; logged out
الرئيسية / ميناء مبارك الكبير وميناء الفاو الكبير: بحث في أبعاد الأزمة وتداعياتها

العدد 85

ميناء مبارك الكبير وميناء الفاو الكبير: بحث في أبعاد الأزمة وتداعياتها

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

المقدمة:

تحتل جزيرة بوبيان الكويتية، والتي يقام عليها مشروع ميناء مبارك الكبير المثير للجدل موقعاً جغرافياً حيوياً في شمال الخليج العربي، كونها تقع على مقربة من السواحل العراقية، عند مصب شط العرب وعلى زاوية الحدود العراقية-الكويتية المتزايدة في الأهمية والخطورة، لإطلالها على قناة مرور ناقلات النفط والبواخر التجارية إلى الموانئ العراقية.

وعلى الرغم من امتلاك الكويت لسواحل طويلة على الخليج العربي يبلغ طولها نحو (500) كم مقارنة بـسواحل العراق التي لا تتجاوز (50) كم فقط، ولدى الكويت خمسة موانئ، فإنها اختارت جزيرة بوبيان والتي لا تبعد عن الحدود العراقية سوى (1950) متراً فقط موقعاً لمينائها السادس (مبارك الكبير) لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية.

في إبريل 2010 وضعت وزارة النقل العراقية الحجر الأساس لميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة، وبعد سنة من ذلك التاريخ، وتحديداً في إبريل 2011 وضعت الحكومة الكويتية الحجر الأساس لميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان. وقد شرعت الكويت في بناء ميناء مبارك الكبير فيما اقتصر العراق على وضع حجر الأساس لميناء الفاو الكبير فقط.

وقد تسبب الشروع ببناء ميناء مبارك الكبير من قبل الحكومة الكويتية بنشوب أزمة سياسية بين البلدين ففي الوقت الذي يرى فيه الكويتيون أن ميناءهم ستكون له نتائج اقتصادية واستراتيجية مهمة، يؤكد مسؤولون وخبراء عراقيون أن الميناء الكويتي سوف يقلل من أهمية الموانئ العراقية ويقّيد الملاحة البحرية في قناة خور عبدالله المؤدية إلى ميناءي أم قصر وخور الزبير، ويجعل ميناء الفاو الكبير بلا قيمة اقتصادية، واعتبر وزير النقل العراقي السيد هادي العامري في 25 أيار الماضي (صحيفة الصباح العراقية في 2/8/2011) قرار الكويت بناء ميناء مبارك الكبير قرب السواحل العراقية مخالفاً للقرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن الدولي المرقم (833)، والذي فرضت بموجبه الحدود العراقية-الكويتية. مما تطلب إعادة البحث في أبعاد الأزمة بين البلدين وتداعياتها من خلال التعرض إلى الجذور التاريخية لمُشكلة الحدود العراقية-الكويتية المزمنة منذ سنوات طويلة خلت.

نبذة تاريخية:

يعود أول ظهور لمشكلة الحدود بين العراق والكويت إلى مطلع ثلاثينات القرن الماضي عندما طلبت بريطانيا من العراق ترسيم الحدود مع الكويت ليتسنى له الحصول على استقلاله والانضمام لعصبة الأمم في عام 1932 (مجلة آراء حول الخليج، العدد 59 لسنة 2009، ص60) وفي حينها بعث رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري السعيد برسالة إلى السلطات البريطانية في 21 يوليو 1932 تضمنت وصفاً تفصيلياً للحدود البرية بين البلدين، إلا أن المشكلة لم تُحسم في حينه. وفي عام 1958 وخلال المباحثات التي كانت جارية بين العراق والأردن لتشكيل الاتحاد الهاشمي، اقترح نوري السعيد على بريطانيا منح الاستقلال للكويت ليتسنى دخولها للاتحاد الهاشمي، إلا أن بريطانيا رفضت ذلك وبقيت الكويت محمية بريطانية. وفي عام 1961 قررت بريطانيا منح الاستقلال للكويت لكن الرئيس العراقي في حينه عبدالكريم قاسم رفض الاعتراف باستقلال الكويت، وطالب في مؤتمر صحفي عقده بمقر وزارة الدفاع في بغداد يوم 25 يونيو 1961 بضم الكويت للعراق كونها كانت قضاءً تابعاً لولاية البصرة في العهد العثماني. وفي 4 نوفمبر 1963 وقع اتفاق في بغداد بين وفد كويتي برئاسة صباح السالم الصباح ولي العهد الكويتي في حينه مع رئيس الوزراء العراقي أحمد حسن البكر في ذلك الوقت وتضمن الاعتراف باستقلال الكويت.

