array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الثورة الشعبية اليمنية وتداعياتها المحلية والإقليمية والدولية

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

إن نظرة متفحصة لما يجري في الساحة العربية من ثورات شعبية أو ما يسمى الربيع العربي تجعلنا نقف أمام تحديات ضخمة قد يصعب وضع الوسائل الكفيلة بالتصدي لها، نظراً لظروف ومتغيرات تحكم عالمنا المتغير اليوم، فهذا العالم هو ليس كعالم الأمس، فهنالك الترابط الثقافي الذي يحكم مساراته الراهنة والمستقبلية، عالم تجاوز عدد سكانه ستة مليارات ونصف المليار نسمة، تحكمه العولمة بكل أنواعها وأطوارها وتشابكاتها، وتتصاعد فيه الصراعات الثقافية التي تحركها عولمة السياسة والمتأثرون بها في كل مكان، فضلاً عن تحكم متغير الاقتصاد الذي يقف وراء كل التداعيات السياسية والثقافية الجارية فيه، فالاقتصاد هو الذي يسيطر على غرف قيادة العالم الجديد، وبين الأحلام الجميلة ولغة الاقتصاد التي لا تعرف المجاملة، يقف المرء في البلاد العربية حائراً بعد أن مرّ ويمر اليوم بموجات صاخبة كان آخرها موجة الثورات الشعبية أو انتفاضة الشعوب ضد ظلم تعدى حدود المعقول.

من هذه المقدمة القصيرة يمكن أن نحدد ثلاث موجات في عالمنا العربي على مدى تاريخه الحديث، أولاها موجة الاستعمار التي رضخ لها العالم العربي ودفع الشعب العربي على امتداد أرضه الواسعة، تضحيات ضخمة من أجل تحقيق الاستقلال الوطني، لتدخل الموجة الثانية وهي موجة الطغاة التي رضخت فيها الجموع العربية لحكام من أبناء جلدتهم لم تأخذهم بشعوبهم أي رحمة، تحت مظلات كثيرة منها التحول الثوري التحرري وترسيخ مفاهيم أيديولوجية شرقية أو غربية، وبعضها اتخذ مظلة الطريق الثالث في عدم الانحياز وبناء الدولة على أساس قدرات الشعوب صاحبة المصلحة الحقيقية، لكنها أهملت جانباً حيوياً في علاقتها بالمواطن وهي ثقافة الاحترام، لترسخ بدلاً منها ثقافة التسلط والتخويف والترفع عن الناس واعتبارهم الطبقات الأقل مكانة وغير المؤهلة للمشاركة أو إبداء رأيها، ولم يحصد الشعب العربي من هذه الموجة سوى التأخر والتمزق، فما جرى في السودان منذ أن حاول النميري تطبيق الشريعة الإسلامية كفكرة (مضحكة) للتخلص من ضغوطه الداخلية حتى جاءت فرصة تاريخية للتحول الديمقراطي قدمها سوار الذهب ليعيش السودان بعدها تجربة قصيرة، لتأتي ثورة الإنقاذ التي ملأ قادتها الدنيا صراخاً، وانتهت تجربتها في تقسيم السودان ثم بدأوا من جديد بتسويق فكرة جديدة حول أن السودان بوضعه الحالي أكثر قدرة على الدفاع عن نفسه وهي فكرة لا تقل عن فكرة النميري أعلاه.

شباب ميادين التغيير يحتاجون إلى رؤية جديدة لإقامة دولة يمنية حديثة قائمة على أساس العدل والقانون

