array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 95

الانفاق على البحث العلمي يعمل على سد الفجوة العلمية

الأربعاء، 01 آب/أغسطس 2012

يحث رؤساء منظمات الأعمال والسياسيون رجال الاعمال والصناعة بشكل مستمر على ضرورة الاستجابة للمنافسة من خلال زيادة قدراتهم على الابتكار، لانها منتج ملموس (Tangible product)، ويمكن ان تكون نقطة البداية للابتكار وتوليد افكار جديدة.

فالأهمية لا تتوقف على مراكمة الاكتشافات والاختراعات وكفى ، وانما الأهم هو امتلاك الاكتشافات قدرة ديناميكية وذكية (ما تسمى بالقوة الناعمة) توظفها في تغيير الحركة السلوكية للإنسان .

فالكشف واستغلال الكشف كلاهما مركبان يعتمدان على منطلق واحد الا وهو الفكر . فمشكلة العرب وبالاخص دول الخليج الوقوف عند حدود النتيجة العلمية دون امتصاص رحيقها وتعميم فوائدها .

فالعالم العربي بما فيها دول الخليج لم يتمكن من توظيف اختراعات الآخرين والاستفادة منها ، فمسألة التخلف الذي يعاني منه العالم العربي لاتتوقف عند السؤال عن سبب عقم البحث العلمي والاكتشاف وانما الالحاح في معرفة سر رفض استغلال واستثمار دول الخليج خلال الفترة الماضية ماهو موجود ومطروح على الساحة الدولية .

فبلد مثل الهند استطاع أن يقوم بجهود علمية جبارة ومتميزة ولها خصوصيتها عن تلك التي تقوم بها الولايات المتحدة الاميركية ، وستصبح الهند بحسب التوقعات وفي القريب العاجل ، ثاني دولة في تكنولوجيا الفضاء . لذلك ادركت العديد من الجامعات في الدول المتقدمة أهمية مساعدة الباحث على اخراج جهده الانتاجي إلى عالم النور ، فأسست مراكز متخصصة تقوم بهذه المهمة مقابل نسب من الربح ومثال على هذه المراكز استطاع معهد "ماشاشوست للتقنية MIT " خلال 150 سنة ان يؤسس أربعة آلاف شركة لتسويق منتجات بحثية .

فالدول المتقدمة تنفق على البحث العلمي في حدود 3 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي تصل الى 5 في المائة في بعض الدول وهو ما يفسر السبب وراء ما حققته كوريا الجنوبية بسبب انفاقها على البحث العلمي الذي ارتفع من 0,2 في المائة عام 2000 الى 5 في المائة في السنوات الاخيرة ، بينما الانفاق على البحث العلمي في دول الخليج لايتجاوز الانفاق على البحث العلمي كثيراً عن 0,5 من المائة من الناتج المحلي الاجمالي لدول الخليج وكذلك في بقية الدول العربية الأخرى .

فالنجاح في أعمال البحث والتطوير يتطلب مرونة في الإجراءات المالية والإدارية وان تتعاون مؤسسات التعليم العالي مع مراكز الأبحاث المستقلة في القطاع الخاص لاغناء العملية البحثية ، ولكن للحكومة دور فاعل في تشجيع القطاع الخاص للتوجه إلى الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة لبناء قراراتها على حقائق مستمدة من الواقع .

وان كانت هناك شركات خليجية مثال ذلك أرامكو فانها تمتلك مركزاً للأبحاث والتطوير يعتبر من أهم مراكز الأبحاث في مجال البترول في منطقة الشرق الأوسط كما استطاع هذا المركز ان يقطع شوطاً زمنياً كبيراً في مجال توطين التقنية ورفع الانتاجية وتسجيل حلول مميزة على الصعيد العالمي في مجالات تقنية البترول وأوجدت حلولاً جوهرية لمشكلات التشغيل ،وكذلك مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ، ومعهد الكويت للابحاث العلمية ومعهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والعديد من مراكز الابحاث في جامعات دول الخليج الاخرى ولكن الاشكالية في ان العديد من البحوث العلمية لا تجد طريقها للتنفيذ في معظم الاحيان بسبب جوهري ناتج عن غياب او الافتقار لسياسة التسويق المطلوبة لهذه البحوث اما في نفس الجامعة او بانشاء مراكز متخصصة للتسويق على غرار ماشاشوست .

