; logged out
الرئيسية / الاضطراب في غرب آسيا: دور الهند محوري في تعزيز الأمن الإقليمي

العدد 141

الاضطراب في غرب آسيا: دور الهند محوري في تعزيز الأمن الإقليمي

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

بالرغم من أن الاختلاف الحالي بين السعودية وإيران يأخذ الطابع الذي تلبسه إيران الطابع المذهبي والطائفي، إلا أن ذلك الانقسام نبع من تهديدات استراتيجية عميقة شعرت بها الرياض نتيجة لما تراه من خطورة دور إيران المتزايد في المنطقة، خاصة في لبنان وسوريا والعراق واليمن. وهذا النفوذ المتوسِع والمتمثل في "الهلال الشيعي" الذي يضيّق على الدول العربية في غرب آسيا، وهو ما تعده المملكة تهديدًا "وجوديًا".

ونظرًا للعداوة المتأصلة من جانب حكومة ترامب تجاه إيران، ومصلحة الولايات المتحدة بتغيير النظام فعليًا في إيران، هناك احتمالية حقيقية لوقوع صراع عسكري مباشر بين أكبر جارتين إسلاميتين.

يقترح هذا المقال أن تشكّل الهند التي تتمتع بدرجة استثنائية من النوايا الحسنة وتقف مع جميع البلدان الرئيسية في المنطقة، عملية سلام، من شأنها أن تؤدي إلى حوار بين المملكة وإيران، ومع الوقت، إلى مفاوضات لتحقيق ترتيب للتعاون الأمني الإقليمي في غرب آسيا.

ربما تعود جذور الخلافات الحالية في غرب آسيا بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الأحداث التي وقعت منذ أربعين عامًا في 1979م. وبدأ الأمر بالثورة الإسلامية في إيران. ولم يؤد ذلك الحدث إلى الإطاحة بنظام الشاه فقط، ولكنه أيضًا جعل نموذج ولاية الفقيه في المذهب الإسلامي الشيعي الذي طرحه آية الله الخميني هو النموذج الحاكم للبلاد، مما جعل من إيران قوة مصدرة للثورة ضد السياسات العلمانية والقوة السياسية الغربية والتأثير الثقافي.

ولمواجهة تهديد الثورة الإيرانية، شن الزعيم العراقي آنذاك صدام حسين هجومًا عسكريًا على إيران. وفي ظل اضطراب القوات المسلحة الإيرانية، اعتقد صدام أن جيشه سيستولي على أجزاء كبيرة من الأراضي الإيرانية وأنه سيفرض شروطه التي كانت ستُنهي النظام الإسلامي وتحل محله قيادة أكثر انقيادًا.

لكن سرعان ما أحُبطت خطط صدام، حيث عمل هجومه على توحيد إيران كما شجع قواتها على مواجهة الاعتداء بمزيد من التصميم، ولقد امتدت الحرب على مدار ثمانية أعوام، ولم تنتهي إلا بعد أن أنُهك الطرفان.

ولم تنقذ الحرب الثورة الإسلامية فقط، بل إنها أكسبت كذلك الروح الإيرانية حس الإنجاز في وجه العزلة شبه الكاملة، عندما عجت مدنها بالصواريخ، وقُصف شعبها بالأسلحة الكيميائية، في ظل عدم وجود معارضة من جانب المجتمع الدولي ومنظماته.

وفي العام 1979م، نفسه، في أوائل شهر نوفمبر، هاجم شباب ثوريون السفارة الأمريكية في طهران وأخذوا الدبلوماسيين الموجودين بالسفارة كرهائن لمدة 444 يومًا، ومثل ذلك بشكل كبير انتقامًا من التدخلات الغربية التي امتدت في السياسات الإيرانية فترة طويلة، وعلى وجه الخصوص الإطاحة بحكومتها الديمقراطية عام 1953م، وبالنسبة للأمريكيين، فقد خلق كل من احتجاز الدبلوماسيين وجهود الإنقاذ الفاشلة عبر الرئيس جيمي كارتر، عداوة دائمة للثورة الإسلامية، وزعمائها، والتي لا زالت لها تأثير حتى يومنا هذا على قطاعات كبيرة من المؤسسات السياسية، والرسمية، والإعلامية، والأكاديمية الأمريكية.

