; logged out
الرئيسية / المنظمات الإقليمية والقضايا العربية: رؤيا الحاضر واستراتيجية المستقبل

العدد 143

المنظمات الإقليمية والقضايا العربية: رؤيا الحاضر واستراتيجية المستقبل

الأربعاء، 06 تشرين2/نوفمبر 2019

انتشرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م، ظاهرة المنظمات الإقليمية، وكانت متعددة الأهداف السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، حتى حظيت المنظمات الإقليمية بالاهتمام الأكاديمي في الجامعات الأمريكية بعد أن أصبحت الولايات المتحدة زعيمة العالم الغربي، فقد أنشئت مراكز الدراسات الإقليمية في بعض الجامعات عن الصين وبعضها عن إفريقيا وبعضها عن الشرق الأوسط، وانغمس بعضها في الارتباط بالتخطيط السياسي والاستراتيجي للحكومة الأمريكية، وقد اهتمت مراكز الأبحاث الأمريكية بالدراسات الإقليمية، كما أن بعض الشركات العملاقة مولت بعض مراكز الأبحاث الإقليمية مثل شركات البترول لأنه يهمها معرفة تطورات الأنظمة السياسية والأوضاع السياسية والاجتماعية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بل كانت بعض المنظمات الإقليمية لها أهداف استراتيجية ضمن الصراع الدولي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، كما اهتمت بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية بدراسة الأقاليم وشجعت على إنشاء المنظمات الإقليمية كما هو في تأسيس الجامعة العربية.

منظمات إقليمية: البعد الأيديولوجي والعسكري

أسست الولايات المتحدة منظمة حلف الناتو(NATO) وهو حلف عسكري، كما تأسست منظمة الدول الأمريكية(1948م) (OAS) والجماعة الاقتصادية الأوروبية التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية كتجمع اقتصادي لتجاوز الحروب بين الدول الأوروبية من خلال الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (1951م) ثم توسعت الدول التي انضمت في اتفاقية روما 1957م، والتي تحولت للاتحاد الأوروبي ((EU 1993م، بعد توقيع معاهدة ماستريخت بهولندا (1991م)، ومنظمة الوحدة الإفريقية(OAU) التي تحولت أيضًا للاتحاد الإفريقي(AU) ومجموعة آسيان (ASEAN) لتشمل عشرة دول لجنوب شرق آسيا، ومنظمة التعاون الاقتصادي 1985م، (ECO ) التي شملت عشرة دول إسلامية، وفي المعسكر الشرقي تشكل منظمة حلف وارسو(WARSAW) والكوميكون COMECON)) (1949م) كإطار تنظيمي اقتصادي للدول الشيوعية، وكل هذه المنظمات الإقليمية لها أهدافها الأمنية والسياسية والاقتصادية يرتبط بعضها بأهداف في المنطقة العربية بالذات كما هو حلف بغداد (1955) وخرجت منه العراق بعد انقلاب 14 يوليو 1958م، ( انقلاب عبدالكريم قاسم ) والذي سمي بعد ذلك بالحلف المركزي CENTO))والسنتو، ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسياSEATO).

كان تشكيل المنظمات الإقليمية، ترتبط أهدافها بإحاطة الاتحاد السوفيتي بأحلاف عسكرية، تخدم المصالح الغربية على حساب المصالح العربية والإسلامية فحلف بغداد ( المركزي فيما بعد ) كانت بريطانيا هندسته وكذلك حلف السيتو ، في الوقت الذي أنشئت إسرائيل عام 1948م، على أرض فلسطين العربية، ولذلك قادت مصر حملة قوية ضد حلف بغداد وإسقاطه، كما أن السعودية كانت ضد حلف بغداد، كما هو أيضًا حلف السيتو تجنيد دول إسلامية إيران وباكستان في تحالف ضد السوفيت كما عملت بريطانيا والولايات المتحدة في تجنيد تركيا وباكستان وإيران في الحلف المركزي، ودخول تركيا في حلف الناتو.

