كون الصراع على المنشآت النفطية كان أحد أبرز أوراق الضغط والمساومة بين المليشيات المُسلَّحة من جانب وبين الجيش الوطني الليبي من جانبٍ آخر.

  1. منع الهجرة غير الشرعية

يعتبر منع توافد المهاجرين غير الشرعيين من ليبيا إلى أوروبا هو أحد دوافع التحركات الأوروبية في الأزمة الليبية، حيث يشير تقرير الهجرة الدولية لعام 2015م، والصادر عن الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة إلى أن الصراع في ليبيا في عام 2011م، أدّى إلى هجرة أعداد ضخمة بلغت نحو (768) ألف ليبيّ، وأنه بحلول فبراير 2015م، فقد شكَّل المهاجرون من ليبيا نحو (90%) من إجمالي المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط[1].

وتشير تقديرات دولية أخرى إلى أن النزاع المسلح قد أثّر بشكل سلبي في حياة أكثر من ثلاثة ملايين شخص في مختلف أنحاء ليبيا، وأصبح نحو (2.5) مليون ليبي في حاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، وأن ذلك يشمل الأشخاص النازحين داخل البلاد وغير النازحين من السكان المتضررين من النزاع واللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين.

وتعتبر إيطاليا هي أكثر دولة أوروبية تضرَّرت من موجات الهجرة غير الشرعية القادمة من البحر المتوسط حتى أنها قد تدفق إليها أكثر من 180 ألف مهاجر غير شرعي في عام 2016م، غالبيتهم قدموا من السواحل الليبية.

وقد كشفت تقارير لمنظمات دولية مَعنية بالهجرة انحفاضًا في وصول أعداد المهاجرين إلى أوروبا خلال عام 2018م، حيث وصل حوالي (78) ألف مهاجر فقط عبر البحر المتوسط، ويعتبر هذا الرقم هو الأقل منذ عام 2014م.

رابعًا: تداعيات التدخل الأوروبي في ليبيا

كان للتدخل الأوروبي في الأزمة الليبية عبر مراحلها المختلفة دور كبير في تأجيج الصراع خاصةً في ظل عدم بلورة موقف أوروبي مُوحَّد لاسيما مع تفاقم الصراع الفرنسي -الإيطالي في السنوات الأخيرة، وكذلك في ظل فشل الوساطات الأوروبية في تحقيق أيّ نتائج ملموسة في حلحلة الوضع الليبي، ويمكن توضيح أبرز تلك التداعيات على النحو التالي:

  1. تزايد حدة العسكرة:

شكَّل لجوء أغلب الدول الأوروبية إلى تفضيل الحل العسكري ودعم تدخل الناتو في الأزمة الليبية إلى تزايد حدة العسكرة وتأجيج الصراع بشكل كبير، وهو ما كان له دور كبير في تدهور الأوضاع الأمنية خاصةً في ظل الانحياز الأوروبي إلى الثورة الليبية التي كانت بلا قيادة واضحة، وقد أدّت الضربات العسكرية الأوروبية ضد قوات القذافي إلى إحداث نوع من "توازن الضعف" بين الثوار من جانب وبين كتائب القذافي من جانب آخر.

وهو ما أدّى إلى سيولة الصراع واستمرار تفاقمه في ظل عدم قدرة أي طرف على حسم الصراع لصالحة في ظل امتلاكه للسلاح، وفي هذا الإطار يُقدّر تقرير منظمة "كرايسز جروب" عدد الذين حملوا السلاح في ليبيا عقب إسقاط القذافي بأكثر من (125) ألف ليبي، وهو ما يتشابك مع ما نتج عن إسقاط نظام القذافي من انتشار مكثف للأسلحة تتفاوت تقديراتها بين (20) إلى (30) مليون قطعة سلاح.

وهو ما يؤكده تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب لعام 2013م، والذي يشير إلى أن الدولة الليبية عانت في ظل انتشار الأسلحة والذخائر غير الخاضعة للرقابة في كل مكان، والحدود التي يسهل اختراقها بالإضافة إلى انتشار المليشيات المُسلَّحة، بما ساعد على تأجيج الصراع الليبي بشكلٍ كبير.

ويشير "مؤشر السلام العالمي لعام 2018"، والصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP)والذي يعتمد في منهجيته على مستوى الأمن داخل المجتمع ودرجة الصراعات المحلية أو الدولية وشرعية الحكومات القائمة، إلى أن ليبيا قد جاءت في المرتبة (157) عالميًا؛ أي أنها تُعدّ ضمن أسوأ عشر دول في العالم فيما يتعلق بالسلام، وذلك في ظل كثافة الصراع الداخلي مقارنةً بترتيبها في عام 2010 عندما جاءت في الترتيب (56) عالميًا.

  1. تدهور الوضع الاقتصادي

شكَّل الصراع الأوروبي في ليبيا أحد أسباب تفاقم الأوضاع الاقتصادية في ليبيا بعد الثورة، خاصةً في ظل التراجع الكبير في عملية إنتاج النفط وتصديره في ظل انتشار المليشيات المُسلَّحة وتأثيرها سلبًا على المنشآت النفطية.

ووفق بيانات البنك الدولي فإن الناتج المحلي الإجمالي الليبي تراجع بعد الثورة بشكل كبير، وكان قد بلغ عام 2010 م، نحو (74.8) مليار دولار، قبل أن يتراجع بشكل كبير بعد الثورة حتى بلغ في عام 2015 نحو (29.3) مليار دولار، ولكن مع نجاح الجيش الوطني في السيطرة على أكثر من 90% من الأراضي الليبية فقد شهد تحسُّنًا ملحوظًا في عام 2018 م، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو (48.32) مليار دولار[2].

