; logged out
الرئيسية / مجلس التعاون الخليجي ومسؤوليته تجاه الأزمة في اليمن

مجلس التعاون الخليجي ومسؤوليته تجاه الأزمة في اليمن

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

تأسس مجلس التعاون الخليجي في فترة الثمانينات الميلادية، لكن فوجئ المجلس عام 1990 بعد غزو صدام حسين للكويت بأنه لم يعن بتشكيل قوة عسكرية خليجية ضاربة بدلاً من طلب النجدة من المجتمع الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت الذي كلف دول المجلس تكاليف هائلة وديوناً باهظة لا تزال دول المجلس تدفع فواتيرها حتى اليوم، وأعاقت نموه الاقتصادي خصوصاً حينما كانت أسعار النفط متدنية.

اليوم وبعد 20 عاماً من الغزو العراقي للكويت تلوح في الأفق تهديدات عسكرية إيرانية تستهدف تقويض الحكم في البحرين والتدخل في اليمن، والمجتمع الدولي ليس على أهبة الاستعداد للتدخل مثلما تدخل في طرد صدام حسين من الكويت الذي كان مكلفاً جداً على دول المجلس، والولايات المتحدة ودول الناتو تستعد أو بمعنى أصح تبحث عن مخرج مشرف للخروج من العراق وأفغانستان وهي مختلفة مع دول الناتو حول ليبيا ومترددة حول التدخل في اليمن وسوريا.

وأثبتت دول المجلس أنها استطاعت أن تحمي البحرين من العبث بأمنها من قبل فئة تابعة لإيران استغلت اجتياح الثورات العالم العربي لتنفيذ أجندة خاصة بإيران والانقلاب على الشرعية الوطنية وتغيير النظام بالقوة.

إن المنطقة مقبلة على تطورات تستدعي من قبل دول مجلس التعاون معالجة أوضاعها بحكمة شديدة سواء في البحرين أو في اليمن، لأن دول المجلس معنية بالدفاع عن دول الجزيرة العربية بدلاً من تكريس سياسة الاعتماد على الدول الكبرى التي لها حسابات أخرى غير حسابات دول الجزيرة.

فالوضع اليمني ينبغي أن يكون على رأس أولويات دول المجلس ليس بسبب زيادة نشاط (القاعدة) أو بروز الحركة الحوثية كتهديد مدعومة من قبل إيران لتكون على غرار حزب الله في جنوب السعودية رغم أن الحرب الأخيرة أجهضت هذه الفكرة، لكن من أجل سلامة دول المجلس مستقبلاً فاليمن ذو الـ 23 مليون نسمة هو أفقر الدول العربية، ولكنه يجاور أغنى الدول العربية فـ 43 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، أي أن متوسط دخل الفرد أقل من دولارين في اليوم، أما نسبة البطالة فتبلغ 40 في المائة، فهو خزان بشري يمكن أن يكون أداة نمو أو أداة تهديد إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

دول المجلس معنية بالدفاع عن دول الجزيرة العربية بدلاً من تكريس سياسة الاعتماد على الدول الكبرى

فاليمن وصل إلى مرحلة حساسة من عدم الاستقرار، لأن اليمن منذ فترة يعاني تهديدات انفصالية كلفت خزينة الدولة مبالغ طائلة على حساب التنمية وإدارة الدولة، كما فشلت الدولة في معالجة الأزمة الاقتصادية بحيث بات الفقر الاجتماعي يهدد شرعية مؤسسات الدولة وهي التي كانت وراء الاحتجاجات المستمرة حتى اليوم لأن عجز الحكومة والفساد أوجدا بيئة ناقمة على الفساد المستشري في اليمن، الأمر الذي يجعل دول مجلس التعاون أمام تحد خطير جداً، فكثير من التهديدات التي باتت تشكل خطراً على أمن السعودية بل على أمن الولايات المتحدة مصدرها اليمن، ما جعل اليمن دولة معروفة دولياً بأنها مصدر الإرهاب العالمي وهذا يشكل تحدياً لدول المجلس وليس على اليمن فقط.

لأن اليمن يشكل بوابة البحر الأحمر ويشرف على باب المندب الذي يصل شبه الجزيرة بإفريقيا لما يتمتع به من موقع استراتيجي مهم تعبر ناقلات النفط عبره مارة إلى أوروبا، والخوف أن يتحول اليمن إلى فوضى أو حرب أهلية يتحول بعدها إلى صومال جديد يهدد أمن البحر الأحمر بأكمله، ويهدد أيضاً أمن دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً السعودية ويتحول إلى قنبلة موقوتة تنفجر وتدمر كل ما حولها.

