; logged out
الرئيسية / أربعة خيارات للرد على إيران تبدأ بالمزيد من العقوبات وتنتهي بهجوم إلكتروني

العدد 142

أربعة خيارات للرد على إيران تبدأ بالمزيد من العقوبات وتنتهي بهجوم إلكتروني

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

في وقت مبكر من السبت14 سبتمبر 2019م، هاجمت طائرات مُسيَّرة وصواريخ، أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم، والتي تقع في السعودية، وحقل نفط رئيسيًا تديره شركة أرامكو السعودية، وتسبب في اندلاع حريق هائل في معالج بالغ الأهمية لإمدادات الطاقة العالمية. وما زالت التحقيقات تبحث في تحديد عدد الطائرات المسيَّرة والصواريخ التي ضربت منشآت النفط، والتحقق منها لمعرفة هويتها وأصولها والتكنولوجيا المستخدمة فيها ومن يمتلكها.

على إثر ذلك أغلقت المملكة العربية السعودية نصف طاقتها الإنتاجية من النفط، أو 5.7 مليون برميل يوميًا من النفط الخام -أي ما يعادل 5٪ من الإنتاج العالمي اليومي للنفط. واعتُبِر أن ما أسفرت عنه تلك الهجمات بمثابة أكبر اضطراب في إمدادات النفط في التاريخ.

كيف نُفِّذت الهجمات؟

لا تزال الصورة التي تمت بها الهجمات غير مكتملة المعالم، ولكن وسائل الإعلام تنقل عن بعض المصادر مسؤولية الحوثيين في اليمن، أو تتهم إيران بالتورط في هذه العملية. وتقول مصادر أخرى إنه لا توجد أي قرائن على الإطلاق تشير إلى أن هذه الصواريخ جاءت من جنوب المملكة العربية السعودية، خاصة اليمن. وتؤكد أن بعض الصواريخ فشلت في إصابة أهدافها، وسقطت في الصحراء قبل وصول وجهتها، حيث حقول أرامكو في بقيق، وأن حالتها جيدة بدرجة كافية لتحديد أصلها وهويتها. وإن محققين أمريكيين خبراء في الأسلحة وصلوا المملكة وتبعهم آخرون من الأمم المتحدة ثم من فرنسا لمساعدة المحققين العسكريين السعوديين في تحديد عدد الصواريخ التي ضربت منشأتي نفط لأرامكو، والتحقق منها لمعرفة هويتها. ويعكف الخبراء على تحليل الحدث، وجمع المعلومات المتاحة من صور الأقمار الصناعية وشهود العيان وفحص بقايا القذائف.

واللافت هو الدقة التي اتسمت بها الضربات كما أبانتها صور الأقمار حتى وصفها البعض بالدقة "الجراحية"، وسواء كانت الأدوات طائرات مسيَّرة، أو صواريخ طوافة (كروز) على ارتفاعات منخفضة، أو كليهما فإن تساؤلات تبرز عن التكنولوجيا المتطورة التي تحقق بها ذلك، وما دور العامل البشري في التنفيذ؟، ومن يمتلك هذه الإمكانات؟ ولماذا لم نسمع عن دفاعات تكتشف عناصر الهجوم وتتصدى لها؟ إن منشآت النفط بطبيعتها تحتوي المادة القابلة للاشتعال، وهي إذًا معرضة إذا وصلتها شرارة الإشعال، وبمعنى آخر تكفي حمولة صغيرة لإحداث الضرر إذا نجحت في اختراق وسائل الأمان ووصلت لهدفها.

الآثار الاقتصادية على المملكة العربية السعودية والعالم

أدت هجمات الطائرات المسيَّرة ضد حقلي بقيق وخريص في 14 سبتمبر في المملكة العربية السعودية إلى اضطراب أسواق النفط، وبالتالي الاقتصاد العالمي، وهددت صورة الوفرة في إنتاج النفط والطاقة التي نتجت عن غزارة الإنتاج الأمريكي للغاز الصخري. وقد تتكلف المملكة العربية السعودية مئات الملايين من الدولارات في اليوم الواحد إذ أدَّت الهجمات إلى توقف 5.7 مليون برميل من إنتاج النفط الخام يوميًا يمثل عائدها أكثر من 200 مليون دولار، وهو أكثر من نصف الناتج الإجمالي للمملكة، ويمثل أعلى معدل إنتاج بعد الولايات المتحدة وروسيا. يعتمد الاقتصاد السعودي على أرباح مبيعات تصدير النفط التي تبلغ قيمتها حوالي 23٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لأرقام البنك الدولي.

