; logged out
الرئيسية / العلاقات العراقية – الكويتية في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين: دراسة مستقبلية

العدد 85

العلاقات العراقية – الكويتية في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين: دراسة مستقبلية

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

يبدو أن الصراع الحذر هو المشهد الحالي لقياس أداء العلاقات العراقية – الكويتية، ولا أعلم من جعل البلدين يتجهان نحو حافة الأزمة بعد أن قلنا في دراسة سابقة نشرت في مجلة آراء حول الخليج – مركز الخليج للأبحاث أن البلدين قد أدركا ولأول مرة أن نظرية العمق الاستراتيجي المعاصرة هي مثال حي لقياس فاعلية العلاقة بين العراق والكويت، لكن على ما يبدو أن الاتجاه نحو الأزمة كان له تدخل خارجي وحث دولي أكثر مما كان شأناً إقليمياً ونزاعاً على الحدود البحرية وتأثيرها على المصالح الاستراتيحية للدولتيين.

ويبدو أن الاتجاه اليوم إلى مقترب الأزمة يدفعنا للانطلاق من فرضية مفادها أن الأزمة العراقية – الكويتية سترتكز على ثلاث عقد تتمثل بعقدة سايكولوجية إبان اجتياح العراق للأراضي الكويتية، وهو ما جعل العقل الاستراتيجي الكويتي وأجيال الاجتياح وما قبله تتربى على ثقافة الإدراك بأن العراق قد احتل الأراضي الكويتية وهذا ما يدفعهم إلى التحذير منه مما يثير الرؤية الكويتية الرسمية على الرغم من التطمينات من قبل النظام السياسي الحالي من أن الكويت قد طوت صفحة الماضي إلا أن آثارها ما زالت إلى الآن وهو ما يفسر إشكالية العراق والفصل السابع.

أما العقدة الثانية فهي أن العراق لا بد أن تكون له إطلالة بحرية جيدة لأنه مقبل على نشوء قوة اقتصادية صاعدة رغم كل التحديات الداخلية التي يعاني منها والخارجية سواء الإقليمية أو الدولية، وهذا ما يتطلب نشوء موانئ عملاقة لتطوير حركة النقل والتجارة الدولية ومن هنا كانت مشكلة الميناء أحد التحديات الأساسية التي لا أزال أتذكر قول أحد السياسيين العراقيين بشأنها (إننا بحاجة إلى تأجير جزيرة وربة وبوبيان لـ 99 عاماً)، ناهيكم عن إشكالية ترسيم الحدود والتراكيب الجيولوجية المشتركة في حقول النفط على الجانب العراقي والجانب الكويتي.

أما العقدة الثالثة فهي عقدة الديون الكويتية والتعويضات من جراء اجتياح العراق للكويت والتي لا بد أن تنتهي يوماً ما، لأن هذه العقدة هي إحدى التحديات المهمة اليوم أمام الاقتصاد العراقي وخصوصاً أنها إحدى أزمات الإدارة الخارجية للأموال العراقية، ومن هنا لا بد من جلوس الطرفين لتصفية ملف مهم ومؤثر على مسار اتجاهات المستقبل بين الدولتين خصوصاً وعلى الأمن الخليجي بصورة عامة خلال العقود الثلاثة القادمة.

إننا نتطلع اليوم كمتخصصين في الشؤون الاستراتيجية والمستقبلية إلى أن تكون العلاقات العراقية – الكويتية علاقات خلاقة للعمق الاستراتيجي بين البلديين من جهة، ومن جهة أخرى تكون علاقات تكاملية في الأداء من حيث الغاية والهدف والوسيلة لأن القدر أكبر من الفرصة.

إن الأمن الخليجي في مطلع العقد الثاني يرتكز على مجموعة من التحديات منها تحدي استقرار العراق وانعكاسه على فاعلية الأداء في العلاقات العراقية – الكويتية ومن هنا نجد أن هنالك ضرورة لاستقراء واقع العلاقات العراقية – الكويتية خلال المرحلة الحالية.

فالعلاقات التجارية في تطور مستمر خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ ساهمت الكويت بدور مهم في دعم الاقتصاد العراقي، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 250 مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى أن العراق قد منح إحدى الشركات الكويتية (كويت انيرجي) استثماراً مهماً في أحد الحقول الغازية العملاقة من بين الحقول الغازية الثلاثة العملاقة، بالإضافة إلى شركة العقيلة الكويتية وكذلك شركة الخرافي وشركة زين للاتصالات.... إلخ.

كما أن الجانب السياسي يدل على فاعلية العلاقات البينية كعلاقات رسمية أو حتى العلاقات دون الدولة أي بين القوى السياسية العراقية والحكومة الكويتية وهنالك زيارات متعددة سواء من مسؤولين حكوميين أو فنيين حكوميين أو برلمانيين أو رؤساء كتل سياسية.

