; logged out
الرئيسية / الكوارث التي حلّت بمصر من جراء الربيع العربي

الكوارث التي حلّت بمصر من جراء الربيع العربي

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

لم يعد بريق الثورة المصرية جذاباً كما كان، فالعرب يخشون أن تتحول الثورة إلى كارثة، كما تحولت كثير من الثورات الروسية والفرنسية، فالثورة كانت حدثاً عظيماً ضد الظلم والقهر والتخلف، أما الكارثة فهي التي تتسبب في إلحاق الضرر بالأمة، ولا يفسد الثورات إلا الحقد والانتقام، ولا يصلحها إلا التسامح والتوجه نحو الأمام لأن الفساد لا يعالج بالفساد، فالذين وقفنا لهم معجبين بالأمس لمطالبهم المشروعة ضد الظلم والاستبداد، نجدهم يعطلون اليوم الدستور الذي يحدد الحقوق والواجبات، ويقفون في مواجهة السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويهددون بنسف المكتسبات القومية، فهم يتحركون لإيقاف قناة السويس، وتعطيل مترو الأنفاق، وعرقلة كوبري 6 أكتوبر.

إن الإصرار على عدم العمل، والتظاهرات والاعتصامات، يكلف خزينة الدولة ومصالح الأمة الكثير من المال، مما تسبب في خفض الجنيه المصري، وإذا ظل الحال على ما هو عليه ولمدة عام فإن من المحتمل أن يساوي الدولار 200 جنيه مصري، عندها ستعود مصر إلى التهريب، وتجار الشنطة، وشح الموارد، وينتقل الفساد من السلطة إلى المجتمع، وتدخل مصر في عداد الدول الفاشلة بحسب التقويمات العالمية.

يتوقع أن يصل عدد العاطلين عن العمل في مصر إلى 4 ملايين منهم 45 في المائة من حملة المؤهلات العليا

إن الثورة حدث عظيم في تاريخ الشعوب، لكن الثورات يُحكم عليها بمدى ما تحققه من أهداف ونتائج، فالثورة الفرنسية أعقبها آلاف القتلى، ثم أورثت نظاماً دكتاتورياً تمثل في نابليون بونابرت، فعاشت فرنسا في حروب مع الدول الأوروبية، وظلت الحروب والهزائم قرنين من الزمان، ولم تنعم بالاستقرار إلا بعد الحرب العالمية الثانية.

 لقد بدأت في مصر مظاهر سلبية خطيرة أهمها:

1- التظاهرات الفئوية بصرف النظر عن مشروعيتها.

2- التطرف والصدامات التي تثير الفتن بين أبناء الأمة على خلفية دينية.

3- انتشار أعمال (البلطجة) وخروج محترفي الإجرام من السجون وانطلاق المحرومين من الأحياء العشوائية.

4- الانفلات الأمني.

5- ضعف هيبة الدولة.

6- الهروب الجماعي من السجون.

بلغت الخسائر في الممتلكات الحكومية والفردية في مصر بعد الثورة ما يتجاوز 200 مليار دولار

 كل هذه المظاهر ولدت أموراً عدة أهمها:

أ- كوارث اقتصادية:

1- وقف عجلة الإنتاج بنسبة تجاوزت 50 في المائة.

2- تراجع معدلات التصدير بنسبة 40 في المائة.

3- نقص عوائد السياحة بنسبة 80 في المائة.

4- تسريح مليوني عامل مصري.

5- تناقص عوائد المصريين في الخارج.

6- انكماش الاستثمارات العربية والأجنبية والمحلية.

7- توقف نشاط البورصة لعدة أسابيع.

كل ذلك بالإضافة إلى الخسائر في الممتلكات الحكومية والفردية ما يتجاوز 200 مليار دولار وهو ما نشر في (الأهرام)، وهذا يشكل تهديداً لأمور كثيرة:

1- إبطاء الأنشطة الاقتصادية وتعطيل بعضها.

2- إشاعة مناخ عدم الاستقرار وزعزعة الثقة بالاقتصاد المصري بشكل عام.

3- تآكل الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة من 36 ملياراً إلى 28 ملياراً.

4- تناقص المخزون من السلع الاستراتيجية.