تغيير النظام في العراق

تميزت نهاية الحرب بين العراق وإيران بفترة ممتدة من الصداقة والمشاركة الإيجابية بين كل من إيران والمملكة العربية السعودية، عندما حولت إيران تركيزها من النزعة الثورية إلى التنمية الاقتصادية، كما أعلنت إيران احترامها لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ناحية أخرى أعلن مسؤولون سعوديون أنه ليس هناك حدودًا للتعاون مع إيران.

وانتهت هذه الصداقة بالاعتداء الأمريكي على العراق عام 2003م، وتغيير النظام الذي تبعه، إلى جانب التعهد الأمريكي بتمكين الشيعة في البلد الذي يقوم علنًا بتمييز مجتمع الأغلبية الشيعية. ورأت المملكة العربية السعودية، إلى جانب شركائها بمجلس التعاون الخليجي، هذا النهج على أنه تمهيد للطريق أمام توسع النفوذ الإيراني في بلاد عربية أخرى.

وعمل ذلك على زيادة الشعور السعودي بضرورة الرؤية الاستراتيجية فيما يتعلق بجارتها الخليجية، ويتجلى هذا التحدي في المصطلحات الطائفية؛ حيث تحدث لأول ملك الأردن عبد الله الثاني عن "الهلال الشيعي" الذي يجتاح المنطقة عام 2004م، وهي عبارات رُددت لاحقًا عبر كل من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل. ولمواجهة هذا "الهلال الشيعي"، أقامت المملكة العربية السعودية توازن قوى إقليمي من خلال وقوفها إلى جانب مصر.

وظلت العراق منطقة تنافس في الخليج، حيث وسعت إيران من نفوذها من خلال تأييد النظام القائم برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي، والذي اعتمد على الميليشيا الشيعية التي تمولها وتسلحها وتدربها إيران، وشجع ذلك بعض قطاعات المجتمع السني على معارضة تهميشهم في بلدهم الأم عبر التمرد الجهادي الذي بدأ منذ عام 2003م، تحت قيادة المحارب الأفغاني: أبو مصعب الزرقاوي، الذي أعلن انتسابه الرسمي للقاعدة من خلال تسمية منظمته "القاعدة في العراق". وعقب وفاة الزرقاوي عام 2006م، أعاد أتباعه تسمية المنظمة باسم "دولة العراق الإسلامية"، بغرض التأكيد على استقلالهم عن القاعدة، وعلى نيتهم في جعل العراق دولة إسلامية.

ولم تُبق المملكة العربية السعودية على العلاقات مع الحكومة العراقية في بغداد؛ ولذلك، استحوذت إيران على أكثر حضور أجنبي مؤثر في البلاد، وكذلك أصبحت الداعم الرئيسي للحكومة في مواجهة جولة العراق الإسلامية.

الربيع العربي وأعقابه

انتهى توازن القوى بشكل مفاجئ في غرب آسيا مع سقوط نظام مبارك في فبراير عام 2011م، في أعقاب ثورات الربيع العربي، وتزايد الشعور السعودي بتنامي مخاطر إيران مع حالة من القلق في البحرين، وهو عضو بمجلس التعاون الخليجي، وكانت هناك خشية خليجية من وصول النفوذ الإيراني إلى الحدود الخليجية عبر البحرين، ومن ثم إتاحة فرصة جديدة لتوسع النفوذ الإيراني وصولاً إلى الحدود السعودية وداخل دول مجلس التعاون الخليجي.

وبدعوة من الحكومة البحرينية، أرسلت المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي قوات درع الجزيرة للبحرين في منتصف مارس عام 2011م، حيث قامت بتفريق المتظاهرين، وتصدت المملكة بعد ذلك للمصالح الإيرانية في سوريا، إذ شعرت أن الإطاحة بنظام بشار الأسد الموالي لإيران من شأنها إعادة دولة عربية رئيسية مرة أخرى إلى الحياة السياسية، واستعادة توازن القوى، ومن شأن ذلك أيضًا قطع الوصول الإيراني إلى البحر المتوسط. فضلاً عن الاحتفاظ بميزة إنهاء العلاقات الإيرانية بحزب الله عبر دمشق، وبالتالي إعادة بلد أخرى إلى المعايير العربية.

