array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 145

إعادة الإعمار تعيد العراق إلى الحاضنة العربية والفساد أهدر450 مليار دولار

الأربعاء، 01 كانون2/يناير 2020

لا يخفى على متتبع ما مرت به الساحة العراقية من تحولات وأزمات سياسية ،اجتماعية، أمنية، اقتصادية، وثقافية، وقيمية، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921م، وانتقالها من العهد الملكي الذي اتسم بالتعددية السياسية ترسيخ دولة المؤسسات، إلى العهد الجمهوري بأنماطه: حكم الفرد والحزب الواحد وصراعات الداخل وحروب الخارج، كل تلك التحولات اتسمت بالتعقيد والتداعيات نظرًا لطبيعة تنوع واختلاف المجتمع العراقي وتأثيره وتأثره بمحيطه العربي والإقليمي نظرًا للروابط القيمية والتاريخية والعرقية والاجتماعية والدينية التي كانت سيف ذا حدين فأحيانًا تشكل محفزات إيجابية لربط العراق بمحيطه المجاور، وأخرى تمثل عوامل تُستغل بالضد منه للتأثير على مكوناته المجتمعية من جهة وأحواله السياسية والاقتصادية والأمنية من جهة أخرى.

     العراق يمر بمرحلة حرجة بدأت في مارس عام 2003م، منذ إعلان أمريكا الحرب عليه، ما أدى إلى إسقاط نظامه واحتلال القوات الأمريكية كل البلاد في أبريل 2003م، كان لهذا الحدث انعكاسات داخلية وخارجية كبيرة تسببت بتغيير المشهد العراقي من جهة وغيرت توازن القوى الإقليمي من جهة أخرى بعد خروج العراق الذي هو قوة إقليمية مؤثرة من هذا التوازن.

أولاً -الواقع العراقي

    واقع العراق منذ عام 2003م، شهدت الساحة العراقية نظام سياسي مختلف عما سبقه وحياة سياسية جديدة اختلفت وتباينت أهدافها ومرتكزاتها الفكرية والسياسية، وتطورات أمنية واقتصادية مرت بها ساحة العراق في ظل الاحتلال الأمريكي وحتى انسحاب قواته بشكل رسمي عام 2011م. هذه المرحلة من أصعب المراحل وأكثرها تعقيدًا للعراق وما اتسمت به من عمليات مقاومة مسلحة ضد القوات الأمريكية في مختلف المحافظات وبروز الجماعات الإرهابية إذ نشط "تنظيم القاعدة" في العراق بحجة "الجهاد" ضد القوات الأمريكية، تزامن ذلك مع أحداث العنف الطائفي التي اجتاحت العديد من المدن العراقية على أثر تفجير "مرقد الإمامين العسكريين" في مدينة "سامراء" وكان من تداعياته القتل الطائفي لآلاف الضحايا المدنيين وتهجير آلاف آخرين وتغيير التركيبة الديموغرافية لعدة بلدات، وتزايدت دعوات تطبيق الفيدرالية وحتى تقسيم البلاد في بعض الأحيان.

    من الناحية السياسية، بنيت العملية السياسية منذ بداية تشكيل مجلس الحكم الانتقالي على مبدأ المحاصصة الطائفية والسياسية، والحكومة ارتبطت به على أساس تقسيم أعضائه بناءً على تركيبة المجتمع العراقي الموزع عرقيًا بين عرب وكرد وتركمان وشبك ويوزع دينيًا بين مسلمين ومسيحيين ومذهبيًا بين السنة والشيعة، وتزامن مع هذه التطورات إجراء عدة انتخابات محلية ووطنية تشكلت على ضوئها عدد من الحكومات اعتمدت على المحاصصة الطائفية، وصار العراق منذ عام 2003م، ساحة للصراع الإقليمي والدولي وتدخلت العديد من الدول في الشؤون العراقية وتزايد النفوذ اللإقليمي الإيراني و التركي.

