array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 145

المنطقة بحاجة لنقلة نوعية في العلاقات مع أمريكا ترتقي للشراكة

الخميس، 02 كانون2/يناير 2020

تكتسب العلاقات الخليجية-الأمريكية أهمية كبيرة في السياسة العالمية لأنها تؤثر في العديد من القضايا الدولية والإقليمية تأثيرًا مباشرًا وتشكل محورًا مهمًا من محاور الأمن والسلم العالميين. كما أن لهذه العلاقة تأثير مباشر على حالة الاقتصادين الأمريكي والعالمي لأسباب عديدة ليس أقلها إمتلاك المنطقة لثلث الاحتياطي العالمي من النفط بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي الذي يجعلها على مفترق طرق التجارة العالمية. ولكن على الرغم من هذه الأهمية فإنها عانت من التأرجح والضبابية على مدى فترة التواجد الأمريكي في الخليج منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الآن مع أنها واجهت العديد من التحديات الجسيمة[1]. تنبئ المرحلة المقبلة بالعديد من التحديات التي سوف تواجه هذه العلاقات من ضمنها الزيادة في حدة التنافس العالمي نتيجة التغيرات الكبيرة في توازن القوى العالمية ونمو النشاط الاقتصادي العالمي خارج الدوائر المعتادة. تسعى هذه الورقة لشرح أهم المصالح التي تشكل أساس العلاقات بين الولايات المتحدة ومنطقة الخليج واستشراف تطوراتها المستقبلية والتحديات التي قد تواجهها على مدى السنوات العشر المقبلة.

 

أولا- المصالح الأمريكية في منطقة الخليج

إن تحديد المصالح يشكل أساس فهم العلاقات بين أطرافها ولذلك نبدأ بتحديد أهم المصالح الأمريكية في المنطقة. هذه المصالح لم تتغير كثيرًا منذ الحرب العالمية الثانية باستثناء ظهور دور الإرهاب العالمي وصعوده ليصبح العامل الأهم في السياسة الخارجية الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. ولعل من أهم تلك المصالح مايلي:

  1. الحرب على الإرهاب: تعتبر الأولوية الأولى المعلنة للسياسة الأمريكية في المنطقة منذ الهجوم الإرهابي الذي نفذه تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001م، ومما زاد في أهمية الحدث محليًا أن جميع الإرهابيين الذين قاموا بالهجوم على نيويورك وواشنطن كانوا من أبناء المنطقة حسب ما قيل حول ذلك، الأمر الذي جعل من المنطقة الساحة الأهم في هذه الحربالتي اشتعلت في عدة جبهات من أهمها العراق وسوريا وأفعانستان واليمن وشمال إفريقيا ونتج عنها الكثير من المتغيرات الهيكلية في المنطقة من أهمها تغيير العقيدة القتالية للجيوش لتتحول من حرب الأعداء الخارجيين إلى حرب العصابات الداخلية، كما أنها استلزمت مراجعة الدول لنظمها وتعاملاتها المالية وأدوارها الخارجية، وهذه الأخيرة أدت إلى إضعاف دور دول المنطقة في الساحتين العالمية والإقليمية.

الحرب على الإرهاب أخذت بعدًا جديدًا بعد ظهور تنظيم جديد أطلق على نفسه الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والذي أعلن عن نفسه وريثًا وبديلا لتنظيم القاعدة وسيطر على مساحات شاسعة في العراق وسوريا واليمن وسيناء وليبيا، كما أنه أعلن مسؤوليته عن العديد من العمليات الدموية في كثير من دول العالم. لذلك سارعت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي للتصدي لداعش وكانت بداية ذلك تأسيس تحالف إقليمي انبثق عن المؤتمر الذي عقد في جدة في العاشر من أيلول/سبتمبر عام 2014م، بين الولايات المتحدة وعشر دول من المنطقة هي: مصر، العراق، الأردن، ولبنان بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي الست. لم تكن الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة التنظيم واضحة المعالم بالنسبة لدول المنطقة ولم تسنح الفرصة لهذه الدول أو ربما لم تبد الرغبة بإبداء الرأي مع أن الأمر يهددها في المقام الأول. أما بالنسبة للولايات المتحدة فإنها كانت تهدف إلى احتواء التنظيم (Containment) والحيلولة بينه وبين القيام بعمليات نوعية في الخارج أو تهديد دول المنطقة. هذه الحرب والطريقة التي أدارتها الولايات المتحدة كانت وما تزال تتسم بالغموض بسبب غياب الشراكة الحقيقية في الحرب وعدم وضوح أدوار الأطراف المشاركة فيها، ولعل من أوضح الأدلة على ذلك الإعلان المفاجئ للرئيس ترامب بالانتصار على داعش وسحب القوات الأمريكية من سوريا ومن دون استشارة الشركاء الأساسيين في الحرب وفي مقدمتهم حلف الناتو ودول المنطقة وكذلك دخول الولايات المتحدة في مفاوضات مباشرة مع حركة طالبان في ذات الوقت الذي تصنفها فيه بأنها حركة إرهابية وتخوض ضدها حربًا طاحنة منذ 2001م. هذا الأسلوب الذي أدارت فيه واشنطن الحرب على الإرهاب أثر سلبًا على مدى فعاليتها في تحقيق أهدافها المعلنة وأدى إلى زيادة كلفتها البشرية والمادية خصوصًا على دول المنطقة، كما أنه فوت الفرصة في وضع مقاربة شاملة لمعالجة جذور الإرهاب والتطرف في المنطقة.

