; logged out
الرئيسية / حوار المنامة في دورته السابعة.. هل من جديد؟

حوار المنامة في دورته السابعة.. هل من جديد؟

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

لم يكن مبالغة القول إن حوار المنامة التي تستضيفه مملكة البحرين على مدى سبعة أعوام متتالية منذ انطلاق أولى فعالياته عام 2004، إلا خطوة جادة نحو السعي من أجل البحث عن صيغة أفضل للأمن الإقليمي، تنطلق من الواقع الراهن بمشكلاته وقضاياه وهمومه، سعياً لرسم خريطة المستقبل بصورة أكثر أمناً واستقراراً لمنطقة حيوية من العالم، كخطوة أساسية ورئيسية لاستمرار مسيرة التنمية في دولها. فمن المعلوم بالضرورة أن جهود التنمية من دون أمن واستقرار تذهب سُدى كمن يرسم في الهواء أو ينقش على الماء. 

تلك مقدمة تعبر عن الهدف من تنظيم هذا الحوار والمنتدى بصفة سنوية رغم أنه غير رسمي، فما يعقده من مناقشات وحوارات، وما تقدم فيه من أوراق عمل ومذكرات، وما يصدر عنه من توصيات أو سياسات غير ملزمة، وإنما هي إرشادية تساعد صانعي القرار على اتخاذ قراراتهم بناء على رؤى ومشاورات ودراسات جادة وبناءة، ليصبح القرار أكثر رشداً مع واقع يشهد تحديات إقليمية وخرائط عالمية متغيرة.

ومن هذا المنطلق، جاء حوار المنامة في دورته السابعة هذا العام والذي امتد خلال الفترة من 3-5 ديسمبر 2010، وبمشاركة كبيرة وفعالة من أكثر من 25 وفداً كان في مقدمتهم عاهل المملكة الأردنية، ووزراء خارجية العديد من الدول الكبرى بدءاً بوزيرة الخارجية الأمريكية ونظرائها الروسي والبريطاني والفرنسي والكندي، مروراً بوزراء خارجية عدد من الدول الإقليمية كإيران وتركيا والهند وأفغانستان، فضلاً عن حضور مسؤولين من وزارات الخارجية والدفاع والداخلية في العديد من الدول المعنية بقضايا المنطقة، لتبادل الأفكار حول التحديات الأمنية والاستراتيجية في المنطقة.

والحقيقة أن ما سبق يثير حزمة من التساؤلات حول هذا الحوار وأهميته، فما الذي أفرزه هذا الحوار في دورته الحالية؟ وما أهم الرؤى التي طرحت فيه؟ وهل أضاف جديداً إلى قضايا الأمن الإقليمي؟ وما موقف مختلف الأطراف، خاصة أنه جمع بين قطبي صراع مازال مثاراً على الساحة الإقليمية (الولايات المتحدة وإيران)؟  وهل يمكن أن تسهم مثل هذه الفعاليات في إيجاد حلول ناجعة لقضايا معقدة، أم سيظل دورها قاصراً على المناقشة وتبادل الآراء والخروج بطرح استراتيجيات وتوصيات يظل مكانها معروفاً مسبقاً؟

بداية، من الأهمية بمكان تسجيل ملاحظتين مهمتين تتعلقان بهذا المنتدى، هما:

الأولى: ليست مبالغة القول إن هذا المؤتمر يعتبر أهم حوار في الفترة الحالية للمناقشة وطرح الأفكار والتصورات وتبادل وجهات النظر وطرح الآراء المتعددة بشأن العديد من القضايا المهمة، وفي مقدمتها قضية الأمن الإقليمي عموماً والأمن الخليجي على وجه الخصوص، فلا شك في أنه يسهم بشكل كبير في إيجاد صيغة موحدة وقاعدة مشتركة للتفاهم والتوصل إلى رؤى مشتركة إزاء القضايا الأمنية التي تشكل هاجساً بالنسبة لدول الخليج كافة. لذا يمكن أن نعتبره إحدى الوسائل الناجعة لتعزيز وترسيخ المفاهيم المشتركة لدعائم الأمن والاستقرار في المنطقة.

الثانية: برزت أهمية عقد مثل هذا المؤتمر في مستوى التمثيل المشارك – رغم أنه غير رسمي- حيث جاء على أعلى المستويات في العديد من دول العالم، فضلاً عن مشاركة العديد من المفكرين والخبراء من مراكز الأبحاث هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، برزت أهميته أيضاً فيما تناوله من قضايا وموضوعات ذات حساسية وأهمية والتي قد لا يمكن أن يتم تناولها بصراحة من خلال بعض المقابلات والاجتماعات والحوارات الرسمية، مما يدلل بصورة جلية على الأهمية التي تكتسبها منطقة الخليج على المستويات السياسية والاقتصادية والجغرافية بالنسبة لدول العالم جميعاً.