بالإضافة إلى أن التمثيل الدبلوماسي يعد في درجة مؤثرة جداً ومهمة بين البلديين وتعتبر الكويت بعد الإمارات العربية المتحدة من حيث فاعلية سفارتها الخليجية في بغداد.

أما على الصعيد الثقافي فنجد أن زيارات الوفود الكويتية إلى العراق ما زالت مستمرة ولو بشكل مختصر وهذا ما يتماثل على الجانب العراقي أيضاً.

في حين أن العلاقات الدفاعية مازالت غامضة إلى الآن على الرغم من أن البلدين تربطهما علاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تسعفنا الدراسات المستقبلية في فك طلاسم اتجاهات المستقبل للعلاقات العراقية – الكويتية في ظل البيئة الإقليمية المعقدة، ومن هنا نجد أن اتجاهات المستقبل تتخذ ثلاثة مشاهد.

1- مشهد الأزمة الراكدة

وهذا المشهد يرتكز على فرضية أن الأزمة التي تمر بها العلاقات العراقية – الكويتية هي أزمة مستمرة تتداخل في تشكيلها العوامل السيكو- اقتصادية، بالإضافة إلى الحث الإقليمي والتأثر الدولي في بقاء الأزمة قيد السيطرة (راكدة) نتيجة الحاجة الدولية الملحة لاختبار النظام السياسي العراقي في قياس العقلانية وإدراك السلام وجهوده في زرع الأمل والطمأنينة لدى دول الجوار وفي مقدمتها الجارة الكويت.

2- مشهد الانفراج المتصاعد

وهذا المشهد يذهب إلى فرضية مفادها أن العلاقات العراقية – الكويتية ستتجه نحو الانفراج التصاعدي نتيجة إدراك الطرفين لأهمية السلم وأهمية الاستقرار في المنطقة من جهة وإدراك دالة واتجاهات المستقبل من جهة أخرى نتيجة لحجم المصالح المتبادلة بين الطرفين، ومن هنا فإن امتداد الجهود الذاتية للدولتين ستكون في الاتجاه نحو الانفراج التصاعدي، كما أن تدخل دول الجوار الفاعلة وتقدم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بدفع رؤى الطرفين إلى الأمام سيكونان كفيلين بتحقيق الانفراج في أزمة العلاقات العراقية – الكويتية.

3- مشهد الصراع المتأزم

وهذا المشهد يستند إلى رؤية مفادها أن المسير باتجاه الأزمة سيدخل البلدين في صراع متأزم نتيجة الضغوط الشعبية في كلا البلدين من جهة وتأثير دول الجوار من جهة أخرى ناهيكم عن هواجس الماضي القريب والتي تجعل الجانب العراقي يعتقد أن الكويت ستعمل على الإضرار بالمصالح الاقتصادية العراقية العليا بالإضافة إلى استنزاف الموارد المالية العائدة من صادرات النفط 5 في المائة واستمرار الكويت باستغلال القرارات الدولية السابقة في استخدام التراكيب الجيولوجية المشتركة لتطوير إنتاجها من النفط واستغلالها للغاز المصاحب أو غاز القبعة، أما الكويت فإن نظامها السياسي مازال يتذكر 2 آب 1990 وكيف آلت الأمور إلى احتلال الكويت ومن هنا فإن الشك والريبة والحذر هي عنوان التفاعل الاستراتيجي تجاه العراق.

بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق والكويت حوالي 250 مليون دولار سنوياً

الخاتمة

ومن خلال استقراء كل مشهد مستقبلي نجد أن المشهد المرجح للعلاقات العراقية – الكويتية هو مشهد الأزمة الراكدة نتيجة توافر البيئة الإقليمية الدافعة بهذا الاتجاه أولاً والعامل السيكولوجي وتأثيره في منظومة صنع الفعل الاستراتيجي من قبل الكويت باتجاه العراق، كما أن القوى الدولية والإقليمية ترغب في تقييد قدرات العراق الصاعدة لحين تأمين مصالحها الاستراتيجية في العراق سواء من حيث الوجود العسكري المباشر أو من حيث الاستثمارات، وهذا ما يجعل المشهد الحالي عنوان للسنوات الخمس القادمة 2011 – 2016، في حين أن مشهد العراق المستقبلي سينتقل نحو المشهد الثاني (الانفراج المتصاعد) نتيجة توافر البيئة الإقليمية وتحسن مدركات النظام السياسي للدولتين، وهذا ما يدفع الباحث إلى ضرورة تفعيل التلاقح الثقافي الذي سيجعل البلدين يتجهان نحو مرحلة جديدة من أداء العلاقات البينية (العراقية – الكويتية)، وبناء معاهدة استراتيجية طويلة الأمد للتعاون بين البلديين، والعمل على تأجير جزيرة وربة وبوبيان لمدة 99 عاماً مما سيخفض من هواجس العراق، كما أن تعزيز الاستثمارات الكويتية في العراق سيكون دليلاً على تعزيز العلاقات العراقية – الكويتية.

 

مجلة آراء حول الخليج