من المرجح أن يؤدي الإنتاج المتوقف في واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم إلى ارتفاع أسعار الخام على المدى القريب. ومن المأمول أن يؤدي تنشيط احتياطيات النفط الاستراتيجية الأمريكية وغيرها من اقتصادات أوبك (منظمة البلدان المصدرة للنفط) التي تتدخل لرفع الإنتاج إلى تخفيف ظروف العرض إلى حد ما. وحتى إذا استؤنفت الإمدادات جزئيًا، فإن التهديد بشن المزيد من الهجمات أو حتى مجرد القلق من احتمالات التعرض مجددًا للهجمات سيزيد من تفاقم المخاطر الجيوسياسية وانعكاسها على أسعار النفط.

يمكن للمملكة سحب احتياطاتها البالغة 188 مليون برميل لسد الفجوة. وأفادت الأنباء أن مليوني برميل من الطاقة الإنتاجية قد عاد ضخها بالفعل، ويقول المسؤولون السعوديون إن الطاقة الكاملة ستستعاد خلال أسابيع. وصرح وزير المالية السعودي محمد الجدعان بأن إيرادات ميزانية المملكة لن تتأثر بالهجوم الذي تعرضت له منشآت شركة أرامكو وتسبب في تعطيل واسع للإنتاج. وقال إن الهجوم "لا يوجد له أي تأثير في الجوانب المالية والاقتصادية". وفيما يتعلق بطرح أرامكو، قال إن الطرح العام للشركة يسير كما هو مخطط له، وسيتم على الأرجح خلال الاثنى عشر شهرًا المقبلة.

أذن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستخدام احتياطيات الخام الاستراتيجية الأمريكية بعد الهجمات على السعودية، وتمتلك الولايات المتحدة أكبر مخزون استراتيجي من الخام في العالم، كما أفادت الإمارات بأن لديها طاقة إنتاج نفط فائضة لتعويض الأسواق.

وتتطلع أسواق النفط الآن إلى تقييم السعودية للأضرار، وبناء عليه سيتم معرفة مدى تأثير الهجمات على إمدادات النفط العالمية، ويرى وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أن هناك مخزونات تجارية من الخام كافية لتعويض النقص في الإنتاج، الذي تشهده السعودية.

ومؤخرًا كشف وزير الإعلام السعودي، تركي بن عبد الله الشبانة، عن عودة الإمدادات البترولية من المملكة لما كانت عليه، بفضل الجهود الكبيرة التي بذلتها شركة أرامكو السعودية لتجاوز آثار العمل التخريبي السافر على منشأتي النفط في بقيق وخريص، منوهًا بسرعة استجابة شركة أرامكو وتفعيل نظام الطوارئ وكفاءة وتفاني العاملين فيها من مواطنين ومقيمين مما كان له الدور الكبير في تجاوز الأزمة.

الميزان العسكري وامتلاك القوة

تتكرر الهجمات على جنوب السعودية، ولكن المملكة نجحت في إسقاط الكثير من الصواريخ والطائرات المسيرة، فأسقطت أكثر من 230 صاروخًا باليستيا أُطلِقَت عبر اليمن، ولم يصل أي صاروخ إلى هدفه، كما أسقطت عشرات الطائرات المسيَّرة، لكن الأمر هنا يتعلق بعمليات إرهابية قد تنجح بعض منها في الوصول إلى أهدافها، لا ننسى أننا نتحدث هنا عن مرفق اقتصادي وليس منطقة عسكرية، كما أنها بعيدة عن الحدود.

اتجهت الدول إلى تخصيص ميزانيات ضخمة لبناء قوات جوية حديثة مدعمة بالتكنولوجيات المتقدمة رغبة في إحراز تفوق عسكري حاسم في أي صراع تقريبًا، لكن الطائرات المسيَّرة الصغيرة والرخيصة، قوّضت هذا المبدأ خاصة في ميادين القتال بالشرق الأوسط.