وقابلت خطط المملكة العوائق منذ البداية، عندما رفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما قصف دمشق من أجل إحداث تغيير النظام على الأرض، حيث لم تسفر التدخلات الأمريكية عن نتائج لصالح الولايات المتحدة، وجاءت في مصلحة الجهاديين فقط، واضطرت دول الخليج بعد ذلك للقتال على الأرض ضد الأسد، حيث شكلت هذا التصدي من خلال حشد المقاتلين من الجماعة السنية بسوريا، بالتحالف مع قطر وتركيا، الذين كانتا مناهضتين للميليشيا الشيعية التي تقدمها إيران عبر فيلق الحرس الثوري الإسلامي التابع لها، إلى جانب ما يقدمه حزب الله، والمقاتلين من كل من العراق، وأفغانستان، وباكستان.

وعلى الرغم من تحقيق المقاتلين الموالين لدول الخليج بعض النجاحات المبدئية، فإن دخول القوات الروسية إلى جانب حكومة الأسد في سبتمبر 2015م، أكد بأنه لن يكون هناك انتصار عسكري للمعارضة السورية، وتلقت الجهود الخليجية انتكاسة إضافية عندما غادرت تركيا متخوفةً من النجاحات العسكرية للأكراد السوريين واحتمال تأسيسهم "لموطن" على الحدود السورية-التركية، وانضمت لروسيا وإيران في عملية السلام بأستانة، حتى مع استمرار قوات الأسد في حصد المزيد من الأقاليم من المتمردين.

وإلى جانب الصراع الجاري في سوريا، فتحت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية جبهة أخرى ضد إيران، وهذه المرة في اليمن، التي تتشارك مع المملكة فقط بحدود طولها 1400 كم، وهنا، يطلب من الحكومة المركزية في صنعاء بعد استبدال الرئيس الذي ظل لمدة طويلة في الحكم: على عبد الله صالح، بنائبه عبد ربه منصور هادي، حشدت الجماعة الزيدية الساخطة التي تقع في شمال اليمن نفسها بوصفها حركة مقاتلة-أنصار الله-على الرغم من الإشارة غير الرسمية إليهم بوصف "الحوثي" على اسم اللقب الخاص بمؤسس الجماعة.

واحتل الحوثي، متحالفًا مع الرئيس السابق، صنعاء، ثم اتجه بعد ذلك جنوبًا للظفر بعدن، ورأت دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية هذه النجاحات على أنها تزود إيران بقاعدة عسكرية وسياسية قوية على حدودها؛ فشنت اعتداءً عسكريًا على الحوثي بدءًا من مارس 2015م. وشرعت بعد ذلك في العمليات العسكرية البرية من جهة الجنوب، بالتحالف مع مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية الأخرى.

وعقب أربع سنوات من الحرب، وعلى الرغم من تعرض الحوثي لضغوط كبيرة، يبدو أنه من غير المرجح حسم النتائج عسكريًا في هذا الصراع، حيث تظل المدن الرئيسية مثل: تعز، ومدينة ميناء الحديدة، وصنعاء العاصمة، في قبضة الحوثي، حتى مع سعي المبعوث الخاص للأمم المتحدة لعملية سلام، والتي أسفرت عن تبادل الأسرى وتخفيف الحصار الاقتصادي.

ومع قدوم رئاسة ترامب إلى الولايات المتحدة، فقد تدهور سيناريو الأمن الاقليمي في غرب آسيا، حيث انسحب الرئيس من الاتفاقية النووية مع إيران، وأخذ على عاتقه إحداث تغيير بالنظام في الجمهورية الإسلامية من خلال تشجيع التمرد الداخلي، ويسعى، بالتحالف مع الحلفاء في المنطقة لطرد الوجود الإيراني في سوريا.

وثمة الآن احتمالات خطيرة بأن من شأن صراعات التفويض القائمة في كل من سوريا واليمن أن تقحم غرب آسيا في حرب على صعيد المنطقة، ونظرًا لعلاقات الهند الكبيرة في مجال الطاقة، والعلاقات الاقتصادية واللوجستية، والعلاقات المجتمعية مع المنطقة، فمن شأن ذلك أن يعرض للخطر مصالح الهند الدائمة والمرتكزة على الاستقرار الإقليمي. ولقد تعاونت الهند في السنوات الأخيرة بقوة مع غرب آسيا، وهو ما سيتم تناوله في الفقرة التالية.

