array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 141

الاستراتيجية الأمريكية قائمة على خيار التفاوض وليس الحرب

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

امتازت السياسة الأمريكية تجاه منطقة الخليج منذ الحرب العالمية الثانية بالتأرجح بين موقفين لا توسط بينهما, وهما المسؤلية المباشرة عن أمن المنطقة أو الإدارة عن بعد, هذه العلاقة مرت بمراحل مختلفة من أبرزها:

  1. بداية الحرب الباردة ومبدأ آيزنهاور: بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كتب جورج كينان الشخص الثاني في السفارة الأمريكية في موسكو برقيته المطولة التي إقترح فيها إتخاذ إحتواء الخطر الشيوعي توجهًا عامًا للسياسة الخارجية الأمريكية. وبموجب هذه السياسة قامت الولايات المتحدة بإنشاء حلف الأطلسي لدول أوروبا الغربية، ودعمت إقامة "حلف بغداد" على غرار الأطلسي ليكون حاجزًا بين المنطقة والمد السوفيتي. التوجه الأمريكي تجاه المنطقة تبلور بصورة أوضح بإعلان مبدأ آيزنهاور لعام 1957م، الذي تعهد بموجبه بالتواجد في المنطقة تحت ذريعة حمايتها من الخطر الشيوعي.
  2. فترة الانقسام ومبدأ نيكسون: مع أواخر الستينات من القرن الماضي وجدت الولايات المتحدة نفسها في ورطة كبيرة إسمها حرب فيتنام، التي فرضت عليها مراجعة التزاماتها الخارجية وتركيز جهودها العسكرية على الحرب, لذلك برزت فكرة الإستعانة بالوكلاء المحليين للمحافظة على المصالح الأمريكية في العديد من المناطق، وقد بذل شاه إيران، وساعدته شركات السلاح الأمريكية، جهودًا في إقناع الرئيس نيكسون بأنه الوحيد القادر على أداء الدور المطلوب، لذلك قام الرئيس بالإيعاز لشركات السلاح بضرورة توفير ما تحتاجه إيران للقيام بمهمتها في منطقة الخليج.

بالطبع لم يكن الشاه حريصًا على حماية المصالح الأمريكية بقدر ما كان يرى في ذلك فرصة لبسط نفوذه على المنطقة، لذلك أقدم عام 1971م، على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث قبيل إعلان استقلال الإمارات العربية المتحدة. وفي ذات الوقت بدأ بالتحرك باتجاه العراق من خلال دعم حركة التمرد الكردية في إقليم كردستان, لكنه مالبث أن ساوم حكومة العراق ووقع اتفاقية الجزائر عام 1975م، التي أجبر العراق فيها على التنازل عن سيادته على الجانب الشرقي من شط العرب وليترك الأكراد في مواجهة مصيرهم مع حكومة بغداد.

  1. التهديد المباشر ومبدأ كارتر: إجتاحت القوات السوفيتية أفغانستان عام 1979م، وأصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية في الخليج، الأمر الذي دفع الرئيس كارتر إلى إعادة المقاربة الأمريكية في الخليج إلى سابق عهدها، وبيَن ذلك في خطابه إلى الأمة قائلاً بأن الغزو السوفيتي يشكل تهديدًا لمنطقة الخليج التي تحوي ثلثي إحتياطي النفط العالمي، وقام في السنة التالية بتطوير تلك الرؤية لتشكل المبدأ العام للسياسة الأمريكية في الخليج أو مايعرف بمبدأ كارتر: " ليكن موقفنا واضحًا أشد الوضوح, إن محاولة أية قوة خارجية السيطرة على منطقة الخليج سوف تعتبر عدوانًا على مصالح الولايات المتحدة الحيوي، وسوف نقوم بمواجهة أي عدوان مثل هذا بكل الوسائل المتاحة ومنها القوة العسكرية".
  2. العلاقة بعد ثورة الخميني: مع قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة آية الله الخميني وعلى الرغم من أزمة الرهائن، رأت الإدارة الأمريكية أهمية الدور الإيراني في عملية إحتواء الإتحاد السوفيتي من خلال مبدأ "بريجينسكي" مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي، القائم على تفكيك المعسكر الشيوعي من خلال إحاطته بدول دينية، ذلك التوجه الذي كان وراء دعم الحراك الذي قادته الكنسية الكاثوليكية وإتحاد العمال في بولندا ضد الحكم الشيوعي فيها. نتيجة لذلك وبعد قيام الحرب العراقية-الإيرانية والإنتصارات التي حققتها القوات العراقية في بداية الحرب سارعت إدارة الرئيس ريغان إلى إرسال المعدات العسكرية إلى إيران من خلال العملية السرية التي عرفت فيما بعد بعملية "إيران كونترا" في سبيل الحفاظ على التوازن بين القوى المتصارعة وإدامة الحرب وإستنزاف القوتين وموارد المنطقة.