  1. التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة: تبنت الولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة سياسة متهاونة مع إيران لأنها لم تكن تود أن تراها تنحاز الى المعسكر الشيوعي، ووكلت إلى الشاه في فترة من الفترات مسؤولية شرطي المنطقة. وبعد نهاية تلك الفترة وظهور الإرهاب كتحد عالمي جديد، كانت الولايات المتحدة ترى بأن مصدره العالم الإسلامي السني، ولذلك لم تكن إيران مشمولة به. لا بل أن الولايات المتحدة سمحت لها بمد نفوذها في دول الجوار مثل لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان واليمن، كما أنها قامت بتنسيق الجهود معها في عمليات غزو أفغانستان والعراق. لكن بقيت مشكلة المشروع النووي الإيراني الذي شكل مصدر قلق للولايات المتحدة التي رأت فيه تهديدًا لأمن إسرائيل، في حين أن الدول الأوروبية رأت فيه خطرًا مباشرًا على أمنها، ولذلك أجرت مفاوضات طويلة ومضنية تكللت بإبرام إدارة الرئيس السابق أوباما وباقي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائدًا ألمانيا اتفاقا يمنح إيران الحق في تطوير قدراتها النووية ولكن يمنع تطويرها للأسلحة النووية ويضع سقفًا زمنيًا لذلك. وقد جرى ذلك من دون أن يكون لدول المنطقة دور أو حتى دراية بتفاصيل الاتفاق، الأمر الذي أدى بتلك الدول الى استنفار الجهود لإفشاله. بالطبع لا أحد يجادل بحقيقة أن الاتفاق كانت تعتريه العديد من المشكلات من حيث المحتوى والتنفيذ، إلا أن المعارضة له كانت بمثابة ردة فعل ولم تكن مبنية على استراتيجية واضحة. قوى المعارضة وجدت آذانًا صاغية عند إدارة الرئيس ترامب التي سارعت إلى الانسحاب من الاتفاق من دون إدراك للعواقب على المنطقة أو التفكير ببدائل لعملية التصعيد. هذا الموقف الذي فاجأ الأصدقاء قبل الأعداء شكل جزءًا من سياسة الإدارة الأمريكية التي تبنت شعار "تغيير السلوك الإيراني" سعيًا منها للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. لقد كان المشكل الأكبر هو أن العديد من دول المنطقة فهمت أن ذلك الشعار يعني رغبة الولايات المتحدة في تغيير النظام الإيراني عن طريق المواجهة وبنت على ذلك مواقف وتوجهات متشددة اضطرت للتراجع عنها فيما بعد ولكن بعد أن ارتفعت حدة الصراع في المنطقة وأوصلتها إلى شفير حرب شاملة.
  2. ضمان أمن إسرائيل: تعتبر الولايات المتحدة أن ضمان أمن إسرائيل هدفًا أساسيًا لسياستها الخارجية تجاه المنطقة. وقد مرت هذه السياسة بمراحل متعددة حيث كانت في البداية مجرد ضمان أمن وسلامة إسرائيل لكنها أصبحت اليوم الحفاظ على التفوق العسكري والأمني الإسرائيلي على جميع دول المنطقة مجتمعة. ليس هناك جدل في أحقية الولايات المتحدة في اتخاذ أي هدف تراه يخدم مصالحها الاستراتيجية، لكن المشكل أن يصبح هذا الهدف ليس الأول بل أحيانًا الوحيد لعلاقة الولايات المتحدة مع المنطقة. ولعل المسؤولية عن هذه القضية تقع على جانبي العلاقة، لأن دول المنطقة لم تطور أية نظرة استراتيجية لدورها في الساحة الدولية.

