; logged out
الرئيسية / النظام القانوني لتسوية النزاعات داخل أطر الجامعة العربية غير فاعل

العدد 145

النظام القانوني لتسوية النزاعات داخل أطر الجامعة العربية غير فاعل

الأربعاء، 01 كانون2/يناير 2020

أنشئت الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية بهدف أساسي وهو فض الصراعات الدولية وإقرار السلم والأمن الدولي، ومن ثم، ارتبط هذا الهدف بالصراع الدولي، كون الأمم المتحدة تعتبر المطبخ السياسي الذي تدار فيه الصراعات الدولية، حيث يضطلع مجلس الأمن بالسلطة التنفيذية، وذلك من خلال إصداره للقرارات والإجراءات الخاصة بفض أي صراعات دولية تعرض عليه، وتعتبر قرارات مجلس الأمن وما يصادق عليه من إجراءات، واجبة التنفيذ. لكن الهيمنة الأمريكية على هيأة الأمم المتحدة جعلت منها أداة طيعة في يدها تخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية. واتضح توظيف الولايات المتحدة للمنظمات الدولية بجلاء من خلال تعاملها مع الأمم المتحدة وقراراتها وغيرها من المنظمات في تعاملها مع أزمات المنطقة العربية، وخصوصًا في الخليج. وتركز هذه الورقة البحثية على جامعة الدول العربية باعتبارها أهم المنظمات الإقليمية التي أسست للنظام الإقليمي العربي وعلاقتها بالأمم المتحدة في سياق أزمة الخليج الثانية (1990-1991م).

أولاً: جامعة الدول العربية: السياقات التاريخية للنشأة والغايات

برزت فكرة إنشاء كيان عربي جامع مع نهاية ثلاثينيات القرن المنصرم، ففي عام 1939م، دعا رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس القادة العرب إلى زيارة مصر لتبادل وجهات النظر حول فكرة إنشاء اتحادٍ عربي وحينها ظهر اتجاه يرغب في تشكيل اتحادٍ قوامه سوريا الكبرى، وآخر يرغب في إقامة دولة الهلال الخصيب، واتجاه ثالث كان ينشد تشكيل اتحادٍ موسع يضم الدول العربية. ومع اقتراب انتصار الحلفاء في الحرب، تكشفت نوايا الدول الغربية المنتصرة (الاستعمارية) بأنها لن تفي بوعودها بمنح الدول العربية استقلالها. بالمحصلة وبعد مشاورات متتالية؛ اعتمدت اللجنة التحضيرية لجامعة الدول العربية النسخةَ النهائية من الميثاق، ووقَّع مندوبو الدول السبع المؤسسة الميثاق في 22 مارس 1945م.

وضحت المادة الأولى من الميثاق أن الجامعة تتألف من الدول العربية المستقلة التي توقع على ميثاق الجامعة، فيما بينت المادة الثانية غايات الجامعة والمتمثلة في: "توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقًا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها". كما دعا الميثاق الدول المشتركة للتعاون الوثيق في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها من المجالات الحيوية.

ويشمل الهيكل التنظيمي لجامعة الدول العربية - League of Arab States من الأجهزة الرئيسة التالية: مجلس الجامعة, والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجالس الوزارية والأمانة العامة. وتمول إسهامات الدول الأعضاء ميزانية الجامعة، وقد أثارت وتثير مسألة تراكم المساهمات غير المسددة مناقشات حادة بين الأعضاء، ويرى الكثيرون أن تقاعس بعض الدول الأعضاء عن تسديد إسهاماتها راجع إلى دوافع تباينات سياسية لمواقف الدول الأعضاء. ويُمثِّل مجلس الجامعة أعلى سلطة في الجامعة، ويتألَّف من ممثلين للدول الأعضاء، لكلٍّ منها صوتٌ واحد, وتصدر قرارات الجماعة العربية بالأغلبية في ما يخص القضايا الإجرائية وبالإجماع فيما يخص قضايا الأمن وأعمال القسر خصوصًا تلك التي تخص أي دولة عضو في الجامعة.

