; logged out
الرئيسية / زلزال سياسي... يعقبه انهيار اقتصادي يمني

العدد 85

زلزال سياسي... يعقبه انهيار اقتصادي يمني

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

من المعروف أن الاقتصاد يتراجع في زمن الثورات ويمر بمرحلة شلل وركود مؤقت، وهذه هي دورة الحياة بالنسبة للثورات، ولكن بالنظر إلى حالة اليمن، فإن اقتصادها يمر بمرحلة الشلل والركود قبل الثورة بسنوات، حيث تعتبر اليمن من أفقر البلدان العربية، إذ يبلغ متوسط دخل الفرد سنوياً 1300 دولار على الأكثر. ويعيش ما يقرب من نصف السكان على أقل من دولارين يومياً.

وتملك البلاد أيضاً أسوأ السجلات في المنطقة في مجال التنمية البشرية، بما في ذلك معدل يبلغ 54 في المائة في معرفة القراءة والكتابة، ومتوسط حياة يصل إلى 62 سنة، ومستويات عالية من وفيات الأمهات وسوء التغذية لدى الأطفال. ويعاني اليمنيون أيضاً نقصاً في البنية التحتية وسوءاً في الخدمات المقدمة، ويحصل أربعة من كل عشرة أشخاص على الكهرباء، وشخص من كل أربعة على مياه شرب نظيفة، بالإضافة إلى معدل نمو ديمغرافي سنوي يبلغ تقريبا 3 في المائة، مما يبشر بتضاعف عدد سكان البلاد إلى 40 مليون نسمة بحلول عام 2030 وهذا كله في بلد شحيح الموارد، يعتمد بشكل كبير على الإنتاج النفطي والذي بدوره قد تراجع بنسبه تتراوح بين 6 في المائة و8 في المائة سنوياً، وبالمثل تراجعت أسعاره، الأمر الذي حسر الاقتصاد اليمني في دائرة ضيقة نظراً لما تمثله العائدات النفطية من أهمية اقتصادية ومالية كبرى، فنسبة عائدات النفط تقدر بـ 95 في المائة من مجمل عوائد التصدير و 75 في المائة من إيرادات الموازنة، وتمثل نسبة مساهتمه في مجمل الإنتاج المحلي حوالي 30 في المائة. ويمثل تناقص إنتاج النفط وخطر تقلبات السوق الدولية بفعل الأزمة المالية العالمية بالإضافة إلى توقف خط الأنابيب النفطي الرئيسي في البلاد عن العمل بين فينه وأخرى نتيجة التفجيرات لأنابيب النفط من قبل رجال القبائل – حسب الرواية الحكومية - الذين يدعمون محاولة الإطاحة بالرئيس علي عبدالله صالح المتربع على عرش السلطة لأكثر من ثلاثة عقود، يمثل تحدياً مزدوجاً بالنسبة للاقتصاد اليمني إذ إن اليمن خسرت إيرادات بنحو مليار و300 مليون دولار من جراء قطع أنبوب تصدير النفط في مأرب حتى شهر يونيو الماضي فقط، مما يزيد من عتمة المشهد الاقتصادي في اليمن.

تدهور اقتصادي مخيف

تدهور الأوضاع الأمنية في اليمن على خلفية ثورة الشباب السلمية للإطاحة بالنظام الحاكم منذ أكثر من سبعة أشهر أدت إلى توقف وعجز الأنشطة الاقتصادية عن القيام بمهامها، فقد توقف نشاط الكثير من شركات القطاع الخاص سواء الأجنبية أو المحلية مما نتج عنه تراجع حاد للنشاط الصناعي والزراعي قدرته بعض الإحصائيات بنحو 70 في المائة، ونتيجة هذا التراجع فقد عشرات الآلاف وظائفهم، حيث يشغل القطاع الخاص المنظم نحو نصف مليون عامل والقطاع العشوائي مليون ونصف. وذلك نتيجه لتراجع مخيف في حركة الاستيراد لمختلف السلع والمنتجات التي تشكل أكثر من 90 في المائة من احتياجات اليمن، حيث قالت الغرفة التجارية والصناعية باليمن إن نسبة تراجع الاستيراد بلغت 80 في المائة خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي.