المشكلات السياسية في إسرائيل متفاقمة ومن أبرزها ضبابية الموقف السياسي نتيجة عدم حصول أي من طرفي العملية السياسية على أغلبية في الكنيست تمكن أي منها من تشكيل حكومة بعد جولتين من الانتخابات ولا ندري إن كانت الجولة الثالثة سوف تشهد حسم الموقف. المهم هنا هو أن العديد من قضايا المنطقة ومن أهمها "صفقة القرن" التي طال انتظارها، أصبحت مؤجلة وانتظار حكومة إسرائيلية.

  1. المصالح الأمنية والجيو-استراتيجية: كانت لعبة الشطرنج الدولية بين المعسكرين الغربي بقيادة أمريكا والشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي العامل الأول في العلاقات الأمريكية-الخليجية طيلة الحرب الباردة التي انتهت بتفكيك المعسكر الشرقي وإعادة رسم الخارطة السياسية العالمية وبداية فترة انفراد أمريكا بالريادة العالمية. ما إن انتهت الحرب الباردة وتنفس العالم الصعداء حتى بدأت حروب وصراعات محلية في مختلف بقاع العالم لتنتهي بواحدة أكثر سخونة منها هي الحرب المعلنة على الإرهاب التي وضعت المنطقة في قلب الأحداث العالمية وأكسبتها اهتماما هي في أشد الغنى عنه.
  2. المصالح الاقتصادية: للولايات المتحدة مصالح اقتصادية كبيرة في المنطقة وتشمل على قطاعين مهمين وهما التبادل التجاري ومبيعات السلاح. يوضح الرسم البياني أدناه حجم التبادل التجاري بين بعض دول منطقة الخليج والولايات المتحدة لعام 2018م، حيث بلغ ما مجموعه 90 مليار دولار والذي يجعل من هذه الدول مجتمعة بالمرتبة الثامنة في ترتيب شركاء الولايات المتحدة التجاريين.

 

رسم بياني يوضح حجم التبادل التجاري بين دول المنطقة والولايات المتحدة لعام 2018م

 

أما بالنسبة لمبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية فإن الولايات المتحدة تعتبر المورد الأول للمعدات العسكرية لدول المنطقة، وقد ذكر مساعد وزير الدفاع الأمريكي في كلمته أمام مؤتمر حوار المنامة الأخير بأن حجم المبيعات العسكرية لدول منطقة الخليج بلغ حوالي 132 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية.

 

ثانيًا-أثر الانتخابات الأمريكية القادمة

الانتخابات الرئاسية الأمريكية مهمة دائما بسبب الدور الكبير الذي تلعبه الولايات المتحدة على الساحة العالمية. لكن أثر الانتخابات على المواقف الخارجية يزداد عندما تصبح جزءًا من الحملة الانتخابية وتشكل عنصرًا من التفويض الشعبي للرئيس مثل الانتخابات القادمة. الانتخابات الأمريكية في عام 2020م، هي انتخابات مفصلية بكل المقاييس وسوف يكون لها تأثير مباشر على العلاقات الأمريكية مع العالم والمنطقة بغض النظر عن النتائج لعدة أسباب منها:

 

-         أثر الانتخابات على الأزمة في الخليج: الرئيس ترامب يرى في نفسه مفاوضًا محنكًا أكثر منه قائدًا عسكريًا، كما أنه أعطى الوعود للناخبين بإعادة الجنود من ساحات الصراع، ولذلك كانت غايته من وراء التصعيد مع إيران الذي تبع الانسحاب من الاتفاق النووي جلب إيران إلى طاولة التفاوض في موقف ضعيف، وقد قرأت إيران ذلك قراءة جيدة في ردها على التهديد الأمريكي حيث قامت بنقل الصراع إلى الميدان العسكري بدلا من طاولة المفاوضات. والسؤال هنا عن طبيعة الصراع في المرحلة المقبلة وهل سيكون على طاولة المفاوضات أم أنه سوف يتطور إلى صراع مسلح؟ أم أن الوضع الراهن الذي يمثل حرب استنزاف وعقوبات اقتصادية سوف يستمر على المدى المنظور؟ المتوقع هو استمرار المقاربة الحالية في حال فوز الرئيس ترامب إلا إذا رأت إيران أمرًا آخرًا. أما في حال فوز المرشح الديمقراطي بغض النظر عن هويته فإن ذلك يعني العودة إلى الاتفاق النووي السابق مع بعض التعديلات.