ثانيًا: ميثاق الجامعة وتسوية المنازعات: قراءة نقدية

تعتبر مهمة تسوية المنازعات بوسائل سلمية من بين المهام الأساسية لأيّ منظمة دولية خصوصًا تلك التي قد تنشأ بين أعضائها، وإلَّا فإن الصراعات بين الأعضاء ستُشكِّل تهديدًا خطيرا على وحدة المنظمة. لذلك فإن هذه المسألة سيطرت على حيز واسع من مشاورات تشكيل الجامعة العربية؛ لكن مع الأسف، فإن هذا المنطق البسيط لا ينطبق على ميثاق جامعة الدول العربية ولا تاريخ المنازعات بين أعضائها.

كان التوجه العربي العام أثناء المشاورات بين الأعضاء المؤسسين للجامعة فترة صياغة الميثاق يميل إلى تعزيز الاستقلالية التامة والسيادة الكاملة للدول الأعضاء، وهذا ما ترسخ خلال حقبة التحرر من الاستعمار بأشكال، مما انعكس بالضرورة على موضوع تسوية النزاعات والتحكيم الإلزامي خلال المشاورات التحضيرية. وقد دعم حينها توجه عربي بزعامة مصر والعراق وضع مبدأ للتحكيم الإلزامي يكون له صلاحيات موسعة، وذلك للاحتكام إليه في حل نشوب نزاع بين أعضاء جامعة الدول العربية، لكن لم يتم تبني هذا الطرح من قبل الدول التي طالبت بالحفاظ على السيادة التامة للدول الأعضاء، فيما تبنى الميثاق اتجاه وسطي توافقت عليه الدول وهو أنه لا يجوز اللجوء إلى القوة لفضِّ المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، فإذا نشب بينهما خلافٌ لا يتعلَّق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفضِّ هذا الخلاف؛ كان قراره عندئذ نافذًا وملزمًا. وفي هذه الحالة، لا يكون للدول التي وقع بينها الخلاف الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته. ويتوسَّط المجلس في الخلاف الذى يُخشَى منه وقوع حربٍ بين دولةٍ من دول الجامعة وبين أية دولةٍ أخرى من دول الجامعة أو غيرها، للتوفيق بينهما. وتصدر قرارات التحكيم والقرارات الخاصة بالتوسُّط بأغلبية الآراء.

ضيق الميثاق مساحة التدخل من مجلس الجامعة وحد من طبيعة الإجراءات التي يمكن اتخاذها ومستواها، وربطها بموافقة أطراف النزاع على الاحتكام للمجلس، أما في حالة عدم موافقة أطراف النزاع على التحكيم والتوسط فليس هناك آليات ناجزة للتدخل، وعليه؛ يمكن القول إنَّ النظام القانوني لتسوية النزاعات داخل أطر الجامعة العربية غير فاعل. فمن الناحية العملية، وبالنظر إلى تاريخ تدخلات الجامعة في فض وتسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، نجد أنَّ الجامعة لم تنجح في حلِّ النزاعات إلَّا في بعض الحالات القليلة. ويمكن القول بأن ذلك راجع إلى تفكك النظام العربي وعدم وجود إجماع عربي عام على تغليب القضايا العربية المشتركة، والاختلاف في توجهات السياسة الخارجية للدول الأعضاء. والشواهد على ذلك كانت حاضرة في الأزمات والتحديات في المنطقة العربية وخصوصًا خلال أزمة الخليج الثانية.

ثالثًا: علاقة جامعة الدول العربية بالأمم المتحدة في سياق أزمة الخليج الثانية

تعرض ميثاق الأمم المتحدة لعلاقة المنظمة الدولية بالمنظمات الإقليمية، وجاء ذلك في مواد الفصل الثامن من الميثاق، وبذلك تعترف الأمم المتحدة بشرعية المنظمات الإقليمية، طالما اتفقت نشاطاتها ومبادئها مع نشاطات ومبادئ الأمم المتحدة، أي أن الميثاق وضح العلاقة بين ما يسميه البعض بالشرعية الدولية والشرعية الإقليمية.ومن المنظمات الإقليمية العربية التي يجدر بنا التركيز عليها؛ جامعة الدول العربية، التي تشكلت في مارس 1945م، أي قُبَيل الإعلان عن ميثاق الأمم المتحدة بأشهر، حيث تعتبر جامعة الدول العربية أول منظمة إقليمية تنطبق عليها المواد الواردة في الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وبذلك تكون قد نالت الشرعية الإقليمية والاعتراف الدولي بها.