وقد حذر خبراء اقتصاديون محليون من مغبة تدهور الوضع الأمني والاقتصادي والذي قد يؤدي إلى نضوب سلع أساسية استراتيجية في السوق المحلي مما يؤدي إلى مجاعة في حال انزلاق اليمن إلى حرب أهلية – لا سمح الله -

فضحية اتفاقية الغاز المسال

دخول اليمن نادي الدول المصدرة للغاز بدءاً من أواخر عام 2009، وهو الآخر ينهار، بالإضافة إلى أن الخبراء قللوا من أهمية ما يعلق من آمال على قطاع الغاز الناهض، خاصة أن حصة الدولة منه تقل عن 17 في المائة، فيما تتقاسم الشركات الأجنبية بقية النسب، وبالإضافة إلى الشركات الأجنبية فهناك سماسرة حكوميون كان لهم نصيب الأسد من اتفاقية الغاز المجحفة بحق كل مواطن يمني، فقد ضللتنا وزارة النفط وقالت إن سعر 3.2 دولار للمليون وحدة حرارية من الغاز المسال أفضل سعر في المنطقة وأفضل من قطر وعمان، وطبعاً هذا السعر ثابت غير قابل للزيادة لمدة عشرين عاماً، فيما كانت قطر تبيعه لكوريا بـ 12.10 دولار!

فاليمن تنتج سنوياً 6.7 طن متري وهو ما يعادل 345.988.000 وحدة حرارية بسعر ما يقارب مليار ومائة وسبعة ملايين وستمائة وستة عشر ألف دولار، أي لو تم البيع بالسعر العالمي 11.5 دولار فالخسارة هي ملياران و800 مليون دولار سنوياً ويساوي 56 مليار دولار خلال 20 سنة مدة العقد مع الشركة الكورية.

مبلغ مليارين و800 مليون دولار سنوياً الخسارة السنوية بالإمكان أن يوفر مليون وظيفة براتب 50 ألف ريال شهرياً، أي أن الخسارة الإجمالية التي هي 56 مليار دولار خلال الـ 20 سنة يمكن أن تقضي على البطالة وتنهض باقتصاد البلد بشكل غير مسبوق. بالإضافة إلى أن اليمن تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي تزيد على 18.6 تريليون قدم مكعبة والتي سيحقق استغلالها عوائد مادية مناسبة للبلاد فضلاً عن فرص العمل التي ستتوافر للكوادر اليمنية في هذا القطاع والقطاعات المتشابكة معه.

ريال يتهاوى وخسائر بالجملة

يواصل الاقتصاد اليمني خسائرة في قطاعات مختلفة، نتيجه للاضطرابات السياسية والأمنية، في الوقت الذي تراجع قيمة الريال اليمني إلى مستوى قياسي، فقد ارتفع سعر صرف الدولار أمام الريال اليمني إلى 250 ريالأ، غير أن طلبات شراء العملات الأجنبية تواجه بتحفظ من المؤسسات المالية وشركات الصرافة نتيجه لخوفهم من التقلبات السعرية المضطردة ولشحة العملة الأمريكية في السوق. وهناك تصريح لـ بن همام – محافظ البنك المركزي حيث قال (إن احتياطات البلاد من العملة الصعبة انخفضت بـ 1.3 مليار دولار في النصف الأول من عام 2011 مع هيمنة الاضطرابات على اليمن وأن اقتصاد البلاد سيأثر سلبياً لكن من المتوقع أن يبدأ التضخم البالغ حاليا نحو 15 في المائة في الانحسار قريباً)، في حين أن صندوق النقد الدولي قد حذر في وقت سابق من أن التضخم في اليمن يمكن أن يرتفع إلى 30 في المائة هذه العام بسبب الاضطرابات السياسية. في الوقت الذي قرر البنك الدولي تعليق المدفوعات المرتبطة بحافظته في اليمن اعتباراً من 28 يوليو -2011 وذلك نظراً للوضع السياسي والأمني الحالي في اليمن، وأرجع البنك الدولي هذا القرار تماشياً مع قوانين البنك التي تسمح بهذا الإجراء في ظل أوضاع غير عادية في البلد المعني مما يؤثر سلباً على قدرة البنك في تطبيق برامجه. فالحافظه الحالية للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي في اليمن تشمل 21 مشروعاً بالتزامات قيمتها 882 مليون دولار بما في ذلك 542 مليون دولار من المدفوعات لم يتم توزيعها بعد.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر المباشرة التي تكبدها الاقتصاد اليمني هذا العام، تجاوزت 4 مليارات دولار، شاملة خسائر القطاع الخاص وتراجع تحويلات المغتربين اليمنيين إلى الداخل بنحو النصف. وأفادت تقارير محلية بأن الخسائر شملت القطاعات الاقتصادية المختلفة، وأبرزها القطاع السياحي الذي وصلت خسائره الأولية إلى 100 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر، كما توقفت منشآت استثمارية سياحية باستثمارات إجمالية تبلغ 700 مليون دولار إضافة إلى تعرض الكثير من المنشآت السياحية في محافظة عدن لأعمال نهب وسلب، بلغت خسائرها الأولية مليوني دولار، بالإضافة إلى توقف العمل في المشاريع الحكومية التي كانت تنفذ في محافظات اليمن، مما شل حركة المقاولات وأدى إلى فقدان آلاف فرص العمل وأصيبت السوق العقارية بشلل شبه تام نتيجة لغياب أمني بسبب الاضطرابات السياسية التي عززت المخاوف لدى المستثمرين المحليين والأجانب، فقد كشفت مصادر اقتصادية في العاصمة صنعاء أن إجمالي خسائر الاستثمار الخليجي في اليمن خلال الفترة الماضية تجاوزت 900 مليون دولار، حيث تم تأجيل تأسيس خمسة مصانع لمستثمرين خليجيين ويمنيين كان من المتوقع تشييدها في كل من عدن وحضرموت وشبوة والحديدة ومأرب وبتكلفة أولية 900 مليون دولار، وأرجع عدد من المستثمرين الخليجيين وشركائهم اليمنيين تأجيلهم لتلك المشاريع بسبب ما وصفوه بعدم ملاءمة الجو الاستثماري حالياً في اليمن وامتناع بعض الممولين الدوليين عن تمويل مشاريعهم. وهنا نصل إلى أن الاضطرابات السياسية والانفلات الأمني قد أثرا بشكل مباشر وغير مباشر على اقتصاد البلد المشلول أصلاً مما يرسم لنا صورة واضحة بأن الاقتصاد شبه منهار وعلى أعتاب مرحلة سقوط مدوية سيعاني منها المواطن اليمني لسنوات عديدة، وقد ساهم بشكل ما في تأخير هذا الانهيار للاقتصاد اليمني الدعم السعودي خاصة خلال هذه المرحلة بالإضافة إلى أن اقتصاد البلد (اقتصاد غير منظم) وهو الآخر ساهم في تأخير هذا الانهيار وذلك حسب قول مختصين في الاقتصاد اليمني.

