; logged out
الرئيسية / العملة الخليجية الموحدة: مرحلة من مراحل التكامل الاقتصادي

العملة الخليجية الموحدة: مرحلة من مراحل التكامل الاقتصادي

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

على الرغم من أن التكتلات الاقتصادية عرفت منذ القدم، إلا أنها تميزت كظاهرة على وجه الخصوص في العصر الحديث، إذ بدأ الاقتصاد الدولي بعد الحرب العالمية الثانية يتسم بتلك الظاهرة، ويرجع ذلك إلى تطور علاقات الإنتاج، خاصة مع زيادة أهمية الوحدات الاقتصادية الكبيرة وظهور أقطاب التنمية، فقد أدى التقدم التكنولوجي الحديث إلى عدم جدوى الوحدات الاقتصادية الصغيرة، وضرورة توسيع المجال الاقتصادي للاستفادة من نتائج التقدم الفني، فالاقتصاد المعاصر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية يتسم بالتعاون الاقتصادي الدولي، وانتشار الأجهزة الدولية الجماعية التي تقوم على تحقيقه سواء على النطاق الدولي أو الإقليمي كخطوة أولية نحو تطور أوسع.

إن هذا التعاون الاقتصادي الدولي قد يتحقق إما عن طريق توحيد الإطار التنظيمي للنشاط الاقتصادي، أو عن طريق القيام بتنفيذ بعض المشروعات الدولية المشتركة، فالتكتلات الاقتصادية تنشأ بين مجموعة من الدول المتقاربة في المصالح والأهداف، ونجاح هذه التكتلات الاقتصادية يتطلب توفير شروط اقتصادية معينه لتأمين نجاحها، ومن أهم هذه الشروط تنوع الموارد الطبيعية، وتكامل المشاريع الإنتاجية، وقد تجمع بين هذه الدول وحدة الموقع الجغرافي، كما يعتبر العامل السياسي ذا أثر بارز ويلعب دوراًمهماً في نجاح هذه التكتلات وخاصة في المراحل الأولى، كما قد تلعب عوامل عدة غير اقتصادية دوراً في نشوء التكتلات الاقتصادية.

أصبح لزاماً على الدول النامية أن تلم شملها وتسارع إلى التكتل حتى تستطيع الوقوف في وجه التكتلات الأخرى

إن التكتلات الاقتصادية ظاهرة تؤلف بين طوائف من الدول على أساس من الرغبة في إيجاد كيان اقتصادي قادر على المنافسة في خضم الأسواق التجارية الإقليمية والعالمية، وقد تستهدف الدول من وراء هذا الكيان الاقتصادي تكوين وحدة سياسية في آخر المطاف، بمعنى أن التكتل الاقتصادي قد تختلط فيه الدوافع الاقتصادية بالدوافع السياسية إلى الحد الذي يصعب معه تعيين الهدف الأساسي منه، وتستوي في ذلك الدول المتقدمة والنامية.

لقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين محاولات وتجارب عدة للتكتل الاقتصادي، منها ما حقق نجاحاً باهراً واكتمل نموه كالمجتمع الاقتصادي الأوروبي الذي تكلل نجاحه بعد خطوات طويلة منذ توقيع معاهدة (ماستريخت) في روما 11 ديسمبر 1991 بشأن الوحدة الأوروبية الاقتصادية والنقدية والسياسية لتكلل كل هذه الجهود يوم الثاني من مايو 1998، ذلك اليوم الذي أصدرت فيه القمة الأوروبية التاريخية التي عقدت في بروكسل إعلانها بإصدار العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، لتصبح عملة التداول الرسمية الوحيدة للدول الأعضاء في الاتحاد النقدي الأوروبي عام 2002، مما يعد الخطوة الأولى للدخول في اتحاد سياسي قد يكون فيدرالي أو كونفدرالي.

وإذا كان العصر الحديث هو عصر العمالقة (Giants) أو عصر الكيانات الكبرى، ومن ثم فلا مجال فيه للأفراد، لذا فقد أصبح لزاماً على الدول النامية أن تحاول لم شملها، وأن تسارع إلى التكتل حتى تستطيع الوقوف في وجه التكتلات الأخرى، وحتى تحصل على نصيبها العادل من التجارة الدولية.

إقامة اتحاد نقدي بين دول مجلس التعاون سيعود بالنفع على كل الدول

ويبدأ التكتل الاقتصادي عندما تأخذ دولتان أو أكثر بسياسات تؤدي إلى زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل، ويكون الهدف منه زيادة القدرة الإنتاجية والكفاية في الدول الأعضاء، وقد تختلف درجات الاعتماد المتبادل من انخفاض العوائق التجارية على عدد محدود من المنتجات إلى إنشاء سياسة نقدية موحدة، وقد حققت بعض تجارب التكتل الاقتصادي نجاحاً، لكن تلك المحاولات لم تطبق فيها أوجه التكامل بسهولة، وهذه التكتلات الاقتصادية قد تكون ثنائية، كما قد تكون متعددة الأطراف، وموضوع هذه العلاقات هو التبادل التجاري وما يتطلبه من تنسيق للسياسات الخارجية في مجال السلع والخدمات والمدفوعات، وقد يتعدى هذا التنسيق إلى مجال عوامل الإنتاج كالعمالة ورأس المال.