   وبعد الانسحاب الأمريكي عام 2011م، انكشفت الساحة العراقية أمام الدول الإقليمية للتدخل في الشأن العراقي وكان الدور الأكبر لإيران، وبعد هذا الانسحاب تزايدت النشاطات الإرهابية وأعداد المليشيات حتى وصل الحال إلى سيطرة داعش على العديد من المحافظات منها محافظة نينوى التي أعلن التنظيم مدينة الموصل فيها عاصمةً لـ "خلافته المزعومة" وصلاح الدين والأنبار وأجزاء من ديالى وكركوك في 10 يونيو 2014م، واحتاج الأمر إلى جهود داخلية ودولية تمثلت بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ولمدة ثلاث سنوات تقريبًا حتى تم تحرير هذه المحافظات من سيطرة التنظيم الإرهابي.

    وعلى الرغم من تحقيق النصر العسكري على داعش إلا أن مسألة القضاء عليه بشكل كامل لم تتم بعد، فضلاً عن ذلك عانت البلاد من أزمات عديدة لا يقتصر تأثيرها على حاضر العراق، بل لها انعكاسات مستقبلية على البيئتين الداخلية والخارجية سلبًا وإيجابًا.

    ولعل من أهم التحديات خلال هذه المرحلة كان التراجع الاقتصادي وتراجع معدل النمو وارتفاع البطالة والتضخم وتراجع القطاعين الزراعي والصناعي بعد تدمير البنى الصناعية بسبب الاضطرابات الأمنية والحرب على الإرهاب من جهة، ومنافسة السلع الاستهلاكية المستوردة للسلع والمنتجات المحلية من حيث الأسعار والجودة ولا سيما السلع والبضائع الإيرانية.

    تعرض العراق لتحد آخر تمثل في "ملف المياه" والأزمة التي تعرضت لها عموم محافظات العراق وإصابة الثروة النباتية والحيوانية بأضرار جسيمة بعد أن حولت إيران مجاري الأنهار وروافدها التي تنبع من أراضيها وقطعت بشكل نهائي عددًا آخر منها، وقابلتها تركيا التي أنشأت العديد من السدود على روافد نهري دجلة والفرات وآخرها سد "اليسو" وما لذلك من تأثير على حصة العراق المائية في هذين النهرين، وعلى الرغم من مطالبات العراق لكل من إيران وتركيا بعدم المساس بحصته المائية إلا أن إيران حرمت العراق من عشرات الروافد والأنهار دون أن تستجيب لأي مطالبات عراقية.

   ويُعد تأزم الوضع السياسي أهم ما عانى منه العراق فغالبًا ما يصاحب تشكيل أي حكومة حالة تأزم في الوضع السياسي وصراعات وتأخر التوافق على تشكيلها واستدعاء المحكمة الاتحادية للبت في خلافات القوى والأحزاب السياسية على "المحاصصة" بناء على "مبدأ التوافق" بين كل المكونات تحت مبرر حتى لا تنتهك حقوق طائفة لحساب طائفة أخرى.

   أما فيما يخص علاقة الحكومة الاتحادية بحكومة إقليم كردستان فهي تحدٍ معقد وليس باليسير تجنب تداعياتها إذا استمرت هذه الخلافات ولعل أهم قضايا الخلاف هو ملف "المناطق المتنازع عليها" والخلاف على "عائدية كركوك" وملف "قانون النفط والغاز" وكثير من الملفات العالقة منذ سنوات دون حسمها وملف بيع نفط الإقليم دون العودة إلى الحكومة الاتحادية، أو تسليم مبالغ النفط المباع لميزانية الدولة العراقية.

     ومن دون أن نغفل أزمة الفساد المالي والسياسي والإداري التي أصابت مختلف مفاصل الدولة واتهم به وزراء ومسؤولون كبار وقوى سياسية فاعلة وتسبب بهدر ما يقرب من 450 مليار دولار من ميزانيات العراق لسنوات ما بعد عام 2003م.