وفي ضوء هاتين الملاحظتين، يمكن القول إنه إذا كان من الطبيعي أن يناقش المؤتمر جل القضايا والتحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها العالم في الوقت الراهن وتأثيراتها على المنطقة بدءاً من الملف النووي الإيراني وجهود دول مجلس التعاون لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية والاستخدام السلمي للطاقة النووية في المنطقة، مروراً بمبادرات التعاون الاقتصادي والبيئي والبحري في الخليج ودعم العراق وأفغانستان ومكافحة الاتجار بالمخدرات والأشخاص، وصولاً إلى الملفين اليمني والسوداني، فضلاً عن القضية الفلسطينية التي تعد القضية المحورية الحاضرة في كافة الحوارات والمنتديات التي تشهدها المنطقة كونها لب الصراع العربي-الإسرائيلي، وذلك كله بهدف توجيه الجهود الجماعية المشتركة من أجل الوصول إلى حلول وقواسم مشتركة للتخفيف من تلك الأزمات التي تواجهها المنطقة، من خلال تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف، ليسهم بدوره في تعزيز الأمن والاستقرار فيها، إلا أنه من غير الطبيعي أن يخلص في مناقشاته وتوصياته إلى استعراض كل هذه القضايا والتحديات المتنوعة والمتشعبة والمعقدة في آن واحد.

لذا، فصحيح أن الحوار تناول مختلف تلك القضايا من خلال جلساته العلنية منها والمغلقة على مدار ثلاثة أيام. لكن، سيطرت على اهتمامات المشاركين ثلاث قضايا رئيسية أشار إليها خطاب وزير الخارجية البحريني في الجلسة الأولى للمنتدى بقوله (إن الملف النووي الإيراني يمثل مع الاقتصاد والأمن الذي يواجه اليمن، أبرز التحديات التي تواجه منطقة الخليج)، مع الأخذ في الاعتبار أن المنتدى لم يغفل القضايا الأخرى كالقضية الفلسطينية والسودانية والأفغانية، وإن سيطرت قضية لم تكن على جدول أعماله وهي قضية (وثائق ويكيليكس) وتداعياتها المختلفة على كافة الأطراف، وإن لم تشهد جلساته التي سيطرت عليها مناقشات تلك القضية الخروج بمواقف محددة بشأنها.

وصحيح أنه كما سبق الإشارة، حظيت الأزمة اليمنية باهتمام المشاركين في الحوار، خاصة مع تزايد تهديدات أطرافها الثلاثة للأمن الخليجي، وكذلك قضايا التنمية الاقتصادية وعلى وجه الخصوص قضية ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي وتداعيات ذلك على معدلات النمو وخطط التنمية في تلك الدول، حيث أصبحت قضية الساعة في المنطقة، وقد تباينت الآراء ما بين مؤيدين لفك الارتباط انطلاقاً من أن انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى سيعمل على تفاقم مشكلة التضخم خصوصاً أن الواردات المقومة بغير عملة الدولار شغلت شريحة كبيرة من مجمل قيمة الواردات الخليجية، مما يتطلب التحول إلى سياسة سلة عملات، ونادت بهذا الكويت كونها الدولة الخليجية الوحيدة التي اتخذت هذا النهج. ويرى آخرون أن دول الخليج لا تحتاج إلى فك ارتباط عملاتها بالدولار، وإنما تحتاج إلى مرونة أكبر في التعامل مع سعر الصرف، كونه الدولار يتميز بأنه عملة رئيسية لها مقومات النقد الأساسية التي أكسبته الثقة العالمية للتعامل به، فضلاً عما يتمتع به من قبول دولي عام، حيث يستخدم باعتباره أداة دفع وقبض للمعاملات التجارية والتحويلات الرأسمالية الدولية، وكعملة لاختزان القيمة في شكل احتياطي لدى معظم دول العالم، بالإضافة إلى أن معظم دخل دول الخليج قادم من بيع النفط ومنتجاته، وأن تسويات تعاملات النفط (بيعاً وشراء) تتم في الغالب بالدولار، ومن هنا يأتي بروزه كعملة رئيسية للتعاملات التي تتم في سوق النفط العالمي.