كذلك العراق اليوم بلد يتجة نحو التقسيم ويعيش ظروفاً لا يحسد عليها، ناهيك عما يجري في كثير من البلدان العربية من خنق الحريات والانحراف بمجتمعاتها نحو المجهول، ثم جاءت الموجة الحالية وهي الثورات الشعبية كرد فعل لا بد منه. وفي هذا الصدد مع احترامنا لهذه الموجة التي نباركها على طريق بناء الدولة المدنية المنتجة، لكن إزاء ما يحصل في البلاد العربية ومنها اليمن، لابد لنا من تشخيص خصائص هذه الموجة أو إعطائها تسمية ملائمة سواء في بعدها الحالي أو المستقبلي. إذاً لابد من طرح التساؤل التالي: هل إن الربيع العربي هو موجة فوضى أم موجة الحرية والكرامة وبناء الدولة المدنية؟ ولو بدأنا بالإجابة عن الشطر الثاني من التساؤل نجد أن حلم المواطن العربي في تحقيق الحرية والكرامة مشروع بل ملح، لكن من جانب آخر ليس الأمر بهذه السهولة في عالم تتشابك فيه المصالح وتتصارع بين أجزائه الإرادات وتتقاطع بين أقطاره السياسات وتتمحور في نقاط التقائه مسألة مستقبل إسرائيل الدولة المدنية المرتقبة لقيادة الشرق الأوسط الجديد، وفي هذا تكمن الكارثة وتتبدد الأحلام إذا ما غابت عن بال الجماهير الحالمة مرتكزات الدولة المدنية الضامنة لحقوقهم وكرامتهم، وهي المرتكزات التي يغيب بعضها عن بال الكثيرين.

التاريخ والجغرافيا هما الحاضنة الحقيقية لقبائل اليمن الضاربة في القدم 

لنتذكر في الوقت نفسه أن عشرات وربما المئات من مراكز الأبحاث والدراسات في الدول المتقدمة تعمل على قدم وساق وعلى مدار الساعة لتحليل ما يجري في منطقتنا العربية اليوم، في حين نحن نتصارع على من يتولى المرحلة المقبلة سواء من الاتجاهات الدينية أو الليبرالية وغيرها من دون أن توجد لدينا رؤية عن مرتكزات بناء الدولة المدنية- وربما توجد لدى أجيال الإنترنت تصورات بهذا الاتجاه لا نعرفها- ولعل أول مرتكزات الدولة المدنية بظروفها الواقعية هو عملية التحول الصناعي الإنتاجي واعتبار الاقتصاد عماد الدولة المدنية الحديثة. وثانيها، المرتكز الفكري أو السياسي الأيديولوجي، فالفكر السياسي العربي يعيش أزمة التنظير والمنهج، فلا تزال الحركات الدينية والليبرالية واليسارية العربية تعيش في حضن الثقافة التقليدية، وتعمل على أساس إقصاء الطرف المقابل كأنها قبائل متصارعة في الصحراء على الماء والكلأ، ثم المرتكز الثالث وهو المرتكز الثقافي الذي يتسم بالأهمية الكبرى كتحد للدولة المدنية العربية الحديثة، هذا المرتكز الذي تحكمه التعدادات الإثنية: القبلية والطائفية والدينية والعرقية والمناطقية، الأمر الذي يجعل الإمساك بمبدأ المواطنة صعب المنال رغم ما يطرح ليل نهار من قبل النخب المثقفة والوطنية، إلا أن حكم المرتكز الثقافي ما زال صارماً، وهذا ما يجعل حلم الحالمين يتعرض إلى صدمة تعمل القوى الدولية بأساليبها المختلفة على جعله صدمة المستقبل بالنسبة للمواطن العربي في زمن المفروض فيه أن يكون زمن الانعتاق من الاستعمار والطغاة، وفي هذا إجابة عن الشطر الأول من تساؤلنا وهو الخوف من الفوضى.

