; logged out
الرئيسية / 7 تحديات اقتصادية تواجه العالم العربي و7 حلول لمواجهة تقلبات أسواق الطاقة

العدد 145

7 تحديات اقتصادية تواجه العالم العربي و7 حلول لمواجهة تقلبات أسواق الطاقة

الخميس، 02 كانون2/يناير 2020

في مستهل هذه الدراسة، لابد من الإشارة إلى كتاب " تطبيق الاقتصاديات السليمة لمواجهة الأوقات العصيبة، حلول أفضل لأكبر مشاكلنا "، والذي صدر هذا العام 2019م، لمؤلفيه ابهيجيت بانيرجي وأستر دولفو الحائزان على جائزة نوبل في الاقتصاد هذا العام 2019م، حيث يرى مؤلفا الكتاب " إن تطبيق العلوم الاقتصادية بصورة سليمة من شأنه أن يساعدنا على حل أصعب المشكلات الاجتماعية والسياسية التي تواجهنا، من الهجرة إلى عدم العدالة، ومن تباطؤ النمو إلى تسارع التغير المناخي، لدينا الموارد اللازمة للتعامل مع التحديات التي تواجهنا، إلا أننا في أغلب الأحيان لا نرى ذلك بسبب الأيديولوجيات التي نؤمن بها ". رأيت أن دراستي بهذه العبارة التي تأثرت بها وأراها تنطبق كثيرًا على عالمنا العربي الذي نحبه وننتمي إليه.

خفضت المؤسسات الدولية تقديراتها لمعدل نمو الاقتصاد العالمي المتوقع خلال عام 2019م، في ظل ضعف مستويات النشاط الاقتصادي العالمي، والتجارة الدولية انعكاسًا لحالة عدم اليقين التي خلفتها التوترات التجارية المتصاعدة ما بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم -أمريكا والصين-وتزايد وتيرة الحمائية التجارية، ما أثر على أنشطة التصنيع والاستثمار والتجارة الدولية. في المقابل، من المتوقع حدوث تحسن نسبي للنشاط الاقتصادي العالمي عام 2020م، بافتراض التوصل إلى اتفاقات مُرضية بشأن النزاعات التجارية القائمة والعودة إلى مسارات تحرير التجارة في إطار نظام تجاري عالمي متعدد الأطراف.

لا يزال الاقتصاد العالمي يواجه عدة مخاطر على رأسها تأثير التوترات التجارية على مسارات النمو الاقتصادي العالمي والتجارة الدولية، وتصاعد مستويات المديونيات وتأثيراتها السلبية المتوقعة على موازنات الأسر والشركات، علاوة على الأثر المتوقع لتباطؤ الاقتصاد الصيني، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، والشكوك في قدرة الاقتصادات العالمية على بلوغ أهداف التنمية المستدامة 2030.

بناءً على حالة الاقتصاد العالمي الراهنة وما يستتبعها من تباطؤ لمستويات الطلب الخارجي، توقع تقرير آفاق الاقتصاد العربي أن يبلغ معدل نمو الدول العربية نحو 2.5 % في عام 2019م، مقابل نحو 2.1 % للنمو المُسجل عام 2018م. يأتي ذلك انعكاسًا لخفض تقديرات النمو الاقتصادي في كل من الدول العربية المُصدرة للنفط والمستوردة له كنتيجة لتباطؤ الطلب الخارجي وتأثيراته المتوقعة على الصادرات النفطية وغير النفطية.  في المقابل، تم الإبقاء على توقعات النمو الاقتصادي للدول العربية خلال عام 2020م، عند مستوى يدور حول 3.0 % في ظل التعافي النسبي المتوقع للاقتصاد العالمي، وتواصل الآثار الإيجابية لبرامج الإصلاح الاقتصادي، وإصلاحات السياسات الاقتصادية الكلية، والإصلاحات الهيكلية التي تنفذها الدول العربية لدعم الاستقرار الاقتصادي وحفز النشاط الاقتصادي.

في خضم التطورات العالمية حاليًا في إطار الثورة الصناعية الرابعة، الحاجة ملحة إلى تحول الاقتصادات العربية إلى اقتصاد المعرفة، حيث لا تزال مساهمة الدول العربية محدودة في هذا المجال. يوفر التحول نحو اقتصاد المعرفة فرص كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي وإيجاد المزيد من فرص العمل، سواءً تعلق الأمر بالقطاعات التقليدية مثل الزراعة والصناعة والخدمات التي يمكنها الاستفادة من التطور التقني المتسارع لدعم الإنتاجية والتنافسية، أو ما يتعلق بالقطاعات التي ترتبط بالتقنيات الحديثة التي برزت في إطار الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الصناعي، وأنترنت الأشياء، والبيانات الكبيرة، والتقنيات المالية، وتخزين الطاقة وغيرها من التقنيات التي بإمكانها دفع معدل نمو الدول العربية.

