; logged out
الرئيسية / مواقف الاتحاد الإفريقي من الأزمات العربية متفاوتة من حيث الاهتمام والآليات

العدد 143

مواقف الاتحاد الإفريقي من الأزمات العربية متفاوتة من حيث الاهتمام والآليات

الأربعاء، 06 تشرين2/نوفمبر 2019

تجمع دول القارة الإفريقية وجارتها من الدول العربية الكثير من الروابط التي تعبر عما أسفر عنه التقارب والتداخل الجغرافي من تأثيرات على تطور العلاقات بين الدول والشعوب في المجموعتين، حيث ساهم هذا التقارب في تدعيم العلاقات التعاونية ونبذ الخلافات بينهما، وظهرت مواقف للدعم والمساندة المتبادلة بين الجانبين خلال العديد من الأزمات، حيث لم تنحصر هذه المواقف على الدول والحكومات بل تجاوزتها إلى مواقف كانت التنظيمات الجماعية مسرحًا لها.

فعلى الرغم من الانتكاسات التي أصابت تاريخ العلاقات العربية الإفريقية، مع ارتباط الدور العربي في إفريقيا بتجارة الرقيق، إلا أن التطورات السياسية في القارة الإفريقية خلال القرن العشرين قدمت فرصة ذهبية لتغيير التصورات الإفريقية عن الدور العربي في إفريقيا، فقد دعمت الدول العربية نظيرتها الإفريقية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين في سعيها للتحرر من الاستعمار والسياسات العنصرية، كما أيدت تشكيل تجمعات إقليمية في القارة كان من أهمها تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963م.

وفى المقابل حرصت الدول الإفريقية على الاهتمام بالتطورات التي يشهدها العالم العربي، ليس من قبيل محاولة الحد من التهديدات التي قد يسفر عنها التقارب والتداخل الجغرافي، في ظل وجود نصف عدد الدول العربية في القارة الإفريقية، ولكن أيضًا في إطار دعم الاستقرار في العالم العربي.

وكانت العقود الأخيرة شاهدة على الدعم والمساندة المتبادلة بين المجموعتين، حيث لعبت التنظيمات الإقليمية دورًا رئيسيًا في التعبير عن هذا الدعم، وساهمت جهود المنظمة القارية في تحديد المواقف الإفريقية من العديد من القضايا العربية، مما كان له بالغ الأثر على تقوية الروابط المشتركة بين العالم العربي والقارة الإفريقية.         

حيث ساهمت مجموعة من المحددات في تفسير المواقف الإفريقية التي عبرت عنها المنظمة القارية إزاء القضايا العربية، ومن هذه المحددات طبيعة العلاقات العربية الإفريقية وتطورها عبر التاريخ، وكذلك الدور الذى لعبه القادة العرب من دول الشمال الإفريقي وفى مقدمتهم الرئيس جمال عبدالناصر في دعم القضايا الإفريقية وخاصة قضايا التحرر الوطني والتنمية و تأسيس المنظمة القارية، فلم تلعب بلدان شمال إفريقيا أدوارًا حيوية في تشكيل منظمة الوحدة الإفريقية فحسب، بل لعبت أيضًا أدوارًا قيادية ومحورية في إعادة هيكلتها وبلغت ذروتها في تأسيس الاتحاد الإفريقي.كما دعمت هذه الدول إحياء التعاون العربي الإفريقي الذي من شأنه أن يؤدي إلى عقد القمة الإفريقية العربية لمناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك بين العالمين، وصياغة وتنفيذ خطط التنمية الإفريقية على النحو المنصوص عليه في الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (NEPAD)، وهي ذراع اقتصادي للاتحاد الإفريقي.