ولم تكتف شركة ارامكو بذلك بل أوجدت قنوات مباشرة لموظفيها للمساهمة في رفد الشركة بآلاف الأفكار والحلول وربطهم بأحد المديرين التنفيذيين بشكل يحفظ حقوقهم الفكرية. وبذلك تمكن مركز الأبحاث في ارامكو في توطين تقنية صناعة البترول وتخفيض تكلفة الانتاج وإيجاد حلول للمشكلات البيئية والحصول على براءت اخترعا مسجلة عالمياً.

ولكن يبقى دور القطاع الخاص ومساهمته المتواضعة للبحث العلمي في دول الخليج وزهده في إنشاء مراكز للبحث العلمي أسوة بأرامكو خصوصاً إذا ماعرفنا ان القطاع الخاص في العالم المتقدم ينفق على برامج البحث والتطوير الصناعي والتي تتراوح مابين 80 – 97 في المائة من اجمالي الانفاق الاجمالي على البحث العلمي وترتفع النسبة إلى اقصاها في اليابان .

وبذلك تنخفض مساهمة الحكومة بشكل واضح والجزء الأعظم من التمويل يأتي من القطاع الخاص هذا هو أحد أسباب جعل الانتاج منافساً عالمياً نتيجة التطوير والانفاق على البحوث المستمر نتيجة المرونة العالية في القطاع الخاص .

والحقيقة التي يجب ان ندركها ان دول الخليج تعيش مرحلة تغيرات اقتصادية كاسحة في ظل تحرير التجارة وقوانين منظمة التجارة العالمية والعولمة التي عملت على انفتاح الاسواق امام السلع والخدمات والتقنية، وترتب على تلك التغيرات بروز اجواء تنافسية حادة البقاء فيها للاقوى أي من يمتلك الميزة التنافسية. والميزة التنافسية لا تمنح بل يتم السعي الدؤوب والحثيث لخلقها وتوليدها وتوطينها ، وهي غير الميزة النسبية، ولا يمكن توطين الميزة التنافسية من دون الانفاق على البحث العلمي لانها تتضمن الميزة التنافسية العلمية والتقنية والقدرة على التطوير والابداع وتحويل الافكار الخلاقة الى سلع ومنتجات ملموسة ومتميزة سهلة التسويق وباقل التكاليف حتى تستطيع ان تنافس السلع الاخرى المشابهة .

لان الحصول على التقنية لا يتاتي فقط بشرئها بسبب ان دول الخليج تمتلك اموالا مصدرها البترول لان مالكو التقنية لا يسمحون بنقلها لذلك فان توطين التقنية يتطلب مزيدا من تأسيس مراكز البحوث وزيادة الانفاق على البحث العلمي ويتطلب مزيدا من التدريب وتاهيل الكوادر الوطنية واستقطاب القدرات العلمية العالمية بما يتناسب مع الظروف والاحتياجات المحلية .

فديناميكية النمو والتوسع وتوفير الوظائف الجديدة لا يتم الا من خلال توليد الشركات الجديدة التي تتبنى تكنولوجيا جديدة يتم الحصول عليها من مراكز الابحاث في الجامعات وما حولها والتي تعتبر اصحاب العقول والباحثين هم الثروة الحقيقية في المجتمع، والاستثمار في العقول لانه استثمار لا ينضب مثلما تنضب الموارد الطبيعية كالنفط مثلا.