 أولاً: الثورة الشعبية في اليمن إلى أين؟

من يعرف اليمن وتاريخه وأيكولوجيته المتنوعة، يدرك تماماً أن التاريخ والجغرافيا هما الحاضنة الحقيقية لقبائل اليمن الضاربة في القدم، فهي قبائل أغلبها مستقرة وتعود إلى أصول عريقة بقيت محافظة على خصائصها الاجتماعية والثقافية حتى اليوم ولعل أبرز قبائلها حاشد وبكيل ومرجح، كما أن القبيلة بقيت خلال التاريخ الحامية للدولة والمساندة لها، كما يشير إلى ذلك (عبدالملك المغرمي في دراسته -القات واليمن- رسالة ماجستير علم اجتماع – في جامعة القاهرة 1982)، مؤكداً اختلاف مناطق اليمن من حيث الاستقرار والتغير، فالمناطق الشمالية هي أميل إلى الاستقرار بحكم طبيعة النظام القبلي الشمالي وبيئته الجبلية المعقدة عن بيئة المناطق الجنوبية التي يتسم سكانها بالمرونة والقدرة على الحراك والهجرة وتقبل الأوضاع الجديدة، ومع هذا فإن المغرمي يرى أن الوضع الاجتماعي اليمني يمكن أن يكون بصورة أشمل وأكثر وضوحاً، تبعاً لمتغيرات أساسية، أولها: ظلت القبيلة اليمنية حاملة شكل السلطة السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما المزارعون أو الفلاحون موضوع نهب مستمر من قبل القبيلة من جهة والدولة من جهة أخرى. وثانيهما: في الوقت الذي تكون فيه القبيلة مسؤولة عن أمن حياة أبنائها، توجد أعداد كبيرة من السكان في اليمن يخضعون لشروط العمل المأجور في الأراضي المملوكة لكبار الإقطاعيين، أما الملكية الفردية لبعض الفلاحين فهي محدودة. وثالثهما: إنه في الوقت الذي يتم فيه توزيع فائض الإنتاج في القبيلة على أفرادها، فإن فائض الإنتاج الزراعي في المناطق الزراعية يذهب إلى مصادر ثلاثة، هي الإقطاعيون أو كبار ملاك الأراضي وكبار القبائل المختلفة والحكام القائمون على شؤون الإدارة المحلية في الدولة، تذهب مقابل خدمات الحماية ومعاهدات الصداقة والدفاع المشترك.

سيكون وضع اليمن صعباً إذا لم تنبثق من بين الثائرين طليعة قيادية قادرة على تحقيق التوازن 

ونفهم من هذا أن القبيلة اليمنية مازالت متغيراً أساسياً في المجتمع اليمني مع اختلاف طبيعة العلاقات القبلية وسيطرتها على أفراد
مجتمعها، فهي في المناطق القبلية الشمالية علاقات قرابية دموية يكون الشيخ فيها جزءاً من قبيلته خلال التاريخ، وهي تختلف عن طبيعة العلاقات الاجتماعية والقرابية في المناطق الزراعية، كما في تعز وإب والمناطق الجنوبية التي أغلبها علاقات إقطاعية وشبة إقطاعية وتحكمها العلاقات المناطقية، بحيث تكون قوة تأثير المشايخ فيها تبعاً لطبيعة علاقة الشيخ بالسلطة الحكومية، فهي تقوى عندما تكون علاقة الشيخ قوية مع السلطات الحكومية، ويحدث العكس عندما تضعف تلك العلاقة. ووفقاً لهذا الوصف يمكن للمتتبع للشأن اليمني أن يستنتج أن بيئة الأيديولوجيات الخصبة، ولاسيما اليسارية منها، تكون في المناطق التي تسود فيها العلاقات الإقطاعية ولاسيما في تعز وإب وبعض المناطق الجنوبية. ويمكن القول إن التغيرات الجوهرية التي حصلت في العالم في عام 1989 انعكست على واقع اليمن الجنوبي فحصلت الوحدة اليمنية بجهود أبنائها من الشطرين السابقين، وسار اليمن على الطريق الصحيح.

إلا أن عدم قدرة طرفي الوحدة على الاندماج النفسي والثقافي أدى إلى ما أدى إليه، كما أن النزعة التسلطية فعلت فعلها في اليمن أيضاً، وعلى الرغم من الإنجاز الوحدوي الكبير إلا أن عملية التنمية والإعمار والانتقال باليمن إلى حالة اقتصادية أفضل بقيت أملاً لم يتحقق بدرجة ترضي اليمنيين، فازدادت مشكلات الإنسان واتسعت الفجوة بين مواطني الجنوب والشمال اقتصادياً، فكلاهما وليد نظام سياسي مختلف عن الآخر أيديولوجياً: جنوب اشتراكي الملكية بيد الدولة والمواطن مجرد من ملكيته ونشاطه الخاص إلى درجة معينة، ونظام شمالي يميل إلى الرأسمالية وتظهر مظاهر الغنى جنباً إلى جنب مع مظاهر الفقر، فترك ذلك آثاراً واضحة على وضع المواطن الاقتصادي، وبعد قيام الوحدة بسنوات لم تعالج هذه المسألة، ويمكن تمييز ذلك من خلال حالة المواطن في طرفي الوحدة، فبقي مواطن الجنوب على حاله الاقتصادي، ولم يستطع الاستفادة بشكل فاعل من عملية التحول الاقتصادي من النمط الاشتراكي إلى النمط الرأسمالي، فلم يستطع فتح دكان صغير أو القيام بمشروع اقتصادي فردي بحكم محدودية الدخل والاعتياد على نمط وظيفي أحادي، بينما المواطنون من الشمال من ذوي الرأسمال، استطاع البعض منهم الاستثمار في بعض المناطق الجنوبية مما جعلهم يتميزون اقتصادياً عن كثير من مواطني الجنوب، كما نلاحظ هذا التمييز واضحاً على وجوه أهل عدن، بوضعهم الاقتصادي المحدود أمام المستثمرين الشماليين وبعض المواطنين الشماليين الذين اعتادوا ممارسة الأعمال الحرة، ومع هذا لم يكن الوضع الاجتماعي والاقتصادي العام في الشمال أفضل حال عن الوضع في الجنوب.