وفى هذا الإطار ظهرت مبادرات إفريقية مختلفة قادتها المنظمة القارية للتعبير عن مواقف دول القارة من العديد من القضايا العربية، حيث كان للقضايا والأزمات المشتركة نصيب متميز من هذه المبادرات، في حين لم تتخل المنظمة عن مواقفها الداعمة للقضايا العربية الكبرى وفى مقدمتها القضية الفلسطينية. وكذلك الأزمات التي شهدتها العديد من الدول العربية خلال العقد الأخير في إطار ما عرف بالربيع العربي.

ويسعى التقرير الحالي إلى محاولة البحث في أبعاد الدور الإفريقي في القضايا والأزمات العربية الراهنة، مع التركيز على هذه الأبعاد في إطار العمل الجماعي الإفريقي المشترك متمثلا في المنظمة القارية.

ويمكن توضيح هذه الأبعاد فيما يلي:

أولاً – تطور الاهتمام الإفريقي بالقضايا العربية

ارتبطت إفريقيا والعالم العربي بنمط متقلب من الروابط الاقتصادية والثقافية منذ القرن التاسع الميلادي وحتى القرن العشرين. فقد لعب العرب حتى هذا الوقت دورين رئيسيين في إفريقيا: أولاً بوصفهم شركاء في الاستعباد الإفريقي حتى أواخر القرن التاسع عشر، ثم في القرن العشرين كحلفاء في التحرير الإفريقي، وخلال السنوات القليلة الماضية، قاموا ببناء هذا التحالف في إطار شراكة سياسية تهدف إلى الحفاظ على جبهة قوية. وكانت العلاقة بين العرب والأفارقة غير متناظرة إلى حد كبير، حيث عادة ما يكون العالم العربي هو المانح، وعادة ما تكون القارة الإفريقية هي المتلقي.

وتركز التعاون الإفريقي العربي في الخمسينيات والستينيات على الدعم المتبادل بين الشمال (العربي) وإفريقيا جنوب الصحراء في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية (OAU). ضد الفصل العنصري والاستعمار، في حين شهدت السبعينيات من القرن الماضي دعم دول إفريقيا جنوب الصحراء للحقوق العربية في الصراع العربي الإسرائيلي مما أدى إلى سلسلة من قطع العلاقات الدبلوماسية بين العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مع إسرائيل، وعقد القمة العربية الإفريقية في عام 1977 ([1]).

كما شهدت الأمم المتحدة تنسيقًا عربيًا إفريقيًا متناميًا منذ سبعينيات القرن العشرين، تصاعد مع أحداث المنطقة بدءًا من الحرب العراقية الإيرانية، ثم الغزو العراقي للكويت، وتطورات القضية الفلسطينية، وما شهدته الدول الإفريقية من تداعيات انهيار النظام الدولي.

فقد احتلت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي نقطة محورية في العلاقات العربية الإفريقية حتى مطلع تسعينيات القرن العشرين حيث برزت قضايا جديدة تجمع الجانبين، وتغير الموقف الإفريقي تبعًا لقوة الموقف العربي دوليًا وإقليميًا، وموقف الدول العربية من القضايا الإفريقية، وكذلك نصيب القارة الإفريقية من المساعدات والمعونات العربية.

فبينما اتسمت حقبة السبعينيات بالتأييد الإفريقي للقرارات الأممية المؤيدة للحق الفلسطيني، وقطعت كثير من الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل، تغير هذا الموقف بدءًا من أواخر السبعينيات بسبب الانقسام العربي، واختلال التوازن على الصعيد الدولي لغير مصلحة الدول العربية.

ومع بداية عقد التسعينيات تصاعدت أهمية قضايا أخرى مثل الموقف من الغزو العراقي للكويت، والعلاقة بإيران، والموقف الإفريقي من قضايا مثل اتفاقيات التجارة الدولية وقضايا التسلح النووي في الشرق الأوسط.