خطت الدول العربية خطوات مهمة لتحقيق التكامل الاقتصادي منذ إطلاق منطقة التجارة الحرة العربية التي تستهدف زيادة مستويات التجارة البينية السلعية وإزالة الحواجز التعريفية وغير التعريفية للوصول إلى الاتحاد الجمركي العربي الذي سيستتبعه التفاوض للوصول إلى السوق العربية المشتركة كدرجة أعمق من درجات التكامل الاقتصادي. وحرصت البلدان العربية مؤخرًا على إدماج التجارة في الخدمات ضمن مفاوضات تحرير التجارة البينية إدراكًا للأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع، وخطوة نحو تعميق التكامل الاقتصادي العربي في ظل مساهمة قطاع الخدمات بنحو 48 % من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 54 % من مستويات التشغيل. توجت هذه الجهود بإقرار الاتفاقية العربية لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية كاتفاقية مستقلة عن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وكان من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ خلال النصف الثاني من عام 2019م. من شأن تفعيل العمل بهذه الاتفاقية زيادة مستويات التجارة البينية العربية إلى المستويات المماثلة في التكتلات الاقتصادية الدولية الأخرى، ودعم فرص النمو والتشغيل. كما يتطلب دعم التكامل الإقليمي أيضًا جهود موازية لحفز الاستثمارات وانتقالات رؤوس الأموال العربية البينية.

في البداية، قبل الخوض في استشراف مستقبل المنطقة العربية في العام المقبل 2020م، لابد من استعراض أهم التحديات التي تواجه العالم العربي والتي تلعب دورًا مركزيًا في رسم الملامح المستقبلية، وفي مقدمتها:

 

أولاً، رغم جهود تنويع الهيكل الإنتاجي للاقتصادات العربية، إلا أنها ما زالت شديدة التأثر بتقلبات أسعار النفط، واقتصادات ما زالت شديدة الارتباط بسلعة واحدة ومشتقاتها، في عالم يشهد تغيرًا في خريطة تصدير النفط وتخفيض الاعتماد عليه بالتنوع في مصادر الطاقة المتجددة ومصادر النفط غير التقليدية.


       ثانيًا، هناك ضرورة ملحة للتصدي العاجل لخلل الموازنات العامة وما يترتب عليه من تراكم المديونية المحلية والدولية، وارتفاع معدلات التضخم والغلاء ارتباطًا بالاقتراض من البنوك المركزية وتأثيره على الإصدار النقدي.

 

ثالثًا، يشير النمو الاقتصادي، في ظل الأوضاع العالمية المشهودة، إلى تراجع نمو الاقتصادات العربية بمعدلات لا تلبي احتياجات التنمية وزيادات السكان وتوقعاتهم، ويجعل المديونيات العامة المحلية والخارجية في نطاق حرج، وتستوجب التغيرات العالمية المصاحبة لتغيرات التكنولوجيا، أن تشرع الاقتصادات العربية في تبنّي نهج جديد نحو اقتصاد يعتمد على مستحدثات الثورة الصناعية والاستثمار في التعليم والتدريب المتقدم يستفيد من التحول الرقمي في الإنتاج. ويستند إلى تمكين الشباب بإتاحة فرص العمل والاستثمار وريادة الأعمال من خلال مؤسسات متخصصة وتمويل داعم.

 

       رابعًا، تصاعد حدة التوترات التجارية، إذ لا يزال استمرار عدم اليقين بشأن السياسات التجارية يمثل مصدرًا مهمًا للمخاطر السلبية على الاستثمار والوظائف ومستويات المعيشة العالمية. كما تؤثر القيود الجمركية الجديدة التي تم تطبيقها خلال عامي 2018 و2019م، على مستويات الدخل المتاح للإنفاق ومستويات المعيشة، في عام 2020م، من جهة أخرى، تهدد أجواء التوترات التجارية الحالية قواعد النظام التجاري متعدد الأطراف التي تم إرساؤها خلال عقود، وتُبرز الحاجة إلى إصلاح واسع النطاق للنظام التجاري العالمي للحفاظ على مكاسب تحرير التجارة الدولية التي تم الوصول إليها.

 

       خامسًا، تباطؤ الاقتصاد الصيني وتداعياته، إذ بالرجوع إلى حقبة الثمانينات كانت مساهمة الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي ضئيلة جدًا في حدود 2 % وبدأت في الارتفاع حتى وصلت إلى 16 % عام 2018م. تشير التوقعات إلى إمكانية بلوغه نسبة 19 % بحلول 2023م، مما يجعله قريبًا من حجم مساهمة الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد العالمي التي ارتفعت من 21.8 % عام 1980م، إلى 23 % عام 2018م، ومن المتوقع أن تصل إلى 21 % عام 2023م، رغم تبني الصين لحزمة من السياسات التحفيزية لدعم النمو الاقتصادي وتفادي الانخفاض الحاد للنشاط الاقتصادي، فمن شأن التباطؤ الحاد غير المتوقع في الصين أن يكون له عواقب وخيمة كبيرة على النمو العالمي، والتجارة الدولية، وأسواق المال في ظل العلاقات الارتباطية القوية ما بين الصين وباقي دول العالم.

 

