array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 95

مراكز البحوث والدراسات وعملية صنع القرار السياسي الخارجي: العراق انموذجا

الأربعاء، 01 آب/أغسطس 2012

تتمتع مراكز البحوث والدراسات في العالم المتقدم بسمعة عالمية واسعة لفاعليتها في النتاج العلمي والاكاديمي، ولاهميتها بالنسبة لصانع القرار، اذ تشغل مخرجاتها حيزا مهما في تفكيره، وكذلك تؤدي دورا مهما في عملية الوصول للقرار النهائي، ذلك انها تضع الخيارات المتعددة بين يدي صانع القرار، ويبقى للاخير ان يتخذ الخيار الذي يراه هو مناسبا من بين الخيارات المختلفة.

        ولنتذكر، دور مراكز البحوث والدراسات (مؤسسات الفكر) في الولايات المتحدة  لاسيما تلك التي لها روابط مع تيار المحافظين الجدد، في زيادة قناعة صانع القرار الامريكي ، بان الحرب على العراق اصبحت ضرورية، وكيف انهم اعدوا دراسات كاملة ووضعوا خيارات متعددة تصب كلها في رافد  تلك الحرب  ( اللازمة).

        ان اساس عمل مراكز البحوث والدراسات هو استشاري، اي انها تدرس مشكلة معينة من كل جوانبها، وتطرح مقترحات مختلفة لحلها. ترفع الخيارات الى صانع القرار، يشكل صانع القرار لجنة لدراسة المقترحات، اللجنة بدورها ترفع تقريرها النهائي لصانع القرار، الاخير يختار الحل الذي يراه امثلا، وهو بالطبع الحل الذي بني على اساس ما ورد من مقترحات – او على الاقل استفاد منها- اوردتها الدراسة او الدراسات التي اعدتها المراكز البحثية. ومن ثم فان المراكز البحثية عندما تدرس المشاكل فانها لا تدرسها بقصد الدراسة فقط، وانما لابد من ان يرتبط عملها باهمية، هذه الاهمية يضفيها صانع القرار، عندما يحول الناتج الفكري لمراكز البحوث الى واقع تطبيقي على الارض.

العلاقة بين صانع القرار وبين مراكز البحوث والدراسات يجب ان تكون علاقة وثيقة    

مراكز البحوث والدراسات في العراق لا تزال تعاني قلة اهتمام صانع القرار بمخرجاتها 

        والحقيقة، ان صانع القرار عندما يستفيد من المقترحات التي تقدمها له مراكز البحوث والدراسات، يجب ان لايفهم ذلك، بصيغة ان صانع القرار سيسجل تفضله على تلك المراكز، بالقدر الذي يجب ان يقدر صانع القرار اهمية مراكز الدراسات التي افادته هي بخبرة علمائها ومثقفيها وكفاءاتها، اذ ان وضع الحلول الفعالة لمشكلة ما ليست بالعملية السهلة، وانما تحتاج لجهد فكري فعال، وهي عملية عقلية مركبة لايستطيع ايا كان القيام بها، وانما تحتاج لرجال العلم القادرين فعلا على افادة صانع القرار بحلول عملية تسهم فعليا في ايجاد حل للمشكلة. ولذلك ، نجد ان مراكز البحوث والدراسات في عالم الشمال، لا سيما الولايات المتحدة، لا تقدم ارائها واستشاراتها مجانا، كما في الدول العربية مثلا، ادراكا منهم بان ما انتجوه هو جهد فكري فعال، تؤثر نتائجه في وضع الدول او امنها او علاقاتها مع العالم الخارجي.

        وقدر تعلق الامر بالوطن العربي، وبما اني لا استطيع التحدث عن العلاقة بين المراكز البحثية وعلاقتها بصانع القرار في الوطن العربي ما لم اكن مطلعا على واقعها، فاني من زاوية اخرى، استطيع التحدث عن المراكز البحثية في العراق وتاثير عملها في عملية صنع القرار السياسي الخارجي.

لقد شهد العراق ومنذ عام 2003 صعودا وتحديدا بعد التغيير فيه تناميا واضحا لمراكز البحوث والدراسات الخاصة او المرتبطة بالدولة. وهو تزايد افضى لكثرة الدراسات وكثرة المنتوج ، كما اسهم الى حد كبير في استقطاب الكفاءات العراقية العلمية لاسيما حاملي الشهادات العليا الذين يختصون بالبحث العلمي والاكاديمي.

        لنركز حديثنا حول مراكز البحوث والدراسات المرتبطة بالدولة، وتحديدا تلك التي تتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي من حيث واقعها وعملها ومدى تاثيرها من عدمه في صناعة القرار السياسي الخارجي.