ورغم أن في اليمن 60 مليون قطعة سلاح في يد الأفراد، ولكن استمرت الثورة سلمية بعيدة عن حمل السلاح، والحقيقة أن لأمريكا علاقات مزدوجة مع علي عبدالله صالح ، ولكن مع القبائل علاقات أكبر وهي منذ فترة طويلة تدير حوارات مع المعارضة اليمنية فلا يستطيع الرئيس علي عبدالله صالح أن يلاعب الأمريكيين من أجل بقاء حكمه. والأمريكيون يعرفون تفاصيل الحياة القبلية في اليمن بشكل دقيق جداً وهناك اتفاقيات أمنية تسمح للاستخبارات الأمريكية بحرية التصرف في مناطق محدودة بحجة محاربة (القاعدة).

المنطقة مقبلة على تطورات تستدعي من دول مجلس التعاون معالجة أوضاعها بحكمة شديدة

وحاول علي عبدالله صالح أن يعيد توازناته بعد أن ضعفت توازناته التقليدية، وهو ماضٍ في توازنات إقليمية جديدة حتى لو كانت تدمر اليمن، توازنات غير مباشرة، ولكنها تتيح للبعض بالتدخل والتوغل في اليمن لتحقيق أهداف وغايات وابتزازات، ويجعل الجميع يلعب على أرض اليمن وهو الوحيد الذي يبقى متفرجاً على المشهد، فمثلاً سمح لإيران بالتوغل عبر الحوثيين ودعمهم، وسمح للسعودية بضرب الحوثيين، وغض الطرف عن دخول (القاعدة) ثم سمح للأمريكيين بضربهم.

وكانت توازنات علي عبدالله صالح كلها تهدف إلى إنشاء تجمعات قوى على حساب القوى القبلية التقليدية لأنه يعرف أن تطوير اليمن ونقله إلى دولة القانون سيحرمه من الحكم مستقبلاً.

إن اليمن يعتبر حاضنة استراتيجية مهمة للخليج وقاعدة استراتيجية لأمنه القومي، فحضور القاعدة وإيران إلى اليمن تحت أعين الرئيس علي عبدالله يجعله ذا أهمية كبرى، ووجد الرئيس في الحروب السبع الأخيرة فرصة تاريخية لجدولة زمن الحكم، فباسم الظروف الداخلية نجا الرئيس دائماً من مطالب التغيير، وباسم الحرب أطال أمد الحكم، وباسم الحرب أثار حفيظة السعودية وأشركها في هذه الحرب وفي أزمتها. واستثمر الرئيس الأزمات لمصلحة استمرار حكمه لا في حلها، بل سمح بفتح نافذة لتهريب السلاح والمخدرات إلى صعدة لكي تكون على غرار جنوب لبنان تقع في خاصرة السعودية، ومع ذلك، كانت السعودية ترى أن الاستقرار في اليمن أفضل من الفوضى وعملت في جنوب السعودية مع اليمن منطقة عازلة تحمي حدودها وأمنها.

فأشغل الرئيس علي عبدالله صالح اليمنيين بأنفسهم وأشغلهم بالمنطقة من كثرة الأزمات وأشغل الجميع بنفسه، فأصبح هو اليمن واليمن هو علي عبدالله صالح، ما جعل عبدالله الأحمر قبل وفاته عام 2008 يقول إن إبراهيم الحمدي حكم اليمن ثلاثة أعوام هي أكثر من ثلاثين عاماً حكمها علي عبدالله صالح بسبب أنه فقط يستورد الأزمات إلى اليمن، الأمر الذي أضر بالاقتصاد اليمني وفككه وجعله مستهدفاً من القريب والصديق ويشارك في كل الأزمات الإقليمية.

ما زالت الثورة مستمرة بشكل سلمي رغم أن في اليمن 60 مليون قطعة سلاح

وكانت المعادلة الوحيدة العصية على الرئيس هي القبيلة وبدلاً من أن يواجه ذلك بدولة القانون والعمل المؤسسي اتجه إلى توازنات تهدف إلى إنشاء تجمعات قوى ضد المصلحة الوطنية وعلى حساب القوى القبلية التقليدية.

وبعد أن خرج اليمنيون إلى الشارع وقالوا كلمتهم (ارحل) بدعم من بعض قيادات الجيش ودعم أيضاً من صادق الأحمر شيخ بني الأحمر دخل اليمن في مأزق لا يمكن حله إلا من خلال إيجاد الحلول السلمية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ويستغل فرصة معالجة الرئيس علي عبدالله صالح في السعودية من جروح ألمت به بعد المحاولة التي استهدفته في المسجد وقتل عدد من حرسه.