تعاون الهند مع غرب آسيا

حافظت الهند في السنوات الأخيرة على زخم المشاركات الثنائية مع الدول الرئيسة بغرب آسيا، ففي يونيو عام 2016م، أنجز رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، علاقات دبلوماسية هندية غير مسبوقة مع بلدان الخليج، فعلى مدار فترة مكونة من عشرة أشهر، قام بزيارة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وإيران، وقطر، كما استضاف ولي عهد أبو ظبي: الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في دلهي. وفي كل عاصمة منهم، كان يتم استقباله بحفاوة بالغة، حيث أشادت كل الدول بروابطها التاريخية والحضارية مع الهند، حيث أفضى كل تعاون إلى تحقيق اتفاقيات جوهرية من شأنها أن تأخذ العلاقات الثنائية إلى أفقٍ جديدة، كما ستعيد تشكيل العلاقات لجعلها مواتية للأزمنة المعاصرة.

وقد نظرت تلك الدول إلى الهند بوصفها "شريكهم الاستراتيجي"، وهي حالة تمثل درجة عالية من القيم، والتصورات، والمناهج المشتركة بشأن مسائل الأمن المثيرة للقلق؛ ولهذا، تطرق البيان المشترك مع الإمارات العربية المتحدة إلى "المخاوف المشتركة تجاه السلام، والاستقرار، والأمن"، واجمع على "المساعي المشتركة" لمعالجة هذه المخاوف، التي تقوم على "المثل المشتركة والاهتمامات المتقاربة". كما تطرق إلى حاجة البلدين لتأسيس "شراكة استراتيجية وثيقة" بخصوص "تلك الأوقات المضطربة"، ودعاهم إلى "العمل سويًا من أجل تعزيز السلام، والتسوية، الاستقرار على الصعيد الأكبر لجنوب آسيا ومنطقة الخليج وغرب آسيا ".

وعلى غرار ذلك، تطرق البيان المشترك مع المملكة العربية السعودية إلى مسؤولية البلدين في تعزيز السلام، والأمن، والاستقرار في المنطقة، كما أشار إلى "الترابط الوثيق بين الاستقرار والأمن في منطقة الخليج، وبين شبه القارة الهندية والحاجة إلى الحفاظ على بيئة آمنة وسلمية من أجل تنمية بلدان المنطقة". وفي طهران، أشار السيد مودي إلى أن الهند وإيران "لديهما مصلحة مشتركة وحاسمة في كل من السلام، والاستقرار، والرفاهية" في المنطقة، كما قد تشاركتا المخاوف المتعلقة "بانعدام الاستقرار، والتطرف، والإرهاب". وقد اتفق البلدان على تعزيز التعاون بين مؤسساتهم الدفاعية والأمنية.

ولقد أعقبت هذه المشاركات زيارة للهند من قبل ولي عهد أبو ظبي كضيف رئيسي في احتفالات يوم الجمهورية الهندية في يناير عام 2017م، وزيارة للرئيس الإيراني حسن روحان إلى دلهي في فبراير 2018م، ثم زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في فبراير 2019م.

ويتسم البيان الهندي السعودي المشترك بالعديد من السمات الإيجابية فيما يتعلق بالروابط الثنائية المعَزَزة، فتماشيًا مع البيانات المشتركة السابقة، يعد البيان تفصيليًا وشاملاً، كما يمضي قدمًا بالعلاقات في أفق محددة من الاهتمام المشترك، من خلال التركيز على إعطاء الأولوية "للشراكة الاستراتيجية" المتنامية بين الدولتين. ولقد تم إضفاء الطابع المؤسسي على عملية الحوار الثنائي، حيث تم تأسيس مجلس شراكة استراتيجي على أعلى مستوى من أجل رقابة التطور، بينما سيُعقد "حوار أمني شامل" على مستوى مستشاري الأمن القومي لتناول مكافحة الإرهاب.

ومرة أخرى، وبالفقرة 36 من البيان المشترك، "نبذت الدولتان استخدام الإرهاب كأداة لسياسة الدولة". ودعا الزعيمان لرفض إتاحة "الصواريخ والطائرات بدون طيار" لمن يقومون بالأفعال الإرهابية، في إشارة إلى توريد إيران للصواريخ إلى جماعة الحوثي في اليمن.

وعن وجه حق، يولي البيان المشترك اهتمامًا كبيرًا لقضايا الطاقة، والتجارة، والاستثمار، مع إقرار متحمس من الجانب السعودي بوجود فرص في الهند "تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار". وقد وافقت المملكة كذلك على تلبية متطلبات الطاقة الهندية؛ ففي الفقرة 23، تصِف المملكة العربية السعودية نفسها على أنها "أكثر مورد عالمي موثوق للنفط والغاز"، مؤكدةً على عزمها تلبية احتياجات الهند المتزايدة، "وأنها ستعوض أي أوجه نقص يمكن أن تنشأ نتيجة لأي حالات انقطاع من جانب المصادر الأخرى."