       سادسًا، انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبيبدون اتفاق، يمثل تحديًا جدليًا إذ لا تزال حالة عدم اليقين بشأن إتمام ترتيبات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تُلقي بظلالها على آفاق الاقتصاد البريطاني، والاتحاد الأوروبي في الأجلين القصير والمتوسط ​​حيث من المُحتمل إتمام الانسحاب بدون الوصول إلى اتفاق في هذا الإطار وهو ما يزيد حجم المخاطر الاقتصادية المحتملة ويُضعف معدلات نمو بريطانيا والاتحاد الأوروبي. في هذا السياق، تُشير التقديرات إلى أن الزيادة في مستوى الرسوم الجمركية ما بين الجانبين سوف يؤدي إلى انخفاض معدل نمو بريطانيا بنحو نقطتين مئويتين خلال العامين التاليين للانسحاب. قد تكون التأثيرات أقوى إذا أثرت عملية الانسحاب على انتقالات السلع والأفراد، وأدت إلى فقدان بريطانيا مزايا تفضيلية كانت تحصل عليها في إطار ترتيبات التجارة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى، وهو ما قد يسبب اختناقات في سلاسل الإمداد المتكاملة عبر الحدود. كما يُمكن أن تكون التكاليف الاقتصادية أكبر في حال انخفاض مستويات ثقة قطاع الأعمال وتأثر الأسواق المالية، وهو ما قد تمتد آثاره إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي. على الرغم من اتخاذ الجانبين تدابير طارئة لتخفيف تأثير عدم التوصل إلى اتفاق، فإن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي دون اتفاق سيظل بمثابة صدمة سلبية، فبريطانيا شريك تجاري مهم للعديد من البلدان الأوروبية. في الاتحاد الأوروبي، قد تتعرض بعض الدول الأصغر التي لها روابط تجارية واستثمارية قوية مع بريطانيا، بما في ذلك أيرلندا وهولندا والدنمارك إلى صدمة تباطؤ الطلب الخارجي، مما يؤدي إلى تكاليف تكيف كبيرة في مناطق أو قطاعات معينة.

 

     التحدي السابع : مرحلة ما بعد العولمة، إذ أتفق مع رأي السيد مايكل أوسلفانMichael O'sullivan ، ومع كل من السيد إيريك كاردين والسيد آمري زيمان في كتابهما الموسوم " ما بعد العولمة" ، وفي ضوء المعطيات التي قدمتها في الجزء الثالث من الدراسة وفي مقدمتها بروز أقطاب دولية جديدة، بروز مجموعة العشرين G20، والثورة الصناعية الخامسة 5G، التنمية المستدامة، الإسلام السياسي، التحدي النووي، الحاجة لقيام نظام مالي دولي جديد بديل لمؤسسات العولمة ( صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية )، وتراجع الدور الأمريكي باعتباره القطب الوحيد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كل هذه الحقائق المعروضة في الدراسة بشكل تفصيلي، تقدم الدليل على انتهاء عصر العولمة، والآن العالم في مخاض لولادة مرحلة ما بعد العولمة، وهذه تمثل تحديًا وفرصة في نفس الوقت.

 

     وفي ضوء هذه التحديات والفرص التي تم استعراضها، لابد من المراجعة لمتغيرات الاقتصاد الكلي والإصلاح الاقتصادي والتي ستؤثر على أداء الاقتصادات العربية في عام 2020م، ومنها بشكل متواصل خطة التنمية المستدامة 2030م، ولعل أهم ما تم بشأنها ومن ثم المكاسب والخسائر التي تحققت في هذا الميدان، فقد شهدت الاقتصادات العربية مجموعة من التطورات العالمية والتحولات الإقليمية التي أثرت على أدائها الاقتصادي، والتي يمكن تقسيمها حسب التطورات التي شهدها الاقتصاد العالمي والاقتصادات العربية إلى فترتين رئيسيتين اتسمت كل منها باتجاهات متباينة لأداء الاقتصاد الكلي للدول العربية. تتمثل الفترة الأولى قبل وأثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008م، فيما تتمثل الفترة الثانية المرحلة بعد الأزمة المالية العالمية حتى عام 2019م، والتي تضمنت متغيرات هامة جدًا منها العولمة ومرحلة ما بعد العولمة، الاقتصاد الرقمي والشمول المالي، اقتصاد المعرفة والابتكار والإبداع، والمفهوم الواسع والشامل للتنمية المستدامة، والتنويع الاقتصادي.

 

 

        تمثل خطة التنمية المستدامة لعام 2030م، الشاملة والمتكاملة والتحويلية، برنامج عمل لأجل الناس، والكوكب، والازدهار، والسلام، والشراكة. تم اعتماد خطة 2030م، في سبتمبر 2015م، من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهدف القضاء على الفقر، ومكافحة عدم المساواة وتغير المناخ على مدى السنوات الـ 15 المقبلة. تتألف الخطة من أربعة عناصر هي: الإعلان، وأهداف التنمية المستدامة، ووسائل التنفيذ والشراكة العالمية، والمتابعة والاستعراض.اعتبر المجتمع الدولي خطة 2030 خطة طموحة يمكن من خلالها تحقيق تحول كلي على المستوى العالمي في حال تم العمل بها بطريقة متكاملة قائمة في الأساس على حقوق الإنسان لتحقيق التنمية المستدامة. قسمت أهداف الخطة إلى 17 هدفًا رئيسًا و169 غاية فرعية تتوافق مع أهداف الألفية لاستكمال مالم يتم تحقيقه.  تغطي خطة 2030 نطاقات واسعة من خلال الأهداف والغايات التي تعكس الترابط بين أركان التنمية المستدامة.

