; logged out
الرئيسية / في ضوء موجة الثورات العربية هل يكون التغيير من الداخل خياراً أمريكياً في التعامل مع إيران؟

العدد 85

في ضوء موجة الثورات العربية هل يكون التغيير من الداخل خياراً أمريكياً في التعامل مع إيران؟

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

إحدى الحقائق الاستراتيجية المهمة التي أكدت عليها موجة الثورات العربية التي تشهدها المنطقة منذ بداية العام الجاري، أن التغيير من الداخل أقوى بكثير من التغيير الذي يأتي على ظهر الدبابات، كونه أقل تكلفة وأكثر مصداقية ويحظى بشرعية داخلية وخارجية على حد سواء. هذه الحقيقة ربما دفعت بعض مراكز الأبحاث الأمريكية – خاصة تلك القريبة من اللوبي الصهيوني- خلال الفترة الأخيرة إلى إثارة تساؤل مفاده: هل بعد فشل محاولات الإدارة الأمريكية الحالية –وكذلك السابقة- في دفع إيران نحو التخلي عن طموحاتها النووية، يكون الدفع نحو تغيير النظام من الداخل خياراً مرجحاً؟ وهل التحولات العربية الأخيرة تعزز من هذا الخيار أم تمثل قيوداً عليه؟

أولاً: حسابات تغيير النظام الإيراني من الداخل وفق الرؤية الأمريكية:

تجدر الإشارة في البداية إلى أن خيار تغيير النظام الإيراني من الداخل لم يكن بعيداً عن حسابات وأولويات الإدارة الأمريكية السابقة التي تبنت في إدارتها لأزمة البرنامج النووي الإيراني هدف تغيير النظام الإيراني وليس سياساته.

فقد ركزت الدبلوماسية الأمريكية لإدارة بوش الابن في بدايات الأزمة على فكرة تغيير النظام وكانت تعتقد أنها لن تجد معارضة قوية من دول الاتحاد الأوروبي كالتي ظهرت في حربها ضد العراق، لأن الدول الأوروبية ذاتها تخشى امتلاك إيران أو أية دولة من دول العالم الثالث السلاح النووي، وأن الأمر مختلف عن العراق الذي ثبت عدم امتلاكه أسلحة دمار شامل، بعكس النشاطات النووية السرية لإيران التي عززت من مخاوف الغرب عموماً من أنها تسعى لامتلاك السلاح النووي. وعندما أعلن الرئيس الأمريكي بوش تحقيق النصر في العراق في ربيع عام 2003، بدا له أن إطاحة النظام في طهران –وربما دمشق وفق بعض التحليلات- أمراً ممكناً حينئذ.

وقد اعتبرت إدارة بوش الابن أن تغيير نظام الحكم في إيران يمكن أن يحقق العديد من المكاسب، أهمها التخلص من تهديد رئيسي لمصالحها الاستراتيجية ولحلفائها في منطقتي الخليج والشرق الأوسط، وضمان عدم وجود أي معارضة إقليمية للتوجهات الأمريكية في هاتين المنطقتين، وضمان الاستقرار والأمن للمصالح الأمريكية في منطقة آسيا الوسطى، والقارة الآسيوية بشكل عام، لإكمال تطويق أي أخطار قادمة من شبه القارة الهندية، وإكمال السيطرة الأمريكية على المناطق الرئيسية للنفط في المنطقة.

لذلك، اتجهت تصريحات المسؤولين الأمريكيين نحو التركيز على هدف تغيير النظام ولم تكن القوة العسكرية هي الخيار الوحيد المطروح لتحقيق هذا الهدف، وإنما ركزت إدارة بوش الابن في البداية على الدفع نحو تغيير النظام من الداخل، فلجأت إلى تأليب الرأي العام الإيراني ضد النظام والمساهمة في خلق معارضة قوية. وفي هذا الإطار، أعلنت مساندتها للحركة الطلابية التي اندلعت في العاصمة طهران وغيرها من المدن الكبرى في الفترة من 10-20 يونيو 2003 واعتبرتها (مؤشر جيد) على بداية انهيار النظام الإيراني، ووصف الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن تلك المظاهرات بأنها (إيجابية)، وقال بشأنها (هذه المظاهرات تعد بدايات تعبير الشعب عن توقه لإيران حرة الأمر الذي أعتبره إيجابياً).