لكن الحرب العراقية-الإيرانية تطورت إلى حرب على ناقلات النفط بعد إحتلال إيران لميناء الزبير الذي مكنها من سد الطريق الى شط العرب ومنع العراق من تصدير نفطه. فردت القوات الجوية العراقية بضرب الموانيء وناقلات النفط الإيرانية، ليأتي الرد الإيراني بإستهداف ناقلات النفط التابعة لدول الخليج بدعوى دعمها للعراق. ولأن الكويت كانت المتضرر الأكبر من هذه العمليات، فقد توجهت لطلب الحماية الدولية لسفنها وعرضت على أمريكا قيام الناقلات الكويتية برفع العلم الأمريكي مقابل حمايتها في الخليج. ترددت أمريكا في البداية لكن موافقة الإتحاد السوفيتي على الفكرة دفعت بها إلى الاستجابة لطلب الكويت.

  1. حرب الخليج الأولى: دشنت رئاسة جورج بوش الأب مرحلة مابعد الحرب الباردة، وكان الشغل الشاغل لها آنذاك التأقلم مع العالم الجديد الذي إختفى فيه العدو وإلى الأبد. لكن الرئيس بوش وجد ضالته حين أقدم صدام حسين على غزو الكويت عام 1991م، فما كان منه إلا أن قام بتشكيل تحالف من 39 دولة تحت شعار تحرير الكويت وإقامة منظومة عسكرية لتطبيق العقوبات الدولية التي فرضت على العراق. كانت نتيجة الحرب تحرير الكويت لكن الثمن كان القضاء على ما كان باقيًا من منظومة الأمن الإقليمي.
  2. مرحلة الحرب على الإرهاب: أحدث هجوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001م، زلزلة كبيرة في المجتمع وتحولاً كبيرًا في السياستين الداخلية والخارجية جعلت من الحرب على الإرهاب هدفها الأول, وأتخذت منه أساسًا لتحالفاتها الدولية وجعلت منه مبررًا لإستخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة التي يشتبه في علاقتها بالإرهاب. فكانت ثمرة ذلك إحتلال أفغانستان والعراق, حيث لعبت إيران دورًا مساعدًا للجهود الأمريكية في إسقاط النظامين، مع أنها وفي ظاهر الأمر كانت من دول محور الشر الثلاث. لم تكن نتيجة الحرب على الإرهاب تدميره بل تدمير العراق وأفغانستان ودول أخرى وانتشار الإرهاب والتطرف ليشمل عموم المنطقة وليوشك على إحتلال العراق وسوريا فيما بعد.
  3. عود على بدء ومقاربة أوباما: ورثت إدارة أوباما عام 2008م، وضعًا مشابهًا لما واجهته إدارة نيكسون، متمثلاً بتركة ثقيلة للحروب على الإرهاب, ومطالب شعبية لإعادة الجنود. الأمر الذي جعل أوباما يولي إهتمامه إلى الإقتصاد ويسارع إلى سحب معظم قواته من العراق وأفغانستان ولكن ليستبدل بعضهم بالطائرات المسيرة عن بعد، وكأنه يرمز لإسلوب التعامل الجديد مع المنطقة. كما وأنه بدأ فترة رئاسته بخطاب حماسي في القاهرة فهمه البعض على أنه تحريض للشعوب على حكامها، ثم إنه جعل من التفاوض على اتفاقية للحد من طموحات إيران النووية من أولويات سياسته الخارجية، وفوق ذلك كله اقترح على دول الخليج حل مشكلاتها مع إيران والتوافق على إدارة المنطقة. ترك الانسحاب من العراق فراغًا أمنيًا كبيرًا سارعت داعش إلى الاستفادة منه فقامت باحتلال نصف العراق وسوريا، ولتتخذ من ذلك قاعدة تهدد جميع دول المنطقة. أثارت هذه الأفكار والمواقف موجة من القلق والتساؤلات عن حقيقة النوايا الأمريكية والتزاماتها تجاه المنطقة.