        ينقسم اسم الوزارة المسؤولة عن التعليم العالي في العراق الى قسمين:  التعليم العالي والبحث العلمي، وعليه، وطبقا للتسمية يصبح من الضروري مناصفة الاهتمام والدور والفاعلية ناهيك عن الميزانية بين الكليات التي تدرس الطلاب وبين مراكز البحوث التي تهتم بجانب البحث العلمي الاكاديمي، مع الاخذ بنظر الاعتبار الكم طبعا ( اي لا يعني ذلك انه اذا تواجد في جامعة بغداد مثلا x  عدد من الكليات، يقابله العدد ذاته من مراكز البحوث والدراسات فهذا امر غير وارد) ، ولكن من الضروري الاهتمام بالكلية X بقدر الاهتمام بالمركز Y ، وهو ما ينطبق على التسمية التي تتسمى بها الوزارة.

   

 

 

 

 

 

     هذا الامر، يعاني من قصور واضح، فمن جانب تحتل المراكز البحثية مرتبة ادنى من الكليات ، بل ان المدير في المركز البحثي، لا يتساوى مع عميد الكلية، بل يعادل رئيس قسم في كلية معينة، كما ان تعيينه يتم من قبل رئيس الجامعة ، وهو امر له دلالاته في التاثير على القرارات التي تتبعها المراكز البحثية، وهذا يختلف عن الكليات التي يتعين عمدائها بقرارات خاصة على مستوى عال. ولكن، ومن جانب اخر، ان القيمة الفعلية في التاثير في صناعة القرار السياسي الخارجي، هي لمراكز البحوث وليس للكليات والتي وان تعد مكانا علميا مرموقا يتخرج منه الطلبة، الا انه ليس بالضرورة مكانا تناقش فيه اوضاع البلد وتطرح فيه الحلول للازمات والمشاكل، بقدر ما تناقش هذه القضايا في المراكز البحثية.

        ولأكن متخصصا اكثر، فاتحدث عن واحد من تلك المراكز العلمية البحثية المتخصصة في القضايا الدولية، وهو مركز الدراسات الدولية التابع لجامعة بغداد، وهل ان لمخرجاته تاثير في صناعة القرار السياسي الخارجي؟

        هذا المركز المتخصص انشأ في ثمانينات القرن الماضي، يعمل به نخبة طيبة من الكفاءات العلمية في المجالات السياسية والاقتصادية، يؤدي دورا بارزا في مناقشة القضايا والمشاكل التي تخص العراق والمحيط العربي وكذلك القضايا الدولية، ولكنه يركز على ما يهم العراق ، كون ان البلد يمر بمرحلة صعبة، لا سيما وان العراق بحاجة لان يثبت اركانه، وان ينطلق من جديد نحو البناء بعد سنوات من التدمير والخراب .

        نحن لا نستغرب مطلقا، عندما تنتفي صفة التاثير للمركز في صناعة القرار السياسي الخارجي في عهد النظام السابق، ذلك انه من كان على راس النظام لا يقبل رأيا اخر يخالف رأيه، حتى لو كان من اقرب المقربين ومن اعضاء الفريق الحاكم، فكيف نتوقع منه ان يستمع ويأخذ بعين الاعتبار حلولا ومقترحات يطرحها اساتذة ونخب علمية في المركز عندما يناقشون قضايا تهم العراق وامنه. وبالمثل فان ندوة مهمة عقدها مركز الدراسات الدولية، قبيل احتلال العراق عام 2003، ناقشت موضوع احتمالات الحرب العسكرية، ووجدت ان الحرب في حال اندلاعها ستكلف العراق الكثير، وأن من الافضل للعراق تجنب الحرب باي من الوسائل الممكنة، ولكن صانع القرار لم يكن يسمع لتلك التوصيات، فكانت النتيجة، ان العراق يعاني الى اليوم من اثار تلك الحرب العدوانية، وان التخريب والتدمير لا يزال يعاني منه العراق ليومنا هذا.