وتهدف هذه العلاقات إلى دعم اقتصادات الدول الأطراف، وانتهاءً في تحقيق نوع من التنسيق السياسي أو الوحدة السياسية، وأوسع أشكال التكتلات الاقتصادية هو تعاون الأسرة الدولية في تنظيم نواحي الحياة الاقتصادية التي تهمها جميعاً أو تهم الغالبية العظمى منها، ويأخذ هذا التعاون شكل الاتفاق على مبادئ وقواعد تنظم بعض نواحي العلاقات الاقتصادية بين الدول حيثما لا يوجد اتفاق خاص لتنظيمها، أو حيثما يكون الأمر ذا أهمية بالنسبة لهذه الدول جميعاً بحيث يتحتم عليها في سبيل مصلحتها ومصلحة التعامل الاقتصادي العالمي أن تنظم هذه النواحي.

وقد بدأ هذا النوع من التعاون الشامل بتطور القانونين الدوليين العام والخاص اللذين وضعا قواعد معترفاً بها لتنظيم كثير من نواحي العلاقات بين الدول، ثم تجسد في شكل أدق أو تنامى في عدد من المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي، والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمة الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة الدولية، ولكل من هذه المنظمات دستور يحدد مبادئ التعاون الدولي في الحقول التي تخصها، وجهاز تنفيذي يشرف على تنفيذ المبادئ المتفق عليها في هذا الدستور، لكن ليس من طبيعة المشكلات الاقتصادية أن تنظم على الصعيد الدولي، لأن التنظيم الدولي لا ينجح إلا في الأمور التي تهم كافة الدول صغيرها وكبيرها، غنيها وفقيرها، متقدمها ومتأخرها؛ بنسب متساوية أو قريبة من التساوي.

لكن من بين الدول من لها مصالح اقتصادية تهمها دون سواها، وهذه المصالح قد تكون نتيجة للقرب والجوار، أو تكون ذات دوافع اقتصادية أو سياسية، أو في حاجة ماسة إلى معالجة أزمة أو مشكلة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، فمن الطبيعي إذن أن تفكر مثل هذه الدول بتنظيم خاص بعلاقاتها الاقتصادية يؤمن القصد الذي رمت إليه، ويتكيف مع الظروف التي تلائم وضعها، ويتدرج حقل المسائل المشتركة في الطبيعة من الأسرة الدولية إلى مجموعة من الدول إلى أن يصل إلى الأمور التي تهم دولتين فحسب، وعندما تقوم الدولتان بتنظيم هذه الأمور باتفاقيات ثنائية توضح التعاون المنشود، وفي كل أنواع العلاقات الاقتصادية نجد أنواعاً مختلفة من تنظيم التعاون الاقتصادي، وتتدرج هذه الأنواع في التماسك والرخاوة، وفي القرب والبعد؛ بمقدار المصالح المشتركة التي تجمع الدول التي تضمها، وبمقدار وعي هذه الدول وفهمها لتلك المصالح.

العملة الخليجية الموحدة تحتاج إلى بعض التنازلات من الدول الخليجية لإتمام إصدارها 

ومما لا شك فيه أن التقدم التكنولوجي الحديث في عصر العولمة الاجتياحية أدى إلى عدم جدوى الوحدات الاقتصادية الصغيرة، ومن ثم اتجهت الدول إلى تحقيق تكتلات اقتصادية فيما بينها سواء على النطاق الدولي متمثلاً في اتفاقية (الغات) أو على النطاق الإقليمي مثلما فعلت دول أوروبا في الوحدة الأوروبية التي توجت بالتكتل النقدي، فقد أدركت هذه الدول أهمية التكتلات الاقتصادية ومن ثم سعت إلى التكتل مع بعضها بعضاً إذ وجدت بينها مصالح اقتصادية مشتركة في الأهداف لتتولد داخلها الرغبة في إيجاد كيان اقتصادي قادر على المنافسة في خضم الأسواق التجارية الإقليمية والعالمية،وقد تستهدف هذه الدول تكوين وحدة سياسية في آخر المطاف، بمعنى أن التكتل الاقتصادي قد تختلط فيه الدوافع الاقتصادية بالدوافع السياسية إلى الحد الذي يصعب معه تعيين الهدف الأساسي منه، الذي قد يكون سياسياً أو اقتصادياً.