وقد أثرت الأوضاع الأمنية على إنتاج ليبيا من النفط خلال الفترة من 2010 م، حتى عام 2018م، حيث تراجع إنتاج النفط بشكل كبير خلال الفترة التالية للثورة، وهو ما توضحه تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) خلال تلك الفترة على النحو التالي:

 

ألف برميل/يوم

حجم إنتاج النفط في ليبيا خلال الفترة (2010 – 2018)

المصدر: حجم إنتاج النفط في ليبيا الصادر عن موقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية خلال الفترة من عام 2010 حتى عام 2018. https://www.eia.gov/beta/international/

 

 

ويتضح من الشكل حجم التباين والتراجع في إنتاج النفط الليبي حيث تراجع حجم الإنتاج إلى النصف تقريبًا خلال عام 2017 م، بحوالي (931) برميل يوميًّا مقارنة بحوالي (1845) برميل يوميًّا خلال عام 2010م، كذلك فقد شهد عام 2015م، وعام 2016م، أكبر تراجع في إنتاج النفط الليبي في ظل تأثير تدهور الأوضاع الأمنية وكذلك السياسية.

  1. تفاقم عدم الاستقرار السياسي

تعاني ليبيا من درجة من درجات عدم الاستقرار السياسي الممتد خاصةً في ظل الصراع بين حفتر والسراج، وتزايد حدة الاستقطاب الإقليمي والدولي؛ والذي يعد الصراع الفرنسي -الإيطالي جزءًا منه، وهو ما يعوق إتمام بناء دولة ليبية موحدة.

وتجدر الإشارة إلى أن مؤشر الاستقرار السياسي لعام 2017م، يشير إلى أن ليبيا قد جاءت في المرتبة (190) عالميًا، أي أنها سادس أسوأ دولة في العالم فيما يتعلق بالاستقرار السياسي، أما في عام 2010م، فقد جاءت ليبيا في المرتبة (98) على مستوى العالم، والفارق الكبير بين الترتيبين يعكس حجم عدم الاستقرار السياسي في ليبيا خلال السنوات التالية للثورة الليبية.

حيث تعتمد منهجية المؤشر في ترتيب (194) دولة حول العالم وفق عدة محددات، لعلّ أبرزها النزاع المسلح والعنف في الدولة، والصراعات العرقية أو الدينية، وقد جاء ترتيب ليبيا على مدار السنوات (2013-2015م) ضمن أسوأ عشر دول في العالم من حيث الاستقرار السياسي.

وختامًا، فإنه طالما ظلَّ الدور الأوروبي في الأزمة الليبية دور غير توافقيّ، ويتسم بطابع صراعيّ، فإن إعادة بناء الدولة الليبية وتوحيدها يظل أمرًا صعب التحقُّق، خاصةً في ظل تباين المصالح الأوروبية، وعلى رأسها الصراع المحتدم بين كلٍ من فرنسا وإيطاليا من أجل تعظيم المكاسب الاقتصادية لكلٍ منهما دون وجود تنسيق أوروبي حقيقي في الملف الليبي.

كذلك فإن تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا من شأنه أن يؤثر على أوروبا بشكلٍ سلبيّ خاصةً في ظل سعي بعض التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، إلى إعادة التموضع من جديد في ليبيا، وهو ما يؤثر على المصالح الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط وكذلك في غرب إفريقيا، وبما يدفع نحو زيادة تدفقات موجات الهجرة غير الشرعية التي تثقل كاهل الدول الأوروبية.

لذا فإن استقرار الوضع الليبي ينعكس على الاستقرار في أوروبا، وهو ما يتطلب ضرورة توحيد الجهود الأوروبية وتضافرها خاصةً فيما يتعلق بملف القضاء على المليشيات المُسلَّحة، وهو الاقتراح الفرنسي بالأساس الداعي في مايو الماضي إلى إجراء تقييم لسلوك المجموعات المُسلَّحة في ليبيا برعاية أممية، وهو ما يمكن البناء عليه بهدف القضاء على تلك المليشيات التي يتم توظيفها من أطراف إقليمية ودولية بهدف زعزعة الاستقرار الليبي.

كذلك فإنه من الهام ضرورة تدشين حوار وطني بين كافة الأطراف المَعنية بالشأن الليبي، والبناء على البيان السداسي الصادر في 16 يوليو الماضي، والذي تدعو فيه الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، الإمارات، ومصر إلى ضرورة وقف القتال في محيط العاصمة الليبية طرابلس، والعودة إلى العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، ويمكن استثمار هذا التوافق الدولي والإقليمي الكبير من أجل توحيد الجهود الأوروبية من جانب وتدشين حوار سياسي ليبيّ من جانب آخر يُفضي إلى خارطة طريق يتمخّض عنها دولة ليبية مُوحَّدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومُتخصِّص في الأمن الإقليمي.

 

[1] الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة، تقرير الهجرة الدولية لعام 2015: الهجرة والنزوح والتنمية في منطقة عربية متغيرة، 2015، ص18. يمكن الاطلاع على التقرير من خلال الرابط الآتي: https: //publications.iom.int/system/files/pdf/sit_rep_arb.pdf

 

[2] The World Bank, Gross Domestic Product (GDP), available at: https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD?locations=LY

 Accessed on: 15July 2019.

 

مقالات لنفس الكاتب