إذا كان من نتيجة نخرج بها من هذا السرد السريع فهي هشاشة الأمن في المنطقة بغض النظر عن نوعية المقاربة الأمريكية، ولتكون النتيجة واحدة وهي المزيد من عدم الاستقرار وإضعاف الأنظمة واستنزاف قدرات المنطقة.  

السلام الذي يزرع بذور الحرب: الاتفاق النووي مع إيران مثالاً

عندما يذكر الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، بريطانيا،فرنسا، روسيا والصين) زائدًا ألمانيا والإتحاد الأوروبي، أتذكر مقولة ضابط بريطاني في وصف التوقيع على إتفاقية السلام بعد الحرب العالمية الأولى " ها نحن خضنا حربًا لإنهاء كل الحروب لنتبعها بسلام ينهي كل سلام", كذلك كان الحال مع الإتفاق النووي, لإنه هو الآخر أنهى كل أمل بالسلام في المنطقة. هذا الإتفاق سمح لإيران بممارسة نشاطها النووي لإنتاج الطاقة ووضع حدًا لمستويات تخصيب اليورانيوم والكميات التي تحتفظ بها ووضع سقفًا لأعداد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في التخصيب وتم تصميمه ليضع أفقًا زمنيًا أمده سنة واحدة بين إيران وإنتاج السلاح النووي إذا ما اختارت الخروج من الإتفاق أو بعد نهاية مدته.

لا أحد يختلف على أهمية الحيلولة دون تطوير الأسلحة النووية, وضرورة السعي لأن تكون المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. لكن الآمال شيء والواقع الذي نشأ بعد الإتفاق شيء آخر. ذلك أن الطريقة التي تم التوصل بها إلى الإتفاق النووي وما تبعه من أفعال أو إهمال جعلت منه مثالا على النوايا الحسنة التي لايصاحبها التفكير العميق والتنفيذ الدقيق.

لعل من أهم المآخذ على عملية الإتفاق أن الإدارة الأمريكية لم تشارك دول المنطقة لا بالتفاوض ولم تطلعها على التفاصيل, مع أنها المعنية الأولى به، الأمر الذي أوحى لتلك الدول بأنها مستهدفة، لذلك سارعت إلى إتخاذ خطوات مستعجلة لتدارك الموقف ومن باب ردود الأفعال. بعض اللوم يقع على الطرف الإيراني لأنه تفاوض مع الدول الكبرى في معزل عن جيرانه الذين هم أولى من غيرهم بموضوع يمس أمنهم المشترك.

داخليا، أخطأت الإدارة الأمريكية في عدم بناء قاعدة واسعة وراء الاتفاق النووي خصوصًا داخل الكونغرس، الذي كانت تقود مجلسيه أغلبية من الحزب الجمهوري، وكانت النتيجة أن ذلك الحزب قام بإلغاء الاتفاق بمجرد وصوله إلى سدة الرئاسة. ومما زاد الطين بلة أن الإدارة الأمريكية بشرت بالاتفاق وأنه سوف يكون بادرة أمن وسلام على المنطقة والعالم وأنه بداية عودة إيران إلى المجموعة الدولية والتوقف عن التدخل في شؤون جيرانها, لكن الإدارة أخطأت أو أهملت في عدم متابعة تنفيذ الإتفاق والحيلولة دون أن يؤدي إلى النتائج العكسية التي حصلت.  

التطورات المستقبلية للأزمة:

ليس من السهل التنبؤ بتطورات هذه الأزمة بسبب طبيعتها المعقدة وتعدد العناصر الفاعلة فيها، لكنها لن تخرج عن الإحتمالات التالية:

  1. تطورالأزمة إلى حرب: ليس من الصعب القول بأن طرفي الأزمة لايريدان الحرب، ولكل منهما أسبابه، فإيران لاتريد الحرب لأنها ربحت السلام واستطاعت أن تمد نفوذها إلى مناطق لم تكن تخطر ببالها يوما مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان, لذلك فليس من مصلحتها خوض حرب غير معروفة النتائج لأن ذلك قد يؤدي إلى خسارة تلك المكاسب.