    وأدت تراكمات هذه التحديات إلى بروز ظاهرة الاحتجاجات ضد الحكومة ولا سيما في مناطق التصويت الانتخابي التقليدي للقوى والأحزاب السياسية المسيطرة على الحكم، وهذه الاحتجاجات تطالب بتقديم الخدمات وتوفير العمل ومحاربة الفساد وتحسين المستوى المعاشي ثم أصبحت تطالب بإقالة الحكومة، الأمر الذي تحقق بتقديم عادل عبد المهدي رئيس مجلس الوزراء يوم 29 نوفمبر الماضي استقالته إلى مجلس النواب لاستكمالها.

ثانيًا -مستقبل علاقات العراقية ــ العربية /الإقليمية

    يؤثر ويتأثر العراق بمحيطه العربي والإقليمي لما يربطه بهما من علاقات ومصالح تتباين من دولة إلى أخرى وتتأثر بمعطيات كل مرحلة وظروفها. وهذه المصالح والعوامل تؤثر على مستقبل علاقة العراق بالدول العربية ودول الجوار الإقليمي المتمثلة بكل من إيران وتركيا.

1-   مستقبل العلاقات العراقية – العربية، هذه العلاقات ضرورة استراتيجية لطرفيها كل من العراق من جهة ودول الخليج العربي والدول العربية الباقية من جهة أخرى، ومع ذلك لا يمكن توقع مشهد واحد  لهذه العلاقات بسبب تحرك الأحداث وتطوراتها التي لا يمكن توقع حصولها، بيد أن في حالة علاقات العراق ـ الخليجية /العربية يمكن وضع احتمالية تطورها الإيجابي ابتداءً من العام 2020م، مع بداية العقد الجديد بالاستناد إلى المعطيات وما يمكن أن تؤول إليه أوضاع العراق والمنطقة، ولعل أهم ما يرجح هذا التطور في العلاقات العراقية ــ العربية ما يلي:

-       وضع أولوية إعادة العراق إلى الحاضنة العربية ضمن سلسلة أولويات صناع القرار في العراق والدول العربية، وهذا الأمر لاحت بوادره عام 2019م، عندما تبادل المسؤولون العراقيون والسعوديون الزيارات وعقد الاتفاقيات بين البلدين لإعادة مسار العلاقات الثنائية، وكذلك مع بقية الدول الخليجية والعربية ومنها الكويت ومصر والإمارات والأردن، في ظل إدراك صناع القرار بضرورة عدم ترك الساحة العراقية للنفوذ الإقليمي الذي يمتد على حساب عروبة العراق.

-       العامل الاقتصادي، أحد العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية، ومن المتوقع أن تساهم المصالح الاقتصادية في عودة العلاقات العراقية ـ العربية في ظل الحاجة الاقتصادية المتبادلة بين العراق ومحيطه العربي، لا سيما في مجال الطاقة والتبادل التجاري وبدأت بوادر هذا التوجه في البدء باستيراد العراق للطاقة الكهربائية من السعودية عبر الكويت والتوجه الخليجي لدعم إعمار المناطق العراقية المحررة من سيطرة داعش.

-       العامل الإيراني، تشير الكثير من المعطيات إلى تراجع دور إيران في العراق سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا بعد الاحتجاجات التي شهدها العراق ابتداءً من الأول من أكتوبر المنصرم التي تبنت "إنهاء النفوذ الإيراني في العراق" كأحد أهم مطالبها، إذ يرى أن لإيران دور سلبي في تراجع الأوضاع الاقتصادية، ودعم سياسيين متهمين بقضايا الفساد، وتراجع التأثير الإيراني في العراق يفسح المجال لعودة العراق إلى محيطه العربي وتفعيل العلاقات العراقية ــ العربية بأبعادها المختلفة مستقبلاً.