مشكلة العرب وقوفهم عند حدود النتيجة العلمية دون امتصاص رحيقها وتعميم فوائدها

النجاح في أعمال البحث والتطوير يتطلب مرونة في الإجراءات المالية والإدارية

"أرامكو" السعودية تمتلك مركزاً للأبحاث والتطوير يعتبر من أهم مراكز الأبحاث البترولية المنطقة

كما ان مجرد وجود المراكز البحثية في دول الخليج لا يكفي بل لابد من تواصلها مع العالم الخارجي حتى تتمكن تلك المراكز من تحويل نتاج البحث العلمي الى فرص استثمارية قيمة لتحريك الجمود العلمي في دول الخليج ، فمثلا عشرين دولة عربية ساهمت ب 0,55 في المائة من الانتاج العلمي في العالم بينما اسرائيل بمفردها ساهمت ب 0,89 في المائة وسبق ان اظهرت الجامعة الاسلامية احصائية قبل فترة بان دول منظمة التعاون الاسلامي لديها 8,5 عالم ومهندس لكل الف شخص مقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 40,7 عالم ومهندس وتقني لكل الف ويرتفع هذا الرقم في الدول الثماني ليبلغ 140 عالم ومهندس وتقني .

فالعلوم والتعليم الاكاديمي لا يمكن للنقود ان تشتريه بل نحن في امس الحاجة الى مناخ وتهيئة بيئة مهنية تهدف الى عقد شراكات مع الصناعة المحلية ويجب ادراك ان ثقافة الابحاث لا يمكن تطويرها عن بعد كما يعتقد بل يجب الاعتماد على الاستحقاق وليس غير ذلك لان الجامعات والمراكز الاخرى تخسر اشخاص اضعاف التي تقوم بتعينهم لان الاكاديميون بحاجة الى الوقت الكافي للقيام بالابحاث ويريدون ان تتم مكافأتهم ، وفي قطاع عمل معولم مثل القطاع الاكاديمي حيث لا يفضل الاكاديمي التنقل من مكان لآخر لكنه يفضل ان يعمل لعدة عقود. ولذلك فانه عندما يحرم من الحق في البقاء فإن هذا الامر لا يجعل دول الخليج تتسم بالجاذبية. وهنا يجب ان نفرق بين تكدس العمالة الرخيصة غير المؤهلة في دول الخليج وبين الاكاديميين والباحثين الذين يفترض تقديم كافة التسهيلات لهم ، بل وتهيئة البيئة والمناخ المناسبين الذين يساهمان في النهاية في توطين التقنية .

فالعلوم لغة عالمية اذ يمكنها ايجاد روابط جديدة بين الافراد وفتح العقول امام افكار تتجاوز نطاق الفصول الدراسية وامام نطاق الحدود الجغرافية، فنحن بحاجة الى اعادة تشكيل التعليم والتنمية، فعلى مدار اربعين عاما ظلت منطقة الخليج متخلفة عن نظرائها الدوليين في العالم ، فاجمالي الانفاق على الابحاث والتطوير في آسيا عالمياً زادت من 27,9 في المائة عام 1997 الى 36,5 عام 2004 واليوم اكثر من 40 في المائة وخلال العقدين القادمين ستخلق آسيا مراكز استقطاب جديدة هامة للابتكار في مجال العلوم والتكنولوجيا كما تتزايد اقامة مؤسسات الملكية الفكرية للتعامل مع الاسواق العالمية في الصين وفي كوريا الجنوبية وفي الهند .

ولكن لماذا قصرت الاستثمارات الحكومية الخليجية في مجال التعليم عن تحقيق اهدافها ؟ الاجابة ستكون بكل بساطة هي ان استراتيجيات التعليم لم تكن يوما مرتبطة بصورة واضحة باية اهداف اقتصادية وبالتالي لم تتوفر الموارد البشرية بين الخريجين الذين يتم تاهيلهم بعد تخرجهم ويفتقرون لاساسيات ومهارات كثيرة يحتاجها سوق العمل مما يحمل الجهات تكاليف باهظة من اجل التدريب والتأهيل رغم ان هناك مؤشرات على ان النظام يتحرك نحو التغيير لان دول الخليج بدأت تضع التعليم في أولوياتها مما يتعين عليها ان تخطط بعمق وان تنفذ استراتيجياتها بحذر، فهذه الجهود ستشكل خطوة في طريق استعادة بريقنا العلمي .

