array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 85

التحول من الماضي المؤلم إلى مستقبل مشرق.. الكويتيون والعراقيون مطالبون بمزيد من الجرأة والثبات

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

التصريحات الدبلوماسية المنمّقة التي تحاول تهدئة التوتر القائم حالياً على أكثر من جبهة بين العراق والكويت، لا يمكن أن تخفي حقائق التاريخ والجغرافيا الراسخة، والتي تشير باتجاه واحد: ثمة مشاكل كثيرة يجب معالجتها بما يتوافق مع الوضع الجيوسياسي المستجد، دون أن نغفل بالطبع دروس الماضي، ولا حتى تفاصيل الوضع الذي ترغب الدولتان بإحلاله في المستقبل.

أن إقحام عملية التفاهم بين الشعوب ضمن قاموس العمل السياسي لا يعتبر مسألة آنية بأي شكل من الأشكال. فالتجارب الناجحة والفاشلة الرامية لتقريب وجهات النظر بين أمم ودول متناحرة تمتد عبر التاريخ، في حين أن أبرز الأمثلة الناجحة الملهمة تبدو محصورة في تاريخنا المعاصر، لا سيما في القارة الأوروبية التي عانت كثيراً من مآسي الحروب والنزاعات بين الدول المجاورة. وكما بات معلوماً، فإن تلك النزاعات بلغت ذروتها الدموية خلال الحرب العالمية الثانية، وأفقها التوتري إبان الحرب الباردة.

ولعل أبرز ما قد نتعلم منه ارتباطاً باحتمالات تقريب وجهات النظر بين الكويت والعراق، هي التجربة الألمانية – الفرنسية التي شهدت محاولات شد وجذب على مر العصور، إلى أن وصلت إلى مرحلة متقدمة جداً من التنسيق و(التفاهم) في عصرنا الحالي، حتى بات البلدان يشكّلان الثقل الأبرز في عملية صنع القرار الأوروبي.

وانعكاساً لهذه التجربة شهدت القارة الأوروبية لاحقاً تجارب مماثلة أخرى لا تقل أهمية ويمكن أيضاً أن تشكل مصدر إلهام: التجربة الألمانية – التشيكية، والألمانية – البولندية، وغيرهما.

إن المحور الأهم الذي يمكن للبلدين الجارين في منطقة الخليج الانطلاق منه يتمثّل بالنظامين السياسيين القائمين حالياً. فكلاهما، مع بعض الاختلافات الماثلة طبعاً، ينادي بالديمقراطية سبيلاً للحكم ويمارسها. وكلاهما يتبنّى في السياق الرسمي العام سياسة تكريس حسن الجوار التي تتفرع منها الرغبة الدائمة بتغليب لغة الحوار والتفاهم. وكلاهما أيضاً ينادي بالاستفادة من دروس الماضي والتمعّن ملياً في معانيها وتداعياتها المأساوية على الشعبين معاً.

وثمة خصوصية بارزة لا يمكن تجاهلها في هذا السياق العام: لا يوجد في الوقت الحاضر نظام دكتاتوري شمولي يرغب بتوتير الأجواء كما كان الحال إبان عهد الرئيس صدام حسين، وهذا أمر في غاية الأهمية ويجب الاستفادة منه بشكل تام.

وإذا كان الوضع كذلك فعلاً، فإن حقائق الدراسات العلمية الهادفة لوضع صيغة جديدة من التعايش بين البلدين، تتطلب في الحد الأدنى أن يتمتع أصحاب الشأن بالصراحة في طرح القضايا الخلافية الكبرى، على الأقل على الصعيد الرسمي، لا سيما أن التوتر الشعبي – البرلماني لا يزال واضحاً وصريحاً أيضاً، ويمكن أن يؤثر على البيئة السلمية التي جهد قادة البلدين لتكريسها خلال الأعوام القليلة الماضية.

