; logged out
الرئيسية / العلاقات العراقية-الكويتية: رؤى وتصورات مستقبلية

العدد 85

العلاقات العراقية-الكويتية: رؤى وتصورات مستقبلية

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

خلفية تاريخية:

واجهت العلاقات العراقية-الكويتية منذ عقود طويلة وتحديداً منذ نهاية القرن التاسع عشر توتراً ملحوظاً قد يكون من مسلمات الجوار الجغرافي بين أي بلدين في حالة الاحتكاك والتوتر. إلا أن مسألة العراق والكويت جعلت الأمور أكثر تعقيداً نتيجة عوامل داخلية وخارجية.

هنا لا نريد التوسع في الخلفيات التاريخية لهذه العلاقات، حيث لعب التقسيم الإداري للدولة العثمانية التي حكمت الولايات العربية بين(1516-1916)دوراً في ذلك وفرضت وضعاً إدارياً وجغرافياً أصبحت فيه الكويت وأغلب الساحل الشرقي للجزيرة العربية تخضع لولاية البصرة التي تضم إلى جانب ولايتي بغداد والموصل تكوين العراق الحديث في العهد العثماني.

ثم انهارت الدولة العثمانية وانسلخت الولايات العربية عنها بعد الحرب العالمية الأولى وظهرت كيانات سياسية جديدة ارتبطت بتحالفات وعلاقات تعاهدية مع بريطانيا العظمى بشكل رئيسي، وكانت الكويت قد وقعت في عام 1899 معاهدة من هذا النوع مع بريطانيا أيضاً أصبحت بموجبها محمية بريطانية، ولكن ظهور مرحلة ما بعد سايكس بيكو وسان ريمو عامي 1916 و1920 على التوالي أفرزت دولة العراق عام 1921 في ظل الحكم الملكي (1921- 1958) مع ترتيبات بريطانية في الشرق الأوسط.

وقد استمرت المشاكل الحدودية بين البلدين العراق والكويت خلال هذه الفترة وخاصة في الثلاثينات من القرن العشرين، مع انضمان العراق إلى الأمم المتحدة والحصول على الاستقلال ودخول جامعة الدول العربية حيث تعززت مكانة العراق عربياً وإقليمياً ودولياً مما دفع رئيس الوزراء (آنذاك) نوري السعيد بعد سنوات وتحديداً عام 1958 إلى أن يطلب من الكويت الانضمام إلى (الاتحاد الهاشمي) عام 1958 إلى جانب العراق والأردن ولكن بريطانيا رفضت هذه الفكرة وأجهض المشروع.

وفي عام 1961 حصلت الكويت على الاستقلال وانضمت إلى هيئة الأمم المتحدة ولكن رد فعل رئيس الوزراء العراقي عبدالكريم قاسم (1958-1963) كان شديداً ورفض الخطوة هذه ونشأت على إثر ذلك أزمة عندما أعلن قاسم ضم الكويت إلى العراق باعتبارها قضاءً عراقياً تابعاً للبصرة.

وفي عقد الثمانينات من القرن العشرين ومع الصراع العراقي- الإيراني في الحرب بينهما التي امتدت بين (1980-1988) وقفت الكويت إلى جانب العراق أسوة ببقية دول الخليج العربي ودعمته سياسياً ومالياً وإعلامياً لمواجهة خطر تصدير الثورة الإسلامية إلى دول المنطقة آنذاك وبات العراق يوصف بأنه البوابة الشرقية للأمة العربية.

إلا أن انتهاء الحرب وخروج العراق محملاً بتركات مالية واقتصادية واجتماعية ومشكلات حدودية وخاصة مع الكويت أحدثت أزمة بين العراق والكويت عندما طالب العراق بإلغاء الديون الكويتية على العراق ودفع مساعدات مالية له للتخلص من أزمته الاقتصادية وتأجير بعض الجزر الكويتية له كمنفذ تجاري ومائي نحو العالم الخارجي. إلا أن الكويت رفضت ذلك وعلى الرغم من تدخل المملكة العربية السعودية لحل المشكلة ولكن المحادثات الثنائية فشلت بينهما مما دفع النظام العراقي إلى اجتياح الكويت في الثاني من أغسطس1990 واستمر الوجود العراقي في الكويت لمدة ستة أشهر انتهت بتدخل التحالف الدولي ضد العراق وإخراجه من الكويت عام 1991 فيما عرف بحرب (عاصفة الصحراء) وأصبح العراق تحت طائلة العقوبات الدولية السياسية والعسكرية والاقتصادية لأكثر من عقدين من الزمن وما زال، مما زاد من تعقيد العلاقات العراقية-الكويتية أكثر وأضاف لها مشكلات حدودية واقتصادية وإنسانية ما زالت قائمة ويصعب حلها.