وتخطط قطر بان يصبح الانفاق على البحث العلمي فيها نحو 2,8 في المائة من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي خلال السنوات القادمة مرتفعا من 0,33 في المائة ولا يزال الانفاق على البحث العلمي في السعودية 0,05 في المائة والبحرين 0,04 في المائة وهي اقل دولة خليجية تنفق على البحث العلمي عام 2007 .

لان دول الخليج اذا ارادت ان تتحول من دول مستهلكة للمعرفة الى دولة منتجة ومصدرة لها عليها ان تستثمر في العنصر البشري، وان تبني رؤية المجتمع المبدع هذا اذا اردنا ان ننتقل الى تصنيع المعرفة وان نقصر الاستثمارات الاجنبية على تحقيق اجندة بيئية ابداعية في الاتصال والتكنولوجيا والصناعة ذات التقنية العالية بدلا من مضايقة الاستثمار المحلي والاحلال محله او منافسته بجانب ان تهتم دول الخليج بتضمين نظم التعليم الخليجية الخطط المؤهلة للصناعات المعرفية منذ المراحل المبكرة .

ويجب ان يكون لدول الخليج مساهمة في الارتقاء بمجال تبادل المعرفة والفهم بين الشعوب الذي تتبناه اليونسكو اليوم لان العالم مقبل على تعاون علمي على المستويين الاقليمي والدولي يشكل عاملا حاسما في التصدي للتحديات المترابطة والمعقدة والمتزايدة التي تواجهها الشعوب على المستوى العالمي وستصبح الدبلوماسية علمية في السنوات المقبلة وستقود الى الشراكات الدولية والتعاون، وبذلك يصبح البعد العلمي للعلاقات الدبلوماسية احد الاسباب التي ادت الى اضافة العلوم الى المهام المسندة الى اليونسكو ويكتسي هذا البعد اهمية محورية بالنسبة الى المنظمة لاننا نعيش في عصر تتمتع فيه العلوم بالقدرة على رسم ملامح مستقبل البشرية وفي عصر لم يعد فيه من المجدي التركيز على الاعتبارات الوطنية لصياغة السياسات العلمية .

ومع ان البلدان المتقدمة لا تزال تنتج اكبر عدد من المنشورات العلمية على المستوى العالمي فان اداء هذه البلدان يتراجع في هذا المجال لصالح دول ناشئة، حيث انخفض عدد المنشورات العلمية من 84 في المائة عام 2002 الى 75 في المائة عام 2008 فيما تضاعفت حصة الصين في نفس الفترة اكثر من الضعف اذ قفزت من 5,2 في المائة الى 10,6 في المائة ولا تزال الولايات المتحدة تتصدر الانفاق على البحث العلمي بنحو 330 مليار دولار عام 2006 بينما دول الاتحاد الاوربي الذي يضم 15 دولة انفق 230 مليار دولار .لكن تاثير الركود العالمي على الولايات المتحدة كان اكثر حدة من التاثير على بقية الدول الناشئة مما اتاح لهذه البلدان ان تلحق بالركب بوتيرة اسرع مما كان يمكن تحقيقه في غياب الازمة .

واكبر مشكلة تواجه دول الخليج افتقارها الى سياسات وطنية خاصة بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار يرغم القطاع الخاص في الكثير من الاحيان على الاضطلاع بانشطته في ظل فراغ على مستوى السياسات، وهي ظروف لا تعتبر مواتية للابتكار اضافة الى معاناتها من النقص في الروابط بين القطاعين العام والخاص في مجال البحث والتطوير نتيجة الاعتماد على المال السهل المتأتي من العائدات النفطية الذي يعد هو بحد ذاته سيف ذو حدين .

 

مجلة آراء حول الخليج