الولايات المتحدة هي الأخرى لاتريد الحرب لعدة أسباب منها أن الرئيس ترامب أعلن معارضته للحروب مرارا، هذا بالإضافة إلى أن هدف إدارته الأول هو تمرير "صفقة القرن"، التي قام بإلغاء الاتفاق النووي للتمهيد لها، لكن اندلاع الحرب قد يؤدي إلى وأدها في مهدها.

لكن هذا لايعني أن الحرب لن تقوم عملاً بالقول "مستعظم النار من مستصغر الشرر"، ذلك أن التواجد العسكري الكثيف في هذه المنطقة الصغيرة، وإنسداد آفاق الدبلوماسية، مع تعدد القوى الفاعلة واختلاف مصالحها وتواجد الجماعات العابرة للحدود والتي قد ترى فائدة في إشعال فتيل الحرب، ربما على شاكلة الحرب العالمية الأولى التي أطلقت شرارتها الأولى عملية إغتيال ولي عهد النمسا على يد مجموعة إرهابية صربية تدعى "اليد السوداء".

  1. المفاوضات: التفاوض حسب الشروط الأمريكية ليس واردًا في الوقت الحاضر ولا على المدى المنظور، لأن الشروط التي وضعها وزير الخارجية مايك بومبيو حولت التفاوض إلى استسلام، مما جعل الولي الفقيه يشبه الموافقة على مبدأ التفاوض مع أمريكا بتجرع السم.

على الرغم من ذلك فإن الاستراتيجية الأمريكية قائمة على خيار التفاوض وليس الحرب، يدل على ذلك أن الرئيس ترامب ردد مرارًا بأنه لايريد الحرب وأنه صبور، وأنه يستخدم التهديد بالحرب والحصار الاقتصادي لإضعاف الموقف التفاوضي الإيراني للحصول على تنازلات كبيرة تشمل الصواريخ البالستية والسلاح النووي ومنظومة تفتيش واسعة الصلاحيات.

لكن تقف أمام التفاوض عقبات منها انعدام الثقة بين الطرفين، وعدم وجود قنوات تواصل مباشرة، بالإضافة إلى الرسائل المتناقضة التي ترسلها واشنطن، فعلى سبيل المثال في اليوم الذي أعلن البيت الأبيض عن تجديد الإعفاء من العقوبات على بعض الشركات الروسية والصينية والأوربية العاملة في مجال الطاقة النووية في إيران، أصدرت الإدارة قرارًا بشمول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالعقوبات. هذه القرارات تعكس إما حالة التخبط في السياسة الأمريكية، أو أن القرار الثاني كان من باب ذر الرماد في العيون لصرف الأنظار عن القرار الأول.

  1. استمرار الأزمة على شكلها القائم: هذا الاحتمال ضعيف لعدة أسباب منها أن العقوبات المفروضة على إيران قاسية لأنها تحول بينها وبين القدرة على التبادل التجاري مع العالم وبيع النفط الذي يعتبر أهم مصادر العملة الصعبة التي تحتاجها في شراء البضائع والمعدات. الأمر الذي تسبب في تردي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للمواطنين بشكل كبير وليثير التساؤلات عن مدى قدرة الإقتصاد الإيراني على الصمود. هذا بلاشك سوف يدفع بإيران لمحاولة كسر الجمود وإختبار نوايا الولايات المتحدة بالاقتراب من حافة الهاوية وبصورة غير مباشرة وذلك بتجاوز بنود الاتفاق النووي تدريجيًا أو من خلال التحرش بدول المنطقة ومصالح الدول الأخرى لإقناع العالم بأن شريان النفط الذي يمثله الخليج لا يمكن أن يسيل من دونها. إن المشكلة في لعبة "حافة الهاوية" تكمن في أن كلا الطرفين لا يعلمان حدود الطرف الآخر ومتى يتم تجاوز نقطة اللاعودة.
  2. خطر التدويل: تعتبر منطقة الخليج مهمة ليس للولايات المتحدة فحسب بل للعديد من الدول وفي مقدمتها الدول الكبرى. هذه الدول بدأت تعمل على تدويل قضية أمن الخليج إما لحماية مصالحها أو إستغلال الأزمة لمزاخمة الوجود الأمريكي من خلال إرسالها قوات بحرية تحت ذريعة حماية السفن التجارية. كما وأن بعض الدول بدأت بإطلاق مبادرات سياسية مثل روسيا التي تقدمت على لسان مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط برؤية لحل الأزمة تشمل إيجاد منظومة عمل جماعي لضمان أمن المنطقة. هذا وقد أيدت الصين وبقوة المبادرة الروسية. إن تدويل أمن الخليج تهديد مباشر لسيادة دولها، ومنها إيران، ويجعل من أمن تلك الدول كرة يتلاعب بها الكبار في ملعب المساومات ومن دون أدنى اعتبار لمصالح تلك الدول وسكانها.