إن اليمن نقطة حيوية واستراتيجية في المنطقة، وبعد أن كان اليمن بيئة خصبة للتفجير، ويتقصد الإساءة للسعودية خاصة ولأمن الخليج بصفة عامة، بل هناك من يرغب في توريط اليمن في حرب أهلية مثل إيران، وحاولت لكنها لم تجد فرصة سانحة لأن السعودية حاضرة بثقلها هذه المرة في اليمن مثلما كانت حاضرة في البحرين حتى لا تجعل إيران اليمن مستنقعاً تغوص فيه دول الخليج، وهناك العديد من المشاركين الإقليميين غير إيران يريدون أن ينفجر اليمن عاجلاً أم آجلاً في جسد دول مجلس التعاون الخليجي والعبث بأمن الخليج عبر اليمن.

ويتساءل البعض لماذا تم استهداف الرئيس قبل قبوله بالوساطة بخطوات مما يدل على أن هذا الانفجار والاستهداف جاء لجر اليمن إلى حرب أهلية، وأن أطرافاً خارجية ترغب في دوام الأزمة فلم تمهله ولم تمهل المبادرة الخليجية. لكن مجلس تعاون يفاجئ الجميع بوحدته الداخلية ووحدة قراره السيادي وقرارات منظورة حول تطوير (درع الجزيرة) ووكالة متطورة للاستخبارات وقوة تدخل سريع. فالحرب اليمنية هي العائق الوحيد لكل ذلك الذي يصب في تقوية وحدة دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصاً أن تلك الدول تمني اليمن بالدخول للتعجيل من حل الأزمة.

وبالفعل كانت هناك مكالمات بين الملك عبدالله مباشرة مع نائب الرئيس عبدربه منصور هادي ومع الشيخ صادق الأحمر لتهدئة الوضع في اليمن وإرسال حاملات نفط بشكل سريع إلى مصافي عدن من السعودية حمولتها ثلاثة ملايين برميل لتوزيع المشتقات النفطية على كافة المحافظات.

وإلى جانب الحل السياسي لا بد من الإسراع في معالجة الوضع الاقتصادي، وينبغي على دول مجلس التعاون أن تحتضن اليد العاملة اليمنية وتدريبها لامتصاص فوران الأزمة في اليمن بدلاً من العمالة الآسيوية الموجودة في دول المجلس والتي تسببت في أزمات عديدة منها تشويه معادلة التركيبة السكانية في دول الخليج والمطالبة بحقوقها في الحصول على الجنسية والإقامة الدائمة بعد مكوثها فترات طويلة في دول الخليج، وتساهم العمالة اليمنية في تقليل عدد العمالة الأجنبية البالغة أكثر من 12 مليون أجنبي، هذا إلى جانب السماح بدخول الاستثمارات الخليجية إلى اليمن لتشغيل اليد العاملة وخفض نسبة البطالة العالية، وفي الوقت نفسه معالجة مشكلة أزمة الغذاء في دول الخليج التي ترفع من نسب التضخم في دولها، أي أنها معالجة متعددة الجوانب تصب في مصلحة الجميع، وتهيئ لانضمام اليمن إلى دول المجلس.

إن اليمن بحاجة إلى استراتيجيات ذات حلول جذرية بدلاً من الركون إلى الحلول الجزئية أو العاطفية، لذلك لابد أن يغلب على تلك الاستراتيجيات فكر الديمومة والاستدامة، ويجب إيضاح الوضع للنظام اليمني المتشبث بالرئاسة بأن الحرب ضد التغيير من دون قراءة فاحصة لواقع البيئة الاستراتيجية المحلية والإقليمية والدولية تدخل اليمن في أزمة وفوضى وحرب أهلية، لأن الأزمة في اليمن هي نتيجة لقصور في المنظور الاستراتيجي والجيواستراتيجي إلى جانب محدودية الموارد التي استأثر بها نخبة مختارة من اليمنيين، لذلك فإن المشهد الاستراتيجي اليمني هو نتيجة لإفرازات تراكمية ارتكبها النظام طوال العقود الماضية أسفرت عن توجهات متعددة للمعارضة.

لذلك يحتاج مجلس التعاون إلى الحصول على نوع من الوفاق الوطني من خلال تشكيل رؤية مستقبلية توفيقية قادرة على صياغة استراتيجية وطنية تنقذ اليمن من ورطته واحتمالات انهياره نحو الفوضى والحرب الأهلية التي لا نهاية لها، وستكون المعالجة حينها صعبة للغاية.

 

مقالات لنفس الكاتب