فقد أيدت الدول الإفريقية قرارات مجلس الأمن التي أصدرها بشأن الحرب العراقية الإيرانية، وإن كانت آثرت الحياد الإيجابي من حيث الممارسة الواقعية العملية، داعية إلى تسوية الصراع بالطرق السلمية والمحافظة على العلاقات بين الدولتين. وتكرر هذا الموقف مع الغزو العراقي للكويت، فأيدت الدول الإفريقية القرارات الأممية الرافضة للغزو، مع فرض الحظر العسكري على العراق والمقاطعة الاقتصادية له، إلا أن الدول الإفريقية لم تشارك بقوات التحالف الدولي لتحرير الكويت سوى النيجر (600 فرد) والسنغال (500 فرد).

كما رفضت الدول الإفريقية الغزو العراقي ومبرراته وبادرت منظمة الوحدة الإفريقية وكذلك عدد من الدول الإفريقية منذ اليوم الأول للغزو ، إلى إصدار بيانات، تعبر عن هذا الرفض، حيث أصدرت المنظمة القارية بيان في 2 أغسطس 1990م، لإدانة الغزو العراقي للكويت، حيث تضمن هذا البيان إدانة للغزو باعتباره يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ويشكل تهديدًا إضافيًا لوضع السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وطالبت المنظمة الحكومة العراقية بانسحاب قواتها الفوري من كافة الأراضي الكويتية، على أن يعمل الطرفان على تسوية نزاعهما بالوسائل السلمية . كما ناشدت المنظمة الجماعة الدولية باللجوء إلى كافة الوسائل التي تملكها من أجل الحفاظ على سيادة الكويت ووحدته الإقليمية.

وفيما يتعلق بقضية التسلح النووي بمنطقة الشرق الأوسط، والمساعي الدولية لجعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية فيلاحظ وجود توافق عربي إفريقي بشكل عام إزاءها ([2]).

كما أدان الاتحاد الإفريقي، مع جميع أعضائه وقتها الـ 52، الغزو الأمريكي للعراق، وكانت غينيا والكاميرون وأنجولا قد حصلت على مقاعد في مجلس الأمن، وفي خضم محادثات التبرعات المالية الأمريكية كان من المحتمل أن تصوت بالموافقة على قرار الأمم المتحدة للحرب ضد العراق، ولكن رفضت الدول الإفريقية هذا الغزو. ووردت احتجاجات كبرى في عدد من العواصم والمدن الإفريقية القاهرة والإسكندرية؛ الرباط، مومباسا -كينيا؛ مقديشو -الصومال؛ نواكشوط - طرابلس؛ ويندهوك - ناميبيا ؛ جوهانسبرغ وكيب تاون - جنوب إفريقيا.

ثانيًا – القضايا العربية الراهنة والدعم الإفريقي

عبر اتجاه القادة الأفارقة لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عن حاجة الدول الإفريقية للوحدة والتكتل في مواجهة الأطماع الخارجية، بإقامة تنظيم قاري يدافع عن مصالح دول القارة الإفريقية بأكملها ويعمل على تحقيق الاستقرار بين أرجائها، على أن يضمن هذا التنظيم تنفيذ المبادئ التي توافقت حولها كافة الدول الإفريقية بعد سنوات من الاستعمار والعنصرية، وتمكن القادة الأفارقة من تأسيس هذا التنظيم في مايو 1963 م.

حيث عملت المنظمة القارية منذ نشأتها باعتبارها الممثل الرئيسي للمواقف الإفريقية إزاء الأزمات والقضايا في العالم، وحظيت قضايا العالم العربي على اهتمام كبير من جانب المنظمة القارية، فمن ناحية جاء هذا الاهتمام ردًا على الاستجابة العربية للقضايا الإفريقية فقد لعبت دول الشمال الإفريقي دورًا حيويًا في مساندة قضايا التحرر الوطني في إفريقيا، كما قدمت العديد من الدول العربية مساعدات اقتصادية لدعم التنمية في الدول الإفريقية، ومن ناحية أخرى، حظيت القضايا المشتركة بين الجانبين على اهتمام كبير من المنظمة القارية، وتحديدًا فيما يتعلق بالأزمات في الدول العربية الإفريقية، ومن ناحية ثالثة، سعت المنظمة القارية إلى تحديد مواقفها من القضايا والأزمات العربية تطبيقًا للمبادئ الحاكمة للميثاق والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، ودعمًا للدور الإفريقي على المستوى الإقليمي والدولي .