ملامح اقتصاد ما بعد الثورة

لو فرضنا نجاح الثورة اليمنية وانفسخ العقد الاجتماعي نهائياً بين الشعب ونظامه الحاكم الذي عاث في الأرض فساداً لأكثر من ثلاثه عقود، فيجب وقتها رسم ملامح عقد اجتماعي جديد يزيل ترسبات الماضي من فساد وانتهاكات وسطو على المال العام، فالمرحلة الانتقالية وقتها سترث اقتصاداً مدمراً ومنهكاً وخزينة شبه فارغة وتعثرات طالت كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمهمة هنا لن تكون باليسيره وستحتاج من الشعب الصبر أكثر، فالفاتورة المطلوب سدادها تفوق قدرة أي حكومة انتقالية مهما كانت جدارتها وإمكانياتها، ونحن هنا لا ندعو للتشاؤم ولكن إلى تفاؤل بصبر وحكمة وعقلانية، فالبناء ليس كالهدم ونحن على أعتاب مرحلة بناء جديدة، فنجاح الثورة اليمنية لا يعني أننا سنعيش في حكم (المدينة الفاضلة) وأن البطالة ستنتهي فوراً وسيحقق الشعب كل طموحاته وأحلامه وسيسود العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية، وأن الاقتصاد سينهض وسينافس النمور الآسيوية بسرعة البرق وأن الديمقراطية ستصبح سمة الحكم القادم وستعاد كل الأموال والأراضي المنهوبة من قبل عناصر النظام البائد، وأن الحياة ستصبح كلها أماناً ورفاهية، ليست الثورة معجزة إلهية وستحقق كل شيء بمجرد زوال النظام الحالي، وأدعو هنا إلى التفكير ملياً بأن المرحلة القادمة ستكون صعبة جداً ومجهدة للغاية ويجب على كل أفراد الشعب أن يقف من أجل بناء المرحلة القادمة لأنها ستكون المرحلة الأهم وهي التي سوف تحدد ملامح الحياة الجديدة، وهنا أركز على أن عامل الانتقام يجب أن يزول ويجب أن يرفع عامل التسامح والإخاء والمحبة حتى مع من كانوا من أتباع النظام البائد مستقبلاً، فلا ديمقراطية ولا اقتصاد قوي وحكم عادل دون تكاتف جميع الجهود من قبل جميع الأطياف السياسية. فبالرغم من أهمية وصعوبة مرحلة ما بعد سقوط النظام إلا أنها ليست مستحيلة أمام إرادة الشعب في تصحيح المسار وبناء وتشييد اقتصاد يلبي كل طموحات وأحلام الشعب، لا الانتظار للعصا السحرية من الخارج لتبني لنا الأبراج الهلامية.

 

مقالات لنفس الكاتب