       لابد من توضيح مهم جدًا، أن الأمم المتحدة تدعم تنفيذ البرامج على المستوى الإقليمي، إلا أن خطة 2030 تركز على التنفيذ على المستوى الوطني حيث تأخذ الدول الأعضاء زمام المبادرة وتقوم بتكييف الخطة بما يتناسب مع احتياجاتها الوطنية. تعتمد الخطة أساليب جديدة من الشراكات مع أصحاب المصلحة المعنيين تتمثل بإعطاء دور أكبر للمجتمع المدني، والقطاع الخاص، وشركاء آخرين في مجال التنمية. بالإضافة إلى التركيز على المساءلة واعتماد ثلاثة مستويات لمتابعة واستعراض التقدم المحرز نحو تنفيذ خطة 2030، وذلك على المستوى العالمي والإقليمي والوطني.على الرغم من التحديات الهائلة التي واجهتها ولا تزال تواجهها المنطقة العربية منذ عقود، تبذل العديد من الدول العربية جهودًا ملحوظة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال تنفيذ مختلف التوصيات العالمية. على الرغم من ذلك، فإن تحقيق خطة 2030 للتنمية المستدامة وأهدافها الـ 17 يتطلب معالجة قضايا التنمية بطرق جديدة تتلاءم مع التحديات الوطنية والإقليمية، خصوصًا تلك المتعلقة بآثار النزاعات. لم يكنالتقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية على مدى الخمسة عشر عامًا السابقة متساويًا في المنطقة العربية. فباستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، كان التقدم متواضعًا في بعض الدول العربية ومتراجعًا أو سلبيًا في أخرى، فالدول التي واجهت تحولات سياسية وانتفاضات في الأعوام الأخيرة شهدت انكماشًا اقتصاديًا، في حين واجهت الدول التي ما زالت تعاني صراعات وحروبًا ضربة قاسية في التقدم لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ويسبب الخراب الهائل للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية ففي تلك الدول خسائر فادحة لمساعيها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وبمجرد إعادة بناء السلم والأمن في الدول التي تمزقها الحروب والصراعات؛ سيكون هناك تركيز على إعادة البناء والتنمية لتمهيد الطريق نحو أهداف التنمية المستدامة.

 

       هناك تحديات سياسية وأمنية في المنطقة، أمام تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث " النزاعات المسلحة والصراعات في دول مثل سورية والعراق واليمن وليبيا، وظاهرتي التطرف والإرهاب اللتين أصبحتا تهددان المجتمعات العربية، تؤثر سلبًا على مكتسباتها التنموية، كما أن زيادة موجة المهجرين قسريًا واللاجئين والنازحين نتيجة للاضطرابات، فاقمت من الضغوط ليس على الدول المعنية والمجاورة بل كذلك على عدد من دول العالم". إذ أن استمرار حالة الحرب والصراعات العرقية والأيديولوجيات المختلفة في المنطقة العربية يزيد من العوائق ضد تحقيق أهداف التنمية، إضافة إلى استمرار تدخل الدول الكبرى في سياسات المنطقة، واعتبارها ساحة للحرب بين الأطراف الكبرى ومساعدة الإرهابيين والجماعات المتطرفة بالمال والسلاح.

 

المنطقة العربية تواجه تحديات تنموية واقتصادية واجتماعية وبشرية كبيرة، منها تحديات التنمية البشرية. إذ عجزت المجتمعات العربية من استثمار الإمكانات والطاقات البشرية الهائلة الموجودة لديها في كافة المستويات. فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية هي ليست مسؤولية الحكومات، وإنما الأفراد والدول شريكة في تحمل مسؤولية التنمية الشاملة. حيث أصبح اليوم رأس المال البشري أهم كثيرًا من رأس المال التقليدي؛ وكلما زادت جودة التعليم وإدارة المواهب بشكل صحيح؛ كان لذلك تأثير إيجابي على المجتمع.  

 

أصبح الوضع الاقتصادي في معظم الدول العربية بحاجة إلى مراجعة جادة، كما ستكون كل دول المنطقة مهددة بالانفجار الديموغرافي؛ فقد تضاعف عدد السكان خلال العقود الثلاثة الأخيرة وما زال العدد في ارتفاع. إنّ الإشكالية الاقتصادية تبقى سببًا في ما تشهده دولنا اليوم، من استمرار التأزم الاقتصادي والاجتماعي الذي يظهر في الفقر والأمية والتخلف وانكشاف الأمن الغذائي وارتفاع نسب البطالة، خاصة بين الشباب، وزيادة نسبة الاقتصاد غير الرسمي، مع تراجع الأداء الإداري للحكومات ممثلًا بكبر حجم القطاع العام، وتراجع التنافسية والإنتاجية، وزيادة الهشاشة في البنى الإنتاجية، وضعف الترابط والتبادل الاقتصادي العربي، وخاصة في المجالين الاستثماري والتجاري وعدم كفاءة إدارة الموارد البشرية والطبيعية والمالية، وتراجعًا في البيئة، وعجزًا مزمنًا في المياه.

 

لقد بدأت الأمم المتحدة منذ عام 2015م، بمساندة الدول لإدماج أهداف التنمية المستدامة في خططها التنموية الوطنية والمتابعة الإقليمية، ورصد التقدم المحرز بالاستناد إلى البيانات الرسمية، مؤكدة على الحاجة إلى اعتماد مسار يعزز آليات الحوار وبناء الشراكات لكي تعود خطة التنمية المستدامة بفوائدها على الجميع، وضمان ألا يتخلف أحد عن مسار التنمية.وبما أنه لا توجد أجندة للتنمية تناسب الجميع، فإن كل دولة عربية وضعت خطة عمل إنمائية خاصة بها، طبقًا لظروفها المحلية ومستوى التنمية فيها. ويجب أن تكون خطط التنمية الوطنية متوافقة مع الرؤية التحويلية لأهداف التنمية المستدامة والمقاصد المرتبطة به، وأن تأخذ في الحسبان التداخل والتضافر بين القطاعات المترابطة، كقطاعات الغذاء والماء والطاقة التي تحتاج تشابكاتها المعقدة إلى تحقيق التوازن بين نواحيها المختلفة لضمان أمن توافرها.