تباينت علاقة الجامعة العربية بالأمم المتحدة، بين التناغم والتعارض في الرؤية والمواقف، فقد مرت العلاقة بمرحلة طويلة من التوافق, مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ باستثناء (قرار تقسيم فلسطين 181، والقرار 748 عام 1988م، الخاص بفرض عقوبات على ليبيا), ويبرر هذا الاستثناء، الذي مثل تناقضًا في مواقف الجامعة العربية مع هذه القرارات وجود سيطرة أمريكية قوية على الأمم المتحدة؛ فبخلاف هذا الاستثناء تناغمت مواقف الجامعة العربية مع قرارات الأمم المتحدة على امتداد فترات طويلة ويجدر التركيز هنا لموقف الجامعة العربية من أزمة الخليج الثانية.

جاء الموقف العربي من احتلال العراق للكويت متطابق إلى حد ما مع ما جاء من قرارات للأمم المتحدة "مجلس الأمن"، بل إن البعض رأى حينها أن الموقف العربي هو الذي بُنِيَّ عليه الموقف الدولي تجاه أزمة الخليج الثانية، والقرارات الأممية التي تلت ذلك حيث تبلور الموقف العربي من الأزمة في مؤتمر القمة العربية الطارئة، التي عقدت في القاهرة في 10 أغسطس 1990م، فقد أدانت قرارات القمة العدوان العراقي على الكويت غير معترفة بأي نتائج مترتبة على غزو العراق للكويت؛ لأنه جاء مخالفًا للقانون الدولي ومناقضًا لنصوص ميثاق جامعة الدول العربية أيضًا.

تبنت القمة العربية قرارًا بالأغلبية يدعم التحرك لتحرير الكويت بالقوة العسكرية، ويدعو الدول العربية للانضمام للتحالف الدولي. تزعم هذا الاتجاه الداعم للقرار الدول الخليجية وسوريا ومصر التي لعبت دورًا محوريًا وضاغطًا على باقي الأعضاء لتمرير القرار. بينما يرى مراقبون أن مصر تعاملت مع أزمة الخليج بما يتماشى مع مصالحها واستعادة تزعمها للنظام الإقليمي العربي.

تلاشت عقب القمة فرص تسوية الأزمة سياسيًا، وتحولت إلى أمر مستحيل، لأن أمريكا وحلفاءها كانت لها أولوياتها ومارست ضغوطًا كبيرة على بعض الدول العربية؛ لتحقق ما تصبو إليه. حيث أعلنت تحرير الكويت هدفًا للحرب؛ لكنها أرادت تدمير القوة العسكرية للعراق وفرض واقع جديد في منطقة الخليج. فلم تستطع الدول العربية التوصل إلى إجماع عربي تجاه الأزمة؛ مما أدى إلى مزيد من الانقسام بين الدول العربية وأدخل النظام العربي بأسره في حالة شلل، وبذلك انتقلت مهمة حل الأزمة إلى النظام الدولي ممثلًا بالتحالف العسكري الذي تزعمته الولايات المتحدة. وبالتالي سجلت الجامعة العربية فشلاً جديدًا حيال أزمة الخليج الثانية.

هذا الموقف لم يعتبر غريبًا، أو غير متوقع، طالما أن الجامعة العربية من وجهة نظر الكثيرين تتأثر بالسياسة الأمريكية، بالرغم من كونها منظمة إقليمية تتمتع بالشرعية الإقليمية والاعتراف الدولي، تجمع تحت لوائها الدول العربية، لكنها بالتأكيد تأثرت بالمتغيرات الدولية التي حدثت في تلك المرحلة الحرجة في السياسة الدولية أثناء أزمة الخليج الثانية (1990-1991م)، ومحاولة تكيفها مع ما أطلق عليه حينها "النظام العالمي الجديد".