ومن أهم القضايا التي أولتها المنظمة القارية اهتمامها ما يلي:

1-    القضية الفلسطينية

منذ نشأة المنظمة القارية في عام 1963م، أولت هذه المنظمة أهمية خاصة للقضية الفلسطينية، واعتبرت مناهضة العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية جزءًا لا يتجزأ من مناهضة الاستعمار والعنصرية في القارة الإفريقية وفى العالم كله، فحظيت فلسطين بتمثيل دائم على أعلى مستوى في القمم الإفريقية.

وكان لهذا الدعم تأثيره على العلاقات الإسرائيلية – الإفريقية والتي تعود إلى بداية الخمسينيات من القرن الماضي؛ حيث عاشت هذه العلاقات ربيعها المزدهر حتى حرب 1967م؛ وأدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن، آنذاك، إلى تغيير صورة إسرائيل، من دولة فتية ومسالمة، في نظر الأفارقة، إلى دولة قوية عدوانية وتوسعية.

وشكّلت حرب 1967م، بداية مراجعة لدى بعض الدول الإفريقية، وبداية مسار لقطع العلاقات شمل آنذاك أربع دول فقط هي غينيا، وأوغندا، وتشاد، والكونغو برازفيل.

وعقب حرب أكتوبر 1973م، عمدت الدول الإفريقية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بشكل جماعي بقرار ملزم صادر من منظمة الوحدة الإفريقية؛ حيث قطعت 31 دولة علاقتها مع تل أبيب. إلا أن بعض الدول الإفريقية بدأت في إعادة علاقاتها مع إسرائيل بشكل فردي إثر توقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1978 ([3]).

وكان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، سبق خلفه محمود عباس بحضوره الدائم في قمم الاتحاد الإفريقي، كما منح الاتحاد الإفريقي فلسطين صفة دولة مراقب، في حين رفض منح إسرائيل الصفة نفسها، رغم مطالبها المتكررة بهذا الشأن، آخرها كانت من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عام 2016م.

واتخذت المنظمة القارية العديد من القرارات الداعمة للحقوق الفلسطينية، وفي معظم اجتماعاتهم، ساند القادة الأفارقة الفلسطينيين في رؤيتهم للحل النهائي للصراع على أساس مبدأ حل الدولتين، رافضين الحلول المنقوصة لدولة مؤقتة، والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. كما اعتبروا أن "السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط يتطلب انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة إلى حدود يونيو1967".

فقد دعت القمة المنعقدة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1990م، الولايات المتحدة الأمريكية إلى استئناف الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية، لتحقيق تقدم جدي في عملية السلام في الشرق الأوسط. وعقد مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة، وبمشاركة جميع الأطراف المعنية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية. وخلال القمة الإفريقية في ديربان بجنوب إفريقيا عام 2002م، أعرب الاتحاد عن تضامنه الكامل ودعمه للرئيس المنتخب للسلطة الوطنية قائد الشعب الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. كما طالب الاتحاد الإفريقي حينها بالوقف الفوري للحصار الوحشي الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على الرئيس عرفات في رام الله. ودعا القادة الأفارقة إلى تصعيد الجهود الدولية والمساعدة لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية التي دمرها الجيش الإسرائيلي.

وفي عام 2013م، خلال القمة الحادية والعشرين للاتحاد الإفريقي في إثيوبيا، رحب القادة الأفارقة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة منح دولة فلسطين صفة "المراقب غير العضو" بالمنظمة الدولية، ومنح الاتحاد الإفريقي فلسطين مركز مراقب، معربًا عن دعمه للنضال الفلسطيني من أجل إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية. كما رفض الاتحاد الإفريقي استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش زيارته العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ضمن جولته الإفريقية في يوليو 2016 م.

