array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الاستثمار العربي في إفريقيا.. الحاضر وآفاق المستقبل

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

التعاون العربي - الإفريقي قديم قدم التاريخ ذاته، وقد شهدت حقبة السبعينات من القرن الماضي دعوة لتفعيل هذا التعاون، حيث دعت القمة العربية  -الإفريقية الأولى التي عقدت بالقاهرة في العام 1977م إلى أهمية التعاون العربي - الإفريقي في المجال الاقتصادي والمالي من خلال تقديم مساعدات فنية ومالية للدول الإفريقية ودعم المؤسسات المالية الوطنية ومتعددة الأطراف والتي تعمل في ميدان التنمية في البلدان الإفريقية وتشجيع توظيف رؤوس الأموال العربية في الدول الإفريقية في شكل استثمارات مباشرة أو غير مباشرة.

تزايد في تلك الحقبة عدد المؤسسات العربية المعنية بتقديم العون الإنمائي للدول الإفريقية، ثم ما لبث أن عكف العديد من الدول والمؤسسات العربية عن تولية وجهة استثماراتها نحو إفريقيا، وكانت قبلتها الاستثمارية نحو البلدان الغربية.

وبعد أكثر من 33 عاماً من انعقاد القمة العربية – الإفريقية الأولى عقدت في سرت بليبيا في شهر أكتوبر الماضي القمة العربية الإفريقية الثانية، وقد فتحت –تلك القمة- الأفق لتدعيم الاستثمار العربي – الإفريقي، حيث أقرت مشروع استراتيجية الشراكة وخطة خمسية لمشروع عمل مشترك بين العرب والأفارقة. وقد كانت دعوةجان بينج رئيس المفوضية الإفريقية واضحة جلية في هذا الشأن من خلال مطالبته العرب باللحاق بقاطرة الاستثمار في إفريقيا.

 معوقات ومقومات الاستثمار في إفريقيا

حينما تذكر الدعوة للاستثمار في القارة السمراء يتخيل البعض أن في ذلك نوعاً من المغامرة غير مأمونة العواقب، فإفريقيا -كما يتم الترويج عنها- قارة تفتقد الأمن والاستقرار وتتشابكها الحروب المشتعلة، والانقلابات العسكرية المتوالية، وفيها من المعوقات ما لا يحصى عده، سواء معوقات إدارية متعلقة ببطء الإجراءات الخاصة بالاستثمارات، أو معوقات قانونية متعلقة بتغيير الإجراءات والقوانين وتطبيقها وحل النزاعات، أو معوقات بشرية متعلقة بالافتقار إلى الخبرات المحلية والكفاءات البشرية المدربة، أو معوقات مالية متعلقة بتمويل المشاريع والتعثر في توفير السيولة النقدية اللازمة، أو معوقات اجتماعية متعلقة باختلاف البيئة الاجتماعية عما هو موجود في الدول العربية، فضلاً عن المعوقات المتعلقة بالمخاطر السياسية، وتقلبات السوق، وضعف البنية التحتية، ونقص الضمانات، وتوفر مصادر الطاقة ووسائل النقل، وقيام بعض الدول غير العربية باستخدام أدوات ضغط على بعض الحكومات الإفريقية لضمان الحصول على ميزات تجارية لشركاتها بما يخل بفرص المنافسة التجارية الطبيعية مع لجوء بعض الشركات الأجنبية إلى أسعار غير تجارية.

ورغم ما قيل عن هذه المعوقات فإن القارة السمراء أرض خصبة للاستثمارات ولا يوجد استثمار مربح خال من المخاطر،والقول بعدم وجود مناخ آمن للاستثمار في إفريقيا هو ترويج من الغرب لردع غيرهم من المستثمرين عن الاستثمار في إفريقيا‏، كما أن الغالبية العظمى من دول إفريقيا مستقرة ولا توجد فيها اضطرابات إلا في بلد أو اثنين مثل الصومال‏ كما عبر عن ذلك جان بينج رئيس المفوضية الإفريقية.‏