يؤكد مسؤولون وخبراء عراقيون أن الميناء الكويتي الجديد سيؤدي إلى حدوث تداعيات سلبية خطيرة على الموانئ العراقية

ورغم تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدين طوال السنوات اللاحقة إلا أن مسألة الحدود لم يجر ترسيمها بشكل نهائي. وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في 8/8/ 1988 والتي عُرفت (بحرب الخليج الأولى) بدأت بوادر أزمة ترسيم الحدود بين البلدين تتصاعد وتنذر بخطر جديد، (صحيفة الصباح العراقية في 26/8/2008)، وبوساطة من المملكة العربية السعودية عقد لهذا الغرض في يوليو 1990 اجتماع بمدينة الطائف بين وفد عراقي برئاسة عزت إبراهيم الدوري ووفد كويتي ترأسه سعد العبدالله الصباح، وبانتهاء اجتماع الطائف بالفشل تطور الموقف في الثاني من أغسطس 1990 نحو استخدام الخيار العسكري وما تمخض عنه من دخول القوات العسكرية العراقية إلى الكويت مما أدى إلى تدويل الخلافات العراقية-الكويتية عقب تشكيل تحالف عسكري دولي تزعمته الولايات المتحدة الأمريكية واستهدف شن الحرب على العراق لإخراج الجيش العراقي من الكويت بالقوة العسكرية، والتي عُرفت تاريخياً (بحرب الخليج الثانية)، في فبراير1991، استطاعت القوات الأمريكية إخراج القوات العراقية من الكويت وتزامن معها وضع العراق تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة و إصدار قرارات دولية لفرض الحصار الاقتصادي عليه ومن ثم شكل مجلس الأمن الدولي ولأول مرة في تاريخه لجنة خاصة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق، وأنجزت اللجنة مهمتها منذ عام 1994، دون حضور أي ممثل عن العراق في حينه، وأقرت ولأول مرة بالتاريخ ترسيم الحدود العراقية الكويتية وبمباركة من قبل مجلس الأمن الدولي. وبعد 2003، وعلى الرغم من استمرار الملفات العالقة بين العراق والكويت، والمتمثلة بملف الحدود والتعويضات المالية والمفقودين الكويتيين، جرى تطبيع تدريجي للعلاقات العراقية-الكويتية. وقد شهد منتصف عام 2011 تصعيد تدريجي للخلافات العراقية-الكويتية عقب شروع حكومتي الكويت والعراق ببناء ميناء الفاو الكبير في العراق وميناء مبارك الكبير في الكويت.

ميناء الفاو الكبير: في إبريل 2010 وضعت وزارة النقل العراقية حجر الأساس لميناء الفاو الكبير، وتشير تصاميمه الأساسية إلى احتوائه على رصيف للحاويات بطول (39000) متر، ورصيف آخر بطول (2000) متر، فضلاً عن ساحة للحاويات تبلغ مساحتها أكثر من مليون م2 وساحة أخرى متعددة الأغراض بمساحة (600 ) ألف م2. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للميناء (99) مليون طن سنوياً، فيما تبلغ الكلفة الإجمالية لإنشائه أربعة مليارات و(400) مليون يورو. ومن المؤمل أن يتصل الميناء بخط للسكة الحديدية تربط الخليج العربي عبر الموانئ العراقية بشمال أوروبا من خلال تركيا وهو المشروع الذي يُعرف باسم (القناة الجافة). ولم تتم المباشرة بالعمل بالمشروع حتى الوقت الحاضر. وقد رحبت الكويت وفقاً لما أعلنه نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ الصباح لصحيفة الأنباء الكويتية في 28 أغسطس 2011، بقوله: (عندما سمعنا أخباراً عن أنه قد يكون هناك تحرك سريع للعراق لبناء ميناء الفاو فهذا شيء نرحب به بشكل كبير).