-         أمريكا أولاً: الرئيس ترامب اتخذ نهجًا انعزاليًا في سياسته الخارجية أثار العديد من التساؤلات حول الالتزامات الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة حول العالم ومن بين ذلك انسحابه من اتفاقية الشراكة حول المحيط الهادي، وإعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادته التفاوض حول اتفاقية التجارة مع كندا والمكسيك وكذلك دخوله في حرب التعرفة الجمركية مع الصين. في المقابل فإن المرشحين من الحزب الديمقراطي اتخذوا مقاربة تقليدية تجاه السياسة الخارجية مع بعض الاختلافات الطفيفة بين المرشحين. فأي من هاتين ياترى ستكون السياسة الأمريكية القادمة؟

-         سياسة الرئيس ترامب تجاه المنطقة تميزت بالبراغماتية العالية وركزت على المصالح المادية المباشرة (سياسة هات وخذ). هذه السياسة أهملت المصالح الرئيسية للولايات المتحدة في المنطقة وعطلت أي أمل بحصول مقاربات وحلول للقضايا العالقة فيها، هذه السياسة مرشحة للاستمرار في حال فوز الرئيس ترامب.

-         الانتخابات الرئاسية لعام 2016م، شهدت دخول بعض الأطراف الخارجية على خط الانتخابات في محاولة للتأثير في نتائجها حيث وضعت رهاناتها على الرئيس الحالي، الأمر الذي أثار غضب العديد في المؤسسات الأمنية والإعلامية بالإضافة إلى الحزب الديمقراطي. الآثار السلبية لهذا التصرف بدأت تبرز إلى العلن من خلال المواقف المتشددة لمجلس النواب تجاه بعض القضايا المتعلقة بالمنطقة، على الرغم من أن الحكومة هي التي تمتلك القرار في السياسة الخارجية لكن الكونغرس يمتلك صلاحيات واسعة للتأثير في السياسة الخارجية من خلال الموازنة ومراقبة عمل الحكومة.

-         الانتخابات القادمة سوف تشمل اختيار جميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ حيث يمتلك الحزب الديمقراطي أغلبية في الأول. الحالة في المجلسين ممكن أن تنقلب، فقد يستعيد الجمهوريون أغلبية مجلس النواب التي فقدوها قبل سنتين فقط، وقد يخسر الجمهوريون أغلبيتهم في مجلس الشيوخ. هذه الاحتمالات على درجة كبيرة من الأهمية بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية وسوف تترتب عليها أمور على غاية الأهمية بالنسبة للعلاقات الأمريكية-الخليجية.

 

ثالثًا- التطورات المستقبلية للمصالح الأمريكية في الخليج

  1. المتغيرات في موازين القوى العالمية: بادئ ذي بدء لابد من القول إن العالم مر في العقود الثلاثة الأخيرة بمتغيرات كبيرة شملت طبيعة وتركيبة القوى الفاعلة في السياسة العالمية كان من أبرزها نهاية مرحلة القطبية الثنائية، أو الحرب الباردة التي تبعتها مرحلة القطبية الأحادية التي تمثلت بانفراد الولايات المتحدة بالريادة العالمية، ويبدو أن العالم يسير تجاه مرحلة بدأت بوادرها بالظهور تتمثل بتعددية الأقطاب. هذه المتغيرات جاءت بسبب الزيادة في قوة التواصل والترابط بين مناطق العالم المختلفة وأدت إلى حصول تغيير في طبيعة المنافسة العالمية على الأسواق والموارد. إن طبيعة الصراعات العالمية تجعل من الصعوبة التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور في المنطقة على مدى السنوات العشر القادمة لكن ذلك لا يمنع من الحديث عن أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر في وضع العلاقات الأمريكية-الخليجية وأهم الدلائل والمؤشرات على ذلك.