ليس أمام الكويت والعراق سوى العمل بإخلاص من أجل خفض نسبة الكراهية الموجودة في المجتمعين

تأطير التعاون

قد يكون مفيداً في هذا المجال توجيه التعاون المنشود ضمن أطر عملية فعّالة تهدف لتحقيق التالي:

* ملامسة القضايا الخلافية من خلال اللجان المشتركة التي يتم الاتفاق على تشكيلها أو إعادة تنظيمها، وتحديد نقاط الخلاف بهدف تذليلها لكن انطلاقاً من مبدأ الرغبة بالتوصل لحلول وسط لا يشعر فيها أي طرف بالغُبن أو الإجحاف.

* العمل من أجل خفض الاحتقان الشعبي – البرلماني قدر الإمكان، وعدم استعماله كورقة ضغط على الطرف الآخر، لأن الأمور قد تسير عندئذ في دوامة مغلقة من الضغط والضغط المقابل، إلى أن تفلت الأمور من السياق المرغوب به وتؤدي لنتائج لا تحمد عقباها.

* تحديد القضايا التي حسمها القانون الدولي وتم بالتالي اعتبارها غير خاضعة لأي نقاش أو خلاف، والانطلاق منها إلى بعض التفرعات التي قد لا تزال مصدر توتر أو عدم ثقة.

* إشراك التكتلات الإقليمية أو الدولية في بعض جوانب الحوار، بهدف تأمين مظلّة شرعية وقانونية أوسع لما قد يتم الاتفاق حوله،

* التوافق على احترام جميع قرارات الشرعية الدولية التي تنظم مبدأ التعايش بين البلدين، لا سيما ما يتعلق منها بمسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية، وإذا كانت لا تزال هناك خلافات قائمة، السعي من خلال اللجان المشتركة لإبرازها بهدف مناقشتها على مستويات أعلى. وكما هو منصوص في القرار 833 الصادر خلال عام 1993، فإن طول الحدود المشتركة بين البلدين لا يتجاوز 216 كلم، وهذا أمر يجب احترامه وتحديده لاحقاً في الاتفاقيات الثنائية التي قد يتم توقيعها في إطار العمل لتعزيز مبدأ حسن الجوار. أما الخلافات القائمة بخصوص بعض حقول النفط المتنازع عليها أو الحدود المائية وما يتفرع منها من خلافات حول تشييد الموانئ، فيمكن مناقشتها من خلال اللجان المشتركة وعلى مستويات مختلفة. الأهم من ذلك كلّه بالطبع هو المصادقة على قرار سياسي واضح تتبناه القيادتان، بهدف الدفع باتجاه تسوية الأمور مرة واحدة وإلى الأبد، لكي يضاف هذا الإنجاز إلى إنجازات أخرى سترثها الأجيال القادمة حتماً.

مصلحة الكويت كانت تكمن دائماً في نسج علاقات طبيعية مع الدول المجاورة

بناء جسور الثقة

لكن لا يخفى على أحد بطبيعة الحال، بأن حالة عميقة من عدم الثقة تسود كافة مستويات صنع القرار بين البلدين، وكذلك بين الأوساط الشعبية. وهذا وضع ليس بجديد في سياق العلاقات السياسية بين الدول المجاورة، ليس فقط بين الكويت والعراق، وسبق أن أشرنا إلى التجربة الألمانية – الفرنسية التي تغمّدت خلافاتهما على مر العصور بدماء كثيرة لا تزال تبعاتها ماثلة أمام أجيال اليوم بشكل واضح.

يمكن بالتالي التعامل مع هذا الواقع من خلال مجموعة من الإجراءات التي قد يكون مفيداً إقحامها في حقل العلاقات العامة والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لا سيما في ما يخص إعادة بناء وشائج العلاقات التجارية والثقافية والتربوية التي كانت قائمة أصلاً في الماضي. ولأن هذا الأمر يمثل مشروعاً ضخماً لا يمكن تنفيذه بسهوله، فإنه يتطلب قرارات حكومية تسمح بالتمويل وتعيين الخبراء المتخصصين، على أن يتناصف البلدان في كل ذلك وخصوصاً في وضع البرامج المطلوبة.

