; logged out
الرئيسية / تعمل الصين والسعودية على إنشاء محرك جديد للنمو يعزز المرونة الاقتصادية

العدد 193

تعمل الصين والسعودية على إنشاء محرك جديد للنمو يعزز المرونة الاقتصادية

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

تعود العلاقات الودية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي إلى ما يقرب من ألفي عام، استمرت خلالها التفاعلات بين شعوب المنطقتين بشكل متواصل على طول طريق الحرير القديم، مُستلهمين "حكمة الشرق" بشأن السلام، والوئام، ويعزى هذا النمو السريع للصدَاقة العريقة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي إلى الثقة المتأصلة المتبادلة، وتكامل المزايا التجارية، بجانب الجذور الثقافية المتشابهة والتضامن في أوقات الشدة. فلطالما أبدى الجانبان الخليجي والصيني احترامًا للمسيرة التنموية التي يتبعها أحدهما للآخر، كما يقفان دائمًا بحزم للدفاع عن مبدأ التعددية. علاوة على ذلك، فإن الدرجة العالية من التكامل تجعل الجانبين شركاء بالفطرة في التعاون. فعلى الصعيد الثقافي، ثمة شعور بالتعاطف والمؤازرة لدى الشعبين تجاه بعضهما البعض مدعومًا بالقيم والثقافة المماثلة والانتماء لُأسرة الحضارات الشرقية، فضلًا عن روابط الصداقة الوثيقة التي تجمع بين شعوب المنطقتين.

وفي ظل المناخ العالمي الراهن الذي تطغى عليه حالة من عدم اليقين إقليميًا ودوليًا، والتحديات القائمة بما في ذلك الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يقف الجانبان بثبات لمناصرة قيم العدالة، والإنصاف، والاستقامة.

استمرار الشراكة الخليجية-الصينية في النمو بناء على روابط الصداقة الممتدة بين شعوب المنطقتين.

يعتبر مجلس التعاون الخليجي واحدًا من أهم التكتلات الإقليمية على مستوى العالم العربي. إذ يعود تاريخ إنشاء المجلس إلى عام 1981م، وستحتفل الدول الأعضاء العام المقبل بحلول الذكرى 43 لإنشائه. ومن جانبها، أولت الصين أهمية كبيرة لعلاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي وكافة الدول الأعضاء، وحرصت على الحفاظ على تبادلات مهمة وكبيرة مع المجلس منذ أن أبصر النور. وعلى مدار أربعة عقود ماضية، واصلت علاقة الصداقة الخليجية ــ الصينية النابضة بالحياة وطويلة الأمد نموها، لتُجسد نموذجًا في التضامن، والدعم المتبادل، والتعاون المربح للجانبين. ففي يونيو 2010م، قامت الصين ومجلس التعاون الخليجي بإنشاء آلية للحوار الاستراتيجي وتم عقد أول حوار في العاصمة الصينية بكين، في حين أُقيمت النسختان الثانية والثالثة من الحوار بمدينة أبو ظبي وبكين على التوالي. وفي يناير 2022م، قام الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في ذلك الوقت نايف فالح بزيارة إلى الصين والتي شهدت إصدار بيان مشترك لوزارة الشؤون الخارجية الصينية والأمانة العام لمجلس التعاون، توصل خلاله الجانبان إلى سلسلة من الاتفاقيات المهمة-في مقدمتها حشد الجهود لإقامة شراكة استراتيجية بين الصين ومجلس التعاون الخليجي. إلى جانب التوقيع على خطة عمل بشأن مواصلة الحوار الاستراتيجي واستكمال المفاوضات حول اتفاقية للتجارة الحرة بين الجانبين في وقت مُبكر من أجل إنشاء منطقة للتجارة الحرة، بالإضافة إلى إجراء النسخة الرابعة من الحوار الاستراتيجي المشترك بالرياض في موعده المناسب.

