; logged out
الرئيسية / خارطة طريق كازاخية ـ سعودية عبر اللجنة المشتركة و فريق عمل لتفعيل التعاون

العدد 142

خارطة طريق كازاخية ـ سعودية عبر اللجنة المشتركة و فريق عمل لتفعيل التعاون

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

كانت المملكة العربية السعودية من بين أول الدول التي اعترفت باستقلال جمهورية كازخستان في ديسمبر 1991م، ولقد أسست الدولتان علاقات دبلوماسية في أبريل 1994م، كما افتتحتا سفارتيهما في الفترة 1996-1997م، الأمر الذي وضع أسس التعاون الثنائي اللاحق. ومنذ تلك الفترة، طورت كل من كازاخستان والمملكة العربية السعودية التعاون الثنائي بشكل فعال وذلك في القطاعات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والإنسانية. كما تبادل الطرفان الزيارات الرسمية على مستويات متنوعة؛ وتشمل تلك الزيارات زيارة أول رئيس لكازخستان نور سلطان نزارباييف عام 1994 و2004 و2016م، إلى جانب عدد من الزيارات التي قام بها رؤساء الوزارات والهيآت الحكومية الأخرى، ومن ناحية أخرى، يستند الإطار القانوني للعلاقات الكازاخستانية-السعودية إلى 14 وثيقة ثنائية تغطي عددًا من المجالات [وزارة الخارجية الكازاخستانية، 2019].

ولطالما كانت المملكة العربية السعودية نشطة في دعم التحولات السياسية والاقتصادية الجارية في كازاخستان المستقلة، والتي تشمل: مبادرة الرئيس نزارباييف الطموحة لتحويل عاصمة البلد الصغير من مدينة ألماتي إلى أستانا (التي تسمى اليوم نور سلطان)، كما قدمت المملكة مساعدات ملموسة من أجل تحولها من مدينة إقليمية إلى عاصمة, فعلى سبيل المثال: قدمت المملكة منحة (تزيد عن 15 مليون دولار) من أجل إنشاء مبنى مجلس الشيوخ، وهو المجلس الأعلى للبرلمان الكازاخستاني [كازاخستان اليوم 2006، وزارة الخارجية الكازاخستانية 2019]. وعلاوة على ذلك، ساعدت المملكة العربية السعودية في تمويل إنشاء بعض المنشآت الاجتماعية الهامة في مختلف أنحاء كازاخستان، مثل: مركز البحوث القومي لجراحة القلب في أستانا، ومستشفى مرض سل الأطفال في مدينة سيمي، ومسجد في بيتروبافلوفسك، إلى جانب المشاركة في الطريق السريع بين أوساكاروفوكا- فشنفكا، كما وردت المملكة المعدات إلى مركز البحوث القومي للأمومة وصحة الأطفال ومركز بحوث طب الأطفال وجراحة طب الأطفال [كازنفورم 2016، ساتوبالدينا 2017].

