; logged out
الرئيسية / استراتيجية دول الخليج : سياسية خارجية واحدة أو مشتركة وآليات عمل جماعية ومؤسساتية

العدد 145

استراتيجية دول الخليج : سياسية خارجية واحدة أو مشتركة وآليات عمل جماعية ومؤسساتية

الخميس، 02 كانون2/يناير 2020

تعطينا تداعيات الأحداث الجسام التي شهدتها المنطقة الخليجية خلال الفترة من يونيو عام 2017م، وحتى الآن، وآفاقها المقبلة، قدرًا كبيرًا من اليقين بتوقعات مستقبل السياسة الخارجية الخليجية خلال المدى المنظور عام 2020م، وكذلك المدى الطويل للعقد " 2020 – 2030، وإعمال العقل فيها يقود الفكر السياسي الخليجي إلى نتائج عقلانية تمس المصالح الوطنية لكل دولة من الدول الست من جهة، والمصلحة الخليجية الكلية من جهة ثانية، وبالتالي، لا ينبغي تجاهلها أو استمرارية التفكير من داخل الصندوق السياسي، بل الحتمية الخليجية الجماعية، تستوجب فعلا الخروج من هذا الصندوق وفق المسلمات والبديهيات الجديدة.

ورغم ما يعزى للسياسات الخارجية لدول المجلس الست، السبب في حدوث انشقاقات داخلية وكذلك تعطيل مسيرة التعاون والتكامل، إلا أننا لا نحملها بالمطلق ولا بشمولية ذلك، فهناك الكثير من التوافق بين الدول الست في سياساتها الخارجية مقابل القليل من الاختلاف، وهذا القليل، هو الذي يسبب الصداع ويعطل التطور المشترك، ويرجع ذلك إلى اختلاف مواقفها من قضايا خارجية محددة.

وتلكم رؤية نافذة، نعتقد أن طبيعة المرحلة الراهنة تحتاج إلى التذكير بها من جهة، ورسم خارطة جديدة بالقضايا والأزمات الداخلية والخارجية التي تشطر السياسة الخارجية الخليجية المشتركة، وتجعلها تؤثر على العلاقات الجماعية والثنائية بين هذه الدول من جهة ثانية.

واذا ما استدعينا الوعي السياسي الجديد الناجم عن الأحداث الجسام الجديدة، فإننا نجد هناك الكثير من الدواعي التي تحتم على دول المجلس الست تبني استراتيجية حاكمة للسياسة الخارجية الخليجية وفق أهداف ومحددات ثابتة وليست متغيرة، وإذا لم تعمل، فإنها ستكون بذلك بعيدة كل البعد عن الاستفادة من تجربتها خلال الفترة الزمنية التي حددناها سابقًا، وبذلك ستفوت على نفسها الفعالية وعدم المشاركة في رسم ملامح العقد المقبل ولا حتى التعاطي الإيجابي مع تطورات إقليمية بدأت على المستوى النظري تظهر وكأنها تسحب من تحت أقدام المنظومة الخليجية التأثير على محيطها الإسلامي والإقليمي.

  • التساؤلات المنهجية للمقال.

س: هل آن الأوان لمجلس التعاون الخليجي أن يكون لاعبًا أساسيًا إقليميًا وعالميًا من خلال سياسة خارجية جماعية بصرف النظر عن كونها سياسة موحدة أو مشتركة؟

س: هل الأحداث التي مرت بها الدول الست، وتلكم التي شهدتها المنطقة، قد أنضجت القناعات السياسية، بأن يكون للخليج العربي صوت خليجي واحد وقوي في القضايا الإقليمية والعالمية؟

س: ما هي طبيعة أهداف السياسة الخارجية الخليجية الجديدة، مشتركة/ موحدة في عالم جديد، بدأ وكأنه يبلور قواه الفاعلة، ويكسر أحادية القطب؟

س: كيف يمكن تأسيس سياسة خارجية خليجية سواء كانت موحدة أم خليجية من رحم تجارب الثلاث سنوات الأخيرة وبالذات عام 2018؟

سنحاول من هذه التساؤلات التمهيدية إثبات أن معظم المحددات السياسية والاقتصادية والديموغرافية والإقليمية والدولية للسياسة الخارجية الخليجية التقليدية قد سقطت الآن، ومن ثم فإن المعطيات الجديدة تلح على الدول الست أن تعيد رسم محددات لسياستها الخارجية المشتركة من ركائز وأسس ومقومات جديدة سواء في إطار علاقاتها الدولية أو مع المنظمات والتكتلات الإقليمية والدولية.