 

تمارس التكنولوجيا والابتكار دورًا هامًا في تحقيق التنمية المستدامة الشاملة. وقد أظهرت الدراسات مدى مساهمة العلوم والتكنولوجيا والابتكار في التنمية. كأداة حاسمة لتحقيق الأهداف في إطار الثورة المعرفية، وتسارع التقدم التكنولوجي، ويركز الهدف 9 من أهداف التنمية المستدامة على إقامة هياكل أساسية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل للجميع والمستدام، وتشجيع الابتكار. إذ أنه عنصر أساسي في معظم الأهداف المعنية بالصحة والرفاه، والتعليم، والمساواة بين الجنسين، والعمل اللائق ونمو الاقتصاد، والمجتمعات المحلية المستدامة، والمناخ، والسلام والعدل والمؤسسات القوية، وعقد الشراكات، إذ تعتبر التكنولوجيا والابتكار محورين مركزيين ترتبط وتعتمد عليهما كل أهداف التنمية المستدامة 2030 في عالمنا العربي.

 

واقتناعًا بأهمية دور التكنولوجيا والابتكار في التنمية، تم إعداد عدد من الدراسات حول الابتكار والتكنولوجيا والتنمية المستدامة الشاملة من أجل مساعدة صانعي السياسات في الدول العربية في التعرف على نهج الابتكار والتكنولوجيات البازغة، واستكشاف سبل تسخيرها في خدمة السياسات الوطنية الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

 

ومن أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة والاستفادة من موضوع الابتكار، لابد من الاعتماد على التكنولوجيات الجديدة في التنمية الاقتصادية، وهي موجهة إلى الدول التي لديها هياكل أساسية متقدمة نسبيًا ومنظومة جاهزة للبحث والتطوير والابتكار. وتشمل هذه التوصيات وضع سياسات تأخذ بتطورات التكنولوجيا البازغة، وبناء القدرات البشرية المتخصصة في التكنولوجيات الحديثة، وتخصيص الموارد المالية اللازمة لتشجيع المؤسسات الوطنية على الاستثمار في هذه التكنولوجيات والمساهمة في تقدم العلوم؛ هذه تشمل المجموعة الأولى من الدول العربية، دول مجلس التعاون الخليجي، مصر، الأردن، المغرب وتونس.

 

والمجموعة الثانية من الدول العربية عليها القيام بوضع إجراءات تمويلية تحفيزية لتعزيز الابتكار الوطني ودعم ريادة الأعمال، وهي موجهة إلى الدول ذات الدخل المتوسط، التي لديها رؤى وطنية طويلة المدى ومنظومة جيدة للعلوم والتكنولوجيا والابتكار. وتشمل هذه التوصيات توفير التمويل لدعم تأسيس الشركات الناشئة، ودعم البحث والتطوير في الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتنظيم الأسواق المالية التي تساعد في نشر التكنولوجيات الجديدة، وتعزيز رأس المال المخاطر، وإنشاء صناديق استثمار من أجل تعزيز الابتكار.

 

لابد لنا أن نتناول هنا الثورة الصناعية الرابعة 4G في سياق الدول العربية والتي تعتبر تحدي كبير وحافز مهم للتقدم وخدمة التنمية الاقتصادية في الدول العربية في عام 2020م، من خلال إتاحة المعارف ذات الصلة، وقد شهد العالم تطورات تكنولوجية سريعة منذ عام 2016م، بفعل الاتصالات الفائقة السرعة والميسورة الكلفة، والحوسبة القوية، والخدمات السحابية والتخزين السحابي الهائل من البيانات. وقد أدت هذه التطورات إلى اعتماد منظومة الأمم المتحدة عددًا من التكنولوجيات الرائدة والرقمية، لما لها من دور أساسي في تسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، على غرار البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيات أخرى من الثورة الصناعية الرابعة. لابد من تسليط الضوء على أهمية الثورة الصناعية الراهنة والتحديات الإنمائية الرئيسية في الدول العربية. ويبين أن التطورات التكنولوجية المتسارعة أدت إلى آثار مزعزعة طالت جميع مجالات الحياة. ومع ذلك يؤدي التقارب في التكنولوجيات إلى تحسينات لا تحصى، تظهر في آثارها الإجمالية،وقد نجحت التطبيقات المتعددة التخصصات في زيادة التحسينات وفي تحقيق إنجازات كان يعتقد أنها مستحيلة، في بعض الدول العربية والعالم، والثورة الصناعية الرابعة بما لها من قدرة على دعم التنفيذ الفعال لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 في الدول العربية، تتيح فرصًا استثمارية مربحة في مجالات عدة، منها إعادة الإعمار، والتنبؤ بالكوارث والتعافي منها، وإدارة أزمة اللاجئين وحلها، وتمكين المرأة، وصنع السياسات، والاستهلاك المسؤول للموارد الطبيعية وإدارتها المتكاملة، والتنمية الاقتصادية الشاملة، والتصنيع ذات القيمة المضافة، وهذه المنطلقات تهيء أساسيات الانطلاق للجيل الخامس G5 من التكنولوجيا في العالم وبعض الدول العربية.

يظل الهاجس الرئيسي لبعض الدول العربية يتمثل في كيفية تأمين تمويل لتنفيذ خطة التنمية المستدامة، وكيف يكون تمويلا مستدامًا قادرًا على تنظيم وزيادة الموارد المحلية من خلال نظم أفضل وأكثر كفاءة نحو تحصيل الضرائب ودمج القطاع غير الرسمي داخل القطاع الرسمي للدولة وتفعيل أدوار للمجتمعات المحلية أكثر استقرارًا ، وهنا تبرز الأدوار المطلوبة من البنوك العامة والخاصة، والمؤسسات الوطنية التنظيمية المالية، لتقديم الحوافز المطلوبة لدعم دور القطاع الخاص والمجتمع المدني، وتشكيل صناديق سيادية، وشركات التأمين ومؤسسات العطاء الاجتماعي، فالتمويل المستدام هو المدخل الأكثر أهمية لضمان نجاح سياسات وبرامج خطة التنمية المستدامة، وبه يمكن تحويل الإرادة السياسية لقدرة تنفيذية واعية، لذا يأتي التمويل المستدام على قمة اهتمامات الدول العربية.