الإقليمية الجديدة " الاقتصاد أولاً

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء الخطر الشيوعي، عاد الاهتمام بإنشاء المنظمات الإقليمية، واختفى الجانب الأيديولوجي وسادت المصالح الاقتصادية على مستوى معظم المنظمات أو التكتلات الإقليمية في العالم، فأسست الولايات المتحدة منظمة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) 1994م، الذي يشمل المكسيك وكندا، ومنظمة منتدى المحيط الهادئ –الآسيوي ( APEC )، التي اختفت فيها الأيديولوجيا وهيمنت المصالح الاقتصادية على أعضائها، حيث ضمت 21 دولة منها الصين والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية وفيتنام واستراليا واليابان وغيرها، وتحولت منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى منظمات فرعية إفريقية يغلب عليها الطابع الاقتصادي مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، ومجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية 1992م، (SADC)، ومجموعة شرق إفريقيا 1999م، (EAC)، وفي آسيا تشكل المنتدى الإقليمي لمجموعة آسيان (ARF(1994 والتي تضم 25 دولة، ومنظمة شنغهاي للتعاون2001م، (SCO) ومنظمة رابطة جنوب آسيا للتعاون(SAARC) 1985م، والتي تضم ثمانية دول منها الهند وباكستان وبنغلادش ونيبال، وقامت أيضًا دول البلطيق التي استقلت بعد الانهيار السوفيتي بتشكيل مجلس منظمة دول بحر البلطيق 1992م، (CBSS ) والذي يضم 12 دولة، وعندما شعرت تركيا بصعوبة دخولها الاتحاد الأوروبي دفعت بتشكيل "منظمة البحر الأسود للتعاون الاقتصادي" 1992م، (BSEC) ويضم 12 دولة، بعض هذه الدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت المنظمة في تداخل اقتصادي مع الاتحاد الأوروبي مما يحقق مصالح للدول التي لا تتمتع بعضوية الاتحاد، وهو التفاف تركي على رفض عضويتها في الاتحاد الأوروبي، إنها (دبلوماسية الاختراق) لتحقيق أهدافها الاقتصادية والتجارية بدون الالتزام بشروط عضوية الاتحاد الذي رفضها.