ومرة أخرى تمثل أمامنا تجارب الدول الأوروبية التي سعت لتعزيز التعاون فيما بينها بعد فترة الحرب العالمية الثانية أو خلال التغييرات الجيوسياسية البارزة التي نشأت بعد انتهاء الحرب الباردة. والمقصود بذلك ما تم على صعيد إنشاء الصناديق المالية التي يتم رفدها من ميزانيات الحكومات، ووضع البرامج المختلفة الهادفة لتعزيز التكامل الاجتماعي والثقافي والفني، لكي يستفيد منها الطلاب والمثقفون والفنانون وغيرهم.

جميع هؤلاء موجودون أيضاً في الكويت والعراق ويمثلون شرائح مهمة من مجتمعيهما اللذين يتوقان على الأرجح لبناء مستقبل جديد ومشرق. والمعادلة بذلك تصبح بسيطة وواضحة:

المراهنة على الأجيال الشابة التي ستبني المستقبل، بعد أن تستفيد من الماضي وتدرس بدقة وموضوعية تداعياته الأليمة.

تحديد الأسباب

وانطلاقا مما سبق فإنه قد يكون من المفيد تحديد الأسباب التي تثير حالة القلق وعدم الثقة بين البلدين، لأن معالجتها تبقى في صلب الاهتمام الذي يجب إبرازه على أكثر من صعيد خلال المرحلة المقبلة. وقد يكون مطلوباً أكثر من أي وقت مضى وضع الأصبع على الجرح بهدف وقف النزيف، والذي لم يتوقف حتى اليوم برغم التطورات المهمة جداً التي حصلت في العراق على أكثر من صعيد.

إذا اعتمدنا على ما يتم تداوله بين الطرفين، فإن الأسباب تتمحور حول بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك والتي يمكن، في حال توافرت النيات الحسنة، إيجاد بعض القواسم المشتركة بشأنها، أو السعي لحلها بشكل جذري بما يتوافق مع الحقائق التاريخية:

* الخلافات (النفطية) على وجه الخصوص والتي لم تتوقف عن الظهور منذ أن نالت الكويت استقلالها، وتالياً ظهور التيارات السياسية المختلفة في العراق والتي تعاطت مع هذه الحقيقة المستجدة بمنطق تصادمي (رفض رئيس الوزراء العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم الاعتراف بالكويت المستقلة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ودعا لضم الكويت إلى إقليم البصرة..).

* عدم حل هذه الخلافات بشكل منطقي بعد الإطاحة بقاسم من قبل صدام حسين، بل استغلالها بشكل مستمر في سياق العلاقات الدبلوماسية وبشكل أحادي الجانب، بحيث كان العراق هو الطرف الأقوى دائماً، إلى أن بلغت الأمور ذروتها بشكل سلبي للغاية من خلال غزو واحتلال الكويت.

* الخلافات الحدودية المائية، والتي استجدت مؤخراً بشكلها الأبرز مع إعلان الكويت عن إطلاق مشروع تشييد ميناء مبارك الكبير. ولأن العراق تبنّى موقفاً سياسياً يصف هذا المشروع بالمناقض للقرار الدولي رقم 833، فإن ذلك وضع على الأجندة السياسية مشكلة جديدة كبيرة يجب استدراكها بأسرع وقت ممكن، لكيلا تتحول إلى بؤرة توتر أخرى بعد ما شهدناه من استعراض قوة متبادل على المستوى البرلماني. وذلك قد يتم حتماً من خلال الحوار المشترك الذي سبقت الإشارة إليه، إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك بالطبع.