وفي تقرير لصحيفة "الجارديان": إن الطائرات المسيَّرة أحدثت خلال الأشهر الثلاثة الماضية تأثيرًا كبيرًا في العراق وسوريا ولبنان، وحاليا في السعودية، حيث توقف نصف إنتاج المملكة من النفط بفعل غارة لم يصاحبها إطلاق صافرات الإنذار، إذ يبدو أنها تمكنت من تفادى أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدما في المنطقة. واعتبرت الصحيفة أن الهجمات تمثل تحذيرًا استراتيجيًا واضحًا بأن عصر التفوق بالمقاتلات (ذات المحركات النفاثة) انتهى، وأن الطائرات المسيَّرة الآن أصبحت جزءًا لا يتجزأ من قائمة التسليح لدى أكثر الجيوش تقدمًا في المنطقة. كما أن تنظيمات مسلحة سعت للحصول عليها، إذ يصعب رصدها ويمكن استخدامها كسلاح في الحرب.

لا يمكن لأنظمة الدفاع الصاروخي الحديثة أن تفعل شيئًا لوقف سرب الطائرات المسيَّرة والصواريخ الطوافة التي ضربت بعض أهم الهياكل النفطية، لقد تم تصميمها للتعامل مع التهديدات المختلفة – ولكنها لم تُجَهَّز لهذا النوع من التهديد.

ويتساءل محللون عن مدى قدرة المملكة على درء أي هجمات مستقبلية ويربطون ذلك بشدة على استعداد دونالد ترامب لعقد صفقة مع إيران. تسعى القوات المسلحة السعودية جاهدة للحماية من ظهور تهديدات رخيصة منخفضة التقنية مثل الطائرات المسيرة. وأنفقت المملكة مليارات الدولارات في السنوات الأخيرة على صواريخ باتريوت الأمريكية والمصممة لإسقاط أهداف عالية التحليق كالطائرات أو الصواريخ البالستية، وليس التعامل مع الطائرات المسيرة والصواريخ الطوافة التي تحلق على ارتفاعات منخفضة للغاية تمنع اكتشافها برادارات نظام باتريوت الأرضية.

بعد أكبر هجمات على الإطلاق تعرضت لها منشأتا نفط سعوديتان أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، إرسال تعزيزات عسكرية أمريكية دفاعية إلى الخليج بطلب من السعودية والإمارات، وقيل إن عملية نشر القوات ستتضمن عددًا متواضعًا من الجنود لن يصل إلى آلاف وستكون ذات طبيعة دفاعية بصفة أساسية. ونشر البنتاجون بشكل مفصل خطط التعجيل بتسليم معدات دفاعية لكل من السعودية ودولة الإمارات.

وقررت المملكة الانضمام للتحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية. وذلك في إطار مساندة الجهود الإقليمية والدولية لردع ومواجهة تهديدات الملاحة البحرية والتجارة العالمية وضمان أمن واستمرار تدفق إمدادات الطاقة للاقتصاد العالمي والإسهام في حفظ الأمن والسلم الدوليَّيْن.

الطائرات المسيَّرة أداة جديدة للحرب

ورغم العقوبات المتعددة التي تخضع لها إيران في مختلف المجالات لكنها نجحت في إنتاج طائرات مسيَّرة تحمل أسلحة متقدمة إلى حد ما. فقد كشفت طهران عن الطائرة المسيَّرة (شاهد 129) عام 2012م، وقد لجأت إليها في تنفيذ هجمات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. ودشنت إيران نموذجًا أكثر تطورًا يحمل اسم (مهاجر 6) عام 2018م.

من الواضح أن تكنولوجيا الطائرات المسيَّرة المسلحة قد انتشرت على نطاق واسع.ومن المفارقات أن إحجام الولايات المتحدة عن بيع الطائرات المسيَّرة المتقدمة لحلفائها لم يحدَّ من انتشارها، لأن الصين تدخلت لتسويق تكنولوجيا مماثلة على نطاق واسع. وتتسم الطائرات المسيَّرة بأنها رخيصة، ويمكن بكل سهولة شراؤها من خلال الإنترنت أو متاجر الإلكترونيات، فيما تتراوح أسعار المقاتلات بين ملايين ومئات ملايين الدولارات.

ساعد استخدام الطائرات المسيَّرة في ضرب الأهداف على نشوء نوع جديد من أدوات الحرب، مما أدى إلى عدم وضوح الخط الفاصل بين الحرب والسلام، إذ أتاحت إمكانية ضرب أهداف محددة مع آثار جانبية محدودة (على الأقل إذا كانت المعلومات الاستخباراتية التي توجهها صحيحة). وقد بدت مصممة خصيصًا على زعم محاربة الإرهاب، ولكن جرى تهيئتها لتشعل الصراع غير المتكافئ في المنطقة بين اللاعبين المتقدمين تقنيًا والأقل تقدمًا.