طبيعة المشاكل القائمة:

واجهت البلدين العديد من المشاكل التي ازدادت بمرور الزمن حاملة معها إرثها التاريخي وتعقيداتها الإقليمية وتغيراتها الدولية ولعل أبرز هذه المشاكل هي:

1- مشكلة التعويضات المالية الكبيرة التي يدفعها العراق للكويت عن طريق الأمم المتحدة حيث طالبت الكويت بمبلغ 177.6 مليار دولار أقرت الأمم المتحدة بـ 37.2 مليار دولار منها وما زال العراق يسددها وترفض الكويت التنازل عنها باعتبارها قضية دولية يجب حلها في الأمم المتحدة.

2- مشكلة الأسرى والمفقودين الكويتيين في العراق أثناء اجتياح العراق للكويت حيث ما زالت أعداد منهم في عداد المفقودين وتطالب الكويت العراق بتقديم المزيد من المساعدة والتعاون في البحث عنهم.

3- مشكلة النزاع حول الحقول النفطية بين البلدين تلك الحقول المشتركة البرية والبحرية التي تعتبر عائقاً أمام تحسين العلاقات لما لها من أهمية سيادية واقتصادية.

4- على الرغم من التحسن الذي حصل في العلاقات العراقية-الكويتية بعد سقوط النظام العراقي عام 2003، والاحتلال الأمريكي وما جلبه من تغيرات بوصول ما اعتبروا (أصدقاء الكويت) من حكام العراق وأن ذلك قد يبدد المشاكل السابقة ويفتح صفحة جديدة بين البلدين، إلا أن الأوضاع ظلت قائمة بل ربما تفاقمت مع حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني للعراق منذ أكثر من ثماني سنوات، ومنها مشاكل التسلل والتهريب عبر الحدود بين البلدين ومشاكل الصيادين العراقيين والمضايقات الكويتية لهم من حين إلى آخر، ومشاكل تقاسم الحقول النفطية الحدودية والسماح لشركات عالمية لتطويرها والتعقيدات الأمنية والسياسية التي تحول دون ذلك.

5- التصريحات السياسية والبرلمانية والحملات الإعلامية والدعائية المتبادلة بين الطرفين زادت من تعقيدات العلاقات العراقية-الكويتية.

6- طلب الكويت إعادة الأرشيف الوطني الكويتي من قبل العراق والذي اختفى بعد الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 على الرغم من إعادة جزء منه، إلا أن هناك ما هو مهم حسب الادعاء الكويتي ما زال لدى العراق.

7- وضع الكويت بوابات حدودية على طول حدودها مع العراق بدعوى وقف التسلل والتهريب في مناطق يرى العراق أنها ما زالت تمثل مشاكل حدودية لم تحل بعد.

8- عدم ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين بشكل مقنع لهما دون تدخلات دولية أو إملاءات أممية أو قرارات مفروضة من تبعات النظام السابق في العراق.

أزمة ميناء مبارك:

زادت حالة التأزم في العلاقات العراقية-الكويتيةفي عام 2011 مع إعلان الكويت نيتها إقامة ميناء مبارك الكبير على أساس أنه داخل الأراضي الكويتية الإقليمية في حين اعتبره العراق يضيق من الممرات البحرية المؤدية إلى الموانئ العراقية، وأعلنت الكويت أن الميناء ينسجم مع القرار الأممي رقم 833 بشأن ترسيم الحدود بين البلدين، وزاد من حدة الخلاف حول الميناء تفاقم التصريحات الحكومية والبرلمانية والحملات الإعلامية من البلدين وطلب العراق رسمياً من الكويت وقف البناء في الميناء في حين رفضت الكويت ذلك وأعلنت أنها سوف تستمر بالبناء لأن طلب العراق لا يستند إلى أي أساس قانوني أو اعتبار منطقي على حد وصفها وأن الميناء يقام على أراضٍ كويتية وفوق سيادتها ومياهها الإقليمية وأكد الكويتيون أن الكويت دولة لها سيادة على أراضيها ولها الحق الكامل في إنشاء الميناء في المكان الذي تريده.

الرؤى والتصورات المستقبلية:

على الرغم من الجذور التاريخية للصراع والتوتر بين العراق والكويت وتفاقم أزمة ميناء مبارك الكبير في الفترة الأخيرة إلا أن هناك في واقع الحال قواسم مشتركة ورؤى مستقبلية لحل الأزمة بين البلدين تعتمد بالأساس على مبدأ الدبلوماسية والمفاوضات المشتركة والجادة من أجل الحفاظ على استقرار البلدين الجارين والشقيقين ومنطقة الخليج العربي بأسرها.

ونعتقد بأن الحوار المباشر والهادئ والابتعاد عن الحملات الإعلامية والتصريحات السياسية والبرلمانية فيما بين الجانبين تساعد إلى حد كبير في التوصل إلى الحلول والمعالجات للمشاكل القائمة بينهما.