 

العقد القادم سوف يشهد تغيرات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية العالمية. الرسم البياني أدناه يوضح حجم الناتج المحلي للدول الثلاث عشرة الأولى اقتصاديا بحلول عام 2030م، مقارنة مع أرقام 2018م، لنفس الدول.

  

 

رسم بياني يمثل الناتج المحلي (GDP) لأكبر 13 اقتصاد في العالم بحلول عام 2030م، مع مقارنة بالأرقام لعام 2018م، لنفس الدول

 

نظرة بسيطة إلى أرقام الرسم البياني أعلاه توضح التالي:

-         أكبر المتغيرات التي سوف تحدث في العقد القادم هي تجاوز حجم الناتج المحلي للاقتصاد الصيني لنظيره الأمريكي. حيث تقدر التقارير الاقتصادية حجم الاقتصاد الصيني بحلول 2030م، بما يقارب 40 ترليون دولار، في حين أن الاقتصاد الأمريكي سوف يقارب 25 ترليون دولار.

-         العقد القادم سوف يشهد طفرة كبيرة وظهور قوي للاقتصاد الهندي الذي سوف يصبح الثالث عالميًا قبل حلول 2030م، ولن يطول به الزمن بعد ذلك حتى يتجاوز الولايات المتحدة ويحتل المرتبة الثانية عالميًا. هذه النتيجة سوف يترتب عليها تنامي الدور الهندي في المنطقة والذي قد يدخل في منافسة حادة مع الصين والولايات المتحدة. لابد من الإشارة هنا إلى أن الهند تمتلك ميزات في تعاملها مع المنطقة من أهمها التأريخ الطويل الذي يمتد لقرون عديدة بالإضافة إلى الملايين من العمال الوافدين الذين يقيمون في دول المنطقة. الأمر الذي قد يؤدي إلى معادلة معقدة ليس هنا مجال الحديث عنها.

-         يظهر الرسم البياني الفارق الكبير بين حجم الاقتصاديات الثلاث الأولى مقارنة مع باقي الدول.

-         إندونيسيا سوف تتجاوز الدول الأوربية لتصبح الخامسة عالميًا بعد اليابان، وبذلك تكون الدولة الرابعة من الدول الآسيوية في الاقتصاديات الخمس الأولى عالميًا. ولعل هذه إحدى الدلائل التي دفعت بالعديد إلى إطلاق تسمية "القرن الآسيوي" على القرن الحالي.

-         الدور الأوروبي هو الآخر مرشح للتغيير وبصورة دراماتيكية خصوصًا بعد الفوز الكبير الذي حققه حزب المحافظين بقيادة بوريس جونسون في الانتخابات الأخيرة والتي كانت بمثابة التفويض لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لذلك سوف تسعى بريطانيا للعودة إلى مناطق نفوذها وفي مقدمتها منطقة الخليج. فهل ستعمل بريطانيا في المنطقة منفردة أم ستدخل في شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة؟

-         المملكة العربية السعودية تصل إلى المرتبة الثالث عشرة عالميًا مقارنة بالمرتبة الثامن عشرة في 2018م. وبمناسبة الحديث عن هذه الأرقام فإن قيام تجمع اقتصادي خليجي يشمل دول مجلس التعاون والعراق واليمن سوف يجعل من ذلك الاقتصاد الثامن عالميًا بأرقام اليوم وأعلى من ذلك بأرقام المستقبل.

-         هذه المتغيرات العالمية تثير تساؤلاً مهمًا عن دور الولايات المتحدة في حماية طرق التجارة العالمية ومنها الخليج العربي، وهو الدور الذي لعبته منذ الحرب العالمية الثانية. فهل من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بحماية طرق التجارة التي تمر بها بضائع الدول المنافسة لها في الساحات الاقتصادية والاستراتيجية؟ وإذا قررت الولايات المتحدة تقليص دور قواتها البحرية في هذا المجال، فمن سيقوم بملء الفراغ وهل تمتلك الصين القدرة على ذلك؟ أم أن ذلك سوف يؤدي إلى حدوث فوضى في طرق التجارة العالمية وعلى الأقل على مدى المرحلة الانتقالية التي تسبق ظهور نظام عالمي جديد لحماية طرق التجارة؟ ثم هل ينتج عن ذلك تنامي دور القرصنة وعصابات الجريمة المنظمة في أعالي البحار؟