يبدو أن الهجوم الذي استهدف منشآت النفط السعودية، سلط الضوء على الأسلوب والتقنيات المستخدمة في أسراب من الطائرات المسيَّرة والصواريخ الطوافة تصل قيمتها بالكاد إلى مليون دولار في مواجهة الدفاعات الجوية للمملكة التي كلفت مليارات الدولارات. وبينما تقول السعودية إنها نجحت في التصدي والدفاع عن نفسها أمام الصواريخ الباليستية، يبدو أن مجموعة من الطائرات المسيَّرة والصواريخ الطوافة كانت كافية لتعطيل 5% من إنتاج النفط العالمي. ويقول محللون إن الطائرات المسيَّرة الصغيرة توضح مدى صعوبة الأمر بالنسبة للدول، حتى مع وجود ميزانيات دفاع ضخمة تستثمر في هذه القدرات المتطورة.

ولمزيد من إلقاء الضوء على الأسلحة التي اخترقت دفاعات السعودية بهجوم أرامكو، يشار إلى أنه بالرغم من تسلح الجيش الإسرائيلي بأحدث وأسرع الطائرات والأسلحة الدقيقة، لكنه تحول لاستخدام أسطول من الطائرات المسيَّرة لضرب أهداف في سوريا، وتتميز الطائرات بالقدرة على تفادى أجهزة الرادار، وهو ما يثير حالة من الغموض حول المسؤول عن الهجمات، الأمر الذي يفيد سياسة قادة إسرائيل الهادفة لمنع تحول الحرب غير المعلنة مع إيران إلى صراع مفتوح. كذلك طوَّرت إيران أسطولها من الطائرات المسيَّرة، معتمدة على تكنولوجيا حصلت عليها من طائرة أمريكية أسقطتها قبل 4 أعوام.

بدا الحطام الصاروخي الذي عرضه السعوديون في مؤتمر صحفي وكأنه صاروخ "القدس-1" الإيراني، الذي يتراوح مداه أقل من 1000 كيلومتر، وربما أقل من 500 كيلومتر. ولذا يُحتَمَل أنه أطلق من العراق أو إيران، ولكن بالتأكيد ليس من اليمن. طبقًا لصور الأقمار الصناعية كان هناك حول بقيق، أربعة أنظمة دفاعية على الأقل ذات مدى قصير مصممة للتعامل مع الأهداف الأصغر، وربما لم تنجح في اكتشاف الطائرات والصواريخ المهاجمة أو التعامل معها. وعبر أحد المسؤولين بقوله "هذا الهجوم كان شيئًا جديدًا، ولم يكن شيئًا يتوقع السعوديون حدوثه".

تداعيات الهجوم المسلح في نطاق منطقة الخليج

أعلنت جماعة الحوثي اليمنية المتهمة بالتحالف مع إيران مسؤوليتها عن الهجمات. ولكن ذلك أمر لا يمكن تصديقه لأن حجم وحنكة ومدى تلك الهجمات لا يتوافق مع إمكانيات تلك الجماعة. ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على صادراتها النفطية تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بشكل كبير. وظل المسؤولون الإيرانيون لأشهر يوجهون تهديدات مستترة قائلين إنه إذا مُنعت إيران من تصدير النفط فلن تستطيع دول أخرى أن تفعل ذلك أيضًا.

أشار مسؤولون أمريكيون إلى جنوب غرب إيران بوصفه المنطقة التي شُن منها الهجوم وهو تقييم اعتمد جزئيًا على الأقل على صور مازالت سرية تظهر على ما يبدو إيران وهي تتأهب لهجوم جوي. ولكن إيران نفت أي دور لها في سلسلة من الهجمات التي وقعت في الآونة الأخيرة ومن بينها تفجير ناقلات في الخليج وهجمات أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها.

تشعر الولايات المتحدة بالقلق من جرِّها إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، خاصة أن إيران تتمتع بنفوذ قوي في سوريا والعراق ولها هناك قوات تعمل بشكل علني. ويخشى المسؤولون الأمريكيون من احتمال أن يحاول وكلاء إيران مهاجمة القوات الأمريكية هناك وهو أمر قد يشعل بسهولة صراعًا إقليميًا أوسع.

قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إن هجوم 14 سبتمبر على منشأتي أرامكو النفطيتين في السعودية، يشكّل تصعيدًا كبيرًا للعدوان الإيراني. واستجابة لطلب السعودية وافق الرئيس ترامب على إرسال قوات أمريكية ستكون ذات طبيعية دفاعية وتركز بشكل أساسي على الدفاع الجوي والصاروخي. وأضاف إسبر: "سنعمل أيضًا للتعجيل بتسليم معدات دفاعية للسعودية والإمارات لتعزيز قدراتهما على الدفاع عن نفسيهما".