جاء القرار (195) الذي تبنته الجامعة العربية بالأغلبية منسجمًا ومرغوبًا فيه من قبل "المجتمع الدولي" الذي أصبحت تتزعمه الولايات المتحدة، كما كان متماشيًا بشكل أو بآخر مع الرؤية الأمريكية حيث مثل قرار الجامعة العربية الركيزة الأساسية للعديد من القرارات الأممية إزاء أزمة الخليج. كما لم يسبق في تاريخ الأمم المتحدة أن تحقق إجماع دولي حول عدالة قضية في المنظمة الدولية، مثلما حدث لقضية احتلال العراق للكويت، فلم تؤيد أي دولة عربية موقف العراق، وادعاءاته بحقوق له في الكويت، وطالبت جميع الدول العراق بالانسحاب من الكويت وبذلك لم يكن هناك خلاف حول هدف تحرير الكويت، لكن وجهات نظر الدول قد اختلفت حول وسيلة تحقيق هذا الهدف وأسلوب معالجة تلك الأزمة.

تجدر الإشارة هنا، إلى أن الولايات المتحدة هي المستفيد الأول من نصوص ميثاق الأمم المتحدة التي نظمت العلاقة مع المنظمات الإقليمية فكثيرًا ما لجأت الولايات المتحدة لتحويل قضايا معينة لمنظمات إقليمية لاتخاذ قرار فيها بعيدًا عن الأمم المتحدة بهدف تحييدها؛ لكي تتفرد هي وتستغل نفوذها وثقلها داخل تلك المنظمات الإقليمية مثلما كانت تفعل مع منظمة الدول الأمريكية في ما يخص تسوية الصراعات, بما يتناسب مع مصالحها وأهدافها, وتعمل في نفس الوقت على عرقلة مجلس الأمن ومنعه من اتخاذ قرارات بشأن القضايا التي تخصها, بدعوى أن الشرعية الإقليمية تأتي أولًا.

هذا يجعلنا نسترجع الموقف الأمريكي من إنشاء منظمة دولية (عصبة الأمم)، تجمع كل المنظمات الإقليمية والمتخصصة تحت لوائها فقد رفضت الولايات المتحدة لاحقًا الانضمام للعصبة بل وعملت على إفشالها، ذلك حتى لا تخسر سيطرتها ونفوذها الواضحين داخل العديد من المنظمات الإقليمية. وهذا ما برز في أوائل التسعينيات وعكس رغبة أمريكية جامحة لإضفاء المضمون الأمريكي على الشرعية الدولية بشكل واضح.

رابعًا: الشرعية الدولية وأزمة الخليج الثانية في ضوء النظام العالمي الجديد

ظهرت مع انتهاء الحرب الباردة العديد من المتغيرات التي أثرت على مفهوم وشكل النظام الدولي فقد تغيرت ملامح النظام الدولي من نظام يحكمه قطبية ثنائية إلى نظام دولي ذي قطب واحد تتحكم فيه أمريكا وتعتمد في ذلك على قوتها العسكرية وتفوقها التكنولوجي مظهرة بذلك مزيدًا من الهيمنة على العالم ومؤسساته الدولية حيث أكد الرئيس "بوش الأب" إبان حرب تحرير الكويت، أن "النظام العالمي الجديد" سيحقق السلم والأمن الدوليين ويحمي حقوق الإنسان وحرية جميع الشعوب.

برز مفهوم "الشرعية الدولية" خلال أزمة الخليج الثانية (1990- 1991م) حيث انعكس ذلك على أداء مجلس الأمن بشكل مباشر، وذلك لجهة فض النزاعات التي تهدد السلم الدولي من خلال نظام "الأمن الجماعي" الذي برز في تلك الفترة وظهور حالة شبه توافق بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن حيث بدا مجلس الأمن أقوى من ذي قبل، باعتباره الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة وأصبح يمثل الشرعية الدولية كما طرأ توسيع لسلطات المجلس بوصفه الجهاز المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين وبذلك تطور مفهوم مجلس الأمن الذي بات يمثل الشرعية الدولية فكريًا وإجرائيًا في ظل تراجع أهمية قرارات الجمعية العامة، وقد برز هذا التطور لمجلس الأمن خلال أزمة الخليج الثانية متجاوزًا في كثير من الأحيان حدود سلطاته وصلاحياته المنصوص عليها في الميثاق، مما أثار الجدل حول مدى التزام المجلس وقراراته الخاصة بأزمة الخليج بالنصوص الواردة في الميثاق.