ومنذ استقلالها، أظهرت كازاخستان اهتمامها الشديد بتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، إلى جانب تنفيذ مشروعات الاستثمار المشتركة مع المملكة العربية السعودية. ولقد أسس الطرفان اللجنة الحكومية الدولية الثنائية بشأن التعاون التجاري والاقتصادي والثقافي والإنساني والعلمي والتقني، التي عقدت عددًا من الاجتماعات حتى يومنا هذا، في كل من نور سلطان والرياض. ومع ذلك، لا يتماشى المستوى الحالي للتعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري مع المملكة-مع الإمكانات الحالية للدولتين التي ما تزال غير مستغلة، إذ لا يزال عدد من عروض المشاريع التي تقدر بعدة ملايين قيد الدراسة. وفي الفترة بين عامي 1996 وم2015، بلغ حجم الاستثمارات السعودية في كازاخستان 94 مليون دولار فقط، بينما لم تبلغ التجارة المشتركة على مدى تلك الفترة سوى 268 مليون دولار، حيث كانت الصادرات الكازاخستانية في الأساس عبارة عن المواد الخام وشبه المصنعة [كازنفورم 2016 ب]. وفي نفس الوقت، فإن حركة العلاقات التجارية غير مستقرة إلى حد كبير، ويرجع ذلك جزئيًا الى خفض قيمة العملة الوطنية في كازاخستان، حيث وصل التبادل التجاري إلى 16.3 مليون دولار، وارتفع بحوالي ثلاثة أضعاف ليصل إلى 44.3 مليون دولار في 2016م، لكنه سرعان ما انخفض إلى 23.2 مليون دولار في 2017م، كما واصل الانخفاض إلى نحو 19.4 مليون دولار في 2018م، [لجنة الإحصاءات 2019]. ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي الموقعة بين حكومات كازاخستان والمملكة العربية السعودية في 2011م، لم تدخل حيز التنفيذ إلا عام 2016م، ويمكن النظر إلى القضايا المستعصية مثل: الصعوبات اللوجستية على أنها السبب وراء عدم تطور التجارة بين البلدين على نحو مرضِ. ومع ذلك، لا تزال المملكة العربية السعودية واحدة من الشركاء التجاريين الأساسيين في الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد، فمن المتوقع أن يساعد الزخم الناشئ عن العلاقات الكازاخستانية-السعودية عقب زيارة الرئيس نزارباييف إلى المملكة في أكتوبر 2016 م، في التغلب على العقبات الحالية وتحسين التعاون الثنائي المتواضع. وخلال تلك الزيارة، وقع الطرفان عقودًا بقيمة حوالي 200 مليون دولار، وتشمل مشروعات مشتركة في النفط والغاز، والصناعات المعدنية والكيماوية، إلى جانب إنشاء معمل دواجن في جنوب كازاخستان، ومرفق إنتاج غذائي في منطقة أكمولا. ومن أجل تعزيز التبادل التجاري ومضاعفة التعاون الاقتصادي، اتفقت كل من كازاخستان والمملكة العربية السعودية على وضع خارطة طريق من خلال اللجنة الحكومية الدولية وكذلك إنشاء فريق عمل لتفعيل التعاون بين القطاعات. ولعل أهم الاتفاقيات المبرمة خلال تلك الزيارة هي الاتفاقية بشأن إنشاء صندوق استثماري مشترك من أجل تمويل المشروعات التعاونية في كازاخستان، الذي من شأنه كذلك أن يساهم في زيادة التبادل التجاري بين الدولتين. إضافة إلى ذلك، وقعت كل من كازاخستان والمملكة العربية السعودية اتفاقية حول التعاون في استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية [مهمة أستانا 2016].

ولقد تم تأكيد الاهتمام السعودي في كازاخستان مرة أخرى من خلال مشاركة المملكة في معرض اكسبو الدولي المتخصص لعام 2017م، المقام تحت عنوان "الطاقة المستقبلية" في أستانا في الفترة يونيو-سبتمبر 2017م. كما تولت مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة مسؤولية تحضير الجناح السعودي، بالتعاون مع الهيآت الحكومية وشركات الطاقة الخاصة التابعة للدولة [عرب نيوز 2017]. ولذلك، كان معرض إكسبو 2017 م، الذي أقيم في أستانا بمثابة فرصة مثالية للمملكة حتى تبين للمجتمع الدولي عزمها على تنويع مصادر الطاقة واستبدال الوقود الحفري بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح النظيفة والمستدامة بحلول 2040م، وعلاوة على ذلك، ضاعفت المشاركة السعودية في الحدث من تبادل الخبرات والتكنولوجيا والمعرفة الفنية المتعلقة بالطاقة المتجددة، كما زادت من اهتمام الشركات السعودية، مثل: أكوا باور، بالاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة في كازاخستان [بيليني 2018].

ويبدو أن هناك عدد من المجالات والصناعات التي يمكن لكل من كازاخستان والمملكة العربية السعودية مضاعفة تعاونهما الاقتصادي الثنائي خلالها بما يخدم مصالحهم المشتركة. وفي الوقت الحالي، يتعاون الطرفان في قطاع الطاقة من خلال اتفاقية أوبك بلس بهدف تحقيق استقرار أسعار النفط العالمية، في محاولة لإدخال التنسيق والقدرة على التنبؤ في هذه العملية. وفي نفس الوقت، تمتلك الدولتان كل الإمكانات لنقل تعاونهم في الطاقة إلى ما هو أبعد من النفط والغاز؛ أولاً: يمكنهم التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، عبر الاستفادة من وضع كازاخستان كونها أكبر منتج دولي لليورانيوم الطبيعي، ويمكنهم كذلك تطوير الإمكانات النووية المدنية بشكل مشترك. ثانيًا: نظرًا للإمكانات الحالية من الطاقة المتجددة في كلا البلدين إلى جانب تطلعاتهم طويلة الأمد لتطوير مصادر طاقة بديلة، يمكن للطرفين إطلاق مشروعات مشتركة بهذا المجال، خاصةً مع الأخذ في الاعتبار تعامل كازاخستان المميز مع تلك الاستثمارات.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن قطاع الإنتاج الغذائي والصناعات الغذائية التحويلية أحد المجالات الأخرى الواعدة بالتعاون الاستثماري، ففي الوقت الحالي، تنفذ كازاخستان برنامج واسع النطاق يهدف إلى تطوير الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية، ومن الممكن أن تغدو المملكة العربية السعودية سوقًا واعدًا للصادرات الكازاخستانية من المنتجات الغذائية، على سبيل المثال: لحم الضأن، طالما عمل الطرفان على تسوية المسائل المتعلقة بشهادة المنتج. ويقع مقر المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي (IOFS) التي تم إنشاؤها خلال مبادرة الرئيس نزارباييف في بلدة نور سلطان، ما من شأنه دعم المساعدة في تعزيز نمو الصناعة الزراعية الكازاخستانية وكذلك التعاون الكازاخستاني-السعودي في هذا المجال. وتسعى المنظمة الإسلامية للأمن الغذائي لتعزيز التعاون مع منظمة التعاون الإسلامي من أجل ضمان سلامة الغذاء لدولها الأعضاء.