  • السياسة الخارجية الخليجية المشتركة من منظورين: تاريخي ومعاصر.

لسنا مع التعميم ولا الشمولية في جلد السياسة الخارجية الخليجية، فلو تأملنا قليلاً فيها من المنظور التاريخي، فسنجد أن هناك سياسة خارجية مشتركة ملموسة في عدة قضايا إقليمية وعالمية عبرت بوضوح عن الموقف الخليجي الواحد والقوي، مثلا إدانة استهداف السفن التجارية في المياه الخليجية، وكذلك استهداف أراضي ومواقع خليجية من قبل الحوثيين، وقديمًا مثل تحرير دولة الكويت، ومساندة قضية الجزر الإماراتية المحتلة ودعم القضية الفلسطينية وقضية الجولان المحتلة ولبنان والصومال وأحداث البحرين عام 2011م، وقضايا نزع الأسلحة النووية من الشرق الأوسط .. الخ.

ويعتبر عقدي الثمانينات والتسعينات نموذجين يمكن البناء عليهما في تحديد مستقبل السياسة الخارجية المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، ففيهما تجربة ينبغي استدعائها لتطويرها من منظور الشمولية وفق قناعات الأحداث الجسام التي وقعت خلال المدى المنظور وتصاعدت عام 2019م، وسنتناولها لاحقًا، ولو رجعنا إلى هذين العقدين سنجد أن تركيز السياسة الخارجية الخليجية خلالهما كان ينصب على التصدي لمسببات عدم الاستقرار من مصادر الجغرافيا.

وقد تمثلت هذه الأحداث في الحرب العراقية الإيرانية، حيث عملت السياسة الخارجية الخليجية المشتركة -وفق تحليلات أطلعنا عليها -على عدم انتشار رقعة الحرب، وقد نجحت بامتياز، وكذلك في احتلال نظام صدام حسين لدولة الكويت، واعتبرت السياسة الخارجية الخليجية تحريرها أولوية جماعية مطلقة، ونجحت بامتياز، بصرف النظر عن تداعيات الاستعانة بالأجنبي، وبعيد التحرير عملت هذه السياسة بصورة جماعية على تطبيق القرارات الدولية بشأن الكويت، وهذا كله يستدل منه على وجود سياسة خارجية خليجية مشتركة وفاعلة " آنذاك ".

والتساؤل الجدير بالطرح هنا يدور حول الأسباب التي تجعل الدول الست تتفق أو تختلف في سياساتها الخارجية؟ وهنا يمكن القول صراحة أنها ترتبط في جوهرها بمواقفها من القضايا الخارجية، وهذا ما تجلى لنا في مواقفها المتباينة من أزمات معاصرة مثل الأزمات العراقية والسورية والليبية واليمينة، فكلما يسود الخلاف أو الاختلاف فيها تنعكس سلبًا على سياستها الخارجية المشتركة، وكانت قضايا السيادة والحدود ومحددات السياسة الخارجية الخليجية التقليدية عوامل أساسية في صناعة التنافر بين مواقف بعض الدول الست مما ينعكس ذلك سلبًا على السياسة الخارجية الخليجية، فهل تعد هذه المحددات صالحة للعقد القادم " 2020-2030 "؟

سنرى أنها قد تجاوزها العصر بتطوراته وإيقاعاته المختلفة، فلو تأملنا في المحددات السياسية، فسيتأكد لنا مدى حاجة كل الأنظمة إلى جرعات من الانفتاح والمشاركة في اتخاذ القرار لمواجهة تحديات الجغرافيا الإقليمية المنشغلة هذه الأيام بطموحات اجتماعية في تغيير قواعد اللعبة السياسية الداخلية في الكثير من العواصم الإقليمية، مما قد يجعل العواصم الخليجية الست – مع التباين – محط تجاذبات داخلية مع الخارج، وربما بضغوطات منه.