إنعكاسات الوضع السياسي الأمريكي على الأزمة

يقول رئيس مجلس النواب الأسبق توماس أونيل "أن السياسة جميعها محلي" ذلك أن أمريكا بلد ديموقراطي تتم فيه محاسبة المسؤولين عن طريق صناديق الإقتراع، مما يجعل القرارت السياسية تتأثر بالعوامل الداخلية ومواقف الرأي العام. لكن تبقى المواقف من القضايا الأساسية مثل رعاية المصالح القومية بعيدة عن الخلافات الحزبية والمساومات السياسية.

الأوضاع الداخلية وأثرها في الأزمة يمكن رصدها من خلال مايلي:

  1. حملة الإنتخابات الرئاسية لعام 2020م، التي بدأت بشكل جدي بعيد الانتخابات النصفية في العام الماضي لها أثرها الأكبر لأنها تدخل في حسابات أي قرار يتخذ، وخصوصًا تلك التي قد تحدث ردة فعل سلبي لدى الناخبين. هذا بالإضافة إلى أن الرئيس قطع الوعود للناخبين بعدم الدخول في حروب خارجية، ولذلك فليس من المرجح أن يشعل فتيل حرب قبيل وقوفه أمام الناخبين طالبًا التجديد، وهو يعلم بأن ذلك لن يكون مقبولا من غالبية الشعب ، إلا إذا كانت حربًا خاطفة قليلة الخسائر يقوم من خلالها بإشغال الرأي العام عن مشكلات داخلية ويحقق فيها انتصارًا مؤزرًا، وهي أمور لاتتوفر في هذه الأزمة، ذلك أن الرئيس بلاشك قد تعلم من تجربة الرئيس الأسبق بوش الذي خرج بشعبية كبيرة نتيجة انتصاره في حرب الخليج، لكن ذلك كله لم يشفع له أمام الناخب الذي حرمه من التجديد لفترة ثانية لأنه أخلف وعده بعدم فرض ضرائب جديدة. لكن وعلى العكس من ذلك فإذا ما حصل أي تهديد للمصالح القومية فإن المعادلة سوف تنقلب ولن يتمكن الرئيس من طلب التجديد إذا ما ظهر بموقف المتخاذل وغير القادر على حماية المصالح الوطنية، وهنا نذكر مثال الرئيس كارتر الذي خسر الانتخابات لأنه ظهر بموقف ضعيف في أزمة الرهائن في إيران وفشل في عملية إطلاق سراحهم.
  2. الانقسام الداخلي: يمر المجتمع بمرحلة انقسام داخلي شديد أقرب ما تكون من فترة الحرب في فيتنام. هذا الانقسام تعمق مع الانتخابات النصفية في العام الماضي التي فاز فيها الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلس النواب، مع احتفاظ الحزب الجمهوري بأغلبيته في مجلس الشيوخ. لقد تسبب وصول الحزب الديمقراطي إلى زعامة مجلس النواب بصداع كبير للإدارة لأن الديمقراطيين سارعوا الى القيام بجلسات تحقيق في العديد من القضايا التي مست الإدارة والرئيس، كذلك قام مجلس النواب بإقرار مسودة تشريع تقيد سلطة الرئيس في إعلان الحرب على إيران, لكن الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ لم تطرح المشروع للمداولة أو التصويت, وعلى الرغم من ذلك فإن الكونغرس يتملك صلاحيات واسعة في التأثير على سياسة الحكومة من خلال قانون الميزانية أو متابعة عمل الحكومة.
  3. تأثير العوامل الخارجية في الموقف من الأزمة: هناك العديد من العوامل الخارجية التي تؤثر في القرار الأمريكي من أبرزها الموقف الأسرائيلي وموقف الحلفاء الأوربيين وموقف جماعات الضغط، ففي الوقت الذي عارضت فيه حكومة نتنياهو الإتفاق النووي مع إيران, وإن كان ذلك ظاهرا، أصبحت الضبابية تعتري الوضع السياسي في إسرائيل بسبب الفشل في تشكيل حكومة بعد الإنتخابات السابقة مما أدى الى حل الكنسيت والدعوة الى إنتخابات جديدة مما أضعف الدور الإسرائيلي في القرار الأمريكي تجاه الأزمة، هذا الموقف سوف يتأثر بقوة بنتيجة الإنتخابات القادمة خصوصًا إذا ما خرج اليمين الإسرائيلي فائزًا بالإنتخابات بأغلبية مريحة.