ومن الجانب الخليجي، تتخذ دول مجلس التعاون خطوات ملموسة لإحداث تحول كبير، وعلى مدى الأعوام الماضية صاغت البلدان الخليجية رؤى تنموية من أجل عصر " ما بعد النفط". ذلك إلى جانب عملها الدؤوب من أجل إجراء إصلاحات داخل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. واستلهامًا للإجراءات التحويلية التي تقودها المملكة العربية السعودية، شرعت دول المجلس الخليجي في جولة جديدة من الإصلاحات والابتكارات وطرحت رؤى مستقبلية مُصاغة وفقًا للظروف والمعطيات الداخلية الخاصة بكل دولة، بما في ذلك: "رؤية المملكة 2023"و " مئوية الإمارات 2071، و"رؤية عمان 2040"، و" رؤية الكويت 2035”، و "رؤية قطر الوطنية 2030".

ورغم أن هذه الإصلاحات جاءت مدفوعة في المقام الأول بانخفاض أسعار النفط العالمية، إلا أنها أضحت تُغذيها الآن الرغبة في تسريع وتيرة التحول الطاقي تحت أهداف " الكربون المزدوج". ويمارس قادة الخليج الشباب الحريصون على احتضان التغيير، على رأسهم ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، والشيخ محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، دورًا حاسمًا كقوة دفع داخلية تقود نحو الإصلاح. كما ساهم هؤلاء القادة في الوصول بسياسة "تقليص الاعتماد على النفط" إلى مستوى استراتيجي وطني، مما يدل على أن دول مجلس التعاون الخليجي تخضع لتحولات شاملة من منظور استراتيجي وطني، عوضًا عن مجرد تطبيق تحول اقتصادي من منظور جزئي يستهدف إعادة الهيكلة الصناعية. وقد أدى هذا التقدم المحرز إلى إثراء الشراكة الاستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.

التعاون الخليجي / الصيني شامل الأبعاد حقق نتائج مثمرة منذ انعقاد القمة الصينية-الخليجية لاسيما في مجالات العلوم والتكنولوجيا والثقافة.

في ديسمبر من عام 2022م، عُقدت القمة الخليجية-الصينية بنجاح في الرياض، أعقب ذلك إصدار الجانبين بيان مشترك وخطة عمل "2023-2027" لإقامة حوار استراتيجي بين الصين ودول المجلس. استرشادًا بهذه الوثائق الختامية، أثمرت الشراكة بين بكين ومجلس التعاون العديد من الإنجازات على مدار العام الماضي. بعيدًا عن التعاون القوي والراسخ في المجالات التقليدية مثل؛ الاقتصاد، والتجارة، والطاقة، وحقق الجانبان تقدمًا في مجال الاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي مما يساهم في ضخ دماء جديدة إلى الجهود الرامية إلى بناء مجتمع ذو مصير مشترك للدول العربية والصين في العصر الجديد.

في الوقت ذاته لا يزال التعاون المشترك بين الجانبين في مجالات الاقتصاد، والتجارة، والطاقة محتفظًا بزخم قوي وثابت. إذ يعد كبار منتجي النفط في الخليج شركاء رئيسيين للصين داخل المنطقة العربية، مع تبوؤ السعودية والإمارات المركزين الأول والثاني كأكبر شركاء تجاريين لبكين على مدى فترات طويلة. وفي عام 2021م، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والمملكة العربية السعودية نحو 87.3 مليار دولار بما يشكل 26.4% من إجمالي التجارة الصينية-العربية. في حين بلغ التبادل التجاري مع دولة الإمارات 72.36 مليار دولار بما يمثل 21.9% من إجمالي التجارة بين بكين والدول العربية.

وفي عام 2022م، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي 315.8 مليار دولار، حيث بلغ إجمالي الصادرات الصينية 106.79 مليار دولار، مقابل واردات بقيمة 209.01 مليار دولار. وفي الفترة من يناير إلى أغسطس 2023م، بلغ حجم التجارة بين الجانبين 188.88 مليار دولار، حيث بلغت صادرات الصين 74.12 مليار دولار، ووصل إجمالي وارداتها إلى 114.76 مليار دولار. كذلك استوردت الصين 211 مليون طن من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2022م، و138 مليون طن في الفترة من يناير إلى أغسطس 2023م.