المنظمات الإقليمية: طريق التعاون لتجنب الحروب

كان للحرب العالمية الثانية نتائج كارثية على أوروبا التي كانت مسرحًا للحرب بين الحلفاء ودول المحور، كانت تدميرًا لاقتصاد الدول المتحاربة وملايين البشر الذين قتلوا، ولذلك دعا وزير خارجية فرنسا روبرت شومان 9 مايو 1950م، إلى تعاون اقتصادي بين فرنسا وألمانيا لتجنب الحرب مستقبلا ، وتأسيس مجموعة الفحم والصلب في 1951م، على اعتبار أن التعاون في مجالات البنى التحتية للاقتصاد تدفع للتقارب بين الشعوب وتتداخل مصالح الدول الاقتصادية، وكان ذلك وفقًا للنظرية الوظيفية للعلاقات بين الدول لتجنب الحروب، وبالفعل نجحت هذه التجربة فتطورت إلى عقد اتفاقية روما حيث انضمت عدة دول أوروبية لهذه المجموعة التي أخذت تعرف بالسوق الأوروبية المشتركة وشملت ستة دول: بلجيكا، فرنسا، لوكسمبرج، ألمانيا الغربية، إيطاليا، وهولندا، وأخذت الدول تنضم لها تبعًا لتحقيق مصالحها، ففي عام 1973م، انضمت الدنمارك وأيرلندا والمملكة المتحدة للجماعة، فارتفع العدد إلى تسعة أعضاء، وانضمت اليونان 1981م، والبرتغال وإسبانيا 1986م، وتدفقت أموال الاستثمار بين الدول الأعضاء وتوفر العمل للأيدي العاملة، وشعرت كل الدول المشاركة بالمزايا الاقتصادية وحرية التنقل داخل الاتحاد، ومع سقوط جدار برلين 1989م، وانهيار الاتحاد السوفيتي 1991م، انضمت النمسا والسويد وفنلندا، ثم توسع بدخول عشر دول من أوروبا الشرقيةعام 2004م، ورومانيا وبلغاريا 2007م، حتى أصبح اليوم عدد دول الاتحاد الأوروبي 28 دولة، تتحدث 24 لغة رسمية وهناك برلمان أوروبي ومحكمة أوروبية ومجلس أوروبي وعملة اليورو للاتحاد وتنسيق في السياسة الخارجية، ورغم نتيجة الاستفتاء بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإنه يشكل قوة اقتصادية عالمية ويعزز علاقاته مع إفريقيا وأمريكا اللاتينية والصين والاتحاد الروسي والهند بعقد القمم الدورية، لتوطيد علاقاته مع التكتلات والدول، وهذا يعكس أن المصالح الاقتصادية للدول تجاوزت الخلافات والحروب، وأصبح الاعتماد المتبادل وسيلة لتحقيق السلم والاستقرار في دول شهدت حربين عالميتين، فتجاوزت التعصب القومي والخلافات المذهبية فحققت اندماجًا اقتصاديًا وتآلفا بين شعوبها بالحدود المفتوحة وحرية التنقل والتملك والإقامة والاستثمار والعمل بين هذه الدول الأعضاء رغم اختلاف العرق واللغة؟