        ولكننا، نستغرب، عندما نرى ان مراكز البحوث والدراسات لا تزال تعاني قلة اهتمام صانع القرار بمخرجاتها حتى عندما تولى صناعة القرار في العراق سياسيين عاشوا في بلدان اجنبية متقدمة عرفوا هم انفسهم اهمية مراكز االبحوث والدراسات وتاثيرها. هناك حقائق كثيرة تدعم مقولتنا هذه ، مثلا في ندوة عقدت حول الانسحاب الامريكي من العراق وآثاره، حضر ممثلين عن القنصليتين الايرانية والتركية، وحضر القنصل التركي بنفسه، بينما لم يحضر اي موظف بوزارة الخارجية العراقية، رغم ان موضوع الندوة يهم العراق اكثر من اهتمام ايران وتركيا به، او هكذا يجب ان يكون. كما اقام مركز الدراسات الدولية ندوة حول عمل الدبلوماسية العراقية وتحديدا اداء وزارة الخارجية، حضر الندوة عدد قليل جدا من ممثلي وزارة الخارجية، غضب البعض منهم لان اراءا علمية لم تكن في صالح القائمين على دبلوماسية وزارة الخارجية، وفي اليوم الثاني من الندوة لم يحضر سوى شخصين من الوزارة. هذا فضلا عن ان حديثا واتفاقا مبدئيا جرى بين وزارة الخارجية العراقية وبين مركز الدراسات الدولية، الا انه ولاسباب معينة لم يتحول ذلك الاتفاق الى واقع عملي على الارض، ولم تستشر وزارة الخارجية العراقية المركز في المواضيع التي تهم الامن الوطني .

        هذه امثلة بسيطة من بين عشرات الامثلة التي تدل على تهميش اراء ذوي الخبره في مراكز البحوث والدراسات ، وللاسف فان البحوث التي تكتب لايستفيد منها صانع القرار لانها لاتصل اليه كلها اومعظمها ،كما ان هذه المراكز تعقد ندوات لا يحضرها المسؤولون الرسميون لانشغالاتهم الواسعة، بالتالي ، فالكفاءات المهمة في المراكز البحثية تؤدي دورها بمناقشة القضايا التي تهم الوطن، ولكن عصارة فكرها لا تنتقل من حالة السكون الى حالة الحركة الفعلية، ذلك ان صانع القرار لا يطلع عليها او لا يوليها الاهتمام الذي يعينه في قراراته.

        يعد هذا الموضوع، مشكلة تؤرق فكر الكفاءات في المراكز البحثية ،  فلا اهمية قصوى لاي عمل مالم يستفد منه الاخرون، والدراسات التي تخرج من مراكزنا ولا يستفيد منها صانع القرار، دراسات تفقد كثيرا من قيمتها الحقيقية، تلك القيمة التي تضفى عليها عندما يتحول النظري الى واقع عملي على الارض.

        ان هذا الموضوع، بحاجة الى اهتمام حقيقي به من قبل صانع القرار، واحسب ان التوصيات الاتية قد تكون مفيدة في هذا الاطار ، وهي :

1- ان تكلف المراكز البحثية المتخصصة بدراسة قضية / قضايا معينة، وان تحدد مددا زمنية كي تقدم المراكز البحثية دراساتها كاملة الى صانع القرار على اساس طرح الحلول والخيارات.

2- ضرورة متابعة تلك الدراسات من قبل المسؤولين او على الاقل مسؤول من اعلى سلطة، بان يقوم بزيارات دورية لمراكز البحوث، وان يناقش مع القائمين على دراسة المشكلة آليات البحث ومواقع التقدم فيه.

3- ان ترفد المراكز البحثية بكل ما يسهل عملها من ادوات ومعلومات ودعم ونفقات، ذلك ان هذه الامور مهمة جدا لصالح انجاز المتطلبات.

4- من الضروري ان يلتقي صانع القرار بشكل دوري ، بنخب ممتازة من ذوي الكفاءات العلمية في المراكز البحثية، ويتناقش معهم حول القضايا المهمة، ويستمع لارائهم، وللحلول التي يقترحونها، وهؤلاء يمكن عدهم مستشارون مرحليون يقدمون الاستشارة لصانع القرار.

        ان هذه المقترحات قد تكون مفيدة لصانع القرار بما يرفد عمله  وبما يعد توظيفا امثلا لعمل المراكز البحثية في العراق، لا سيما تلك التي تختص بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

        اننا نعتقد ان العلاقة بين صانع القرار وبين مراكز البحوث والدراسات يجب ان تكون علاقة وثيقة، اساسها التعاون سبيلا لايجاد حلول للقضايا المختلفة، وان تقوم المراكز البحثية بدورها الاستشاري الحقيقي، بان ترفد صانع القرار بكل ما يحتاجه من اراء ومقترحات، وبالنتيجة فان الاخير سيكون المستفيد الاكبر من هذا الناتج، ذلك ان الاراء المتعددة المتخصصة لابد وان تخرج بخلاصة تفيد صانع القرار في عمله.  

 

مقالات لنفس الكاتب