 

بناء على البيانات سالفة الذكر، بات واضحًا أن هناك درجة عالية من التكامل في مزايا التجارة بين الصين ودول الخليج. فمن ناحية، تنعم الصين بمنظومة صناعية كاملة مع مجموعة غنية ومتنوعة من السلع وهو ما يساهم في زيادة صادراتها بشكل مستمر إلى البلدان العربية. على الجانب الآخر، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمصادر وفيرة من النفط والغاز تجعلها أكبر مَصادر النفط الخام عالميًا للواردات الصينية. بالتالي، فقد حقق الجانبان تكاملاً متبادل المنفعة من خلال التجارة. 

في 22 من أكتوبر عام 2023م، ُعقد اجتماع وزراء الاقتصاد والتجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بمدينة جوانزو. ومن خلال التركيز على تنفيذ المبادرات الاقتصادية والتجارية التي نصت عليها القمة الصينية الخليجية الأولى، توصل الجانبان إلى توافق واسع النطاق حول قضايا مثل: الحماية المشتركة للنظام التجاري متعدد الأطراف، وتعزيز الاستثمار في الاتجاهين، وتعميق التعاون في سلاسل التصنيع والإمداد، وتحسين العلاقات التجارية، ورفع مستوى الربط والاتصال، وتدعيم عملية التحول الطاقي. عقب الاجتماع، تبنى وزراء الاقتصاد والتجارة في الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بيانًا مشتركًا بشأن توطيد أواصر التعاون الاقتصادي والتجاري، تم من خلاله صياغة خطة جديدة لشكل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في العصر الجديد.

في السياق ذاته، حرصت بكين ومجلس التعاون الخليجي على تعميق تعاونهما المشترك في مجال التكنولوجيا المبتكرة، مما يُغذي تسريع عملية التحول الرقمي داخل البلدان الخليجية. وعلى مدار العام الماضي، عمد الجانبان إلى استكشاف آفاق التعاون في مجالات البيانات الكبيرة، والحوسبة السحابية، وتشييد المدن الذكية. وخلال مؤتمر "ليب" التقني الذي استضافته وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية في فبراير 2023م، اجتذب جناح الشركة السعودية للحوسبة السحابية نحو 83 ألف زائر، ليصبح واحدًا من أكثر الأكشاك إقبالًا ورواجًا. وتعتبر "الشركة السعودية للحوسبة السحابية" مشروعًا صينيًا -سعوديًا مشتركًا تم تأسيسه في مايو 2022م، عبر شراكات قوية تشمل مجموعة "إس تي سي"، "إي دبليو تي بي أرابيا كابيتال وشركة " كلاود علي بابا" الصينية المتخصصة في الحوسبة السحابية، والشركة السعودية للذكاء الاصطناعي، والشركة السعودية لتقنية المعلومات. بالتالي، فإن الطريق السريع للمعلومات يقود التحول الرقمي داخل دول مجلس التعاون الخليجي. فقد أعلنت شركة "تشاينا موبايل إنترناشيونال المحدودة"(سي إم آي) في مارس 2023م، عن النجاح في إنشاء نقطة ارتباط لها داخل مسقط في سلطنة عمان. ويعد المشروع، الذي يقع في مدينة برقاء القريبة من خليج عمان، ثاني نقطة ارتباط للشركة الصينية " سي إم آي" داخل البلاد. ومن المقرر أن يخدم المشروع، عقب تشغيله، في تحسين الربط الإقليمي بشكل كبير وتطوير عمان لتصبح واحدة من المراكز الإقليمية التي تتيح اتصالًا سلسًا بالأسواق العالمية الرئيسية والعملاء.