 

لعل التحول العالمي وخاصة العربي، نحو الطاقة المتجددة ومصادر النفط غير التقليدية نتيجة تذبذب أسعار النفط وتنامي القلق لدى العديد من صانعي القرار في الدول النفطية، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والجزائر وليبيا ، بشأن المستقبل الاقتصادي والآثار المترتبة على هذا التطور السلبي على اقتصاد هذه الدول ، وتأتي هذه التغيرات الاقتصادية في ظروف عالمية وإقليمية غير مستقرة؛ مما يزيد من صعوبة الأزمة، حيث تشهد مناطق الإنتاج توترات سياسية، خاصةً منطقة الشرق الأوسط، وروسيا التي تواجه حربًا باردة جديدة مع الطرفين الأوروبي والأمريكي، فضلاً عن العوامل المناخية الدافعة لزيادة الاستهلاك العالمي خلال فصل الشتاء، والتي كان من المفترض معها أن تزيد أسعار النفط لا أن تنخفض. لذا لابد من الوقوف على الأسباب والسيناريوهات الكامنة وراء انخفاض سعر النفط، على نحو يمكن معه طرح عدد من البدائل لمواجهة التداعيات المحتملة.

تجدر الإشارة في هذه الدراسة، أن موازنات دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والجزائر وليبيا ورؤيتها لعمليات الإنفاق تعتمد بشكل أساسي على أسعار النفط، وبالتالي فإن انخفاض الأسعار سيؤثر على ميزانياتها، وتشكل الاحتياطات النفطية والغازية داعمًا أساسيًا للتصنيف الائتماني السيادي لها، إلا أن اقتصاداتها المعتمدة على النفط تشكل أيضًا نقطة ضعف نتيجة لتذبذب أسعاره وتأثره بالعديد من العوامل الخارجية، ولمواجهة هذه المخاطر والإشكاليات السابق ذكرها، تتوافر العديد من الوسائل أمام هذه الدول، وأهمها (الموازنة العامة للدولة، وتفعيل مصادر الدخل غير النفطية)، حيث تعد الموازنة العامة للدولة بمنزلة الواجهة الأولى التي تواجه بها الدولة المصدرة للنفط مخاطر وإشكاليات انخفاض أسعاره، أي أنها المدخل الذي يمكن للحكومة من خلاله امتصاص الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط وتلافي عدم انتقاله أو التقليل من حدة انتقاله إلى باقي قطاعات الاقتصاد الوطني، وهذه الوسائل هي:

أولاً: خفض الإنفاق والتركيز في ضبط أوضاع المالية العامة على احتواء نمو النفقات الجارية، خاصةً أجور القطاع العام، وتحديد أولويات النفقات الرأسمالية، وتعزيز الإيرادات غير النفطية.

ثانيًا: اعتماد سياسة مالية تعمل على زيادة تنويع مصادر الإيرادات المالية للدولة، وتوجيه السياسة المالية لزيادة الإنفاق الاستثماري.

ثالثًا: وضع سياسة مالية واقتصادية تأخذ موضوع مخاطر تقلبات أسعار النفط بعين الاعتبار عند إعداد الموازنات، مع وضع سياسات خاصة للتحوط من شأنها معالجة اختلالات الموازنة (العجز والفائض).

رابعًا: تقليص دعم أسعار الطاقة، وتقليل خسائر هدر الطاقة، وذلك بتطبيق إجراءات ترشيد الطاقة وسن القوانين لإيقاف هدر الكهرباء في المستقبل القريب.

خامسًا: استخدام الفوائض المتحققة من السنوات السابقة في معالجة هذه الاختلالات، حيث عملت هذه الدول على تراكم أصول خارجية رسمية كبيرة، مما سيسهل عليها تجاوز حالة التراجع المؤقت في الدخل النفطي، وتوجيه مخصصاتها للإنفاق الاستثماري، ودعم البحث والتطوير والابتكار كمصادر لتحقيق النمو والتنوع الاقتصادي.

سادسًا: اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، بالنسبة إلى اقتصادات الدول العربية، حيث ثمة بريق أمل في مصادر الطاقة المتجددة، لأن بعض هذه التقنيات ملائم تمامًا لظروف الدول العربية وهذا صحيح بالأخص في حالة الطاقة الشمسية الضوئية، فضلاً عن الاستفادة من احتياطات الغاز.

سابعًا: توسيع سلسلة القيمة، وربما أهم إجراء يمكن أن تتخذه الدول العربية للتهيؤ للتحول العالمي المقبل للطاقة، يتمثّل في دمج سلسلة القيمة الهيدروكربونية باتجاه التكرير والبتروكيماويات والأنشطة الصناعية، مثل صهر المعادن، والتي تتطلب مدخلات كبيرة من الطاقة.وهذه كلها أنشطة موجهة نحو التصدير، حيث تتمتع منطقة الشرق الأوسط بميزة تنافسية هامة، بسبب احتياطياتها الهيدروكربونية الرخيصة نسبيًا، وموقعها الجغرافي في منتصف الطريق بين أوروبا وآسيا وإفريقيا، وهو ما يجعلها مكانًا محتمًا للصناعات التي تستهدف أسواق تلك المناطق الثلاث، وفي الواقع وتحديدًا عندما تكون أسعار الطاقة العالمية منخفضة، يكون من المنطقي أكثر من أي وقت مضى، القيام بأنشطة ذات قيمة مضافة قريبة من مَصدر الطاقة، إذ إن زيادة القيمة المضافة تخفض نسبة تكلفة النقل على القيمة الإجمالية للسلع .