المنظمات الإقليمية العربية: الجامعة العربية

تعتبر الجامعة العربية أقدم المنظمات الإقليمية العربية، ومن أقدم المنظمات العالمية حيث صادف إعلانها في مارس 1945م، مع توقيع ميثاق الأمم المتحدة في سان فرنسيسكو بالولايات المتحدة أبريل 1945م، وكان البعد السياسي طاغيًا على إنشاء الجامعة العربية حيث أعلن وزير الخارجية البريطانية أنطوني إيدن إبان الحرب العالمية الثانية، تصريحه الأول في 29 مايو 1941م، أن بريطانيا ستؤيد كل الـتأييد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة، وكرر إيدن تصريحه الثاني في فبراير 1943م، يعلن فيه تأييده مساعدة بريطانيا لقيام الجامعة العربية، وكانت بريطانيا تهدف إلى كسب العرب إلى جانب بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية خاصة أنها كانت تسيطر على معظم الدول العربية وبعد سقوط فرنسا على يد قوات هتلر النازية، كانت سبع دول عربية: مصر ، السعودية، العراق، الأردن، لبنان، سوريا، واليمن، وكانت عدم الثقة السياسية إحدى مشكلات الجامعة العربية، حتى في حرب عام 1948م، ورغم إنشاء قيادة عسكرية موحدة إلا أن الدراسات والوثائق أكدت أن أحد أسباب التراجع العربي فقدان التنسيق واختلاف الأهداف والتنافس، ورغم ذلك تشكل مجلس الدفاع العربي المشترك ضمن الجامعة وعقدت اتفاقية الدفاع العربي والتعاون الاقتصادي 1950م، وهي خطوة متقدمة، وعملت الجامعة العربية على استقلال دول المغرب العربي وساعدت الثورة الجزائرية وحملت القضية الفلسطينية في المحافل الدولية باعتبارها قضية العرب الأولى، وحتى أصبح عدد أعضاء الجامعة 22 دولة عربية، ورغم تأسيس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في يونيو 1957م، ومع ذلك، فإن التجارة البينية العربية (2017م) لا تتعدى 16% مقارنة بنحو 65% في دول الاتحاد الأوروبي، كما أن تكلفة التجارة البينية العربية مرتفعة مقارنة بالتجارة البينية الأوروبية. وبسبب الخلافات العربية في الستينيات من القرن العشرين، والتي أطلق عليها مالكوم كير " الحرب الباردة العربية" تراجع دور الجامعة، ولكن على إثر هزيمة 1967م، تكاتفت الدول العربية وتبنت اللاءات الثلاث في قمة الخرطوم أغسطس 1967م، وتكلفت الدول البترولية بدعم دول المواجهة، ولكن عادت الخلافات العربية وتراجع دور الجامعة بعد زيارة السادات لإسرائيل نوفمبر 1977م، وانتقل مركز الجامعة لتونس، ولكن بعد عدة سنوات عاد إلى مركزه الرئيس للقاهرة، وأدت الخلافات العربية لإنشاء تكتلات إقليمية عربية فرعية مجلس التعاون الخليجي 1981م، وفي عام 1989م، تأسس اتحاد دول المغرب العربي الذي جمد نشاطه بسبب خلافات الجزائر والمغرب حول قضية الصحراء، وتأسس أيضًا مجلس التعاون العربي 1989م، بين أربع دول عربية: اليمن، الأردن، مصر والعراق، إلا أنه ولد ميتا بسبب الاحتلال العراقي لدولة الكويت، التي تعتبر سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات العربية، وأدت إلى شلل النظام الإقليمي العربي، عندما فشلت الجامعة في حل الأزمة وتم تدويلها وانقسمت الدول العربية، وكانت كارثة على التكتل الإقليمي العربي، الجامعة العربية، وتعتبر الخلافات العربية السياسية السبب الرئيس في تراجع دول التكتل الإقليمي العربي، رغم أن الجامعة العربية لعبت دورًا نشيطًا عندما كانت القاهرة قلعة حركات التحرر الإفريقية، وعند نشوب حرب 1973م، دعمت دول منظمة الوحدة الإفريقية ( التعاون حاليًا) الدول العربية، فقبل حرب أكتوبر1973م، كانت لإسرائيل علاقات دبلوماسية مع 25 دولة إفريقية، ولكن مع يناير 1974م، تقلص هذا العدد ليصل خمس دول فقط هي : جنوب إفريقيا، ليسوتو ، مالاوي وسوازيلاند وموريشيوس، فالموقف العربي الموحد أدى إلى وقوف الدول الإفريقية ودعمها للعرب، باعتبار مصر دولة إفريقية وحاجة إفريقيا للدعم الاقتصادي العربي بعد استعمال البترول كسلاح في المعركة. ولكن عودة الخلافات العربية وموقف بعض الدول العربية من إسرائيل دفع بعض الدول الإفريقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؟

منظمة التعاون الإسلامي: تعميق الروابط والدفاع عن الحقوق  

     تحل الذكرى الخمسين لمنظمة التعاون هذا العام ففي سبتمبر 1969م، تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي، منظمة التعاون حاليًا كرد فعل على حريق المسجد الأقصى من قبل عناصر يهودية، ولمواجهة هذا العدوان دعا الملك فيصل ابن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية لقمة إسلامية وجمع فيها إيران وباكستان ومصر والمغرب وبقية الدول العربية والإسلامية، ووصل عدد منظمة التعاون حاليًا 57 دولة من أكبر التكتلات بعد الأمم المتحدة، يضم هذا التكتل 1400 مليون نسمة به الموارد الاقتصادية والطاقة وموقع استراتيجي هام بين قارات العالم، وتستطيع أن تكون مؤثرة عالميًا، وأصبحت دول المنظمة تتعاون في المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية وتأسس البنك الإسلامي للتنمية يقوم بدور فعال في مساعدة الدول الإسلامية الفقيرة والمساهمة في بناء المؤسسات الثقافية والاقتصادية، كما أن بعض الدول الإسلامية غنية بالبترول والغاز ولها دور فعال في سياسة النفط والغاز وهذا له دور في الاقتصاد العالمي، وهناك ثلاث دول إسلامية في قمة العشرين: السعودية، تركيا وإندونيسيا، وهذه الدول لها دور إقليمي وعالمي، والتعاون بين القمة و التعاون الإسلامي والجامعة العربية يخدم المصالح العربية والإسلامية.

