array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التطورات السياسية العربية الأخيرة: هائلة وغير مسبوقة (1 – 3)

الأحد، 01 أيار 2011

شهدت المنطقة العربية في بداية العام الهجري الحالي 1432هـ (2011 م) أحداثاً سياسية تاريخية كبرى. أحداث كان ومازال وسيظل لها تأثيرات عظيمة على مجرى السياسة في هذه المنطقة المهمة من العالم، بل يرجح أن تكون لها تأثيرات وبصمات على المستوى العالمي وعلى التاريخ الإنساني برمته. وشبه تأثير هذه الوقائع بتأثير انهيار جدار برلين عام 1989م، وزوال المعسكر السوفييتي وحلف وارسو عام 1991م، كما شبهت بعض هذه الثورات بالثورة الفرنسية 1789م التي كان وما زال لها تأثير عالمي واسع.

لقد تجسدت هذه الأحداث أولاً في ثورتي تونس (18 ديسمبر 2010 م) ومصر (25 يناير2011 م) الشعبيتين (السلميتين)، وفي تداعياتهما المباشرة على أنظمة سياسية مشابهة للنظامين السياسيين البائدين في كل من تونس ومصر. إنها – كما قيل - ثورة شعبية نادرة على الاستبداد (الدكتاتورية) والظلم والفساد.

بدأت أحداث تونس بشرارة صغيرة غير متوقعة، تمثلت في قيام المواطن التونسي البسيط محمد البو عزيزي بإحراق نفسه (يوم 17 ديسمبر 2010 م) أمام مقر بلدية بلدته (سيدي بو زيد)، احتجاجاً على قيام شرطية محلية بصفعه رداً على شكواه من مصادرة العربة التي كان يبيع عليها خضراوات، ويعول من دخلها التافه نفسه وأسرته، بعد أن عجز عن الحصول على عمل يقتات من دخله، رغم أنه يحمل مؤهلاً علمياً، كان يجب أن يساعده على إيجاد عمل مناسب يليق بمؤهله، ويقيه شر الحاجة وذل العوز.

وأثار انتحار البو عزيزي الدرامي غالبية شعب تونس التي رأت في محمد البوعزيزي نفسها، وما تعاني منه من ظلم وهوان واستبداد، فهبّت تحتج على مأساته، وتحولت تلك الهبة إلى انتفاضة، ثم إلى ثورة، شملت معظم أرجاء تونس الخضراء مطالبة بالتغيير وإسقاط النظام.

كانت ثورة الياسمين التونسية (كما سميت فيما بعد) عبارة عن احتجاج شعبي عارم، اتخذ الأسلوب السلمي المتحضر، معبراً عن حنق شعبي دفين وغضب جماهيري جارف من استبداد نظام زين العابدين بن علي، الذي جثم على صدور التونسيين 23 عاماً، أذاقهم فيها – كما يقول الثوار - شتى صنوف الاستعباد. وشهدت تونس والتونسيون خلالها واحدة من أبشع الدكتاتوريات، استبداداً وفساداً واضراراً وعدواناً.

ولم يتراجع الشعب التونسي قيد أنملة، رغم القمع الفوري المفرط في تشدده، بعد أن خرج للإطاحة بهذا الدكتاتور، بل أصر على مطالبه، رافعاً سقف هذه المطالب بالتدرج، من الإنصاف إلى إسقاط كامل النظام، رغم قسوة أمن النظام ووحشية حرسه، واستعلاء أركان بنيانه، وانتصر الشعب التونسي في معركته بعد 23 يوماً من هبته تلك وثورته الفريدة، وأرغم زين العابدين بن علي على الهروب من تونس للنجاة بجلده. وأخذ نظامه بعد ذلك يتهاوى تحت ضغط الشعب المتواصل حتى تمت تصفية آخر فلول النظام البائد.

كان لوسائل الإعلام المرئية دور في نقل هذه الهبة بكل تفاصيلها الممكنة

ما حدث في تونس فاجأ معظم المراقبين، بل أغلب علماء السياسة والمهتمين بشؤون المنطقة العربية، حيث كانت غالبية هؤلاء تستبعد انتفاضة شعبية تذكر، وتتوقع أن يقوم نظام ابن علي بـ (سحق) هؤلاء المتظاهرين بشدة أكبر، وإيداع قادتهم كالعادة في المعتقلات. لكن تنظيم المتظاهرين المحكم، واستفادة قادتهم من الإنترنت وتقنية الاتصالات، وعدم تدخل الجيش لصالح النظام، كل ذلك ساعد الثوار على إحكام التعبئة وحشد مئات الآلاف من أبناء الشعب الذين لديهم التظلمات والمطالب نفسها فأصبح هناك فيضان هادر من البشر، يعبرون – كما بدا - عن قهر دفين، ويطالبون برفع ظلم عنهم، ورحيل النظام الذي أذاقهم الأمرّين كما كانوا يرددون. وما أضفى رونقاً وقوة للمتظاهرين تأكيدهم على (سلمية) تظاهرهم وتفضيلهم التعبير السلمي المتحضر عن مطالبهم، بالإضافة إلى أنهم لم يرفعوا شعارات أيديولوجية جوفاء، بل كانت مطالبهم بسيطة وواضحة، وتتمثل في رفض ذلك النوع من الحكومات (الاستبداد) والمطالبة ببديله المعتاد عالمياً. ومن هنا، نرى أن أفضل وسيلة علمية وفكرية لفهم ما جرى هي أن نستخدم مدخل أنواع الحكومات كما نحاول في هذا المقال والذي يليه.

ما حدث في تونس فاجأ معظم المراقبين وعلماء السياسة والمهتمين بشؤون المنطقة

وجاء دور بعض وسائل الإعلام المرئية (بعض محطات التلفاز على وجه التحديد) لتنقل للعالم هذه الهبة بكل تفاصيلها الممكنة. في الوقت الذي كانت فيه اغلب وسائل الإعلام الرسمي التونسي والعربي تتحدث عن شغب بسيط، في بعض شوارع تونس وغيرها، وتبث أغاني عاطفية ومباريات في كرة القدم، ونقلت بعض محطات التلفاز تلك تطورات الصراع (أولاً بأول) بين نظام بدا للمراقبين استبدادياً قمعياً، وشعب متوثب ثائر ضده.

وراقب العالم ما يجري ساعة بعد ساعة، ولم يستطع النظام التونسي المخلوع (كما كان يتوق) أن يفتك بالمتظاهرين تحت سمع وبصر العالم، فاضطر للمهادنة، وإطلاق الوعود الرنانة التي تعد بعمل ما يريده الشعب. لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن نزع الشعب عن النظام غطاء ما سماه النظام الشرعية. فتهاوى النظام، وانهار بسرعة لم تكن متوقعة، وإن ظلت فلوله معششة ومندسة.

وكان هذا المنظر التحرري التونسي عبارة عن درس جديد – قديم، وربما مصدر إلهام في الحراك الشعبي السياسي العربي الحديث، سرعان ما وعته شعوب أخرى، تعاني من الوباء ذاته، واحتذت به لتحقق ما عجزت الجيوش والأحزاب المعارضة، وذوو التوجهات الأيديولوجية الجامدة، عن تحقيقه. وكانت مصر أول المستفيدين من ذلك الدرس، وأول من طبقه. وعن مصر وعن هذه الأحداث الجسام وعن إيجابياتها – إن وجدت - وسلبياتها، نكمل حديثنا هذا في المقال المقبل بإذن الله.

مقالات لنفس الكاتب