2-   مستقبل العلاقات العراقية ــ الإيرانية، الكثير من يذهب صوب احتمالية تراجع العلاقات العراقية ــ الإيرانية خلال السنوات القادمة أو على الأقل لن تكون كما هو عليه الحال في الوقت الراهن أو خلال السنوات السابقة تحت ضغط التطورات ذات الارتباط بعوامل العلاقات الثنائية بين العراق وإيران، ومن الممكن أن يتحقق مشهد تراجع هذه العلاقات عند تأثير عدد من شروط هذا المشهد والتي تتمثل بما يلي:

ـــــ الرفض الشعبي لإيران، وظهرت بوادره في ظل الاحتجاجات الشعبية التي شهدها العراق مؤخرًا والتي تطالب بإبعاد إيران والقوى السياسية التي تدعمها عن العملية السياسية في العراق، إذ يرى المحتجون أن إيران هي أهم أسباب تأزم الوضع السياسي بدعمها للسياسيين الفاسدين وأن أموال الفساد يتم إيداعها في المصارف الإيرانية أو تستثمر في إيران، وتساعد إيران السياسيين الفاسدين وتحول دون محاسبتهم قضائيًا، فضلاً عن ذلك يرى المحتجون أن إيران وراء التردي الاقتصادي وتدهور القطاعين الصناعي والزراعي حتى تبقى هي المصدر الأساسي الذي يسد حاجات السوق العراقية من المنتجات وبأسعار أقل من السلع المحلية، كل ذلك أدى إلى تراجع شعبية إيران في الشارع العراقي التي كثيرًا ما تراهن عليها إيران أن لها تأثير في الأوساط الشعبية العراقية الأمر الذي يساهم في تراجع العلاقات العراقية الإيرانية.

-       الضغوطات الداخلية الإيرانية، يواجه النظام الإيراني ضغوطات شعبية كبيرة لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية بسبب العقوبات الأمريكية على إيران جراء برنامجها النووي، وترى الأوساط الشعبية الإيرانية بأن سياسة التدخل الإيراني في كل من سوريا واليمن ولبنان والعراق هي على حساب الشعب الإيراني الذي يعاني التضخم وانخفاض مستوى المعيشة والبطالة بينما حكومته تدعم وكلاءها في الدول العربية، وشهدت إيران احتجاجات عارمة في نهاية شهر نوفمبر للضغط على الحكومة لعدة أسباب منها التدخل في العراق ما يعني إضافة كوابح مستقبلية أخرى أمام تطور العلاقات العراقية ــ الإيرانية.

-        العامل الأمريكي، يرى الكثير أن الاحتلال الأمريكي للعراق أحد أهم أسباب دخول إيران إلى الساحة العراقية وتغلغلها وتزايد نفوذها لتصبح المنافسة الأكثر تأثيرًا لواشنطن في العراق، ولكن منذ تولي إدارة دونالد ترامب الحكم أعلنت توجهها لإبعاد إيران عن العراق حيث يمثل العراق المتنفس الاقتصادي لإيران والتزام العراق بهذه العقوبات يحقق للولايات المتحدة الأمريكية أهدافها تجاه إيران، ومن هذا المنطلق اتجهت ادارة ترامب بالضغط على الحكومة العراقية في تطبيق العقوبات على إيران من خلال خفض التبادل التجاري والتحول صوب الدول الخليجية من أجل استيراد الكهرباء بدلاً عن استيرادها من إيران، ومن المتوقع أن تزيد الولايات المتحدة الأمريكية من ضغوطاتها على العراق والقوى والأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة العراقية واستخدام تواجدها العسكري المباشر في العراق من أجل إضعاف عوامل العلاقة مع إيران وإضعاف وضرب حلفائها العراقيين ولا سيما الذين لديهم أجنحة عسكرية أو فصائل مسلحة، وكل ذلك يضعف من تأثير إيران في الساحة العراقية.