     لقد سبق ونفّذ آخرون عملية التحول هذه، إذ تعتمد بلدان مثل النرويج وكندا وأستراليا أيضًا بشكل أساسي على صادرات السلع الأساسية، بما في ذلك نسبة كبيرة من الهيدروكربونات، لكنها أصبحت أيضًا اقتصادات مواتية للأعمال التجارية القائمة على المعرفة. ولا يوجد سبب يبرر عدم قدرة الدول العربية على اتباع الطريق نفسه لقيادة مرحلة التحول المقبلة في الطاقة، ومن المؤكد أن الاستجابة الصحيحة لتحديات التحول المقبل للطاقة، ليست مجرد إنفاق النقد في جميع المجالات، على أمل أن يدرّ عائدات في نهاية المطاف. وينبغي على حكومات الدول العربية ضمان أن يكون لجميع استثماراتها معنى اقتصادي، خاصة بعد انخفاض عائداتها النفطية السنوية إلى أقل بكثير من مستوياتها قبل عدة سنوات.

تعتبر الطاقة المحور الرئيسي لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار والتقدم في الدول العربية، ومصدر مهم من مصادر الدخل القومي لعدد كبير من الدول العربية أخذًا في الاعتبار فعالية إدارة وتنويع مصادرها الأولية، وتحسين كفاءة وترشيد استخدامها وتوافر تكنولوجياتها، وتأمين الحصول عليها بأسعار مقبولة من جانب المستهلك، وقد أولت الدول العربية، خلال العقود الماضية، اهتمامًا كبيرً بقطاع الكهرباء، وتمكنت من تحقيق إنجازات ملموسة في إنشاء وتطوير بنية هذا القطاع، والطاقة المتجددة هي الطاقة المستمدة من المصادر التي يمكن أن تعيد الطبيعة توليدها بشكل مستمر ، وبدون تدخل الإنسان، مثل المياه وطاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية والكتلة الحيوية. تتميز الطاقة المتجددة عن الوقود الأحفوري " نفط، فحم وغاز طبيعي " بأن مصادرها طبيعية وغير ناضبة، ومتوفرة في الطبيعة، ومتجددة باستمرار، كذلك فهي طاقة نظيفة لا ينتج عن إنتاجها تلوث بيئي.

تتمتع الدول العربية بوفرة كبيرة في مصادر الطاقة المتجددة، خاصة الشمسية وطاقة الرياح، حيث تقع معظم هذه الدول في الحزام الشمسي، متمتعة بأعلى فيض إشعاعي شمسي على مستوى العالم. كما تتمتع معظم دول المنطقة أيضًا بإمكانات جيدة في مجال طاقة الرياح لتوليد الكهرباء، علاوة على مصادر الطاقة المائية وطاقة الكتلة الحيوية. وفي إطار تخفيض الاستهلاك المستقبلي من النفط والغاز، وللحفاظ على البيئة وتخفيض الانبعاثات من محطات التوليد الحرارية، توجه العديد من الدول العربية إلى زيادة الاعتماد على التوليد الكهربائي من محطات التوليد التي تعمل على الطاقات المتجددة. وقد حققت الإمارات والأردن ومصر والسودان وموريتانيا شوطًا كبيرًا في هذا المجال، وقطعت السعودية وتونس والجزائر بعض التقدم، بينما تسعى باقي الدول العربية للتوسع في استخدام تلك الطاقات في مجال التوليد الكهربائي.

وفيما يتعلق بالنظرة المستقبلية، يتعين على الدول العربية الاستفادة من وجود المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في مصر ، الذي تم إنشاؤه بغرض تفعيل التعاون العربي والإقليمي في مجال نشر السياسات الداعمة للطاقة المتجددة وتبادل الآراء على الصعيد الإقليمي حول القضايا ذات الصلة بالطاقة المتجددة، وكذلك الاستفادة من وجود الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) في أبو ظبي / الإمارات العربية المتحدة، ومن خلال النظرة المستقبلية أيضًا، يوصى بإنشاء صندوق عربي لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة، على أن تكون لديه القدرة والاستعداد لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة في كافة الدول العربية، وليس الدول التي شاركت في إنشائه فقط، على أن يتم تحديد شروط مناسبة ومحفزة لإقراض الدول العربية، بناءً على الوضع الاقتصادي لتلك الدول.

كما يجب على الدول العربية كذلك العمل على توفير البيئة الداعمة لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة من خلال توفير الإطار التشريعي والتنظيمي والمؤسسي الداعم لنمو مصادر الطاقة المتجددة من خلال سن التشريعات الكفيلة بتطوير مساهمة القطاع الخاص في إنتاج مصادر الطاقة المتجددة وتحسين فرص الاستثمار في هذا القطاع ، إضافة الى العمل على إيجاد إطار تنظيمي ومؤسسي كفيل بدعم نمو السوق وصياغة الاستراتيجيات الوطنية وآليات التنفيذ اللازمة لزيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المستخدم على مستوى الدول العربية بما يضمن الاستغلال الأمثل للطاقات المتوفرة في البلدان العربية و تعزيز الكفاءة الاقتصادية.