* شعور القوة أو الضعف المتغلغل في النفوس، والذي يتحكم بطبيعة الحال بالقرار السياسي بين وقت وآخر، وكذلك بالتحالفات التي تُعقد وفق الظروف المرحلية أو وفق متطلبات الوضع الاستراتيجي. وكما يكون الحال عادة بين جارين مماثلين، أحدهما كبير بإمكانياته العسكرية والبشرية والثاني صغير بحجمه الجغرافي وإمكانياته العسكرية، فإن الأول، خصوصاً إذا كان يحكمه نظام شمولي دكتاتوري، يسعى بشكل مستمر لتطويع أداء الحكم السياسي للبلد الثاني الصغير، ويمارس استغلاله بأقسى وأبشع الطرق الممكنة. أما الثاني، فيسعى لحماية نفسه قدر الإمكان من خلال عقد الاتفاقيات الأمنية المختلفة التي تؤمّن له مظلّة أمنية تضمن وجوده واستمراره، وقد يرتكب في سياق ذلك مجموعة من الأخطاء أيضاً.

وليس من الإجحاف القول بأن هذا الوضع كان ينطبق حتماً على العلاقات بين عراق صدام حسين والكويت خلال فترة الثمانينات وحتى مرحلة الغزو وما تسببت به من تداعيات خطيرة على أكثر من مستوى، وبالتالي فإن تلك الحقبة ساهمت في تعميق أزمة الثقة التي نتحدث عنها.

يمكن المراهنة على الأجيال الشابة التي ستبني المستقبل بين البلدين الجارين

مرحلة جديدة

اليوم بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى مد جسور الحوار بهدف وضع صيغة جديدة من التعاون على كافة المستويات. وهذه قد تكون دعوة للكويت قبل العراق، لأن المطلوب منها قبل أي وقت آخر احتضان التطور السياسي العراقي ورفده بكل الدعم الممكن. فبقاء العراق الديمقراطي المزدهر فيه خير ومصلحة للشعبين معاً، وفشل التجربة الديمقراطية فيه لن يساهم إلا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإضعاف البلدين معاً.

هكذا أثبتت تجارب التاريخ والجغرافيا، ليس فقط بين الكويت والعراق، بل في مناطق مختلفة من العالم أيضاً. ولا شك في أن مصلحة الكويت كانت تكمن دائماً في نسج علاقات طبيعية مع الدول المجاورة، لا سيما الكبيرة منها، بغض النظر عن تكاملها الأمني والعسكري مع دول مجلس التعاون الخليجي، أو توقيعها لاتفاقيات التعاون والحماية مع القوى العظمى.

ومن مصلحة العراق الحالي أن يتكامل مجدداً مع محيطه بشكل منطقي وطبيعي يختلف كلياً عن التجربة الفاشلة التي عكستها ممارسات العهد البائد للرئيس صدام حسين.

بكل بساطة، قد يكون الوضع الجيوسياسي الماثل حالياً في المنطقة ملائماً جداً لتبنّي خطوات شجاعة وبنّاءة. إلا أن السؤال الجوهري هو: من سيكون الطرف المبادر في إطلاق تلك الخطوات؟

يمكن تصور المبدأ الأساسي للتفاهم بين الشعوب والدول باعتباره محاولة لإدراك ضرورة التفاهم بأمانة، بشكل جماعي وفردي، والتواصل بشكل مهذّب لكن صريح حتماً، وعدم تجنّب القيام بالنشاطات المشتركة التي سبقت الإشارة لها، بل تقديم الدعم الكامل لها، لأنها ستساهم ببناء أجواء جديدة من الثقة، وإحلال السلام والهدوء المنشودين.

وإذا اتفقنا على تلك الأحكام العامة، فإنه لن يبقى أمام الكويت والعراق سوى العمل بإخلاص من أجل خفض نسبة الكراهية الموجودة في المجتمعين، بغض النظر عن مكامن التوتر القائمة على الصعيد السياسي. هذا سيشكل بداية حقيقية للتفاعل، ولتحقيق الأمل المنشود.

 

مجلة آراء حول الخليج