النظام اليمني ربط نفسه بمصالح إقليمية ودولية جعلت من وجوده ضرورة

ولعل تردي هذا الوضع من المتغيرات الأساسية التي حدت بشباب اليمن بالثورة ضد نظامهم السياسي واعتباره المسؤول الأول عن وضعهم المتردي هذا، كما أن النظام من جانبه ربط نفسه بمصالح إقليمية ودولية جعلت من وجوده ضرورة، ولعل هذا الأمر أحد الأسباب التي جعلت كثيراً من الدول تقف مترددة في تأييد الثورة الشعبية خوفاً من تداعيات داخلية وإقليمية وحتى دولية تترتب على إسقاط النظام. ومن خلال نظرة سريعة على الأوضاع الساخنة في اليمن ولا سيما بعد محاولة اغتيال الرئيس اليمني، نضع اعتبارات عدة لمستقبل اليمن على الصعيد المحلي، أولها: مع التسليم بمشروعية الثورة الشعبية الشبابية وازدياد طموحهم في وضع أفضل وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، إلا أن ذلك ينبغي ألا يحسب خارج الثقافة اليمنية التي يميزها بشكل عميق نمط الثقافة القبلية، فليس من السهولة القفز على هذه الثقافة، لأن القبيلة كيان سياسي واقتصادي وهي عامل توازن في مناطقها الواسعة، فحالة الاستقرار فيها تعود بالدرجة الأولى إلى حالة التوازن تلك، والقبيلة نفسها تنظر إلى الدولة على أنها حالة تنظيمية تماثلها وتقارعها إذا شعرت بأنها تمارس الضغط عليها، وفي هذه الحالة ستقع حالة صراع بين فكرة الدولة المدنية والنظام القبلي مع التسليم بحكمة أهل اليمن.

وثانيهما، إن التحالفات السياسية المعارضة التي تحاول ركوب موجة الثورة الشبابية تعيش تناقضاً أيديولوجياً واضحاً ولكل منهم تطلعاته رغم من إعلان الكل أنهم يسعون إلى مصلحة الجميع، ويعد هذا التناقض الأيديولوجي في وضعة اليمني ذي البيئة القبلية والحضرية التي يبرز فيها المؤدلجون فضلاً عن وضع الحوثيين وغيرهم، وضع جديد قد يعرض مستقبل اليمن إلى مخاطر، لعل أبرزها التقسيم. وثالثهما: إن شباب ميادين التغير يحتاجون إلى رؤية جديدة في إقامة دولة يمنية حديثة قائمة على أساس العدل والقانون وتحقيق قفزة نوعية في التنمية بعد وضع حد للفاسدين وهي مهمة ليست سهلة في بيئة قبلية ونخب سياسية متناقضة في تطلعاتها السياسية، فهناك تقاطع بين بعض الجنوبيين المعارضين وثقافة القبيلة وثقافة الأيديولوجيا الدينية مما يجعل عملية الاندماج عملية صعبة، لذا سيكون وضع اليمن صعباً إذا لم تنبثق من بين الثائرين طليعة قيادية قادرة على تحقيق التوازن بين الاتجاهات المختلفة وأخذ زمام المبادرة وإيجاد تواصل مع قوى الجيش ورموز القبائل وجعل عملية التغيير عابرة للأيديولوجيا والإثنية لترسم لليمن خريطة وحدوية فاعلة.