5- قفز معدل الفقر من 45 في المائة إلى 70 في المائة.

6- تناقص معدل النمو الاقتصادي ما بين 2 في المائة و3 في المائة.

7- توقعات بحدوث عجز في الموازنة العامة من 10 في المائة إلى 12 في المائة.

8- خفض تصنيف المؤسسات المالية الدولية.

9- اهتزاز الموقف الائتماني وبلوغه حدود الخطر.

10- ارتفاع معدل البطالة وزيادة أعداد العاطلين ليصل إلى 4 ملايين منهم 45 في المائة من حملة المؤهلات العليا.

 ب – الكوارث الاجتماعية التي قد تنجم عن عدم السيطرة على الموقف:

1- انتشار مزيد من الفقر.

2- انتشار الأمراض الناجمة عن سوء التغذية وصعوبة الحصول على الغذاء عند بعض الأفراد والأسر.

3- ارتفاع نسبة الأمية والجهل الذي تصل نسبته اليوم إلى 40 في المائة.

4- انتشار الفساد الاجتماعي إضافة إلى الفساد السياسي والإداري.

5- الارتفاع في أعداد المواليد.

6- انتشار الأوبئة وبشكل خاص البلهارسيا.

7- انتشار الجريمة بكل أنواعها العادية والمنظمة.

8- تكريس الظلم والاستبداد بسبب الفقر.

9- ارتفاع نسبة الفلاحين الذين تصل نسبتهم اليوم إلى 65 في المائة.

10- ارتفاع معدلات الطلاق والمشكلات الأسرية.

مصر سوف تنحدر لتصبح من الدول الفاشلة إن لم تستقر الأوضاع بشكل عاجل

 كل ذلك إذا لم تستقر الأوضاع بشكل عاجل وتوضع خطة للتغلب على كل هذه السلبيات، فإن مصر سوف تنحدر لتصبح من الدول الفاشلة وتتعرض إلى الانهيار الاقتصادي، وهذا ما يراد لها من هذه الفتنة.

وعلى الجانب الآخر، هناك مؤسسة المجتمع المصري الأمريكي التي تأسست في مدينة نيويورك، حيث قامت بدراسة الأوضاع المستقبلية لمصر، فقد عقد حسام عبدالمقصود اجتماعات عدة مع الناشطين المصريين الزائرين للولايات المتحدة، وقال إنهم حثوا على إنشاء وظائف للشباب المصري والحصول على المهارات الصحية، وفي 8 إبريل عملت هذه المؤسسة على مساندة الشراء المحرز في برنامج مصر لرفع صادرات مصر إلى أمريكا، وقد وجدوا تجاوباً في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما سوف يساعد على بناء مصر اقتصادياً، بالإضافة إلى ما تقوم به هذه المؤسسة من بناء شراكة مع ممثليها من المنظمات والأفراد لنقل مصر إلى الديمقراطية إذا ما قدّر لها الاستقرار واستعادت الدولة هيبتها.

وفي 19 مارس 2011م عقدت المؤسسة منتدى تحت عنوان (جميعاً لمصر جديدة)، وعقدت الندوة في واشنطن العاصمة بغرض تغيير الأفكار حول كيفية المشاركة في مستقبل مصر بعد ثورة 25 يناير.

لقد اجتمع في هذه الندوة 320 فرداً و28 منظمة كلهم يسعون إلى تحسين مستقبل مصر وتنسيق أفضل الجهود للتعريف بالشركاء المحتملين وتحريك الموارد المالية والبشرية لمسبباتها وهو ما جاء في بيان مؤسسة المجتمع المصري.

وقد تمت دراسة حول كيفية تحسين الخدمات في القرى المصرية، كما درست المؤسسة بناء قرية نموذجية في مصر لا تقوم على السكن وحده، بل أيضاً المدرسة والمستوصف، وبرامج الرعاية الصحية التي تجعل منها أنموذجاً للقرى المصرية.

ووعد القائمون على المنتدى بإقامة مناسبات لجمع التبرعات، وسيكون جمع التبرعات في المساجد والكنائس، لكن ذلك قد يصطدم في البلاد العربية بالمحاذير التي وضعت للحد من التبرعات بسبب الإرهاب.