ومنذ عام 2013م، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يخاطب الاتحاد، وهي خطوة تعتبرها إسرائيل خطأ كبيرًا لأنها تحتاج إلى دعم الدول الإفريقية الـ 54 لدفع أجندة التوسع الخاصة بها في الأراضي الفلسطينية ([4]).

وفي ختام قمته الـ٢٩ في أديس أبابا في يوليو 2017م، ناشد الاتحاد الإفريقي جميع الدول الامتناع عن أي إجراء من شأنه تقويض الحل النهائي القائم على حل الدولتين، خصوصًا نقل السفارات أو البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس المحتلة. ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية في حدود يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية؛ تطبيقًا لمبدأ حل الدولتين، وقرار الأمم المتحدة رقم 194 بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين.

وأكد أن كل المستوطنات المقامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان "غير شرعية"، داعيًا مجلس الأمن إلى تحمل مسئولياته في توفير الحماية للشعب الفلسطيني الأعزل من آلة بطش الاحتلال، تطبيقا للقوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

وأعرب عن رفضه الحصار البري والبحري المفروض من قبل إسرائيل على غزة، ما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني بالقطاع، وطالب برفع جميع القيود المفروضة عليه فورًا.

وفي القمة نفسها، طالبت الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بمقاطعة البضائع والسلع التي يتم إنتاجها وتصديرها من المستوطنات المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية ([5]).

كما أصدر الاتحاد الإفريقي بيانًا في ديسمبر 2017م، أدان فيه القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وأكد خلال البيان أن هذا القرار يفاقم من التوترات في منطقة الشرق الأوسط وغيرها، ويزيد من تعقيد المساعي الرامية لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأكد على تضامن الاتحاد الإفريقي مع الشعب الفلسطيني ودعمه في سعيه المشروع لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية.

2-    أزمات التحول الديمقراطي

مثلت التطورات التي شهدتها الدول العربية مع نهاية عام 2010م، اختبارًا حقيقيًا لقدرة الاتحاد الإفريقي على تحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها وفى مقدمتها نشر الاستقرار والأمن بين ربوع القارة، وكذلك التعامل مع القضايا العربية الإفريقية المشتركة وفقًا للمبادئ التي طورها القادة الأفارقة في القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، فقد بدأت تطورات ما عرف بالربيع العربي من الشمال الإفريقي وامتدت إلى دول عربية أخرى.

وكانت الأزمة الليبية من أكثر الأزمات التي كشفت عن العديد من التحديات التي تواجه عمل المنظمة القارية في سعيها لتنفيذ مبادئها على أرض الواقع.

فقد جاءت تحركات الاتحاد الإفريقي في الأزمة الليبية محاطة بعدد من الاعتبارات، التي عملت على تراجع فاعليه المنظمة القارية ودورها في استعادة الاستقرار في ليبيا، فمن ناحية، تأثرت قرارات المنظمة بالعلاقات القوية التي كانت تربط بين الرئيس معمر القذافي والقادة الأفارقة وخاصة أن الرئيس القذافي كان له دور ريادي في تأسيس الاتحاد الإفريقي، ولعبت ليبيا في عهده دورًا حيويًا على مستويات عدة. ومن ناحية ثانية، اصطدمت المنظمة القارية بأن التطورات التي تشهدها دول الشمال الإفريقي وغيرها من الدول العربية تتناقض مع أحد المبادئ المهمة للمنظمة وهي رفض التغييرات غير الدستورية للحكومات.