لكن ظلت أزمة الملف النووي الإيراني مستحوذة على جل المناقشات والحوارات، خاصة أن الحوار جاء قبيل لقاء جنيف بين الأطراف المسؤولة عن الملف النووي الذي عقد في السابع من ديسمبر، أي بعد يومين من انتهاء المنتدى، ورغم ما شهده المنتدى من إشارات متبادلة بين طرفي الخلاف الرئيسيين بشأن هذا الملف والذي تجلى في كلمات كل طرف، ففي الوقت الذي دعت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية إلى (أن نشهد خلال هذا الاجتماع حواراً بناء بشأن برنامجكم النووي، نواصل تقديم هذا العرض للحوار مع احترام سيادتكم ومع تقدير لمصالحكم، لكن مع التزام قوي بالدفاع عن الأمن العالمي ومصالح العالم في أن تكون منطقة الخليج آمنة ومزدهرة)، ظلت إيران متمسكة بحقها في استكمال برنامجها النووي، ولم تعر أي اهتمام إلى دعوة كلينتون التي لا تتضمن أي تغيير في المضمون، وإن كانت بلهجة مختلفة عن الخطب القاسية التي استخدمها المسؤولون الأمريكيون في الأشهر الأخيرة في هذا الشأن، حيث حرص وزير الخارجية الإيراني على تطمين دول الجوار الخليجي بشأن برنامجها النووي بقوله (إن إيران لن تستخدم قوتها ضد الدول المجاورة أبداً، ولا ننوي أن نفعل ذلك، لأن الدول المجاورة دول مسلمة، إن كنتم أقوياء فنحن أقوياء، وإن كنا أقوياء فأنتم أقوياء، ويجب ألا نسمح للإعلام الغربي بأن يملي علينا نظرتنا إلى بعضنا، هناك من ينشر هذه الكذبة التي تقول إن إيران تسعى إلى تطوير أسلحة نووية، لكن كل التحقيقات والتقارير أظهرت أن هذا غير صحيح)، واصفاً محاولات منع إيران من استكمال برنامجها بأنها نوع من (التمييز العنصري)، داعياً إلى إنشاء ما أطلق عليه (أمن إقليمي على أساس الثقة المتبادلة والاحترام المتبادل بين الدول المعنية باحترام كامل للقوانين الدولية).

ومن نواح أخرى ظلت مواقف مختلف الأطراف الدولية والإقليمية بشأن هذه القضية كما هي لم تتباين، ففي الوقت الذي كررت فيه فرنسا موقفها بمطالبة إيران بالتعاون بشكل كامل مع مطالب المجتمع الدولي في ما يتعلق ببرنامجها النووي، فقد جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إن (على إيران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونأمل أن تختار إيران الحوار والتعاون وتحترم قرارات الأمم المتحدة)، ليظل القاسم المشترك في مطالبات كافة الأطراف بضرورة الاتفاق على أهمية جعل الخليج العربي خاصة والشرق الأوسط عامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، مع الاحتفاظ بحق كافة الأطراف في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

 ولا شك في أن هذا الموقف الذي شهده المنتدى عكس إلى حد كبير توقعات جميع المسؤولين بشأن لقاء جنيف الذي عقد عقب المنتدى – كما سبقت الإشارة- فاتجهت كافة الآراء إلى أنه من غير المنتظر أن يشهد هذا اللقاء أي تحريك للملف النووي الإيراني، نظراً لتباين وجهات نظر الطرفين، وهو ما تأكد جلياً في ما خلص إليه لقاء (5+1) بعدم إحراز أي تقدم على طريق المفاوضات، حيث تم الاتفاق على إجراء لقاء آخر في نهاية شهر يناير 2011 في اسطنبول استجابة للمطلب الإيراني الذي ظل متمسكاً بموقفه باستكمال برنامجه النووي تحت كل الظروف، وأنه لا نية لديه للتراجع أو المراجعة أو التوقف.

صفوة القول أن الاستمرارية في عقد هذا المؤتمر بصفة دورية وبمشاركة واسعة كل عام عن سابقه، تمثل نقلة نوعية في الاستراتيجية السياسية لمملكة البحرين، وإدراكها لأهمية تنظيم لقاء يعنى بأمن المنطقة، ويتبادل فيه كبار السياسيين والمسؤولين من مختلف دول المنطقة والدول الكبرى الأفكار والرؤى بشأن تعزيز الأمن والتعاون بين الدول، حيث تعد هذه المناسبة فرصة لبحث العلاقات بين هذه الدول ومناقشة الأوضاع السياسية فيها بما يزيد من التلاحم والتشاور للوصول إلى ما يضمن استقرار المنطقة من جهة، ويضمن أيضاً تجسيد العلاقات بين مختلف المشاركين من جهة أخرى، وإن ظلت اجتماعاته غير رسمية وقراراته غير ملزمة، وإنما توجه الأنظار إلى إمكانات الحلول والاستراتيجيات المطروحة.

 

مقالات لنفس الكاتب