وصرح ترامب بأنه يعتقد أن ضبط النفس عسكريًا أظهر حتى الآن "قوة" وأنه سيفرض سلسلة أخرى من العقوبات الاقتصادية على إيران. وقال للصحفيين في البيت الأبيض: إن أسهل شيء يمكن أن أفعله أن أقول نعم امضوا قُدُمًا. دمروا 15 هدفا رئيسيًا في إيران. ولكني لا أتطلع لفعل ذلك إذا كان بوسعي.

وهذا الإعلان يغلق الباب أمام أي قرار وشيك لشن هجمات انتقامية ضد إيران عقب الهجمات التي أدت إلى توتر الأسواق العالمية والكشف عن ثغرات كبيرة في الدفاعات الجوية السعودية.

القدرات الدفاعية في الخليج

قالت السعودية إنها تعرضت في المجمل لهجمات من قبل 25 طائرة مسيرة من طراز (دلتا وينج) وصواريخ طوافة من طراز (يا علي). وأفاد رئيس هيأة الأركان الأمريكية المشتركة جوزيف دانفورد بأن المسؤولين ما زالوا يبحثون أفضل مجموعة من القدرات للدفاع عن السعودية، مشيرًا إلى صعوبة التصدي لسرب من الطائرات المسيرَّة، فلن يكون بوسع نظام واحد أن يتصدى لمثل هذا التهديد، ولكن استخدام قدرات دفاعية متعددة المستويات سيحد من خطر أسراب الطائرات المسيَّرة أو الهجمات الأخرى التي قد تأتي من إيران.

ولطالما تعاملت السعودية مع هجمات متكررة من اليمن بصواريخ باليستية، وفي كثير من الأحيان نجحت دفاعاتها في التصدي لها. ومن بين الأسلحة التي استخدمها الحوثيون، صاروخ “قدس1” الذي يُعتقد أنه أحدث معظم الأضرار وهو يعتمد على تصميم سوفييتي من سبعينيات القرن الماضي، حيث كشف المتمردون الحوثيون في اليمن النقاب عنه في يوليو الماضي، لكن لم يكن مداه كافيًا لضرب شرق المملكة العربية السعودية من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

وتظهر صور الأقمار الصناعية أن السعوديين كان لديهم بعض الدفاعات بالقرب من الأهداف، مثل أنظمة صواريخ باتريوت المضادة، لكن معظم دفاعاتهم كانت موجهة نحو اليمن والخليج، في حين يبدو أن الهجوم جاء من الشمال.

وتمتلك السعودية أيضًا دفاعات قصيرة المدى حول البنية التحتية الحيوية، لكنها مصممة للتعامل مع الطائرات، وليس مع الطائرات المسيَّرة أو الصواريخ الطوافة التي تطير على ارتفاعات منخفضة.

ويقول خبراء الحد من التسلح إن الإيرانيين درسوا الدفاعات السعودية وطوروا صواريخ ذات مدى وقدرة بحيث تتجنب الكشف كما تلحق أضرارًا كبيرة عند وصولها لأهدافها، وهكذا فالجمع بينها وبين الطائرات المسيَّرة رخيص وفعال.

ويبدو أن الطائرات المسيرة باتت مشكلة عالمية، إذ بدأ تنظيم داعش في العراق باستخدامها خلال معركة الموصل، وأيضًا أرسل المسلحون في سوريا في العام الماضي، أسرابًا من الطائرات المسيَّرة لمهاجمة قاعدة جوية روسية.

واستجاب جيش الولايات المتحدة لهذا التهديد بنشر المزيد من صواريخ (ستينجر) بين قواتها البرية، لكن العديد من الخبراء يقولون إن (القبة الحديدية) الإسرائيلية هي الدفاع الأكثر فعالية ضد هذا النوع من الأسلحة المستخدمة في هجوم أرامكو، ولكن من غير المرجح أن يبيع الإسرائيليون مثل هذه التكنولوجيا الثمينة لدولة عربية.

ذكر أن البنتاجون يفكر في إرسال بطاريات مضادة للصواريخ وطائرات مسيَّرة ومزيد من الطائرات المقاتلة إلى المنطقة. كما تدرس الولايات المتحدة أيضًا الإبقاء على حاملة طائرات بالمنطقة لأجل غير مُسمَّى.