 

علاقات دول منظمة التعاون الإسلامي مع الجامعة العربية وغيرها من تكتلات أخرى

 

 

وتعتبر منظمة دول عدم الانحياز ذات أهمية كبرى أيضًا للدول العربية والإسلامية لما لها من تأثير فيها، وساهمت في تأسيس هذه المنظمة في منتصف القرن العشرين، وكانت مصر وأندونيسيا والهند رواد منظمة عدم الانحياز، والتي تقف إلى جانب القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، وكانت الدول العربية تدعم حركات التحرر العالمي.

تشكل دول عدم الانحياز موقفًا ثالثًا بين المعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي والمعكسر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة، منظمة عدم الانحياز تمثل العالم الثالث الذي اختفى هذا التعبير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وأصبحت عدم الانحياز تمثل الدول النامية عالم الجنوب مقابل الشمال الرأسمالي الصناعي الغني. ويبلغ عدد منظمة عدم الانحياز120 دولة وهناك عشرة دول بصفة مراقب، وبالتالي تعتبر منظمة فعالة على المستوى الدولي ودول الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي أعضاء في منظمة عدم الانحياز، وتشكل في تعاون دولها تأثيرًا لخدمة مصالح هذه الدول وتفرض وجودها في النظام الدولي سواء في القضايا الاقتصادية أو السياسية والاستراتيجية من خلال مجموعة 77 ؟

                     منظمات اقتصادية إقليمية في ظل العولمة

رغم ما يقال، إن العالم أصبح قرية كونية في ظل العولمة، وتدفق الاستثمارات والبضائع عبر الدول وتراجع دور الدولة إلا أنه في ظل هذه العولمة، انتشرت المنظمات الإقليمية لأهداف أهمها الهدف الاقتصادي والأمني واختفى العامل الأيديولوجي نسبيًا إذا استثنينا الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر نفسه تكتل رأسمالي مسيحي يرفض قبول تركيا الانضمام إليه ورفض طلب المغرب، وتبقى المصالح الاقتصادية أهداف التكتلات الإقليمية الأخرى، كمنظمة بريكس BRICS التي تتشكل من: البرازيل، جنوب إفريقيا، الهند، روسيا الاتحادية والصين؟ تكتل من دول في أربع قارات تقريبًا، آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وروسيا باعتبارها دولة أوراسية؟ وعقدت قمتها الأولى عام 2001م، وهذا التكتل من خمسة دول لتحقيق مصالحها في مواجهة التكتل الرأسمالي الغربي، ولمواجهة آثار العولمة "الأمركة" وتغلغل الشركات الأمريكية في العالم، والدول العربية لها علاقات قوية مع مجموعة الدول الخمسة، والبرازيل تقود دول أمريكا اللاتينية في التعاون العربي ودول أمريكا الجنوبية (اللاتينية)، ويتمثل ذلك في القمة العربية -اللاتينية التي عقدت القمة الخامسة لها في الرياض 2017م، وكانت القمة الأولى قد عقدت في مايو 2005م، بالبرازيل، وهذا يعكس اهتمام دول أمريكيا الجنوبية بالإقليم العربي للتعاون الاقتصادي والسياسي، وهناك مواقف مهمة لدول أمريكا الجنوبية في القضايا العربية مثل كوبا وفنزويلا وبوليفيا والبرازيل وغيرها.