على الصعيد الثقافي، لطالما شهدت المبادلات الثقافية بين الصين والدول الخليجية انتعاشًا وهو الأمر الذي ساعد في تعميق التفاهم المتبادل. فمن جانبها، وقعت بكين على عدد من اتفاقات التعاون الثقافية على مستوى الحكومات مع كافة دول مجلس التعاون الخليجي الست. جدير بالذكر أن كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات أدرجت تدريس اللغة الصينية ضمن أنظمة التعليم الوطنية لديها. ويمثل هذا القرار الاستراتيجي خطوة عظيمة في سياق الشراكة الراسخة بين الجانبين، كما يحظى باهتمام كبير من الجانبين. ويؤكد ذلك الدور الأساسي لتعلم اللغة ضمن التعاون التعليمي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، كما يسلط الضوء على الموقع الاستراتيجي للتبادلات التعليمية.

في ديسمبر من عام 2022م، حدد الزعيم الصيني تشي جين بينغ، خلال كلمته الرئيسية أمام القمة الخليجية-الصينية، خمسة مجالات ذات أولوية للتعاون بين الصين ومجلس التعاون الخليجي خلال الفترة ما بين 3 إلى 5 أعوام مقبلة. من بين ذلك؛ تسليط الضوء على مشروع إنشاء المكتبة ثنائية اللغة من أجل التبادلات الشعبية، والثقافية، والتعلم المتبادل باعتباره أحد المشروعات الرئيسية للتعاون اللغوي والثقافي بين الجانبين. وفي 7 من ديسمبر 2023م، أُقيم حفل إطلاق المكتبة ثنائية اللغة في بكين حيث تم الكشف عن ستة كتب. ومن خلال الكلاسيكيات التي تم الكشف عنها، عُرض التراث الثقافي الغني الذي تتمتع به الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك "كتاب الأغاني"، الذي يعد من روائع الأدب الصيني، إلى جانب أعمال خليجية معاصرة عظيمة مثل "ماما زبيدة". شمل الاختيار أيضًا عرض إصدارات مثل كتاب "《الحزام والطريق: المنفعة المتبادلة والفوز المشترك الإقليميان في إطار التداول المزدوج للقيمة العالمية》"، الذي يسلط الضوء على إنجازات مبادرة الحزام والطريق. إلى جانب إصدارات تعكس التفاهم المتبادل والتبادلات بين الحضارات الصينية والعربية مثل "الصين في عيون الكتّاب العرب في العصر الحديث"، و"التبادل والتكامل بين الحضارتين الصينية العربية — من منظور فلسفتي الوسطية والتوفيقية". ويعتقد العلماء والأكاديميون الذين حضروا الاحتفال أن إنشاء مكتبة ثنائية اللغة من شأنه تلبية احتياجات تعميق التعاون والتبادلات الثقافية بين شعوب المنطقتين. كذلك سيسهم في توفير موارد تعليمية لغوية وثقافية شاملة وعالية الجودة وتحقيق تكامل معرفي مَنهجي لدول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي الأوسع.

إن التعاون العملي بين الصين والمملكة العربية السعودية يعكس التآزر بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية المملكة 2030.

حافظت الصين، باعتبارها الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، على تعاون وثيق مع المملكة عبر مختلف المجالات. إذ تجاوز حجم التجارة الثنائية بين الجانبين في عام 2022 نحو 100 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 33%. كما وقع الجانبان خلال انعقاد القمة الصينية-الخليجية على خطة تنفيذ للتآزر بين مبادرة الحزام والطريق ورؤية 2030. واستنادًا إلى التوافق الكبير الذي توصل إليه القادة، تقترح الخطة أن يقوم الجانبان السعودي والصيني بتعزيز التعاون في مختلف المجالات مثل: البنية التحتية، والإنتاج، والطاقة، والتجارة، والاستثمار، والتمويل، والتبادلات الشعبية، وإقامة منطقة خاصة للتنمية وهي– مدينة جازان الصناعية للصناعات الأولية والتحويلية. وخلال العام الماضي، بذلت الصين والمملكة العربية السعودية جهودًا مشتركة لتنفيذ الخطة، مما أثمر عن تحقيق إنجازات في ظل توافق عميق بين المبادرتين.