أما المحددات الاقتصادية، فهي تكمن في تأثير النفط على السياسة الخارجية الخليجية، وانعكاسات ذلك على تفاعل السياسة الخارجية الخليجية ودورها في صناعة الاستقرار للسوق النفطية، غير أن تأثير السياسة الخارجية الخليجية قد أصبح يكتنفه التحديات الجيوسياسية تجاه العالم نحو الطاقة النظيفة، مما سيقلل من أهمية النفط الخليجي قبل نضوبه وكذلك من أهمية مضيق هرمز مستقبلاً.

بينما يكمن أكبر الاختلالات في المحددات الديموغرافية التي تجعل شعوب دول الخليج ما عدا المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، أقلية أمام طوفان الوافدين .. أما المحددات الإقليمية، فإن التراجع الأمريكي عن الخليج العربي ومحاولات تحسين العلاقات مع إيران في ظل طموح طهران في المنطقة الخليجية، سيجعل من العامل الأمني الأمريكي لدول المجلس الست مفرغًا من تأثير السياسة الخليجية المشتركة.

أما المحددات الدولية، فقد لعبت واشنطن دورًا كبيرًا في التأثير على السياسة الخارجية الخليجية بسبب تقديم الدعم الأمني والعسكري لدول مجلس التعاون، ودور الدول الأخيرة في تأمين تدفق النفط الخليجي للغرب، غير أن التراجع الأمريكي عن المنطقة وحالة الجدال والمواقف العدائية تجاه الخليج من داخل أمريكا منذ مقتل خاشقجي، تجعل من إعادة النظر في السياسة الخارجية الخليجية المشتركة، مسألة حتمية وعاجلة في ظل وجود بدائل تفرض نفسها بعد اتساع نفوذ قوى عالمية كروسيا والصين.

وإسقاط محددات السياسة الخارجية الخليجية، سيعطي دول المجلس حرية التصرف في سياستها الخارجية المشتركة من جهة ثانية، وذلك عبر انفتاحها على الشركاء الدوليين والإقليميين الجدد كروسيا والصين والهند وباكستان، وحتى المتنافسين معها كتركيا وإيران من جهة ثانية، وإسقاط تلكم المحددات، تفتح كل الأبواب أمام دول المجلس الخليجي إلى إقامة سياسة خارجية مشتركة وفق ما تتطلبه مصالحها الداخلية المشتركة ومتغيرات إقليمية ودولية ضاغطة.

  • قناعات سياسية جديدة منتجة لتحولات تاريخية.

من حسن الطالع، أن تتزامن عملية إسقاط تلكم المحددات، مع ترسيخ قناعات سياسية جديدة تخرج من مرحلة الثلاث سنوات الأخيرة، وعلى وجه الخصوص عام 2019م، يكفي الاستدلال بها لإحداث التحول التاريخي المنتج لتكتل خليجي متماسك داخليًا بسياسة خارجية قوية، ليسنا هنا بصدد حصر هذه الأحداث، وإنما يكفي الإشارة إلى أحداث معينة يمكن من خلالها البناء عليها القناعات السياسية الجديدة.

لقد فتح إعلان واشنطن انسحابها في الأول من فبراير الماضي من معاهدة الصواريخ النووية مع روسيا، وتنظيم بكين في أكتوبر الماضي أكبر عرض عسكري في تاريخها، واستعراض للمرة الأولى صاروخها العابر للقارات " دي اف 41 " ليفتح أمام المنظومة الخليجية، سباق جديد للتسلح مفتوح الحدود في ظل ظهور أمريكا كقوة متراجعة مع تصاعد ظهور روسيا والصين كقوتين عالميتين، تملكان عناصر الجذب الإقليمي ومع مساعي طهران إلى امتلاك السلاح النووي.

وقد تزامن مع هذا التحول العالمي، تحولات إقليمية أبرزها صعود دول مثل تركيا وإيران والهند كدول إقليمية منافسة لموسكو وواشنطن على الخارطة الجيوسياسية الإقليمية بل والعالمية، وفي هذا الصدد يشكل افتتاح قاعدة عسكرية تركية في الدوحة من التحديات البارزة لدول أساسية داخل المنظومة الخليجية، وقد تعززت هذه المخاوف بعد تشكيل تحالف إسلامي من تركيا وماليزيا وإندونيسيا وقطر .. في تراجع للدور الإقليمي والعربي لدول المنظومة الخليجية.