وتعتبر أيضًا منظمة شنغهاي للتعاون مثالاً لتكتل مضاد لتحقيق المصالح، بين روسيا والصين وبعض الجمهوريات الإسلامية مع ضم دول أخرى كمراقب وذلك لمواجهة الهيمنة الأمريكية، وتستفيد الصين من ذلك للحصول على البترول والغاز الطبيعي والتجارة مع دول آسيا وإفريقيا في ظل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين في عهد الرئيس ترامب. إن وجود دول إسلامية وأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي يشكل منفذًا للاستفادة من منظمة شنغهاي للقضايا العربية.

رؤية استراتيجية: العالم العربي والإسلامي محور عالمي

إن تراجع الولايات المتحدة وما تتعرض له من صعوبات اقتصادية، وتوجه سياسة الرئيس ترامب نحو العزلة وتراجع في علاقات واشنطن مع الاتحاد الأوروبي وأزمة علاقاتها مع الصين والتراجع من الشرق الأوسط وعلاقته المتوترة مع كوريا الشمالية، يبقى العالم العربي والإسلامي محور قوي على مستوى العالم بما يحظى به من موقع استراتيجي حيوي وهام في منطقة حافة أوراسيا الاستراتيجية أو ما يسمى بالهلال الإسلامي من غرب الصين للمغرب العربي والجزيرة العربية وجنوب آسيا، فإن العقبة الكبرى التي تحد من فعالية المنظمات الإقليمية هو الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء، فالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لها شبكات متداخلة مع المنظمات الإقليمية في إفريقيا وفي آسيا وأوروبا، ويمكن من خلال شبكة العلاقات والتداخل الاقتصادي والاستراتجي أن تحقق مزايا لتحقيق مصالحها، فالجامعة العربية سبقت الاتحاد الأوروبي، الذي بنى مؤسسات سياسية واقتصادية وقانونية، رغم اختلاف القوميات واللغات ورغم الحروب التي نشبت بين أعضائه بالحربين العالميتين الأولى والثانية وقتل الملايين فيها، ولكنها تجاوزت كل ذلك، وحققت المصالح الاقتصادية والأمن والسلام بين دولها، والدول العربية لغة واحدة وتاريخ واحد وعقيدة، وكل دولها حديثة العهد، لأنها تاريخيًا كانت ضمن دولة واحدة، وكذلك مع منظمة التعاون الإسلامي، التاريخ الإسلامي والعقيدة الواحدة والمصالح المشتركة، فإذا استطاعت تجاوز الخلافات السياسية يمكن تكون رائدة في النظام العالمي، وفي ظل انهيار الشيوعية وأزمة الرأسمالية يبقى الطريق الثالث في النظام الإقليمي العربي والإسلامي، ويمكن التأكيد على العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والحد على الأقل من خلافاتها السياسية وبناء التعاون في البنية التحتية .

ورغم حالة الضعف التي تعاني منها الجامعة العربية، فالمستقبل بالتأكيد إلى الإقليم العربي وعمقه الاستراتيجي منظمة التعاون الإسلامي، فالأنظمة السياسية في حالة تطور والعامل السياسي متغير ، ولكن الشعوب عبر التاريخ تعيد كتابة التاريخ ، فقد تتراجع في فترة ولكنها تتقدم في فترات أخرى، ظهر الاتحاد السوفيتي على أنقاض روسيا القيصرية ولكنه انهار في مدة عمر رجل واحد، وكانت بريطانيا الدولة الأولى في العالم بالقرن التاسع عشر Pax Britannica ، ولكنها تراجعت بعد الحرب العالمية الأولى، وظهرت أمريكا دولة أولى Pax Americana وهي تتراجع اليوم، ولذا تبقى المنطقة العربية وعمقها الإسلامي بتاريخها مهد الحضارات والأديان وما بها من خيرات، فإنها قادرة لتعيد تاريخها وتبقى الإقليم المؤثر والفعال بالمستقبل وحركة التاريخ تؤكد الأيام دول !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية في جامعتي الحسين بن طلال والملك عبد العزيز سابقًا

مقالات لنفس الكاتب