باعتبار مدينة "نيوم" أحد المشروعات الرئيسية لرؤية المملكة 3030، فقد وُصفت من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنها ستكون "مكانًا للحالمين". حيث تتشكل هذه المدينة المستقبلية العملاقة على شواطئ البحر الأحمر. وقد فازت شركة "هندسة البناء الحكومية الصينية" بالعقد الأول لتولي مشروع حفر الأنفاق في مدينة نيوم، الذي يعد عنصرًا حاسمًا لشبكة النقل داخل مدينة المستقبل. يمثل هذا المشروع أكبر مبادرة للنقل والبنية التحتية العامة داخل المملكة العربية السعودية ويعتبر بمثابة مشروع تجريبي لمشروع "ذا لاين"، الذي يشكل ثورة في شكل الحياة الحضرية بمدينة "نيوُم". وقد طرحت الشركات الصينية المشاركة في هذا المشروع الضخم مفاهيم التنمية الخضراء الموفرة للطاقة والصديقة للبيئة.

تضطلع الشركات الصينية بدور نشط أيضًا داخل قطاع التصنيع بالمملكة العربية السعودية. وفي مايو 2023م، وقعت شركة "باوستيل" الصينية اتفاقية المساهمين مع شركائها السعوديين لبناء مشروع مشترك لتصنيع ألواح الصلب. ومن المتوقع أن يخدم هذا المجمع المتكامل بشكل أساسي الصناعات الاستراتيجية داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك صناعة النفط، والغاز، وبناء السفن، والهندسة البحرية.

وفي يونيو 2023م، عقد مؤتمر الأعمال العربي-الصيني في نسخته العاشرة وندوة الاستثمار الثامنة لمنتدى التعاون العربي الصيني في مدينة الرياض. وقد أعربت الرياض عن استعدادها لأن تصبح بوابة الصين على العالم العربي وأن تساهم في بناء طريق حرير جديد يربط بين الصين والدول العربية. يتماشى هذا الالتزام مع الرؤية المستقبلية التي يتبناها الجانب السعودي والتي تتميز بالتنويع الاقتصادي واستخدام التقنيات الحديثة في تدعيم مهارات الشباب. في السياق ذاته، توضح مبادرة طريق الحرير الأخضر أهمية الاستدامة البيئية، والتنمية الخضراء، والتعاون الأيكولوجي(البيئي)، مع هدف معالجة التحديات البيئية، وإعلاء الطاقة النظيفة، وحماية التنوع البيئي وتسهيل التنمية المستدامة للدول الواقعة على طول مبادرة الحزام والطريق. فيما يركز طريق الحرير الرقمي على استخدام التقنيات الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبنية التحتية للاتصالات، ومنصات التجارة الإلكترونية لتعزيز الاتصال والنمو الاقتصادي والتعاون الرقمي بين البلدان المشاركة.

في 3 سبتمبر 2023م، أعلنت بورصة شنغهاي التوقيع على مذكرة تفاهم مع مجموعة "تداول السعودية " من أجل استكشاف فرص الإدراج المشترك، والتكنولوجيا المالية، والبيئة، والحوكمة البيئية والاجتماعية، وتبادل البيانات، والبحوث، بالإضافة إلى تعزيز التنوع والشمول في كلا السوقين. وفي حين تعمل البُورصتان السعودية والصينية على تطوير البنية التحتية داخل السوقين، تركزان في الوقت ذاته على تسهيل الإدراج المزدوج للشركات، وصناديق الاستثمار المتداولة، وتبادل المعرفة فيما يتعلق بعلاقات المستثمرين. وفي نوفمبر 2023م، وقع بنك الشعب الصيني (المركزي الصيني)، ونظيره السعودي اتفاقية ثنائية لتبادل العملات بقيمة إجمالية تصل إلى 50 مليار يوان صيني، ما يعادل 26 مليار ريال سعودي. وتعتبر هذه الاتفاقية سارية لمدة 3 أعوام قابلة للتجديد شريطة موافقة الجانبين. من شأن هذه الاتفاقية أن تدعم التعاون المالي بين الصين والمملكة العربية السعودية، وأن تساعد على توسيع نطاق استخدام عملتي البلدين، وتعزيز التبادل التجاري، وتسهيل سبل الاستثمار.