-       العامل العربي، العديد من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية اتجهت مؤخرًا لتعزيز علاقتها مع العراق ودعمت الدول العربية كجزء من هذا التوجه العراق في حربه ضد الإرهاب، وعلى الأغلب سيزداد توجه الدول العربية لتحسين علاقتها مع العراق في عدة مسارات هادفة لإعادة العراق إلى الحاضنة العربية من جهة ولإبعاد إيران عن العراق من جهة ثانية، وفي كل الأحوال فإن تحقيق ذلك سيكون على حساب العلاقات العراقية ــ الإيرانية حاضرًا ومستقبلاً.

3-   مستقبل العلاقات العراقية ــ التركية، حاضر ومستقبل العلاقات العراقية ــ التركية محكوم بعدد من العوامل والمصالح التي تؤثر إيجابيًا وسلبيًا على هذه العلاقات وفقًا للأوضاع والظروف التي يمر بها البلدان داخليًا أو تمر بها منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وتتنوع هذهِ العوامل سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا فضلاً عن العوامل الدينية والتاريخية، ومن المتوقع للعلاقات العراقية ــ التركية في المستقبل القريب والمتوسط المدى في ظل معطيات الواقع وعدد من الاحتمالات المستقبلية أن تشهد مرحلة من التطور النسبي أحيانًا واستمرارًا للجوانب الحالية أحيانًا أخرى، وهذا المشهد يتحقق بناءً على توقع حصول عدد من العوامل أهمها:

-       استمرار الحاجة الاقتصادية المتبادلة، إذ أن العراق يبيع جزء من صادراته النفطية عبر الموانئ التركية وأهمها ميناء جيهان، وبالمقابل تعتمد تركيا بنسبة كبيرة على العراق في سد حاجتها النفطية فضلاً عن سعي تركيا لرفع مستوى التبادل مع العراق إلى نسبة أعلى مستقبلاً مستغلة توجه العراق لتقليل التبادل التجاري مع إيران لتسد بذلك تركيا حاجة الأسواق العراقية بدلاً عن السلع الإيرانية، مثلما أن الدعوات الشعبية الأخيرة لمقاطعة البضائع الإيرانية بعد الاحتجاجات الشعبية في العراق تتيح الفرصة بشكل أكبر لزيادة ضخ البضائع التركية في الأسواق العراقية مع زيادة الطلب عليها، يضاف إلى ذلك أن الشركات التركية العاملة في العراق قد اكتسبت ثقة في القطاع الاقتصادي العراقي يفسح المجال لها لزيادة ميدان عملها مستقبلاً في العراق.

-       العامل الكردي، على الرغم من علاقة تركيا الوطيدة مع حكومة إقليم كردستان إلا أن أحداث استفتاء انفصال الإقليم عام 2017، قد أظهرت إمكانية التعاون السريع بين الحكومتين العراقية والتركية في مجال معالجة القضية الكردية التي تمس تطوراتها وحدة وسيادة الدولتين العراقية والتركية، وعلى الرغم من استغلال تركيا لورقة علاقتها مع إقليم كردستان بالضد من الحكومة العراقية في بعض الأحيان لكن تركيا تدرك العلاقة مع العراق الموحد هي أكثر نفعًا لها وللعلاقات العراقية التركية حاضرًا ومستقبلاً ومن المتوقع أن يكون العامل الكردي مساهمًا في تعزيز العلاقات بين العراق وتركيا من أجل لجم أي طموحات أو أي توجهات كردية للانفصال عن الدولتين.

-       ملف حزب العمال الكردستاني، غالبًا ما كان وجود عناصر حزب العمال الكردستاني –الذي تصنفه تركيا كمجموعة إرهابية-في شمال العراق واستهدافهم من قبل القوات التركية عامل توتر سياسي بين العراق وتركيا، في الوقت الذي من المتوقع فيه أن يتحقق الاستقرار الأمني والسياسي في العراق راهنًا ومستقبلاً وتقوية موقف الحكومة الاتحادية في العراق فلن تسمح بتواجد عناصر حزب العمال في شمال العراق الأمر الذي سيساهم في تقليل تأثيرات هذا الملف على العلاقات العراقية التركية في المستقبل.