الأوربيون بدورهم وضعوا ثقلهم وراء الاتفاق النووي ومازالوا يعتقدون بأنه يشكل أساسًا لحل الأزمة ربما بإعادة النظر في بعض بنوده. هذا الموقف أحدث هوة بين أمريكا وحلفائها بدأت مع القرار الانفرادي الذي اتخذه الرئيس ترامب بالإنسحاب من الاتفاق، وتعمقت مع محاولة الأوربيين إيجاد وسيلة للإلتفاف على العقوبات الأمريكية على إيران، الأمر الذي دفع بالرئيس ترامب إلى التحذير من مغبة ذلك. الجبهة الأوربية ربما تشهد مزيدًا من التصدع مع وصول بوريس جونسون لرئاسة وزراء بريطانيا وهو القريب من دونالد ترامب وأفكاره، والذي من المتوقع إن يتخذ خطوات سريعة للإقتراب من المواقف الأمريكية وخصوصًا فيما يتعلق بالأزمة، لأن بريطانيا في مرحلة ما بعد بريكست ترغب بالعودة إلى مناطق نفوذها القديمة.

بالنسبة لجماعات الضغط العاملة في واشنطن هناك العديد منها التي تهتم بالأزمة وتدفع بمواقف الجهات التي تمولها، وتأثيرها يختلف بإختلاف قربها أو بعدها عن الإدارة وصناع القرار، وهنا لابد من ذكر الجهود الكبيرة التي تبذلها جماعة "مجاهدي خلق" التي تمتلك موارد وإمكانيات كبيرة سخرتها في سبيل بناء علاقات قوية مع العديد من المسؤولين وفي مقدمتهم مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو والعديد من أعضاء الكونغرس والإعلام. هذه المنظمة تدعو إلى تغيير النظام، لكن قدرتها على التأثير الفعلي في السياسة غير واضحة.

خلاصة القول إن الأزمة مفتوحة على المجهول نتيجة التصعيد العسكري وغياب الحراك الدبلوماسي الذي يعمل على تحقيق رغبات أطراف الأزمة، مع أنها بأمس الحاجة إليه بسبب تعدد الأطراف والقوى الفاعلة فيها واختلاف نوايا كل منها وتعارض مصالحها. وبغض النظر عن التطورات في جبهات الأزمة السياسية والعسكرية والدبلوماسية فما هذه الأزمة إلا حلقة في مسلسل النزاعات تحمل في رحمها بذور أزمات قادمة سوف تكون نتيجتها المزيد من الإستنزاف لمقدرات المنطقة وتآكل سيادة دولها من دون استثناء. ولن يخرج المنطقة من دوامة العنف والخراب إلا نهضة تنموية تجمع ولا تفرق وتبني ولاتهدم، أساسها خيرات المنطقة وقدرات أبنائها، تؤسس على المشترك وتنبذ الخلاف، نواتها الأولى سوق اقتصادية تجمع دول الخليج بالإضافة إلى العراق واليمن وترتبط بعلاقة تكاملية خاصة مع إيران وتركيا وسوريا والأردن ولبنان وباقي دول العالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سفير العراق الأسبق لدى المملكة العربية السعودية واليابان. مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية

مجلة آراء حول الخليج