ثم إن تفعيل عمل لجان العلاقات العربية-الكويتية ومنها (جمعية الصداقة الكويتية-العراقية) التي نشأت في عام 2004 ودفعت لتحسين الروابط والأواصر في العلاقات بين البلدين حيث تقوم بأدوار اقتصادية واجتماعية ومنها الإشراف على الاستثمارات الكويتية في العراق وتقديم المساعدات للمحتاجين في العراق منها مالية وإنسانية وطبية وصحية وغذائية والتعاون التربوي والتعليمي من خلال بناء المدارس الكويتية أو بدعم كويتي في العراق وتدريب الكودار التربوية والتعليمية العراقية في الكويت وهناك شركات البناء والإعمار الكويتية في المدن العراقية سواء في كردستان أو البصرة أو الموصل أو بغداد. وقامت الجمعية بدعم ترميم المراقد الدينية والأماكن المقدسة في عدة مدن عراقية وترميم الكنائس المسيحية فضلاً عن إقامة دورات للكوادر الأمنية العراقية في الكويت.

وهناك أيضاً (مجلس العلاقات العراقية-الكويتية) الذي عقد مؤخراً دورته في الثامن من آذار-مارس2011 في الكويت ويعمل لمدة خمس سنوات وهدفه تشجيع المستثمرين الكويتيين للعمل في العراق والبحث عن الممتلكات الكويتية المفقودة في العراق منذ الاجتياح العراقي عام 1990 ومحاولة جذب الاستثمار الكويتي للعراق وحل المشاكل الاقتصادية والسياسية القائمة بين البلدين ويضم المجلس شخصيات سياسية وبرلمانية واقتصادية ورجال أعمال.

وهناك تصورات جادة وعملية تطرح من قبل أكثر من تيار أبرزها المعتدلون إذا جاز التعبير والتي تسعى إلى طرح أفكار وآراء لحل المشاكل بين الجانبين منها استبدال الديون الكويتية على العراق من خلال مساهمة الشركات مباشرة في العمل بالعراق بأن يكون له بعد اقتصادي وتنموي مثل إقامة منطقة تجارة حرة بينهما ومشاريع سياحية كويتية وتشجيع رجال الأعمال العراقيين على الاستثمار في الكويت.

وهناك ضرورة لأن يقوم اتفاق بين الحكومتين العراقية والكويتية على وقف التصريحات السياسية والبرلمانية والإعلامية التي تؤدي إلى تشنج الأجواء وزيادة الاحتقان وحصرها بيد الناطقين الرسميين باسم الحكومتين من أجل وقف التوتر في العلاقات والوصول إلى خطط ومعالجات ناجعة وفاعلة وبعيدة عن الإثارة الحزبية والبرلمانية والمكاسب الاقتصادية والسياسية لهذا الطرف أو ذاك.

ولا بد من إدراك البلدين العراق والكويت حقيقة الجوار الجغرافي والروابط التاريخية والحضارية والعلاقات العشائرية والقبلية والأواصر الاجتماعية من الزواج والمصاهرة والنسب والقرابة منذ عقود طويلة عبر التاريخ لا يمكن لهما بأي حال من الأحوال سواء جاءت هذه الحكومة أو تلك أن يبقيا على طول المدى في حالة تجاذب سياسي وتنافس اقتصادي وتوتر حدودي وخلاف مالي، وأن يدركا التطورات الخطيرة الأخيرة المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي مع هبوب رياح ما يعرف الآن بالربيع العربي والذي يحمل في طياته مفاجآت لا تستثني أحداً من الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة وربما منطقة الخليج العربي ليست ببعيدة عنها وشاهدنا ذلك في البحرين وإلى حد ما في سلطنة عمان. وهذا يتطلب إقامة علاقات إقليمية ودولية مستقرة بالنسبة للعراق والكويت والتفرغ لمعالجة الملفات الداخلية لهما والتي هي أكثر أهمية وإلحاحاً في الوقت الراهن والتي تدفع للاستقرار السياسي للأنظمة مثل الإصلاح السياسي والفساد ومشكلة البدون والبطالة والكهرباء والديون الخارجية ومشاكل الحدود العراقية مع إيران وتركيا فضلاً عن المطالب الشعبية بتفعيل المشاركة والمصالحة الوطنية وغيرها من قضايا هامة داخلية وخارجية.

لقد أثبتت الأشهر الثمانية الأخيرة في الوطن العربي أن ضعف البنيان الداخلي للأنظمة السياسية يؤدي إلى فجوة بين الشعب والقيادات مما يحدث خللاً تستفيد منه القوى الخارجية في إضعاف وحدة وقوة العرب ثم تغيير وإضعاف هذه الأنظمة، لذلك فإن الإصلاح الداخلي أفضل السبل وأجدى من نشوء أو افتعال الأزمات الإقليمية أو المناوشات مع الجيران بسبب أو بغير سبب، وربما هذا ينطبق على حالة العراق والكويت حيث إن البلدين بحكم موقعهما الجغرافي والاستراتيجي وثرواتهما الاقتصادية الهائلة ليسا بعيدين عن مرمى عمليات التغيير الداخلي أو التآمر الخارجي، والحليم من يستفيد من دروس التاريخ وتجارب الشعوب الأخرى.

مجلة آراء حول الخليج