وفى إطار هذه الاعتبارات ظل الاتحاد الإفريقي يعاني من الاتهام بأن أعماله في ليبيا كانت مدفوعة بالرغبة في حماية نظام العقيد القذافي، وأنه عمل على تأخير الاعتراف بالسلطات الليبية الجديدة لإجبارها على إدراج مؤيدي الزعيم الليبي السابق في الحكومة الجديدة، في الوقت الذي حرصت فيه الدول الغربية على استبعاد الاتحاد الإفريقي من كافة الفاعليات الخاصة بتسوية الأزمة الليبية.

وفى يناير عام 2016م، أعلن الاتحاد الإفريقي في قمته السنوية في أديس أبابا عن تبنيه مجموعة من الخطوات بشأن الملف الليبي منها تشكيل مجموعة إقليمية لمساعدة ليبيا في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكذلك مساعدتها في مواجهة تنامي تنظيم "الدولة الإسلامية"، وتضم تلك المجموعة في عضويتها خمسة رؤساء دول.

كما قام الاتحاد الإفريقي بتعيين ديليتا محمد ديليتا (رئيس وزراء جيبوتي السابق) مبعوثًا خاصًا للاتحاد إلى ليبيا، ثم أعقبه تعيين الرئيس التنزاني السابق "جاكي كيكويتي" في المنصب نفسه .

وفي بيان صدر عقب اجتماع وزاري نظّمه المغرب على هامش الاجتماعات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، أبدى مجلس السلم والأمن الإفريقي قناعته بضرورة الانخراط الفعلي والعاجل للاتحاد الإفريقي في البحث عن حل سياسي دائم للأزمة في ليبيا. ولذلك، أعرب المجلس عن دعمه “تعيين مبعوث مشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة إلى ليبيا” ([6]).

أما الأزمة اليمنية وهي تعبر عن أزمة عربية لها تأثيراتها على الجانب الإفريقي بحكم الجوار الجغرافي وكذلك الروابط التاريخية والثقافية بين اليمن ودول إقليم شرق إفريقيا، يضاف إلى ذلك أن مشاركة العديد من الدول الإفريقية وانخراطها في الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015 م، يعكس اهتمامًا إفريقيًا بدعم أحد أطراف الصراع في مواجهة الطرف الآخر، هذا فضلًا عن ما تسببت فيه هذه الحرب من زيادة التدافع والتسابق لبناء القواعد العسكرية في دول القرن الإفريقي، وعلى الرغم من كون اليمن تعد أول عضو عربي مراقب في الاتحاد الإفريقي إلا أن المنظمة القارية لم تصدر قرارات جماعية ذات أهمية تعبر عن موقفها من الأزمة اليمنية وتركت تقدير الموقف الإفريقي للدول الأعضاء بصورة فردية . في الوقت الذي اقترح بعض الباحثين اليمنيين انسحاب الدول الإفريقية وعدم مساندتها للتحالف العربي قد يسهم في تسوية الأزمة في اليمن ([7]).

وفيما يتعلق بالأزمة السورية فلم تبعد مواقف الاتحاد الإفريقي عن الشجب والتنديد بالأوضاع الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري منذ سنوات، وقد أصدر الاتحاد الإفريقي بيانًا في أبريل 2018م، أدان فيه بشدة أي استخدام للأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة المحظورة بموجب القانون الدولي. وأن أي رد على هذه الأفعال يجب أن تستند إلى أدلة لا تقبل الجدل يجمعها كيان مختص ومستقل وذو مصداقية ويمتثل امتثالاً صارمًا للقانون الدولي، بما في ذلك أولوية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد "عانى الشعب السوري طويلا. في مواجهة هذا الوضع المؤلم، فإن مسار العمل الوحيد المعقول هو تكثيف الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي دائم قائم فقط على مصالح الشعب السوري واحترام السلامة الإقليمية لسوريا" ([8]).