وظهرت هذه المؤسسة للعمل على تحسين المجتمعات المحلية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أبرز العاملين في المؤسسة ليلى روكال مساعدة الموارد المعلوماتية والدكتور أمجد رجب المسؤول عن الأمور الصحية.

هذا بالإضافة إلى الخطة الأمريكية التي تقضي بإنشاء صناديق للاستثمار في مصر بغرض جذب المستثمرين من العالم العربي والإسلامي ومن الولايات المتحدة وأوروبا، لكن ذلك كله مرهون باستقرار الأوضاع في مصر والتنظيم الجيد للاقتصاد، وتحقيق البيئة المناسبة للاستثمار، من حيث الحد من الروتين، وتحقيق القضاء العادل، وانتشار وسائل الترفيه والأمن.

إن الثورات العربية التي بدأت في تونس ثم مصر بعدها هبت رياح التغيير على كل من اليمن وليبيا وسوريا والبحرين، جاءت في أعقاب صدور ما يسمى وثيقة الأمن القومي الأمريكية التي صدرت من البيت الأبيض في 28 مايو عام 2010م، في الجزء الخاص بالشرق الأوسط تحت عنوان (تدعيم السلام والأمن والتعاون في الشرق الأوسط الكبير) ومن أهم بنودها:

1- التعاون الواسع في العديد من القضايا مع الحليف القريب إسرائيل، وتأكيد الالتزام عبر الحدود تجاه أمن إسرائيل.

2- استمرار تدفق النفط.

3- العمل على حل صراع الشرق الأوسط بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة بجوار إسرائيل.

4- التعاون في مجال مواجهة الإرهاب.

5- دفع إيران بعيداً عن السعي لاقتناء أسلحة نووية ودعم الإرهاب الدولي.

 لم تفاجأ الولايات المتحدة بالربيع العربي، فقد أطلقت عليه الاسم قبل حدوث هذه الثورات، لكن المفاجأة جاءت من حيث السرعة والاتساع، مما شكل صدمة لأركان الحكم في واشنطن، لهذا جاء تعليق نيكولاس بيرنز نائب وزير الخارجية الأسبق عندما قال إن ما يشهده الشرق الأوسط حالياً أصبح يشكل زلزالاً كبيراً يعتبر الأهم بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، ونصح إدارة أوباما بإعادة حساباتها بما يتواءم مع المتغيرات الجارية.

لقد حاولت إدارة الرئيس السابق بوش الضغط على بعض الأنظمة العربية من أجل إحداث إصلاح ديمقراطي، بعد أن أعلنت هذه الإدارة غياب الديمقراطية عن الشعوب العربية، وأنه هو السبب في تفريخ الإرهاب، وأكدت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة ومستشارة الأمن القومي، مراراً أن الولايات المتحدة كانت في القرن الماضي تختار دعم النظم الاستبدادية من أجل تحقيق الاستقرار إلا أنه لم تحصل عليه، لذا رأت إدارة بوش أن حصول العرب على الديمقراطية كفيل بحماية أمن الولايات المتحدة الوطني، إلا أن فوز قوى إسلامية في الانتخابات في كل من فلسطين ومصر ولبنان والعراق، أدى إلى تراجع واشنطن عن المناداة بالديمقراطية العربية.

أما إدارة أوباما فنجدها تسير على خطى من سبقها، لكنها تتعامل بدبلوماسية أكبر، فحينما نجدها تؤيد مطالب الثوار الديمقراطية، نراها لم تخاطر بعلاقاتها القومية مع نظم شبه استبدادية في الدول العربية، وقد اتبعت ذلك النمط في الحالتين التونسية والمصرية، فرغم مطالب الكثيرين من الرئيس أوباما بأن يتخلى عن تحالفه مع النظام المصري لتحالف جديد مع الشعب المصري، إلا أن إدارته انتظرت حتى تيقنت برحيل مبارك، عندها تدخل الرئيس الأمريكي بشكل مباشر في رحيل الرئيس مبارك، ومع كل هذا فإن الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تفعل الكثير إذا كان الشعب يريد الكارثة.

 

مقالات لنفس الكاتب