احتمالات رد الفعل الأمريكي

يبدو أن هناك أمام أمريكا أربعة خيارات ليس من بينها استخدام القوة. الخيار الأول هو فرض مزيد من العقوبات على إيران، وقد أضرت العقوبات الحالية بالفعل بمعظم قطاعات الاقتصاد الإيراني، وخاصة إنتاجها من النفط. والخيار الثاني هو العمل على بناء تحالف لوضع خطة لردع الإيرانيين والرد على تصرفاتهم العدوانية. ويذكر أن الإمارات العربية المتحدة ستنضم إلى الجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة للقيام بدوريات في الممرات البحرية القريبة من إيران لحماية الشحن. ومن المُعتقد على نطاق واسع أن إيران قصفت ناقلات النفط وتواصل الاستيلاء على سفن أجنبية، بما في ذلك ناقلة بريطانية في يوليو الماضي. الخيار الثالث ما أعلنته الإدارة الأمريكية عن إرسال مئات من القوات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية في محاولة لردع أي عدوان إيراني محتمل. ويبدو القرار كإجراء دفاعي، لكنه قد يصبح هجومًا إذا استمرت طهران في هجماتها. أما الخيار الرابع على ما يبدو فهو التفكير في شن هجوم إلكتروني على إيران. وعلى سبيل المثال يمكن لذلك أن يلحق أضرارًا جسيمة بأجزاء من قطاع النفط الإيراني دون الحاجة إلى إطلاق قنابل عليها مما يضرب اقتصاد طهران. وينظر إلى هذه الخطوة على أنها أقل تصعيدًا من العملية العسكرية وهي عادة تحاط بالسرية. وقد حقق الأمريكان بالفعل نجاحًا في الهجمات الإلكترونية عندما نفذوا خطة أعاقت قدرة الجمهورية الإسلامية على استهداف ناقلات المياه القريبة. لا تزال إيران تكافح حتى بعد شهرين لإعادة بعض أجهزة الكمبيوتر إلى الإنترنت.

إن نتيجة هذه الخطة المكونة من خطوتين أو ثلاث خطوات هي أن الحرب الشاملة تبدو مطروحة الآن. هذه إشارة جيدة لأولئك الذين لا يريدون رؤية صراع قد يصبح أسوأ بكثير من العراق. والواضح أن العداء بين الولايات المتحدة وإيران ليس قريبًا من نهايته، هو حاليًا يتصاعد فقط. لذا فإن الوضع مستقر نسبيًا الآن، ولكن هناك الاحتمال بأن يزداد الوضع سوءًا بمرور الوقت.

ملاحظات ختامية

 

  • تثير الدقة التي أصيبت بها الأهداف النفطية تساؤلات عن مدى تقدم التكنولوجيات المستخدمة سواء في الطائرات المسيَّرة أو الصواريخ الطوافة، فهل يمتلك الإيرانيون أو الحوثيون هذه التكنولوجيات؟ وهل سيُعطي المحققون تصورًا مُقنعًا حول الطريقة التي تمت بها الضربات؟ وهل الأقمار التي تغطي المنطقة لم تسجل من أين أطلقت هذه الطائرات والصواريخ وماذا كانت مساراتها.
  • ليس في مصلحة الخليج أو إيران قيام حرب شاملة في المنطقة، فالأصول النفطية والمنشآت هنا وهناك مُعرَّضة ومُهدَّدة، ولابد أن هناك قوى مستفيدة ترى في المنطقة حقلا للتجارب، وتبغي إضعافها وابتزاز ثرواتها ضمن مسلسل ربيع عربي لم يكتمل، ويشهد الكل ضحاياه في أنحاء الشرق الأوسط الجديد.
  • لا بد من البحث عن وسائل دفاعية فعالة لاكتشاف ومراقبة الطائرات المسيَّرة والصواريخ الطوافة في مساراتها القريبة من الأرض، وتدميرها إذا مثلت تهديدًا للأهداف الحيوية الهامة.
  • وفي انتظار إجابة قاطعة عن المسؤول عن هجمات أرامكو التي تنفي إيران الضلوع فيها، لابد من البحث عن سبل للتوافق والسلام في اليمن.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أكاديمي ــ جمهورية مصر العربية

 

توزيع وحدات صواريخ باتريوت في السعودية

 

 

آثار التدمير في وحدة للنفط

 

 

مقالات لنفس الكاتب