كما اعتمدت إدارة بوش الابن في هذا السياق أيضاً على الفكر والمال، فزادت من ساعات البث في محطات تلفزيونية وإذاعية ناطقة باللغة الفارسية، إضافة إلى المزيد من المنح الدراسية والدعم للمنظمات الإيرانية غير الحكومية. كما رصدت خلال الفترة من عام 2000 إلى 2005 أكثر من 100 مليون دولار لاستخدامها في تأليب المعارضة الإيرانية ضد النظام، سبق للكونغرس أن وافق على مشروع دعم حرية إيران والذي خصص 50 مليون دولار لإنشاء قناة تلفزيونية (آزاد - حرة) موجهة إلى إيران باللغة الفارسية تحت إشراف (ليز تشيني) مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والتي كانت مكلفة بملف نشر الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط. هذا بالإضافة إلى إقامة مؤتمرات تضم معظم التنظيمات الإيرانية المعارضة، ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، ومؤسسات غير حكومية. وبدا واضحاً أن الهدف النهائي لهذه السياسة -المقصود منها تطوير معارضة إيرانية داخلية قوية- هو العمل على تغيير النظام الإيراني.

وعلى رغم أن هذا الخيار لم يحقق هدف إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن في تغيير النظام الإيراني من الداخل، اتجهت بعض مراكز التفكير الأمريكي في الفترة الأخيرة إلى الترويج لفكرة مفادها أن فرص نجاح هذا الخيار (تغيير النظام الإيراني من الداخل) الآن – إذا ما تبنته إدارة الرئيس باراك أوباما- تبدو أكبر بكثير، استناداً إلى عدة اعتبارات، يأتي في مقدمتها أن الوضع الداخلي الحالي في إيران، خاصة في ظل موجة الثورات التي تشهدها المنطقة، يبدو مهيّأً لتبني هذا الخيار من جانب الإدارة الأمريكية الحالية. فالنظام الإيراني منذ يونيو 2009 يعاني من أزمة سياسية معقدة نتيجة التجاوزات التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي دفعت إلى التشكيك في شرعية انتخاب أحمدي نجاد، ولا تزال تداعيات تلك التجاوزات مستمرة حتى اليوم، تعبر عنها المظاهرات التي تُنظم بين الحين والآخر ضد نتائجها، والأمر اللافت للنظر في تلك المظاهرات أنها لم تعد تقتصر على رفض نتائج الانتخابات، بل تطالب بإجراء تعديلات على صلاحيات المرشد الأعلى وسلطاته، وهي مطالبات رأى فيها رجال السلطة أن هدفها النهائي هو إسقاط النظام الإيراني نفسه. وربما شعور النظام الإيراني بالقلق والخوف من انتقال رياح الثورة والتغيير في المنطقة إلى إيران، دفعه إلى التمدد خارجياً في منطقة الخليج وتبني سياسات تدخلية في شؤون دولها أدت إلى حالة غير مسبوقة من التوتر بين الجانبين، ربما رأت فيها طهران فرصة لإشغال الشعب عن الأزمة الداخلية وكسب شعبية تمكنها من تجاوز تلك الأزمة.

يضاف إلى ما سبق بعد آخر مهم من أبعاد الأزمة الداخلية في إيران، وهو الصراع المشتعل بين المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي والرئيس الإيراني أحمدي نجاد والتي برزت بوضوح عقب قرار المرشد علي خامنئي وقف تنفيذ موافقة الرئيس محمود أحمدي نجاد على استقالة وزير المخابرات حيدر مصلحي، الأمر الذي مثل حدثاً مفصلياً في مسلسل التجاذب الحاصل بين أعلى سلطتين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

كما ترى مراكز التفكير تلك أن خيار الدفع نحو تغيير النظام الإيراني من الداخل، تظل تكلفته الخارجية أقل مقارنة بالمعارضة الدولية القوية التي تبرز حين يتم التلويح باستخدام القوة العسكرية ضد إيران.

ثانياً: حدود الرهانات الأمريكية على تغيير النظام الإيراني من الداخل:

على الرغم من وجاهة بعض الاعتبارات التي يستند إليها المؤيدون للطرح السابق، فإن هذا الخيار – في حال ما تبنته إدارة الرئيس باراك أوباما- تبدو فرص نجاحه محدودة، استناداً إلى اعتبارات أخرى مضادة للاعتبارات السابقة:

أولها: إذا كانت إدارة الرئيس السابق بوش الابن قد عانت في سياق إدارتها لأزمة البرنامج النووي الإيراني من قدر كبير من التخبط وعدم الوضوح - بدا واضحاً بشدة حين انتقلت من دبلوماسية تغيير النظام من الداخل إلى دبلوماسية تغيير سياسات النظام- فإن إدارة الرئيس باراك اوباما تعاني من التخبط ذاته ولكن في إطار مغاير. فالرئيس أوباما ليس لديه استراتيجية واضحة المعالم تقوم على تبني خيارات محددة في التعامل مع إيران. فقد أعلن منذ توليه الحكم أولوية الحوار مع طهران دون أن يشرع في تنفيذه أو يحدد قضاياه ومداه الزمني، وبدا أن تأييده للحوار هو جزء من سياسات (تجميلية) حاول أن يثبت من خلالها أنه شخص مختلف عن سلفه، والمتابع لسياسات الإدارة الأمريكية الحالية، لن يجد معاناة في الوقوف على الفجوة الكبيرة بين وعود باراك أوباما وما تحقق على أرض الواقع.