ومن هنا نرى أهمية توحيد العملة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك لكونها دولاً تتشابه في الموقع الجغرافي إذ ربط بينها الخليج العربي، بالإضافة إلى تشابهها السكاني، وهو ما يدفعنا إلى التسليم بأهمية اتحاد هذه الأقطار اقتصادياً من خلال عملة موحدة واتحاد نقدي يوفر لها الصمود أمام المتغيرات الاقتصادية العالمية.

ومما يدعونا إلى التسليم بأهمية توحيد العملة الخليجية هو تشابه مشكلات الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتأثير مشكلات الدولة الواحدة على الدول الأخرى، كذلك القرب الجغرافي الذي من شأنه أن يدعم عملية توحيد العملة، وأيضاً تشابه هذه الدول في أهمية النفط في حياتها الاقتصادية، كل ذلك يدعو إلى الإسراع بتوحيد العملة بينها، ويؤكد أهمية تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول الخليج العربية من خلال اتحاد نقدي موحد سيوفر لها أفضل الاستثمارات لمواردها الاقتصادية، وسيساعد على توفير أعلى مستوى معيشة لشعوبها وأفضل منعة سياسية لها.

وعلى الرغم من التفكير في مثل هذا الاتحاد النقدي منذ توقيع الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون عام 1981، وهو عام ميلاده، إلا أن الفكرة رغم ذلك ظلت رهن الدراسة والتفكير، والاتحاد يمر بمراحل التكتل الاقتصادي بدءاً من إنشاء السوق المشتركة، والتعرفة الجمركية الموحدة، والاتحاد الجمركي، ليكون التفكير بالنهاية في الوحدة الاقتصادية، التي تعد أعلى درجات التكامل بين الدول في صورة اتحاد نقدي في عملة موحدة، والتي ربما يتبعها التفكير في إقامة اتحاد سياسي قد يكون فيدرالياً أو كونفدرالياً.

ولا شك في أن إقامة اتحاد نقدي بين دول مجلس التعاون الخليجي سيعود بالنفع على كل الدول، لأنه سيسهل عملية الانتقال دون الحاجة إلى تبديل أو تغيير العملة، وبالتالي سيولد حرية في انتقال رؤوس الأموال، وبالتالي نشوء استثمارات عملاقة تواكب التطورات الاقتصادية العالمية في عصر العولمة، الذي لم يعد فيه مجال للكيانات الاقتصادية الصغيرة، وهذا ما دفع كثيراً من الأقاليم إلى التفكير في الاتحاد كدول أوروبا التي نجحت في تأسيس اتحاد نقدي بينها في صورة العملة الموحدة (اليورو) التي أصبحت عملة التداول الرسمية لخمس عشرة دولة، وبالتالي اتجهت كثير من الدول الأخرى إلى استخدامها في التعامل الدولي، وفي البنوك العالمية، وفي صندوق النقد الدولي لتصبح عملة احتياطي عالمية تواجه الاجتياح الاقتصادي للدولار الأمريكي المتربع كعملة الاحتياطي العالمية منذ سنوات.

ولكن صورة هذا الاتحاد النقدي الذي من المفترض أن يشهد هذا العام (2011) ميلاده من رحم اجتماعات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لا يزال يكتنفها الغموض، مثل: هل سيكون نظام التصويت داخل المجلس صوتاً واحداً لكل دولة مثلما فعل الاتحاد الأوروبي؟ وهو ما يراه البعض عائقاً أمام إتمام الوحدة النقدية المنشودة، كذلك تأخر قيام الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي لا يزال الطريق أمامه طويلاً، وبالتالي هل سيؤثر في توحيد العملة الخليجية وسيقف عائقاً أمام إتمامها؟ وما مدى تأثير انسحاب سلطنة عمان على مسيرة الاتحادالنقدي؟ وهل سيواصل التحدي، أم أن عمان سوف ترضخ للأهمية الاقتصادية الكبرى التي ستجنيها الدول الأعضاء كافة من توحيد العملة الخليجية؟ كذلك هل سيؤثر تمسك المملكة العربية السعودية بأن يكون مقر البنك المركزي الخليجي الذي سيتولى سلطة إصدار العملة الخليجية الموحدة فيها هل سيؤثر ذلك في مسيرة الاتحاد، أم أنه ستكون هناك تنازلات من الدول لإتمام الاتحاد؟ وكذلك هل ستؤثر الخلافات السياسية بين هذه الدول في مصير العملة الخليجية الموحدة، أم أن هذه الدول ستترك هذه الخلافات جانباً في سبيل تحقيق التكامل الاقتصادي الذي سيعود بالنفع الاستثماري على مستوى معيشة أفرادها؟ كل هذه العناصر تمثل الإشكالية التي ستكون الإجابة عنها هي السبيل الكفيل بتذليل العقباتأمام ميلاد العملة الخليجية الموحدة، أو (الدينار العربي الخليجي) كما أطلقت عليه قمة المنامة في ديسمبر 2000. 

مقالات لنفس الكاتب