إن إفريقيا اليوم تختلف عن ذي قبل، فمنذ الألفية الثالثة شهدت الأوضاع التنموية في الكثير من دول إفريقيا تحسناً ملحوظاً، بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام نتيجة لزيادة الطلب العالمي عليها،كما أن العديد من الدول الإفريقية عززت من إصلاحاتها الإدارية والقانونية لتوفير المناخ الاستثماري المناسب، وفي هذا الإطار يشير تقرير (Doing Business 2009)الصادر عن البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية (IFC)بأنه في إفريقيا قامت 28 دولة خلال عام 2007/2008م بإدخال 58 عملية إصلاحية لتشجيع الاستثمارات، من خلالها تم تبسيط وتسريع إجراءات إنشاء الشركات الاستثمارية وتخفيض رسوم تكاليف الواردات والصادرات، إلى جانبالعديد من الإصلاحات في مجالات حماية حقوق الملكية وحرية تحويل رؤوس الأموال ورفع القيود على الصرف الأجنبي، وتبسيط وتخفيف النظم الضريبية. ونتيجة لهذه الإصلاحات بلغ إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إفريقيا في عام 2007 حوالي53  مليار دولار مقابل 39 مليار دولار في عام 2006، وإن كانت حصة إفريقيا الحقيقية من تدفقات الاستثمار المباشر لا تزال لا تتجاوز نسبة 3 في المائة من إجمالي تدفقات الاستثمارات العالمية المباشرة.

وقد أدى تحسن مناخ الاستثمار في العديد من دول إفريقيا إلى تدافع كبار المستثمرين والتكتلات الاقتصادية في العالم بقوة نحو السوق الإفريقية البكر الواعدة، وقد بلغ هذا التنافس شدته بين الصين والهندوتركيا، فضلاً عن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية واليابانودول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. فعلى سبيل المثال بلغت الاستثمارات الصينية في إفريقيا 5 مليارات دولار في نهاية عام 2008، كما تمكنت الصين من رفع مستوى المعاملات التجارية مع الدول الإفريقية من حوالي 10 مليارات دولار في عام 2000م إلى 106 مليارات دولار في عام 2008م.

وإذا كان هذا هو الحال في الصين التي لا ترتبط بأي رباط جغرافي مع إفريقيا، فإن إفريقيا لديها من المقومات ما يفتح الباب لتحقيق شراكة تقوم على المنافع المشتركة بينها وبين العرب- خاصة أننا نجد ترحيباً إفريقياً واضحاً على المستوى الرسمي بالاستثمار العربي- فهناك روابط عديدة تجمع بين الدول العربية والإفريقية، وهي روابط جغرافية وتاريخية وسياسية واقتصادية. فالقارة الإفريقية جزء جغرافي وامتداد للعالم العربي، حيث تضم نحو ثلثي الشعب العربي، كما أن سكان إفريقيا يقدرون بنحو مليار نسمة، وهي بذلك تمثل الثقل الاستهلاكي السابع في الأسواق العالمية، كما أن مساحتها عشرة أضعاف القارة الأوروبية وأربع مرات الولايات المتحدة، وتملك موارد اقتصادية هائلة، وتعد أحد أكبر خزانات العالم من المواد الأولية.

 واقع الاستثمارات العربية في إفريقيا

رغم التحسن الملحوظ الذي شهدته أغلب الدول الإفريقية في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والسياسيةالملموسة، والفرص السانحة للدول العربية للاستثمار فيها، إلا أن الاستثمار العربي في إفريقيا لم يشهد النمو المنشود، وقد بدأ التوجه المتأخر للاستثمار العربي في إفريقيا، ورغم ذلك فإن ما يدرك كله لا يترك كله وركوب قاطرة الاستثمار في إفريقيا خير من غض الطرف عن انطلاقها.

وبالفعل ركب تلك القاطرة مؤخراً العديد من المستثمرين العرب من القطاعين العام والخاص. ويذكر على سبيل المثال لا الحصر، العديد من الشركات العربية التي دخلت الأسواق الإفريقية منذ سنوات قليلة في مجالات استثمارية شتى: من الإمارات:شركة موانئ دبي العالمية، شركة استثمار رأس الخيمة للمعادن (2007م)، شركة اتصالات (2005م)، ومن الكويت: شركة زين (2007م)، الشركة الكويتية - الإفريقية للاستثمار(2006م)، مجموعة الخرافي (1990م)، ومن المغرب: مجموعة أونا- أومنيوم شمال إفريقيا، التجاري وفا بنك، اتصالات المغرب (2008م)، ومن مصر: شركة أوراسكوم تيليكوم (2008م)، شركة السويدي للكابلات (1999م)، شركة المقاولون العرب (1991م). فضلاً عن العديد من المستثمرين التقليديين الذين يمارسون أنشطة استثمارية متنوعة في قطاعات الصناعة والتعدين والتجارة والخدمات منذ فترات طويلة في إفريقيا خاصة المستثمرين اللبنانيين والمصريين والليبيين والمغاربة والموريتانيين واليمنيين المنتشرين في معظم الدول الإفريقية، وللأسف فإنه لا تتوافر بيانات مؤكدة عن قيمة هذه الاستثمارات.