ويمكن كذلك لكازاخستان والمملكة العربية السعودية أن يكثفا من تعاونهما في القطاع المالي، ولا سيما مع الأخذ في الاعتبار أن كازاخستان هي أول دولة في رابطة الدول المستقلة تتبنى التشريعات المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية في البنوك. وكان البنك الإسلامي للتنمية الذي يقع مقره في جدة قد ساهم بالفعل في تعزيز الاقتصاد الكازاخستاني ورفاهيته الوطنية، حيث تخطت كلفة المشاريع المشتركة 1.3 مليار دولار، مع وجود خطط لمزيدٍ من الاستثمارات [مهمة أستانا 2016، كاونفورم 2016]. كما أن هذا البنك منفتح على التعاون مع مركز أستانا المالي الدولي، إذ تقوم أنشطة هذا المركز على مبادئ القانون الإنجليزي، مدعومةً بنظام الضرائب التفضيلي ومحكمة مالية مستقلة. كما يمكن للدولتين أن يتعاونا سويًا في سبيل إنشاء النظام الأيكولوجي لقطاع التمويل الإسلامي متسارع النمو.

وثمة قطاعات أخرى تقدم فرصًا كبيرة للشراكة المثمرة المتبادلة بين دوائر الأعمال الكازاخستانية والسعودية، كالاستكشاف الجيولوجي والتعدين والنقل والخدمات اللوجستية والاتصالات والأدوية والسياحة. إلخ. بوسائل منها: مشاركة رجال الأعمال السعوديين في برنامج خصخصة المشروعات الصناعية الكازاخستانية المملوكة للدولة. وبالتالي، فمن المهم تعزيز التعاون الوثيق والمستدام بين" غرفة أتامكن الوطنية لرواد الأعمال التابعة لكازاخستان" و"غرفة التجارة والصناعة السعودية". وفي هذا الصدد، فمن المتوقع أن يصبح مجلس الأعمال الكازاخستاني-السعودي المنشأ حديثًا-آلية ناجحة لدعم المستثمرين المحتملين من كلا البلدين.

وبعد النجاح في خلق مناخ استثمار مواتٍ واحتلال مراكز عليا في تصنيف الأعمال التجارية الذي يجريه البنك الدولي، فإن كازاخستان مستعدة لمنح كافة الأفضليات المتاحة لرجال الأعمال السعوديين، على النحو المنصوص عليه بموجب التشريع الدولي، وتشمل الإعفاء من الأرض، والملكية، وضرائب دخل الشركات. وعلاوة على ذلك، فإن برامج التنمية الاستراتيجية لكل من كازاخستان والمملكة العربية السعودية، ممثلة في استراتيجية كازاخستان 2050، ورؤية السعودية 2030، تعتبر برامج متكاملة، وهي توفر أساسًا متينًا للتنمية المستقرة والمستمرة للعلاقات التجارية والاستثمارية. وخلاصة القول: إن كازاخستان والمملكة العربية السعودية تمتلكان إمكانات هائلة لتعزيز تعاونهما الاقتصادي استنادًا إلى الثقة والمنفعة المتبادلتين، والأمر يرجع إلى المسؤولين الإداريين والحكوميين ورجال الأعمال بالبلدين من أجل إفساح المجال أمام هذه الإمكانات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير المعهد البحثي الأوروبي

 

مجلة آراء حول الخليج