كما يشكل اختلال الأمن الخليجي الداخلي من كبرى الانكشافات بعد استهداف ناقلات نفط في الخليج في يونيو الماضي، ومواقع نفطية داخل العمق الخليجي في سبتمبر الماضي مع تصاعد حالة الشك والارتياب بين بعض دول المنظومة الخليجية .. مما فتحت مختلف السيناريوهات المجنونة ... الخ، في ظل الانقسام إلى فسطاطين أو ثلاثة من بعض الأزمات، كاد أن يترسخ هذا المشهد، مما ستجد الدول الست نفسها في مرحلة تشتت غير مسبوقة، لذلك ومن هنا، قلنا سابقًا، إن عودة تماسك دول المنظومة الخليجية، ربما كانت في حاجة لمثل تلكم الأحداث الجسام التي تولد مجموعة قناعات سياسية جديدة، نبرز أهمها في النقاط التالية:

-      كل دولة من الدول الست تشكل عمقًا استراتيجيًا مصيريًا للكل، ففقدان عمق أي واحدة منها أو أي خلل فيه، ستتأثر به الدول الأخرى، كما فقدت العمق العراقي وآخر في قطر وفي جوارها اليمن.

-      تكشف الأزمة الخليجية ــ الخليجية ضعف المصالح بين الدول الست، وعدم تأسيس علاقات هذه الدول على مصالح نفعية عميقة متبادلة ومشتركة، تساهم في التأثير الإيجابي على قوة السياسة الخارجية الخليجية أو يكون من شأنها تحييد خلافات السياسة الخارجية الخليجية، بل وتصوب أو تهذب من شطحات بعضها.

-      لم تتأسس المنظومة الخليجية على مصالح اقتصادية بينية عميقة مع دول إقليمية وعالمية متعددة، وظلت محصورة على النفط غالبًا، وهي مادة مضمونة للقوى الخارجية، وهامش المساس بها محدود جدًا رغم التوترات الجيوسياسية للممرات المائية.

-      حتمية تغيير بوصلة الاعتماد على المسار الغربي عامة والأمريكي خاصة، في ضوء بروز دول إقليمية وعالمية أخرى منافسة لها في المنطقة، وهنا ندعو إلى التأمل في دور بكين وموسكو في الشرق الأوسط، وكيف أصبحت دول أوروبية كألمانيا وفرنسا تغير بوصلتها نحو إغراءات طريق الحرير على حساب بوصلتها نحو واشنطن.

-      تجربة حرب اليمن وتداعياتها الإقليمية، وقد أثبتت بجلاء أن الحليف الأمريكي لن ينفرد بضمانة الأمن الخليجي أو حتى بصفة أساسية، بصرف النظر كونه قوة متراجعة، مما برزت قوى إقليمية وعالمية أخرى كالعراق وإيران وتركيا " وإسرائيل " وروسيا لها التأثير بدرجة معينة على الأمن الإقليمي، وبالتالي، فإن مستقبله – أي الأمن الإقليمي – ينبغي أن يكون من منظور تلكم الأبعاد الجيوسياسية.

-      الحقيقة الراسخة أن أية خلافات لن تنهار بسببها المنظومة الخليجية، بدليل بقائها رغم أزمة 2017م، وبدليل الآفاق الرحبة لحلها، وبالتالي، فإنه ليس أمام الدول الست من خيار سوى الرهان على المنظومة فقط، بالقناعات الجديدة.

  • نحو استراتيجية سياسية خليجية مشتركة قوية أو موحدة ".