  1. المتغيرات في أسواق النفط العالمية: أسواق النفط العالمية هي الأخرى مرشحة للعديد من المتغيرات في العقد القادم، ولعل من أبرز تلك المتغيرات:

-         انخفاض الطلب في الدول المتقدمة: استمرار الضغط على استهلاك النفط في الدول المتقدمة نتيجة رفع الكفاءة وزيادة إنتاج الطاقة البديلة، هذه السياسات سوف تؤدي إلى وصول إنتاج النفط إلى أقصى مستوياته في الفترة بين 2030 الى 2040م، ثم يستقر عند مستويات 125 مليون برميل يوميًا حسب بعض التوقعات أو ينخفض إلى مستوى 70 مليون بحلول 2050م، حسب توقعات لسياسات بيئية متسارعة. بغض النظر عن ذلك فإن جميع التوقعات تشير إلى زيادة مستمرة في الاستهلاك في قطاع البتروكيماويات.

-         الزيادة في إنتاج النفط في أمريكا

الارتفاع الكبير في أسعار النفط قبل عشر سنوات كانت له نتائج عرضية لم تكن بالحسبان من أهمها تشجيع الصناعة النفطية غير التقليدية مثل التنقيب في أعماق البحار وزياد إنتاج النفط والغاز الحجري (Shale oil and gas). كانت العمليات غير التقليدية تتطلب مستويات أسعار تتجاوز الستين دولار للبرميل، لكن مع مرور الزمن وزيادة الكفاءة في عمليات الإنتاج تدنت الكلفة إلى أقل من ذلك بكثير. لذلك استمرت الزيادة في إنتاج النفط غير التقليدي على الرغم من التدني النسبي لأسعار النفط الخام. الزيادة في إنتاج النفط غير التقليدي مرشحة للاستمرار على مدى السنوات القادمة كما هو موضح في الرسم البياني أدناه والذي يمثل توقعات منظمة أوبك لنمو إنتاج النفط والغاز المسال في الولايات المتحدة بالإضافة إلى تقليل الاستهلاك بسبب ارتفاع الكفاءة وزيادة إنتاج البدائل غير الكربونية للطاقة مثل الطاقة الشمسية والرياح والمياه. السؤال الذي يبرز هنا عن أثر ذلك كله على مستوى الاهتمام الأمريكي بالمنطقة في ضوء الزيادة في إنتاج النفط المحلي لأن البعض كان يتوهم بأن اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة كان سببه الأساسي عامل النفط، مع إنه عامل مهم إلا أنه ليس العامل الأساسي.

 

 

رسم بياني يوضح الزيادة المتوقعة في إنتاج النفط الحجري والغاز الصخري المسال في الولايات المتحدة حسب توقعات منظمة أوبك[2]

 

-         الزيادة في استهلاك الاقتصاديات الناشئة للنفط والغاز وخصوصًا الصين والهند: انظر الجدول أدناه الذي يبين النمو المتوقع في استهلاك الصين والهند للنفط على مدار العقد القادم.

 

الهند

الصين

العام

5.1

13.4

2020

6.2

14.7

2025

7.4

15.7

2030

 

جدول يوضح النمو المتوقع في استهلاك النفط في الصين والهند في العقد القادم حسب توقعات منظمة أوبك[3]

هذه الزيادة سوف تكون أكثر من النقص الحاصل في استهلاك الدول المتقدمة نتيجة رفع الكفاءة والتحول إلى المصادر البديلة. الفرق بين العملين سوف يصل إلى مستوى التوازن في الفترة بين 2030 إلى 2040م، عندما يصل استهلاك النفط إلى أعلى مستوياته ثم يقف عند تلك المستويات أو يبدأ بالانخفاض حسب بعض التوقعات. وهنا يبرز السؤال عن حصة دول المنطقة من الإنتاج العالمي ومدى قدرة الموارد النفطية على توفير الموارد المالية المطلوبة لدول المنطقة للمحافظة على مستوى الإنفاق فيها ناهيك عن الزيادة في أعداد السكان عامة وأعمار المسنين خاصة نتيجة الارتفاع في معدلات الأعمار في دول المنطقة. فعلى سبيل المثال فإن أعداد المسنين في المملكة الذين تتجاوز أعمارهم أكثر من 65 سنة سوف يرتفع من 230 ألف هذا العام إلى حوالي ستة ملايين بحلول 2030م.