يعود أول ظهور لمشكلة الحدود بين العراق والكويت إلى مطلع ثلاثينات القرن الماضي

ميناء مبارك الكبير:

وضعت السلطات الكويتية حجر الأساس لميناء مبارك الكبير في إبريل 2011، أي بعد مرور عام على وضع حجر الأساس لميناء الفاو الكبير. وسيقام ميناء مبارك الكبير على جزيرة بوبيان المحاذية للسواحل العراقية، وأعلن نائب رئيس الوزراء الكويتي للشؤون الاقتصادية أحمد الفهد إلى أن المشروع الذي تعاقدت على إنشائه مع شركة هيونداي الكورية سيكون (صديقاً للبيئة)، وينطوي على تحقيق أهداف كبيرة، ويحقق آمال وتطلعات الشعب الكويتي، الذي طالما تمنى بناء ميناء بهذا الموقع الاستراتيجي والفعال، بهدف جعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً على المستووين الإقليمي والعالمي (ww.aswataliiraq.info)، وطبقاً لدراسة العقيد المتقاعد فهد الشيمي والمنشورة بصحيفة الرأي الكويتية في 4/8/2011، تُقدر مساحة جزيرة بوبيان بنحو (890) كم2 وتحتل موقعاً جغرافياً مُتفرداً بين بلدين كبيرين، فهي تبعد عن الساحل العراقي بحدود (1500) متر فقط، فيما تبعد عن الساحل الإيراني بحدود (40) كم. وتعود مطالبات العراق بحقوقه بجزيرتي وربة وبوبيان إلى عام 1932، كما طالب العراق في عام 1975 بحقوقه أو استئجار جزيرتي وربة وبوبيان، وفي عام 1990 فرض العراق سيطرته العسكرية على الكويت وبضمنها جزيرة بوبيان، وتم إجباره على الانسحاب منها عقب حرب الخليج الثانية في عام 1991. واستناداً للموسوعة الحرة (www.wikipedia.org) يمر إنشاء ميناء مبارك الكبير بأربع مراحل هي كما يأتي:

- المرحلة الأولى: من المقرر أن يتم الانتهاء منها على ثلاثة أجزاء في عام 2015 وسيتم تشغيل الميناء بأربعة أرصفة مخصصة للحاويات يمكنها استقبال ما يعادل (800) حاوية سنوياً.

- المرحلة الثانية: تتضمن إنشاء (12) مرسى إضافي لتبلغ سعة الميناء الإجمالية (16) مرسى.

- المرحلة الثالثة: وتتضمن إنشاء (8) مراسٍ ترتفع فيها سعة الميناء الإجمالية إلى (24) مرسى.

- المرحلة الرابعة: وتتضمن إنشاء (36) مرسى لتصبح عدد المراسي الإجمالية (60) مرسى.

لا تحتاج دولة الكويت إلى بناء ميناء تجاري جديد كونها تمتلك عدة موانئ تجارية ونفطية

تطورات الأزمة:

تتمحور أبعاد الأزمة بين العراق والكويت في شروع الحكومة الكويتية ببناء ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان المجاورة للسواحل العراقية في البصرة، وقبل بدء العراق ببناء ميناء الفاو الكبير مما أثار حفيظة المسؤولين في العراق، باعتبار أن الميناء الكويتي الجديد سيؤدي إلى حدوث تداعيات سلبية خطيرة على الموانئ العراقية وعرقلة سير البواخر والسفن التجارية باتجاه ميناء البصرة مما يؤدي لخسائر دائمة للاقتصاد العراقي. وتتلخص المواقف الرسمية العراقية والكويتية إزاء أزمة مشروع ميناء مبارك الكبير، كما يأتي:

1- أعلن وزير النقل العراقي السيد هادي العامري قي 25 /5/ 2011، خلال مؤتمر صحفي عقده في محافظة البصرة (فضائية السومرية نيوز في 15أيار 2011) (بأن قرار الكويت ببناء ميناء مبارك الكبير قرب السواحل العراقية يعتبر مخالفاً لقرار مجلس الأمن الدولي 833، إذ إن الممر المائي العراقي سيكون ضمن الميناء الكويتي (مؤكداً) أن بناء الميناء يصل إلى الحدود المائية التي رسمها قرار مجلس الأمن 833 وفيه ظلم كبير للعراق) وأضاف العامري أنه (إذا تم بناء الميناء وفق التصاميم المذكورة، سيجعل العراق في حل من القرار 833 لمجلس الأمن).