بدأ لنا المشهد الناجم عن تداعيات الأحداث الثلاثة المختارة التي أشرنا إليها سابقًا وكأن مستقبل تماسك وتمتين الدول الست الخليجية كان يحتاج لمثل هذه الأزمات العميقة حتى تترسخ تلكم القناعات السياسية الجديدة التي يمتزج فيها الأمن بالسياسة، والأمن بالاقتصاد، والأمن بالديموغرافيا، والأمن بالأيديولوجيا وهو أصلا لم يكن لمجلس التعاون الخليجي أن يرى النور في الثمانينات لو لا أزمة الأمن الإقليمي " آنذاك " مما دفع العامل الأمني ست دول إلى إقامة تكتل أمني بالدرجة الأولى على خلفية اقتصادية تكاملية، والأحداث سالفة الذكر والقناعات المترتبة عليها، تنقل الدول الست إلى فهم جديد للتكتل الخليجي في ضوء ما أشرنا اليه سابقًا من قناعات سياسية جديدة .

وتلكم القناعات تطرح مسألتين حتميتين، لا مناص للدول الست من إحداها، وهما إما سياسية خارجية واحدة أو مشتركة قوية، وآليات عمل جماعية ومؤسساتية، فبقاء الوضع كما عليه مشتتًا ومتفرقًا، وفي حالات يبدو متصارعًا، لن يخدم دوله، وأحداث السنوات الأخيرة تدلل على حتمية الرؤية الجماعية وفق إحدى المسألتين.

ومع إدراكنا ببقايا خلفيات فكرية لم تنضجها الأحداث الجسام المستجدة حتى الآن، فإننا نرى أن الاتفاق على استراتيجية سياسة خليجية " مشتركة " هي الخيار الممكن قبوله مرحليًا، لكي تشكل مرجعية لسياسة خارجية خليجية مشتركة قوية، لكن يشترط أن تكون محددة الأهداف والغايات، وأن تعمل الدول الست على بلورة هذه الاستراتيجية برؤية واحدة وفي إطار تكتل قوي داخليًا، ومتناغمًا خارجيًا، ومتصالحًا مع إقليمه ومحيطه العربي.

  • مفهوم السياسة الخارجية المشتركة القوية.

المفهوم ينصرف إلى التنسيق والتعاون في مجال السياسة الخارجية وصولاً إلى صياغة مواقف مشتركة وقد تصل إلى " موحدة " تجاه القضايا السياسية التي تهم دول مجلس التعاون الخليجي على مختلف المستويات العربية والإقليمية والدولية، والتعامل كتجمع واحد مع العالم الخارجي في إطار أسس ومرتكزات متفق عليها من ثوابت أساسية وليس من أمزجة متقلبة أو مرحلية، فهل هذا ممكن؟

المتابع هذه الأيام، لمستوى التنسيق والتعاون بين مسقط والرياض بعد زيارة الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي والمسؤول عن ملف الحوثيين في نوفمبر الماضي، يمكن من خلالها البناء عليها في خضم القناعات السياسية سالف الذكر، وهو – أي التنسيق والتعاون – يتجه نحو تشكيل مواقف مشتركة قوية ليس في مجال المصالحة الخليجية ــ الخليجية وإنما تتجاوز ذلك إلى ما هو أكبر ، بما يخدم الاستقرار والأمن الإقليمي ، نلمس خلفياته في دعوة يوسف العلوي وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني أثناء زيارته الأخيرة لطهران إلى عقد مؤتمر إقليمي تشارك فيه طهران .

وهذا يمكن أن يفسر ويؤول على قرب حل الأزمات الإقليمية التي تكون طهران طرفًا فيها، وكذلك الذهاب الى ما هو أبعد، كأن نرى في مضامينها مساعي لإقامة نظام إقليمي تشارك فيه طهران، وهذا لن يكون ما لم يكن لدول المجلس الست مواقف مشتركة من هذا النظام، وإذا حدث ذلك، فإن مجلس التعاون الخليجي سينتقل نقلة نوعية وكمية باتجاه اعتباره كتجمع واحد في مواجهة العالم الخارجي ببعديه الإقليمي والدولي.

لكن، ورغم ذلكم التطور الاستراتيجي الهام بين مسقط والرياض، إلا أنه يتطلب تكمله وإرادة حتى يمكن اعتباره قاطرة لبقية المواقف الخليجية الأخرى، وحتى يتسم بالديمومة حتى بين مسقط والرياض حيث نبحث هنا عن الاستدامة العقلانية للسياسة الخارجية الخليجية المشتركة، وهذا لن نجده إلا في تحديد أهداف الاستراتيجية السياسية الجديدة لمجلس التعاون الخليجي في ضوء تجارب الأحداث الأخيرة.