يأتي جزء كبير من الزيادة في الإمدادات النفطية من دول خارج منظمة أوبك من المصادر غير التقليدية لإنتاج النفط التي تصنف حسب تواجدها في الطبيعة إلى عدة أنواع رئيسية وهي النفط الثقيل، رمال النفط أو ما يسمى بالبتيومين الطبيعي، النفط الصخري، نفط الكيروجين، الصخر النفطي، بالإضافة إلى النفط المستخرج من المياه البحرية فائقة العمق وبخاصة في البرازيل فيما يعرف بمنطقة " ما قبل الملح "، ومن ناحية أخرى، يشار إلى مصادر النفط غير التقليدية بشكل عام بأنها المصادر الهيدروكربونية التي ليس بالإمكان استكشافها وتطويرها وإنتاجها بواسطة الطرق التقليدية المعروفة، كونها تتطلب تقنيات إنتاج جديدة ومتطورة تتسم بكثافة الاستهلاك للطاقة وتحتاج إلى معالجات جديدة للتعامل مع خاصية تموضع المصادر غير التقليدية المتعذر الوصول إليها وتركيبتها الاستثنائية. علمًا بأن مصادر النفط غير التقليدية تتميز بأنها منتجة من تشكيلات أو مكامن جيولوجية حالت تكويناتها في السابق دون تدفق النفط من خلالها بمعدلات تجارية.

تجدر الإشارة إلى أن الحد الفاصل بين مفهوم المصادر التقليدية والمصادر غير التقليدية ليس ثابتًا بل يتغير بمرور الزمن وتبعًا لتكنولوجيا الإنتاج المستخدمة، مما يعني بأن ما هو حاليًا يعد غير تقليديًا، قد يوصف على الأمد البعيد بأنه تقليديًا وينظر إليه على أنه اعتياديًا وليس استثناءً. بالتالي، فإن الفصل بين ما هو تقليدي وغير تقليدي يعتبر من الناحية العملية أمر غير دقيق، (المصدر: الأوبك).

ومن أجل التهيؤ لمرحلة ما بعد النفط، تتبنى العديد من الدول العربية وبخاصة الدول المستوردة للنفط، سياسات طاقة تهدف إلى خفض الاعتماد على النفط وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى، خاصة المتجددة منها. حيث تم وضع عدد من المبادرات الاستراتيجية الرامية إلى تنويع مصادر الطاقة من خلال تنفيذ مشاريع لإنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، ومن بينها مشاريع إنشاء مدن صديقة للبيئة تعتمد في الأساس على مصادر الطاقة المتجددة ، وعلى الرغم من أن الانخفاض الذي تشهده أسعار النفط الخام منذ شهر يونيو 2014م، نتيجة وفرة الإمدادات وبخاصة من المصادر النفطية غير التقليدية، قد يمثل تحديًا يواجه تنفيذ هذه المبادرات، حيث أن انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى زيادة الاعتماد عليه على حساب مصادر الطاقة الأخرى إلا أن العديد من التقارير الرسمية تشير إلى أن قطاع الطاقة المتجددة، يشهد تقدمًا ملحوظًا وسط توقعات باستمرار هذا التقدم في المستقبل في الدول العربية.

وفي هذا السياق، يشير تقرير حديث لشركة بريتش بتروليوم إلى أن الطلب على الطاقة المتجددة ، سيشهد ارتفاعًا سريعًا بين جميع مصادر الطاقة الأخرى ، وذلك بمتوسط سنوي يقدر بنحو 6.6 % بحلول عام 2035م، ويعود ذلك إلى انخفاض تكاليفها بنسبة 25 % لمشاريع طاقة الرياح، إلى جانب 40 % انخفاضًا في تكاليف مشاريع الطاقة الشمسية، على مدى العقدين القادمين .ووفقًا لتقرير أخر صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة " آرينا " تراجعت تكلفة توليد الطاقة باستخدام المصادر المتجددة إلى مستوى مكافئ أو يقل عن تكلفة الوقود الأحفوري بالنسبة للعديد من التقنيات في العديد من مناطق العالم.

وخلاصة القول، بالرغم مما تتمتع بع الصناعة النفطية في الدول العربية من مميزات، فهي تمتلك احتياطيات كبيرة بتكاليف إنتاج منخفضة نسبيًا، وتتميز بموقع جغرافي يتوسط العالم، مما يسهل من إمكانية استهداف الأسواق العالمية المختلفة وبتكاليف نقل منخفضة نسبيًا، وتمتلك بعض الدول العربية المصدرة الرئيسية للنفط، مصافي تكرير في بعض الدول المستهلكة والتي تمثل بدورها منافذ لتصدير نفوطها. فإنه يتوجب على الدول العربية وبصفة خاصة الدول المصدرة الرئيسية للنفط أن تتابع عن كثب ما يستجد من تطورات في أسواق الطاقة العالمية، وبخاصة في مجال الصناعة النفطية من المصادر غير التقليدية، التي انعكست بالفعل على اقتصاداتها، مما يساعد على تقليل حدة هذه الانعكاسات، وكذلك تطوير الاستفادة من الطاقة المتجددة مثل الشمس والمياه وغيرها، والتي تتوفر بمعدلات اقتصادية في المنطقة العربية، والتي يمكن أن تكون أحد أهم مصادر الدخل القومي في العقد الجديد بجانب النفط ومصادر النفط غير التقليدية مثل النفط الصخري.

مجلة آراء حول الخليج