تشكيل مبادرة السلام

نظرًا لتلك المشاركة الجوهرية التي وطدت العلاقات الهندية قديمة الأزل مع المنطقة، فمن المقترح أن تشكل الهند وتعزز مبادرة دبلوماسية من شأنها تشجيع الثقة والحوار المشتركين بين الجارتين الإسلاميتين المتباعدتين. وبمجرد إنجاز ذلك، فمن المقترح أن تسعى الهند لتحقيق ترتيب أمني تعاوني إقليمي.

ومن المنطقي أن تتولى الهند قيادة مبادرة السلام، إذ أن لديها علاقات طويلة، ومتواصلة، وجوهرية مع كافة دول الخليج. كما تتمتع بمركز إقليمي ثابت بسبب إنجازاتها السياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية، وكذلك حقيقة موقفها في التفاعلات الدولية الذي كان دائمًا غير مهيمن، وغير تدخلي، وغير إلزامي. ولدى الهند كذلك النصيب الأكبر في الاستقرار الإقليمي نظرًا لمصالحها الخاصة بالطاقة والاقتصاد. وفي المقام الأول، لدى الهند مجتمع مقيم يزيد عن ثمانية مليون نسمة متواجدين في المنطقة، والذين تعتبر رفاهيتهم من الأمور بالغة الأهمية بالنسبة لكل الحكومات في دلهي.

وسيكون من الضروري أن يركز الجزء الأول من مبادرة السلام على مناطق الصدام الجاري-سوريا واليمن والعراق-حيث سيتعين على كل طرف استكشاف حلول توافقية من حيث متطلباته القصوى. ففي سوريا، ستشمل هذه الحلول: دعم عملية السلام، وتطوير دستور وطني، وانتخابات حرة، مما يعطي الفرصة للشعب السوري الذي سئم الحرب، بأن يشكل نظامه السياسي الخاص.

وفي العراق، سيتعين على كلا الدولتين إنهاء تنافسهم المدمر في البلاد عبر وكلاء محليين، والسماح لرجال السياسة بالدولة بتشكيل السياسات الوطنية بدون التدخل الخارجي.

وفي اليمن، سيتعين على إيران الإقرار بمخاوف المملكة المشروعة بشأن النفوذ الإيراني، ومن ناحية أخرى، سيتعين على السعودية دعم النظام السياسي والاقتصادي الجديد للبلاد الذي يمكن من خلاله مشاركة كافة القطاعات بشكل سلمي، بهدف تعزيز المؤسسات السياسية والاقتصادية للبلاد، وتحسين الأوضاع المحفوفة بالمخاطر فيما يتعلق بالفقراء، وفتح الآفاق للتعليم والرفاهية للشباب المتأثر سلبًا من جراء الحرب.

فلدى الهند من المصداقية والمهارة الدبلوماسية ما يمكنها من تشجيع الحوار بين الطرفين. ومن شأن النتائج المرضية في النقاشات المتعلقة بهذه المسائل تمهيد الطريق لمعالجة المسألة الأشد خطورة المتمثلة في تشكيل وترتيب تعاون أمني إقليمي شامل، بحيث يجمع بين كافة الكيانات الإقليمية والقوى الخارجية ممن لديهم مصالح في الأمن الإقليمي.

وهنا، يمكن للهند التفكير في إدخال "طرف ثالث" من الدول المؤثرة على غرار مجموعة الدول التي كانت قد يسرت المفاوضات التي أدت إلى سلام ويستفاليا عام 1648م، بعد جهود دبلوماسية دامت خمسة أعوام، ويمكن أن تشمل هذه الأطراف: الصين، واليابان، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، حيث لدى كل من تلك الدول علاقات جوهرية مع الجهات الفاعلة الإقليمية، إلى جانب مصالح كبيرة في الاستقرار الإقليمي.

ومن شأن مبادرة السلام هذه جلب نهج غير عسكري لغرب آسيا لأول مرة منذ قرن، حيث تضم المشاركة النشطة للدول الإقليمية باعتبارها جهات فاعلة رئيسية فيما يخص تقرير مصيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* سفير الهند السابق لدى كل من السعودية، وعمان، والإمارات العربية المتحدة

مجلة آراء حول الخليج