 

رابعًا- أهم التحديات التي تواجه العلاقات الخليجية-الأمريكية

  1. غياب استراتيجية الأمن والسلام في المنطقة: لايزال غياب منظومة شاملة لأمن المنطقة من أكبر التحديات التي تواجه دولها منفردة ومجتمعه وتدفع بالعلاقات مع الولايات المتحدة باتجاه العمل بردود الفعل تجاه التحديات الكبيرة التي تواجهها في حاضرها ومستقبلها المنظور. تعود جذور هذه المعضلة إلى الطرفين، فدول المنطقة لا تمتلك استراتيجية لأمنها القومي وهذا يحول بينها وبين الدخول في حوارات استراتيجية مع شركاءها في مجال الأمن وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، في حين أن الإدارة الأمريكية تميل إلى التعامل مع المشكلات بواقع ردود الأفعال ودون الدخول في التزامات بعيدة المدى إلا إذا كانت مضطرة لذلك. وليس أدل على غياب التفكير الإستراتيجي تجاه قضايا المنطقة من قبل الجانب الأمريكي من إقرار قائد قوات المنطقة الوسطى السابق الجنرال جيمس فوتيل حول الخلاف مع إيران عندما قال: "أنا لست واثقًا من إننا نفهم الأشياء التي تريدها إيران، كما أننا لسنا واثقين من أن إيران تفهم الذي نريده في المنطقة[4]".

  

  1. ازدياد حدة الصراع الإقليمي: شهد العام المنصرم ارتفاعًا كبيرًا في حدة الصراع الإقليمي الذي أوصل المنطقة إلى شفا حرب شاملة غير معروفة النتائج. ليس هناك في الأفق من مشاريع أو مبادرات دبلوماسية ترمي إلى تخفيف حدة الصراع أو إيجاد تفاهمات إقليمية حول القضايا العالقة. لذلك فليس من الصعب التكهن بضعف إمكانية حصول انفراج في المشكلات التي عصفت وماتزال بالمنطقة لكن يبقى الأمل بالتغيير في المواقف واردًا. كما وأن القاعدة العامة التي تقول بأن المشكلات التي لا تحل تزداد تعقيدًا مع الزمن، تعني بأن الأوضاع في المنطقة قد تخرج عن حدود السيطرة في أي وقت إذا لم تتم المسارعة إلى تقوية الجهود الدبلوماسية الرامية الى حل النزاعات القائمة.

 

الصراع الإقليمي سوف يشهد تطورات غير معروفة النتائج، ولعل من أهمها التغيير المتوقع في القيادة الإيرانية في مرحلة ما بعد المرشد الحالي علي خامنئي، وهو التغيير الذي يثير الكثير من التكهنات عن طبيعة النظام الإيراني في المرحلة القادمة وهل سوف تنتج المرحلة الانتقالية صراعًا داخليًا ربما يؤدي إلى اتخاذ مواقف تصعيدية من القضايا الخارجية.

  

  1. تطورات الأوضاع في العراق: شكلت أوضاع العراق منذ غزو الكويت وليومنا هذا أكبر تحد واجهته العلاقات الأمريكية-الخليجية. وكانت عملية غزو العراق وإسقاط النظام وأسلوب إدارة البلد منذ الغزو من أكبر الإخفاقات التي منيت بها السياسة الأمريكية بسبب النتائج التي ترتبت على الحرب وآثارها الكارثية على أوضاع المنطقة عامة وصورة الولايات المتحدة. وكان من نتائج أو أسباب تلك السياسات عزل العراق عن محيطه الخليجي. لكن القضية العراقية تبقى التحدي الأول والفرصة الكبرى أمام العلاقات الأمريكية-الخليجية.

الشعب العراقي انتفض هذه الأياممطالبًا بالحياة الكريمة التي كان يصبو إليها، وقد دفع نتيجة ذلك المئات من الشهداء وآلاف الجرحى. تأتي هذه الانتفاضة المباركة بعد عقود من القطيعة بين العراق ومحيطه الخليجي، ولذلك فلن يكون من السهل على دول الخليج أن تعود إلى الساحة العراقية. لكن على تلك الدول أن تعي أنها ترتبط مع العراق بمصير واحد. ولذلك فليس بإمكانها الوقوف بموقف المتفرج تجاه مايجري وإنما عليها العمل مع الشريك الأمريكي ومنفردة من أجل توفير الدعم الكامل للشعب العراقي في أن يحقق أمنياته في الحياة الكريمة، لأن ذلك يشكل مصلحة مصيرية لها وفرصة لايمكن التفريط بها.