كما باشر الاتحاد الإفريقي عن قرب التطورات التي شهدتها الاحتجاجات خلال الشهور الأخيرة في كل من السودان والجزائر، حيث لعب الاتحاد دورًا حيويًا من خلال ممثله في تسوية مشكلات الاحتجاجات في السودان في حين لم يظهر هذا الدور بعد في التطورات في الجزائر، فكان الاتحاد الإفريقي راعيًا لاتفاق تقاسم السلطة الذي تم توقيعه في السودان في أغسطس الماضي.

-         3 -الأزمة القطرية

مع تصاعد الأزمة الدبلوماسية التي ضربت منطقة الخليج، حيث اتجهت أربع دول عربية إلى قطع علاقاتها مع قطر منذ 5 يونيو 2017م، مما أدى إلى عزلتها عن جيرانها الذين يتهمونها بدعم الجماعات الإرهابية.

أصدرت مفوضية الاتحاد الإفريقي بيان في يوم الجمعة 16 يونيو 2017م، أكدت خلاله أنه على أعضاء مجلس التعاون الخليجي، على سبيل الاستعجال، إشراك بعضهم البعض من خلال الحوار للتوصل إلى حل سريع للأزمة.

وقال البيان إن رئيس الاتحاد الإفريقي، السيد موسى فكي، بينما يعرب عن قلقه إزاء هذه التطورات يؤكد أنه إذا لم تتم معالجة هذا الصدع بسرعة، فقد يكون له تأثير سلبي سياسي وأمني وإنساني على دول الخليج والقارة الإفريقية وعلى السلام والاستقرار الدوليين.

حيث برزت الآثار الأمنية للأزمة في منطقة القرن الإفريقي في عودة التوتر الحدودي بين إريتريا وجيبوتي. وزعمت جيبوتي أن إريتريا قد بدأت في نشر قوات إلى منطقة متنازع عليها في انتهاك للقانون الدولي. تم إخلاء المنطقة المعنية من قبل القوات القطرية في أعقاب دعم جيبوتي للمملكة السعودية.

ودعت إثيوبيا والصومال إلى الحوار للمساعدة في حل هذا المأزق، لكن معظم الدول الإفريقية دعمت المملكة وحلفاءها. واتخذت مصر وموريتانيا والسنغال وتشاد والحكومة الشرقية في ليبيا وكذلك الجابون موقفًا مؤيدًا للسعودية والإمارات والبحرين. كما أعلن المغرب أنه سيرسل مساعدات غذائية إلى قطر التي قطعها الجيران. كما تم حظر شركات الطيران التابعة لها من استخدام المجال الجوي للجيران، كما تم حظر الجزيرة.

وأعرب الرئيس الغيني، ألفا كوندي، عن استعداده قيادة جهود الوساطة في الموقف بصفته رئيس للاتحاد الإفريقي خلال عام (2017) ([9]).

كما دعا كوندي في كلمة لدى افتتاح القمة الإفريقية التاسعة والعشرين، التي عقدت في يوليو 2017م، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إلى ضرورة أن تتحدث الدول الإفريقية بصوت واحد بشأن الأزمة الخليجية. وشدد في كلمته، التي حضرها أكثر من 20 رئيس دولة وعدد من نواب الرؤساء الأفارقة، على ضرورة إنهاء الأزمة الخليجية بشكل سلمي.

كما أجرى اتصال مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أعرب خلاله عن دعمه لمساعي أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الرامية إلى حل الأزمة عبر حوار بناء بين جميع الأطراف قائم على الجهود الدبلوماسية.

ثالثًا – استنتاجات

وأخيرًا يمكن القول، أن المنظمة القارية في إفريقيا ممثلة في الاتحاد الإفريقي كان لديها الكثير من الأهداف على مستوى دول القارة وأقاليمها المختلفة، كما أنها تواجه العديد من التحديات في إطار عملها وتنفيذ مبادئها، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من الدول الإفريقية من تفجر الصراعات الداخلية، وما تسفر عنه من تداعيات مادية وإنسانية، هذا فضلاً عن انتشار الفساد والتنافس الدولي والإقليمي على ثروات القارة.