 ثانياً: الثورة الشعبية اليمنية وتداعياتها الإقليمية

يمر اليمن اليوم بمرحلة فاصلة وصعبة على الصعد كافة، وما يمكن أن تتركه تطورات هذه المرحلة من تداعيات كثيرة على المحيط الإقليمي لليمن والمنطقة العربية بأسرها، ونظراً لموقع اليمن الاستراتيجي بالنسبة للوطن العربي عامة ومنطقة الجزيرة والخليج العربي خاصة، فضلاً عن أسباب داخلية تتصل بتركيبة المجتمع اليمني وتناقض الأيديولوجيات السائدة فيه وما يمكن أن تحدثه من صراعات داخلية على السلطة قد تؤدي إلى تقسيم اليمن، وما يمكن أن يشكله ذلك من مخاطر حقيقية على الأمن القومي العربي، فضلاً عن ذلك يجعل الطريق مفتوحاً لبعض الأطراف الخارجية للتدخل بشكل أو آخر لتحقيق مصالحها المختلفة على حساب اليمن ومحيطه الإقليمي، إذا لم توظف حكمة أهل اليمن في توجيه الثورة نحو أهدافها الاستراتيجية في بناء الدولة القوية وضرورة العمل على الالتحام مع الثورات العربية ووضع برنامج متكامل من أجل الحفاظ على الثورات وتوجهاتها المشروعة، فإن حجم هذه التداعيات سيزداد خطورة على اليمن ومحيطه الإقليمي. فاليمن يوصف بأنه من أبرز البلدان التي ترتفع فيها نسبة الخصوبة مما يؤشر إلى أنه أكثر البلاد العربية فتوة.

لذا فإن أي اضطراب في اليمن بعد الثورة الشعبية سيدفع البلاد إلى فوضى حقيقية، كما سيدفع أعداداً كبيرة من الشباب بالهجرة إلى البلدان المجاورة مما يترك تداعيات خطيرة على محيطه الإقليمي، كل هذا يمكن أن يحدث إذا لم ينتبه شباب الثورة إلى ضرورة تأسيس دولة يمنية مدنية موحدة، تجعل قبائل اليمن ومثقفيها ومنظماتها ومؤسساتها وقواها السياسية، يعتبرون الوحدة اليمنية خطاً أحمر، ولا يسمح لأي كان ومهما كانت مبرراته بالنيل من اليمن ووحدته، وليكون هدف الشباب محاربة الفساد وعدم التقاطع العاصف مع ثقافة المجتمع اليمني بكل بيئاته وضرورة التصدي لبعض الأفكار النظرية السطحية في التعامل مع المتغير الثقافي، وأي خلل في هذا الاتجاه تكون له تداعياته على استقرار اليمن ومحيطه الإقليمي، ولذلك يجب أن يصنع الشعب اليمني تاريخه الحديث ويبني مرتكزات اقتصاده على أسس صحيحة وضرب رموز الفساد والقضاء على تابعياته، كذلك ينبغي على المحيط اليمني الوقوف إلى جانب اليمن والعمل على تعزيز موقعه الإقليمي اقتصادياً وسياسياً حتى لا يكون لقوى أخرى توظف إمكاناتها سبيل أو طريق في هذا البلد، لا سيما أنه يتميز بتمايز أيديولوجي. وأول أمر ينبغي المحافظة عليه في هذا الاتجاه هو وحدة اليمن وبناء جسور الثقة معه، وعلى الرغم من التفاؤل بالثورة الشعبية اليمنية إلا أن واقع المجتمع اليمني، إذا لم تتخذ إجراءات ساندة له، سيعيش صراعاً أيديولوجياً وصراع على السلطة وغيره، مما يترك تداعيات خطيرة ولا سيما تجاه منطقة الجزيرة والخليج العربي، وعندئذ ستجد المنطقة الخليجية نفسها أمام حالة عدم الاستقرار في جهتها الجنوبية بدرجة لا تقل خطورة عن حالة عدم الاستقرار في جهاتها الشرقية والشمالية، كما ستكون للثورة الشعبية اليمنية أصداء في الجانب الإفريقي مع انفصال جنوب السودان وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد مستقبلي للأمن العربي، إذا لم تحكم الثورة اليمنية زمام الأمور بقوة.