وثانيها: القول بأن الوضع الداخلي في إيران مهيأ لأن يحدث فيه ما شهدته بلدان عربية أخرى، مع شيء من التبسيط لتعقيدات الوضع الداخلي في إيران وخصوصيته التي ينفرد بها عن الأوضاع الداخلية في الدول العربية. فإذا كانت المؤسسة العسكرية لعبت دوراً كبيراً في إنجاح ثورتي مصر وتونس، فإن الحرس الثوري الإيراني حامي النظام لن يسمح بسقوطه بأي حال من الأحوال، خاصة في ظل تحالفه مع المؤسسة الدينية، وكلاهما قادران على إحباط أي حركات احتجاج داخلية تسعى إلى التغيير. يضاف إلى ذلك انقسام المعارضة الداخلية في إيران وعدم وجود جبهة موحدة تمثل إطاراً جامعاً وناظماً لها، فضلاً عن أن حركات الاحتجاج الشعبية في إيران لم تصل بعد إلى تلك التي شهدتها مصر وتونس على سبيل المثال، سواء من حيث العدد أو التنظيم أو الإصرار على التغيير. كما أن تعامل النظام الإيراني مع المظاهرات الداخلية لا يمكن مقارنته حتى الآن بالأسلوب الذي تتعامل به بعض الأنظمة العربية مع ما تشهده من احتجاجات.

ثالث هذه الاعتبارات: أن وجود دعم خارجي لأي معارضة داخلية تسعى إلى تحقيق أهداف محددة سواء تغيير نظام الحكم أو ما دون ذلك، يُفقدها القدرة والشرعية على تحقيق أهدافها ويضعها في تصنيفات مضادة من قبيل العمالة للخارج والخيانة ...إلخ. وبالتالي، فإن المعارضة الداخلية في إيران، إذا كان لديها مشروع حقيقي للتغيير، فلن تغامر بقبول دعم خارجي له خاصة إذا كان هذا الدعم أمريكياً. أما المعارضة الخارجية والتي قد ترحب بهذا الدعم، فهي ليست قادرة على إنجاز أي تغيير في الداخل.

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن هناك حدوداً أمام أي رهانات أمريكية بأن يكون للولايات المتحدة دور حاسم في تغيير النظام الإيراني من الداخل، ولكن هذا لا يعني أن النظام الإيراني الداخلي محصن من التغيير والتأثر بموجة الثورات التي شهدتها وما تزال تشهدها بعض دول المنطقة، صحيح أن هناك عوامل سبقت الإشارة إليها تجعل هذا التأثير محدوداً نسبياً، إلا أنه، وكما يرى الكاتب مصطفى عبدالعزيز مرسي، فإن (متابعة تطور الأحداث داخل إيران توضح أن قادتها مازالوا يقعون في نفس أخطاء بعض الأنظمة العربية، ولاسيما تلك المتعلقة بالقراءة غير الصحيحة لدلالات الحركات الاحتجاجية الشعبية وحقيقة ما تعكسه، وبالتالي يخرجون باستنتاجات خاطئة، بتفسيرها على أنها مجرد صراعات ثانوية، في الوقت الذي تعبر فيه عن رغبة شعبية في التغيير الشامل، وبالتالي يستمر مسلسل التقليل من أهمية هذه الاحتجاجات، مما يجعلها تأخذ شكل الغضب المكبوت الذي ينتظر لحظة الانفجار في أي وقت، ولذا سيظل ميدان معركة التغيير السياسي في إيران مفتوحاً على كل الاحتمالات).

قائمة المصادر:

* أشرف عبدالعزيز عبدالقادر، الإدارة الأمريكية لأزمات الانتشار النووي (الإمارات: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2010).

* إيران، صراع على السلطة أم على الصلاحيات؟،وحدة تحليل السياسات بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،2011/05/24.

* مصطفى عبدالعزيز مرسي، هل تصل رياح الثورة والتغيير إلى إيران؟، قضايا الساعة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 27/3/2011.

* Taylor Dinerman, Iran: The Geostrategic Case for Regime Change,Hudson Institute, August 12, 2011.

* Mahdi Darius Nazemroaya, Iran: "Regime Change" or All Out War?, HAMSAYEH.NET, 14 June, 2011.

 

مقالات لنفس الكاتب