ولذلك جاءت مواقفها فيما يتعلق بالقضايا والأزمات العربية متفاوتة من حيث درجة الاهتمام وآليات التحرك، وتركزت المواقف على القضايا والأزمات التي تخص الدول العربية الإفريقية بل تحملت على عاتقها أزمات بعينها ولعبت فيها أدوارًا بارزة تتجاوز الموقف العربي منها، وفى هذا الإطار تبرز الأزمة الصومالية، وكذلك معالجة الاحتجاجات الأخيرة في السودان، والاهتمام بلعب دور حيوي في الأزمة الليبية.

وفى المقابل تعاملت المنظمة القارية بصورة أقل اهتمامًا مع الأزمات العربية الأخرى وخاصة الأزمات الجديدة مثل الأزمة السورية والتطورات في العراق على الرغم من الدعم الذي كان العراق يقدمه للدول الإفريقية في الماضي.

في حين ظلت الثوابت الإفريقية قائمة إلى حد بعيد فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية، حيث ترتبط هذه الثوابت بمراحل الكفاح الإفريقي في مواجهة الاستعمار والعنصرية، إلا أن هذه الثوابت لم تمنع عددًا من الدول الإفريقية من تطوير علاقاتها مع إسرائيل والاستفادة من الاستثمارات والتعاون مع هذه الدولة خلال السنوات الأخيرة، كما تركت المنظمة الأزمة اليمنية للمواقف الفردية للدول الإفريقية دون أن تحرص على اتخاذ موقف جماعي من هذه الأزمة.

وجاء الاهتمام الإفريقي بالأزمة القطرية كنتاج لما أسفرت عنه هذه الأزمة من تداعيات سلبية داخل الدول الإفريقية، وكانت المشكلات التي واجهتها الصومال مثالًا واضحَا على هذه التداعيات، حيث تحول إقليم شرق إفريقيا وأجزاء أخرى من القارة إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول العربية.  

 

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش

 

([1])Ali A. Mazrui, Black Africa and the Arabs, July 1975 , https://www.foreignaffairs.com/articles/africa/1975-07-01/black-africa-and-arabs

[2])) عرض كتاب العلاقات الخليجية الأفريقية لمؤلفه د. محمد عاشور ، عرض / شرين يونس ، 10/10/2010 ، الجزيرة نت .

[3])) دبلوماسي: الاتحاد الأفريقي يرفض استقبال نتنياهو‎ لأنه يعتبر إسرائيل دولة احتلال وعنصرية، 8 يوليو 2016، https://www.raialyoum.com/index.php/%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D9%81%D8%B6-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8/

([4]) Mildred Europa Taylor, Why Palestine is an African Union member and Israel is not, https://face2faceafrica.com/article/why-palestine-is-an-african-union-member-and-israel-is-not

[5])) داوود عبدالرؤوف ، سياسة من عرفات إلى عباس.. الاتحاد الأفريقي وفلسطين دعم لا ينضب، 2019/2/9 ، https://al-ain.com/article/palestine-african-union

[6])) عودة الاتحاد الأفريقي إلى الأزمة الليبية تربك غسان سلامة ، 29/9/2019 ، https://alarab.co.uk/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%83-%D8%BA%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9

([7]) Radhya Al-Mutawakel, Africa must help end the war on its doorstep in Yemen, 17 Sep 2019, https://mg.co.za/article/2019-09-17-00-africa-must-help-end-the-war-on-its-doorstep-in-yemen

([8]) Statement of the Chairperson of African Union Commission on Syria,

April 15, 2018 , https://au.int/en/pressreleases/20180415/statement-chairperson-african-union-commission-syria

([9]) Qatar-Gulf Crisis: AU urges speedy resolution through dialogue, 17/06/2017 , https://www.africanews.com/2017/06/17/qatar-gulf-crisis-au-urges-speedy-resolution-through-dialogue/

 

مجلة آراء حول الخليج