  1. تغير طبيعة الصراعات في المنطقة وتنامي خطورة الحروب غير المتوازنة: هناك أسباب عديدة تدعونا إلى التحذير من خطر الحروب غير التقليدية في المنطقة على المدى المنظور، ولعل من أهمها الحروب الأليكترونية والنزاعات المسلحة مع الجماعات العابرة للحدود مثل الجماعات المتطرفة وعصابات الجريمة المنظمة والقرصنة في البحار. إن دول المنطقة شهدت تطورًا كبيرًا في مجال الاعتماد على الأجهزة الإليكترونية في مختلف التطبيقات التي تشمل أهم وأخطر مجالات الحياة مثل المعلومات الإحصائية والمعاملات الاقتصادية إلى الأسرار العسكرية ووسائل السيطرة والتحكم بالإضافة إلى الاتصال، وهي في أغلبها تطبيقات تشمل الأمن الوطني. هذه الأنشطة تمثل نقطة هشة في دفاعات الدول لأنها عرضة للاختراق.

ولعل من أبرز الأمثلة على خطورة الأمر الهجوم الإلكتروني الذي تعرضت له بعض منشآت أرامكو عام 2017م. لم تكن الغاية من الهجوم سرقة معلومات أو توقيف العمل ، لكن الغاية منه كانت أخطر من ذلك وبكثير، وكما أشارت صحيفة نيويورك تايمز في مقال لها في 18 مارس 2018م، بأن الغاية من الهجوم كانت إحداث تفجير في المنشأة. هذا المثال يوضح بأن الحروب الإلكترونية أصبحت اليوم واحدة من أخطر وسائل الحرب الشاملة.

وإذا كانت المنطقة غير محصنة في مجال الحروب التقليدية كما أشرنا آنفًا، فإنها أكثر عرضة للأخطار غير التقليدية التي ذكرناها أعلاه. لذلك يجب أن تكون ضمن أولويات إستراتيجية أمن دول المنطقة منفردة ومجتمعة والتي يجب أن تكون في صلب التعاون الأمني بين دول المنطقة والولايات المتحدة.

الخاتمة

خلاصة القول إن العلاقات الخليجية-الأمريكية عانت في الماضي ولاتزال من غياب التصورات الاستراتيجية الأمر الذي أدى إلى إهمالها الحاجيات الأساسية للمنطقة مثل عدم وجود منظومة الأمن المشترك وكانت العلاقة تدار بردود الأفعال ووضع المسكنات على القضايا الساخنة، وهو الأسلوب الذي لم ينتج عنه أي علاج لقضايا المنطقة العالقة بل زادها تأزيمًا وتعقيدًا مع مرور الزمان. ليس هناك في الأفق ما يوحي بتغيير في المقاربة الأمريكية، الأمر الذي سوف يؤدي إلى زيادة في التنافس العالمي على المنطقة وعلى مواردها وأسواقها. كما أنه ليس من المعروف فيما إذا كانت هذه هي النتيجة التي تريدها الولايات المتحدة أم أنها سوف تكتشف ذلك بعد فوات الأوان؟ بعيدًا عن الصراعات الدولية، فإن المنطقة بحاجة إلى إحداث نقلة نوعية في العلاقات مع الولايات المتحدة ترتقي بها من ردود الفعل إلى الشراكة الحقيقية. وهذه لن تحدث من ذاتها ولكنها تبدأ بتنظيم البيت الخليجي من الداخل وإقامة منظومة إقليمية اقتصادية وأمنية تعمل على توفير الحاجات الأساسية لدول المنطقة وفي مقدمتها الأمن والتنمية.

 

[1] د. غانم الجميلي "الإستراتيجية الأمريكية قائمة على خيار التفاوض وليس الحرب" مجلة آراء حول الخليج" العدد 141، سبتمبر 2019 صفحة 65-69.

[2] J. Clemente, “Three things to know about OPEC’s latest forecast” Nov. 10, 2019, in www.forbes.com

[3] J. Clemente, “Three things to know about OPEC’s latest forecast” Nov. 10, 2019, in www.forbes.com

[4] James Votel, “US Priorities in the Middle East,” Middle East Institute Policy Paper 2019-23, December, 2019, page 8.

مقالات لنفس الكاتب