وفي أكتوبر الماضي أعلنت شركتا أبوظبي للاستثمار و(إس بي آي) القابضة اليابانية عن تأسيسهما شركة مشتركة لإدارة صندوق استثماري جديد مختص بالقارة الإفريقية وبقيمة إجمالية أولية تصل إلى 100 مليون دولار.

وإلى جانب ذلك تقوم مؤسسات التمويل الإنمائي العربية بدور بارز في تمويل التنمية في إفريقيا إما بصفة منفردة أو مشتركة كالمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا (1973م)، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية (1961م)، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (1967م)، وصندوق أبو ظبي للتنمية (1971م)، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية (1973م)، والصندوق السعودي للتنمية (1974م)، والبنك الإسلامي للتنمية (1975م)، وصندوق النقد العربي (1976م)، وصندوق أوبيك (1976م)، وقد قدمت هذه المؤسسات – حتى نهاية 2007م- ما يزيد على 12.6 مليار دولار لتمويل 1799 مشروعاً في قطاعات: النقل والاتصالات (5037 مليون دولار)، والطاقة (1555 مليون دولار)، وإمدادات المياه والصرف الصحي (1078 مليون دولار)، والزراعة وتربية الماشية(2017 مليون دولار)، والصناعة والتعدين (586 مليون دولار)، وقطاعات أخرى (2368 مليون دولار).

 مستقبل الاستثمارات العربية في إفريقيا

في ظل التدافع العالمي والخطط التي تعد للسيطرة على أسواق إفريقيا الواعدة ومواردها الطبيعية المتنوعة، وأيضاً في ظل تواضع الاستثمارات العربية في القارة الإفريقية، تبدو أهمية إيلاء الاستثمارات العربية في إفريقيا مكانها اللائق بها في الوقت الحالي وفي المستقبل بما يحقق شراكة عربية - إفريقية ذات نفع متبادل، تساهم فيها الحكومات جنباً إلى جنب مع المؤسسات الخاصة.

فإذا كانت الدول الإفريقية بحاجة إلى تنمية اقتصاداتها فإن الدول العربية أيضاً بحاجة إلى مثل ذلك، خاصة في ظل الأولويات العربية من تحقيق الأمن الغذائي العربي، وتدعيم الصناعة العربية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات العربية.

فالقارة السمراء لديها القدرة على تحقيق الأمن الغذائي العربي وسد الفجوة الغذائية العربية من خلال الاستثمارات التكاملية بين الدول العربية والدول الإفريقية في قطاعات الإنتاج الزراعي بما فيهاتوفير الموارد المائية الضرورية والبنية التحتية المصاحبة لهذا الإنتاج، حيث تستطيع الدول الإفريقية بفضل الاستثمارات العربية استغلال المزيد من المياه والأراضي الصالحة للزراعة غير المستعملة حالياً، الأمر الذي سيمكن الجانبين من رفع الإنتاج الزراعي لضمان الأمن الغذائي العربي والإفريقي بل التصدير لدول أخرى.

ويمكن للقارة السمراء بما تملكه من موارد طبيعية هائلة وقوى عاملة كبيرة توفير المواد الخام اللازمة للصناعات العربية الحالية والمستقبلية بأقل التكاليف، وفتح المجال للاستثمارات الإنتاجية في قطاعات النفط، والمعادن، والسياحة والنقل والاتصالات والكهرباء والتعليم والصحة وغيرها، مما يجعل من التنمية العربية في خدمة التنمية الإفريقية، ويفتح مجالاً لتوظيف الفائض المالي العربي في قطاعات ذات ربحية مناسبة، كما أن القارة السمراء بما تملكه من كثافة سكانية هائلة تعد سوقاً مستقبلياً واعداً ورائجاً للمنتجات العربية.

وأخيراً يبقى على عاتق المؤسسات الرسمية العربية، وفي مقدمتها جامعة الدول العربية، الدور الرئيسي في تحقيق الأمن النفسي والمادي للمستثمر العربي للتوجه باستثماراته نحو القارة السمراء، وذلك من خلال بيان ملامح وطريق الاستثمار العربي - الإفريقي ووضع الإرشادات اللازمة لذلك بتوفير المعلومات الضرورية للمستثمر العربيللاستثمارفي إفريقيا، ووضع الآليات اللازمة لتخفيض المخاطر الناجمة عن الاستثمار، وتوفير التمويل اللازم للاستثمارات الخاصة العربية، ومشروعات البنية الأساسية الإفريقية الضرورية لإنجاح الاستثمارات العربية، فضلاً عن التنسيق والتعاون بين المستثمرين العرب لتفادي المنافسة فيما بينهم وتمكينهم من منافسة المستثمرين الآخرين في هذه الأسواق الواعدة بصورة تعاونية تكاملية. 

مقالات لنفس الكاتب