ثالًاً – مشاهد مستقبلية

    عند النظر إلى التطورات الجارية في العراق والمتغيرات المتسارعة التي تتسم بالتعقيد من جهة وتعدد الأطراف وتداخل المصالح من جهة ثانية، وبروز العامل الإقليمي/الدولي الباحث عن مصالحه من جهة ثالثة، يكون الأمر صعبًا في إمكانية وضع توقع لما سيكون عليه الوضع أو ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب أو المتوسط، واستشراف ما يمكن أن تنتجه هذه التغيرات الضاغطة والمتسارعة، وأمام ذلك ليس بالوسع إلا وضع ثلاثة مشاهد متوقعة للتطورات المستقبلية في العراق ارتكازًا على معطيات الواقع:

-       مشهد التحول، ويقوم هذا المشهد على افتراض التحول في الواقع العراقي المتمثل باستمرار التأزم السياسي والتراجع الاقتصادي وانعدام الخدمات واستشراء الفساد إلى وضع جديد تنتجه الاحتجاجات التي حققت أول مطالبها باستقالة الحكومة وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة، فمرحلة ما قبل احتجاجات تشرين الأول / أكتوبر لن تكون كالمرحلة التي سبقتها ومن المتوقع أن ضغوطات الحراك الشعبي العراقي لن تكتفي بإقالة الحكومة بل من المتوقع أن يتم وضع قانون انتخابي جديد وتعديل الدستور وإجراء انتخابات وطنية مبكرة وستحد من التأثير الإقليمي على الشارع العراقي ولا سيما إيران، كما يقوم هذا المشهد على أن عام 2020م، سيشهد طرح ملفات تهم الفساد وتعديل العديد من القوانين والتشريعات وتشكيل حكومة مؤقتة في بادئ الأمر ثم حكومة جديدة وفقًا لقانون الانتخابات الذي سيتم تعديله، ما يعني احتمالية ظهور نخبة سياسية جديدة تتولى وضع أسس جديدة للسياستين الداخلية والخارجية للعراق، كما لا يفوتنا أن نذكر هنالك من القوى السياسية المنتفعة من الوقت الراهن ستحاول إعاقة أي تطور إيجابي كونه سيضر بمصالحها.

-       مشهد استمرار الوضع الراهن، يقوم هذا المشهد على افتراض استمرار الوضع الراهن في ظل استغلال القوى السياسية العراقية لعامل الزمن والمراهنة على المطاولة وتقديم العهود للمحتجين واستعمال التسويف لتمييع مطالبهم والمحافظة على مواقع هذه الأحزاب ومصالح قادتها الشخصية والحزبية، وهنا ستستمر الصراعات السياسية وتأزم الحياة السياسية واستشراء الفساد وتفاقم القبلية واستمرار المحاصصة الطائفية والسياسية على حساب الكفاءة والاستحقاق، وستستمر إيران بتعزيز دورها في العراق.

-       مشهد تدخل العسكر، على الرغم من أنه يبدو المشهد الأضعف من حيث إمكانية تحققه في المستقبل نظرًا للكثير من العوامل منها العامل الأمريكي وتعقيدات الوضع العراقي بقواه السياسية وأحزابه وتياراته وتجربته المريرة مع الانقلابات الدموية التي شهدها العراق في الأعوام 1958 و 1963 و 1968م، إلى أنه في السياسة كل شيء متوقع الحصول حتى الأقل حظوظًا في الظواهر والأحداث، ومن هنا وبالإشارة إلى إشاعات أطلقتها مواقع في شبكات التواصل الاجتماعية عن الترويج لاحتمالية قيام عدد من قادة القوات الأمنية بالانقلاب العسكري لتولي السلطة وإبعاد القوى والأحزاب السياسية عن الحكم كونها لم تستطع أن تصل بالأداء الحكومي إلى المستوى المطلوب في ظل مشاركتها في الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003م، ويدعم هذا المشهد بروز أسماء لقيادات عسكرية قادت الحرب على داعش عام 2014م، واكتسبت قبولاً واسعًا لدى الشارع العراقي الذي يفتقد لوجود شخصيات أو قيادات وطنية تحظى بقبول وطني لدى مختلف مكونات المجتمع العراقي وهوياته المتعددة، الأمر الذي لم يستطع أن يقدمه سياسيو المحاصصة الطائفية الذين طرحوا أنفسهم كممثلين لهذا المكون أو ذاك.