2- صرح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي (صحيفة الاتحاد الإماراتية في 12/8/2011) (بأن العراق طلب رسمياً من الكويت إيقاف العمل بميناء مبارك إلى حين التأكد من عدم إضراره بالملاحة العراقية، إلا أن الجانب الكويتي لم يرد رسمياً على هذا الطلب، وهدد المالكي بــ (اللجوء إلى الأمم المتحدة وإقامة دعوى قضائية لوقف عمل المشروع في حال ثبت أنه يسبب ضرراً للعراق).

3- رفضت الكويت المقترح الذي تقدم به وزير الدولة العراقي للشؤون الخارجية علي الصجري (صحيفة الشرق الأوسط في 23/8/2011): والذي اقترح بأن يدخل العراق في بناء الميناء على سبيل الاستثمار بنسبة (50 في المائة) من أجل إثباث حسن النوايا ولكي تكون الفائدة مشتركة لكلا البلدين.

4- أرسل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي رئيس هيئة المستشارين بمجلس الوزراء العراقي المستشار ثامر الغضبان،على رأس لجنة فنية من الخبراء والمستشارين، إلى الكويت وللفترة من 14ــ 19/8/2011 وبتنسيق مباشر مع رئيس الحكومة الكويتية، للاطلاع ميدانياً على مشروع مبارك الكبير. وقد صرح الغضبان بعد عودته من الكويت (صحيفة الأنباء الكويتية في 23 /8 2011) (أن اللجنة الفنية أنجزت مهامها وأعدت تقريرها النهائي الذي سيناقش في مجلس الوزراء، وأن قضية مهمة كهذه يجب أن تناقش بشكل مستفيض، وأن اللجنة الفنية التي زارت الكويت مؤخراً ليست لها صلاحيات تفاوضية وإنما كانت لجنة فنية مهنية لم تتطرق إلى أي جوانب سياسية).

5- بتاريخ 22/8/2011 ترأس رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اجتماعاً خاصاً حضره نائب رئيس الوزراء الدكتور روز نوري شاويس والدكتور حسين الشهرستاني والدكتور صالح المطلك ووزراء الخارجية والنقل والبيئة ورئيس الوفد الذي زار الكويت ثامر الغضبان، (انظر البيان الصحفي لرئيس الوزراء العراقي بتاريخ 22/8/2011 والمنشور في الإنترنت وعلى الرابط www.pmo.iq) واستمع المجتمعون إلى شرح موسع لتوضيحات رئيس الوفد الفني بعد الاطلاع على التقرير الذي تم إعداده حول ميناء مبارك الكبير وبحضور جميع أعضاء الوفد والخبراء الذين زاروا الكويت وأسهموا في إعداد التقرير. وقد تقرر عرض التقرير على الاجتماع القادم لمجلس الوزراء العراقي.

6- بتاريخ 26/8/2011 أطلقت من محافظة البصرة ثلاث صواريخ نوع (غراد) باتجاه الحدود العراقية-الكويتية المقابلة لجزيرة بوبيان، حيث يقام موقع مشروع ميناء مبارك الكبير (صحيفة السياسة الكويتية، في 26/8/2011 )، وجاء إطلاق هذه الصواريخ بعد (30) ساعة من تهديد ائتلاف (فرسان دولة القانون) الذي يتزعمه عبدالستار العبوسي، وهو أحد أعضاء ائتلاف دولة القانون. فيما نفى المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية اللواء محمد العسكري استهداف الصواريخ للأراضي الكويتية.

7- أعقب ذلك تصاعد تصريحات المسؤولين العراقيين بشأن الاستمرار ببناء ميناء مبارك الكبير، والتي اعتبرت من قبل الكويت بكونها (تهديدات عراقية) ومنها على سبيل المثال: ما حذر به القيادي في ائتلاف دولة القانون عزت الشابندر بقوله: (بأنه في حال أراد الكويتيون شراً فالشر سيقع على رؤوسهم) وجاء الرد الكويتي على لسان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح بقوله: (إن هذه التصريحات تشكل خطراً على العراق نفسه لأنها تعيده إلى دائرة الشك بأنه ليس عراقاً جديداً بل عراق صدام حسين، عراق الخداع والغدر، عراق تهديد الأمن الإقليمي) (صحيفة الأنباء الكويتية في 28/8/2011).