 ثالثاً: الثورة الشعبية اليمنية وتداعياتها الدولية

تختلف الرؤى حول التغيرات الجارية في بعض البلدان العربية، بعضها يرى أنها مخطط لها أو هناك من يؤجج لها بشكل أو آخر، بهدف إحداث الفوضى في كثير من البلدان العربية ومن ثم بلورة نظم تتبنى الديمقراطية من دون أن تستطيع تحقيق الاستقرار المطلوب بفعل التناقضات الموجودة في هذه البلدان، فضلاً عن تداعيات الأزمة التي يعيشها الفكر العربي وافتقار الاقتصاد العربي إلى عوامل الإنتاج، فأغلب اقتصاديات العرب ريعية وبعضها يعيش تضخماً مخيفاً، فأصحاب هذا الرأي يرجحون الفوضى لفترة طويلة، ويتوقعون حالة التقسيم لكثير من البلدان العربية. والرأي الأكثر انتشاراً في هذه الحقبة، أن المنطقة العربية تشهد حراكاً شعبياً حقيقياً كسر الأسوار وحطم الأغلال وانطلقت الشعوب نحو الحرية والكرامة، فهذا الشعب اليمني جزء حيوي من هذا الحراك وضرب مثلاً رائعاً في التظاهر السلمي على الرغم من حيازته ملايين قطع السلاح وبمختلف الأحجام، إذاً الشعب اليمني كغيره من الشعوب الثائرة أخذ يقلق كثيراً من الأطراف الدولية، فأصحاب هذا الرأي يرون أن إرادة الشعوب هي الأقوى من إرادة كل الحكام وأقوى من إرادة القوى الدولية، ولا تجد تلك القوى من سبيل سوى تأييد تلك الثورات، بل إنها قلقة من نتائجها.

إذاً التداعيات التي يمكن أن نفهمها من خلاصة هذين الرأيين، أن الثورات العربية ومنها الثورة اليمنية وفقاً للرأي الأول ستكون خطيرة على النظام العربي، ووفقاً للرأي الثاني ستكون مصدر قلق للقوى الكبرى، لا سيما إذا استطاعت هذه الثورات تبني فكر منتج وأعقبه نظام إنتاجي مميز مع بناء مرتكزات الدولة المدنية، فقد آن الأوان ونحن نعيش في الألفية الثالثة كي نؤسس نظاماً معتدلاً منتجاً يحظى باحترام الجميع، ويستطيع اليمن بقدرات أبنائه القضاء على الفساد وتأسيس نظام سياسي واقتصادي قادر على التفاعل مع الحداثة منطلقاً من أسس ثقافته التي إذا ما تفاعلت عناصرها في بيئتها المتنوعة استطاعت أن تؤثر في بناء دولة تكون مؤثرة في المحيط الهندي والخليج العربي والبحر الأحمر لتشكل سياجاً منيعاً ضد الأطماع الأجنبية في المنطقة العربية وضد التحالفات الجارية ضد العرب، وهذا يتحقق مع تحقق حرية الإنسان وكرامته وتخلصه من مساعدات القوى الكبرى، كما أن هذه الثورات ستكون لها تأثيرات مهمة في السياسة الدولية سواء في سياسة الغرب أو الشرق.

وبالتالي ستكون إرادة الشعوب هي التي تحكم طبيعة هذه السياسة وليس كما كانت النظم الحاكمة تربط مصالحها وبقاءها بعجلة سياسة القوى الكبرى. ومع هذا فإن الشعوب قالت كلمتها، نحن الذين نتحكم في مصيرنا، وعندئذ سيكون لهذه الثورات ومنها الثورة الشعبية اليمنية تأثير في مسار السياسات الدولية، ومن أجل أن يكون ذلك واقعاً حياً، ينبغي تأسيس دولة الإنتاج وتحقيق التواصل الخلاق بين الثورات العربية وجعل برنامجها واحداً وتكاملياً لإرجاع مكانة العرب بين شعوب العالم منتجين ومتسامحين، وهذه المهمة ملقاة على عاتق شباب الثورات الشعبية وليس على المعارضات التقليدية التي يظهر أنها غير قادرة على تقديم برنامج مختلف عن برامج الحكام،فالشباب هم القادرون على تحقيق حرية الإنسان وكرامته، وعندئذ يكون للثورة الشعبية اليمنية وغيرها شأن بارز في السياسة الدولية مؤثر وفاعل فيها.

مجلة آراء حول الخليج