  • أهداف الاستراتيجية السياسية الجديدة.

تنطلق هذه الأهداف من قيم المنظومة الخليجية ومصالحها الأساسية بما فيها الأمنية والحفاظ على استقلالية دولها وفق الحدود المعترف بها، واعتبار أمن الدول الست مسؤولية مشتركة، ودمج التنمية بين الدول بمفهومها الشامل ضمن أهداف السياسة الخارجية الخليجية المشتركة وفق القناعات الجديدة التي أنتجتها الأحداث الثلاث سنوات الأخيرة، وهي قناعات تربط الشأن الوطني لكل دولة بالشأن الجماعي للمنظومة الخليجية، والشأن الخليجي الداخلي بشأن محيطها الإقليمي.

وكل المعطيات تشير إلى أن الدول الست – مع التباين – ستواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة في ضوء ما يشهده محيطها الإقليمي من صراعات معقدة يقودها شباب طامحين تدفعهم الطموحات، فليس بمقدور كل دولة منفردة على مواجهتها لوحدها وبمعزل عن دول المنظومة الخليجية، ولا كذلك استغلال الفرص المتاحة لها ولوحدها مهما كان الظهير الدولي لها.

وكذلك من كبرى الانكشافات الجديدة التي ينبغي للفكر السياسي الخليجي التسليم بها، والعمل على صياغة بيان جديد من خلال قمة بل مجموعة قمم تعقد لإحداث تحولات تاريخية كبرى تنطلق أولاً من الشأن الجماعي ومن ثم الإقليمي والدولي ثانيًا، ومن خلالها يتم تحديد أهداف السياسة الخارجية الخليجية المشتركة، مما سيظهر الحفاظ على السلام ومنع النزاعات وتعزيز الأمن الإقليمي كأولوية من أولويات السياسة الخارجية الخليجية المشتركة.

إن انعدام الأمن والاستقرار عن الشركاء الإقليمين خاصة جيران دول المجلس الخليجي كإيران والعراق واليمن ينعكس سلبًا على دول المجلس الخليجي بصورة مباشرة، لذلك يتعين على السياسة الخارجية الخليجية المشتركة أن تعيد التفكير في أن تجعل من أهم أهدافها كذلك خدمة شأنها الداخلي من منظور إقليمي.

ولن يتحقق ذلك إلا من خلال خليج عربي متحد بين دوله الست، وملتزم بقيمه ومصالحه بعد حل مشاكله بما فيها مشاكل الحدود المتبقية، والمصلحة الخليجية المستقبلية تحتم فعلاً، خليجيًا عربيًا تكون سياسته الخارجية المشتركة قادرة على فرض أجندة السلم والاستقرار الإقليميين والمشاركة فيها عالميًا ليس عبر التلويح بالقوة الخشنة، وإنما عبر القوة الناعمة، وتملك دول المجلس الست من مقوماتها ما يجعلها مؤثرة فعلاً في الأمن الإقليمي.

وإقامة اتحاد خليجي عربي قوي يتطلب حل مشاكل داخلية كالحدود، ولم يبق منها إلا القليل إن كانت مازالت عالقة، وهذا ما يجب أن تتبناه قمة خليجية وفق قاعدة لا إفراط ولا تفريط، والكل في خدمة الدولة الواحدة، والدولة الواحدة في خدمة الكل من منظور ما أفرزته الأحداث الجسام المعاصرة من تكاملية الأعماق الاستراتيجية للدول الست.

وهذا ما تحتمه عملية أحداث تحولات تاريخية في بنية الفكر والواقع الخليجي على غرار التحولات التي حدثت في القرن الإفريقي، بحيث تكون قاطرة المنطلقات الأخرى على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، من بينها الاعتداد بالتنوع الفكري، لاحتواء كل الأبعاد الفكرية لقطع الطريق على الاختراقات الإقليمية، مما يسهل وضع استراتيجية للسياسة الخارجية الخليجية مشتركة / موحدة من تكتل إقليمي قوي داخليًا وجماعيًا، ومن ثم سيكون من السهولة بمكان رسم سياسة خارجية مشتركة وثابتة وواضحة بالمحددات والأهداف والآليات .