8- بتاريخ 6/9/2011، أعلن وزير النقل العراقي هادي العامري: (بأن العراق سيلجأ الى الطرق الدبلوماسية، ومنها غلق منفذ صفوان من أجل الضغط على الكويتيين لتغيير مكان ميناء مبارك المضر بالاقتصاد العراقي) (صحيفة الصباح، بغداد، في 7/9/2011).

9- أعلن عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي النائب قاسم الأعرجي: (بأن عدد النواب العراقيين الموقعين على تشكيل وفد برلماني عراقي للتوجه للأمم المتحدة للمطالبة بإلغاء قرار مجلس الأمن الدولي (833) قد ارتفع لغاية يوم 7/9/2011 إلى أكثر من (100) نائب). (صحيفة المشرق، بغداد، في 7/9/2011).

يمكن إيجاد حل لأزمة ميناء مبارك الكبير إذا ما توفرت النوايا الصادقة من قبل الطرفين

نستنتج مما تقدم ما يأتي:

1- لا تحتاج دولة الكويت إلى بناء ميناء تجاري جديد كونها تمتلك عدة موانئ تجارية ونفطية، ويأتي بناء هذا المشروع بجوار السواحل العراقية، لاعتبارات سياسية واستراتيجية مزدوجة لإدراك الكويت عدم استقرار الوضع السياسي في العراق في المرحلة الحالية، مما يتيح لها استكمال بناء المشروع بردود فعل محدودة وغير مؤثرة من العراق، ومن الناحية الاستراتيجية تستهدف الكويت قطع دابر المطالبات العراقية المتكررة بجزيرتي وربة وبوبيان.

2- تأتي إثارة موضوع مشروع ميناء مبارك الكبير في مرحلة حرجة في العراق كون الموضوع أثير قبل بضعة أشهر من موعد انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق، ولم تحسم القوى السياسية العراقية رسمياً موضوع التوافق على هذا الموضوع حتى الوقت الحاضر، لتفاجأ بأزمة جديدة مع الكويت.

3- من المحتمل أن تدفع عملية إطلاق صواريخ (غراد) من البصرة باتجاه موقع مشروع الميناء الكويتي الجديد إلى إثارة مخاوف الكويتيين من عودة العراق لاستخدام الخيار العسكري مما يؤدي إلى تمسك الكويت باستمرار خضوع العراق تحت طائلة البند السابع، مما يعني ضمناً، بقاء العراق خاضغاً لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تنظم الحالة بين العراق والكويت.

4- على الرغم من استمرار الموضوع ضمن الأطر الفنية في العراق، ولم يصدر قرار سياسي من الحكومة العراقية بشأن الموقف من ميناء مبارك الكبير لغاية إعداد هذا المقال، إلا أن المتتبع لتصريحات المسؤولين العراقيين، وبخاصة تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ووزير النقل هادي العامري، والنائب عزت الشابندر من كتلة دولة القانون، والنائبة عالية نصيف من كتلة العراقية البيضاء، والنائب محمود عثمان من الكتلة الكردستانية، وما يقابلها من تصريحات لمسؤولين وبرلمانيين كويتيين، تشير إلى بلورة توجه نحو تدويل الأزمة وذهاب العراق، وربما الكويت أيضاً إلى المؤسسات الدولية التابعة للأم المتحدة (مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية)، مما يؤدي إلى دخول العلاقات العراقية الكويتية مرحلة جديدة من التوترات التي لا تخدم مصلحة البلدين.

5- وعلى الرغم من صعوبة أزمة ميناء مبارك الكبير يبقى احتمال حلها قائماً، حيث يمكن من الناحية العملية إيجاد حل لهذه الأزمة إذا ما توفرت النوايا الصادقة من الطرفين، لاسيما أن عناصر الجذب بين الدولتين وفي كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي أكثر بكثير من عناصر التباعد.

مجلة آراء حول الخليج