    وبالاستناد إلى معطيات الساحتين الداخلية العراقية والخارجية ببعديها الإقليمي والدولي فإن المشهد الأكثر إمكانية للتحقق هو المشهد الأول الذي يفترض تحولاً إيجابيًا وإن لم يكن تطورًا كبيرًا ويحتاج إلى وقت أطول وربما يتعرض للعديد من المعوقات والكوابح إلا أنه المشهد الأقرب للتحقق انطلاقًا مما يرتكز عليه من معطيات قابلة للتحقق.

رابعًا -الانعكاسات على مستقبل المنطقة

   لعقود عدة والعراق أحد أهم الدول العربية وأحد القوى الإقليمية الفاعلة والموازن الإقليمي تجاه كل من إيران وتركيا، ولسنوات عدة شكل جدار الصد العربي أمام إيران وسياسة "تصدير الثورة" صوب المنطقة العربية وحتى في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية عام 1991م، بقي العراق القوة العربية التي توازن القوى الإقليمية المختلفة، ولكن بعد عام 2003م، خرج العراق من توازن القوى الإقليمي الاستراتيجي وبقيت السعودية القوة العربية التي تواجه كل من تركيا وإيران ضمن هذا التوازن الإقليمي .

   ولا يخفى أن مكانة وتأثير العراق في الساحة الإقليمية تعُد مهمة بالنسبة للعراق كدولة تمتلك مقومات القوة الإقليمية المؤثرة من جهة، وتشكل مصلحة للدول العربية عند عودة العراق على الصف العربي من جهة أخرى، وإن هذه المكانة للعراق تنبع وتبرز على قدر ما يمكن أن يحققه العراق من استقرار سياسي واجتماعي ونمو اقتصادي وتحقيق للأمن في المستقبل، وبالتالي فإن تحقيق هذه الأهداف سينعكس بشكل أو بآخر على الدول العربية بشكل خاص وعموم دول المنطقة بشكل عام.

    وبكل الاحتمالات والحالات التي يمكن طرحها كتوقعات مستقبلية بخصوص وضع العراق فإن لها انعكاسات مختلفة على دول الجوار العراقي عربيًا وإقليميًا وكذلك لها انعكاسات على التوازن الاستراتيجي الإقليمي، ومن المتوقع في المستقبل القريب أو ربما حتى المتوسط أن يتحقق نوع من تعزيز علاقات العراق العربية وبالتالي سيكون لها انعكاساتها على عموم دول المنطقة بالشكل الذي يقوي محور الدول العربية على حساب محاور كل من إيران وتركيا التي تشكلانها كلاً على حدة، وسيزيد من فرص إضعاف الجماعات والفصائل المسلحة ذات العلاقة بإيران في الدول العربية.

    ختامًا: يمكن القول أن العراق على الرغم من مروره بمراحل عدة إلا أن مرحلة ما بعد 2003م، قد فرضت متغيرات ومعطيات جديدة شكلت بيئة الشرق الأوسط بوضعيها الحالي، وكما أن دوام الحال من المحال فإن وضع العراق لابد أن ينعكس على الساحتين الداخلية من ناحية والساحة العربية والإقليمية من ناحية ثانية، وعلى الأغلب فإن الوضع العراقي الضاغط سيتكون له الأثر في وصول نخبة سياسية جديدة للحكم وما يعني ذلك من حصول متغيرات جديدة على علاقات العراق العربية والدولية بما فيها عودة ميزان القوى الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط.

مجلة آراء حول الخليج