تلكم ملامح أساسية وجوهرية لماهيات التحولات التي تحتمها المرحلة السياسية لدول المجلس الخليجي، والظرفية مواتية لها، فالظرفية المالية الضاغطة لبعض الدول الخليجية ستجعلها تنفتح على مثل هذه التحولات، لأن هذه الضغوطات تمس الجانب الوجودي، وبالتالي ستجعل المواقف مرنة ومستجابة للتحولات، لكنها تحتاج إلى أن تخرج من مطابخ العصف الذهني ومن ثم تسويقها وترويجها بعيدًا عن وسائل الاتصال والإعلام حتى تنضج سياسيًا، وتلقى القبول من قبل الدول الست.

ويمكن اختصار أهم أهداف السياسة الخارجية الخليجية المشتركة في الآتي:

-      ضمانة الأمن وتعزيز السلم لدول المجلس الخليجي على قدم المساواة.

-      العمل على حماية القيم والمصالح المشتركة للدول الست.

-      العمل برؤية مشتركة في التحول لمتطلبات المستقبل.

-      اعتبار تحقيق أهداف التنمية المستدامة شأن جماعي بين الدول الست.

-      العمل برؤية واحدة على تعزيز المشاركة الداخلية في اتخاذ القرار.

-      المساهمة في تطوير التعاون الإقليمي والدولي مع إيلاء التعاون الأول الأولوية.

-      ارتباط الأمن الداخلي بالأمن الخارجي.

  • المؤسسات الفاعلة للسياسة الخارجية المشتركة لمجلس التعاون الخليجي.

ولتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية الخليجية المشتركة، يمكن تفعيل وتطوير المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي الذي يتكون من وزراء الخارجية، بحيث يمكن أن يمثل الوزراء داخل هذا المجلس بصفة دائمة في مقر الأمانة العامة للمجلس سفراء أو وزراء دوله، مهمتهم التفرغ والتخصص للسياسة الخارجية الخليجية المشتركة سواء لتحضير اللقاءات الوزارية التي كانت تعقد مرة كل ثلاثة أشهر، أو تقريب وجهات النظر والتحضير لأية اجتماعات استثنائية، وكذلك تكون له مهمة تنفيذية للسياسة الخارجية الخليجية المشتركة، ومتابعة تطوراتها سواء على صعيد الدول الست أو الخارجية على مختلف المستويات.

على أن يشترط في السفراء أو وزراء الدولة شروط معيارية، كأن يكونوا من المفكرين والسياسيين والكتاب .. لأنه من مهامهم أيضًا إعمال الفكر في تقديم رؤى وسياسات لخدمة الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية المشتركة سالفة الذكر، فبلورة القناعات السياسية الجديدة تحتاج لفكر وعصف ذهني مشترك ما دام الأهداف الاستراتيجية متفق عليها، وما دام هناك إرادة سياسية عامة على أحداث تحولات تاريخية في بينية المنظومة الخليجية لكي تواكب مختلف التحديات.

على أن يكون هناك ممثلا للمجلس الوزاري بدرجة سفير في المنظمات الدولية والإقليمية لشرح أهداف السياسة الخارجية الخليجية المشتركة، والحرص على إيصالها إلى الجهات المعنية مباشرة، وذلك لقطع الطريق لسوء التفسيرات والتأويلات، والسعي لإيصال الرسائل الإيجابية دون طرف ثالث.

ومن الأهمية بمكان كذلك، إقامة مركز للدراسات السياسية يتبع مباشرة للمجلس الوزاري تحت إشراف الأمانة العامة، لدراسة التحديات وكيفية مواجهتها من منظور أهداف الاستراتيجية السياسية الخليجية الجديدة، يعقد مرة في السنة لدراسة أو أكثر حسبما تستدعيه الحاجة، ويصدر إرشاداته ومرئياته للمجلس الوزاري للأخذ بها وفق حاكمية الأهداف الاستراتيجية سالفة الذكر.

مجلة آراء حول الخليج