يمكن القول هنا أن الولايات المتحدة بالإضافة للأمم المتحدة استخدمتا شعار "الشرعية الدولية" كإحدى دعائم النظام العالمي الجديد في الوقت الذي كانت تمارس فيه بعض الدول الكبرى شتى الانتهاكات ضد دول صغرى وكل ذلك كان يمر تحت اسم الشرعية الدولية.

استخدمت الولايات المتحدة الأمم المتحدة وأجهزتها لخدمة مخططاتها وحماية مصالحها في المنطقة عبر تبنيها للرؤية الأمريكية للحل (استخدام القوة العسكرية لتحرير الكويت)، فقدمت أمريكا مشروع قرار يمنحها تصريحًا باستخدام القوة العسكرية ضد العراق دون الرجوع لمجلس الأمن وعندما لم تستطع ذلك تجاوزت رؤية المجتمع الدولي بضرورة وجود إجماع دولي على أي إجراءات تتخذ ضد العراق، لكن الولايات المتحدة منحت نفسها الحق في تطبيق قرارات الأمم المتحدة على طريقتها وضمن رؤيتها للحل ومن خلال تحالف عسكري أعدته مسبقًا لهذا الغرض. وعندها اعتمدت الولايات المتحدة على تفسيرات برغماتية موسعة لقرارات الأمم المتحدة ومواد ميثاقها. مستندة في ذلك لما روجت له حينها من مفاهيم مثل الشرعية الدولية والنظام العالمي الجديد، وتدابير الأمن الجماعي.

بعد يومين من انتهاء المهلة التي جاءت في القرار (678) أقدم التحالف العسكري الذي تزعمته الولايات المتحدة فعلًا على ضرب العراق في17 يناير 1991م، خارج إطار التوافق الدولي وبدون العودة لمجلس الأمن أو التنسيق معه كما نص القرار.

إن ما جرى خلال أزمة الخليج، من ضغط أمريكي لاستصدار القرار (678) وتفسيراته البرجماتية من قبل الإدارة الأمريكية خلال تطبيق القرار لهو خير شاهد على هيمنة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة؛ فلقد أجاز مجلس الأمن استنادًا للفصل السابع أن يتخذ ما يلزم من الأعمال لحفظ الأمن والسلم الدولي، وإعادته، عن طريق قوات عسكرية تابعة لأعضاء الأمم المتحدة. وواقع الأمر أن القرار لم يخول التحالف الدولي بقيادة أمريكا، صلاحية تقدير إذا ما التزم العراق بتنفيذ القرار أم لا.

خلاصة

استخدمتالولاياتالمتحدةخلال أزمة الخليج الثانية (1990-1991م) الأممالمتحدةوقراراتها لخدمةالأهدافالأمريكية، ومالبثتبعدهاأنعملتعلىتحجيمبلوإنكارأيدورحيويللمنظمةالأممية. والحقيقةأنالهيمنةالأمريكيةعلىهيأةالأمموأثارها لم تطل فقط أجهزة الأمم المتحدة لكنهاقدطالتبالضرورةالمنظماتالدوليةوالإقليميةالمرتبطة بها مثل جامعة الدول العربية.

أظهرت أزمة الخليج الثانية ضعفَ الجامعة العربية وعجزها عن إيجاد حلولٍ للنزاعات بين الدول الأعضاء وكان الأمر يتحول لمجلس الأمن لاتخاذ القرارات الفعلية. كما يمكن القول إن جامعة الدول العربية أنشئت بالشكل والصلاحيات التي تضمنها الميثاق لاحتواء الحالة العربية المتعطشة للاستقلال والمتلهفة لممارسة السيادة الوطنية، وأن المنظمة بوضعها الحالي تعكس صورة النظام العربي وهي أهم مؤسساته، وما وجودها على هذه الحالة إلا انعكاس لرغبات القوى المسيطرة عالميًا وإقليميًا. وخير دليل على ذلك أن الجامعة العربية تعاني نفس المشكلات والتحديات التي تواجه عمل الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وخصوصًا في ظل ما نراه من احتدام للصراعات الإقليمية والدولية، وتراجعِ الدور السياسي للأمم المتحدة بل واختفائه في كثير من الصراعات ولا أدل من الأزمة السورية مثالًا.

مجلة آراء حول الخليج