في 7 من ديسمبر 2023م، وقعت حكومة منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة ووزارة الاستثمار السعودية مذكرة تفاهم من أجل تعزيز التعاون بين البلدين وتشجيع الاستثمار بينهما ودعم الاستثمار المباشر من خلال التشجيع على تبادل الزيارات، والخبرات، وتنظيم الفعاليات مثل الاجتماعات والمؤتمرات، فضلا عن تبادل المعلومات المتعلقة بمناخ الأعمال والاستثمار.

على صعيد المبادلات الثقافية، يواصل التعاون السعودي -الصيني تحقيقه نقاط جيدة. حيث طرحت وزارة التعليم السعودية سلسلة من التدابير التحفيزية لتشجيع تعلم اللغة الصينية بغية تدعيم تعلُمها بشكل أفضل. كما سيتم تضمين المشاركة في دورات تعلم اللغة الصينية تحت بند الخدمة التطوعية. وعند استكمال الدورات، سيحصل الطلاب على 10 ساعات تطوعية إضافية، كما سيتم تكريم الطلاب الخمسة الأوائل الحاصلين على أفضل أداء أكاديمي من قبل المدرسة، واختيار الطلاب المتفوقين للقيام برحلة دراسية إلى الصين كمكافأة لهم. وفي 4 يونيو 2023م، تم الافتتاح الرسمي لمعهد "كونفوشيوس"-الذي تم بناؤه بشكل مشترك بين جامعة الأمير السعودية وجامعة شنتشن الصينية-في مدينة الرياض إيذانا ببدء عمليات أول معهد من نوعه داخل المملكة. من شأن هذه الخطوة أن تساعد على توطيد العلاقات بين شعبي البلدين والتبادلات الثقافية فيما بينهما وهو أفضل سبيل من أجل تعزيز التفاهم المشترك بين الشعبين.

 

تعتبر المملكة العربية السعودية من أهم مصدري الطاقة عالميًا وعضوًا بمجموعة العشرين. وبصفتها شريكًا استراتيجيًا وصديقًا مخلصًا، تشعر الصين بسعادة حيال الجهود الحثيثة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، من أجل تحقيق رؤية 2030 والتي أثمرت عن إنجازات كبيرة على صعيد الإصلاحات الاقتصادية ومساعي التنويع الاجتماعي. حيث حظيت مبادرات التنمية الكبرى مثل المبادرة الخضراء في السعودية والشرق الأوسط باهتمام عالمي. فيما تواصل المملكة صعودها وكسب مزيد من النفوذ على صعيد السياسة العالمية، والاقتصاد، والطاقة. في الوقت ذاته، تحظى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة باعتراف عالمي كنموذج للتعاون الدولي ونموذج للتعاون بين بلدان الجنوب. تتيح الحالات المذكورة أعلاه لمحة عن النتائج المثمرة للتعاون الثنائي بين المملكة العربية السعودية والصين خلال العام الماضي.

 

ومع تضافر الجهود المشتركة، تسير الدولتان نحو تحقيق رؤية تنموية مشتركة والعمل جنبًا إلى جنب من أجل مستقبل أفضل، وهو ما يمثل ممارسة فعلية لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. وقد نجحت المملكة العربية السعودية في التقدم بعرض لاستضافة معرض إكسبو العالمي 2030 م، تحت شعار "عصر التغيير: معا من أجل غد مستنير"، وهو ما يتردد صداه ضمن رؤية المملكة 2030 ويسهم في إثراء مضمونها. وخلال معرض "إكسبو شنغهاي العالمي" 2010، كان الجناح السعودي الذي ضم سفينة" كنز طريق الحرير" التي صنعتها المملكة العربية السعودية واحدًا من الأجنحة الأكثر رواجًا وشعبية، ولا يزال يجذب العديد من الزوار خلال الوقت الحاضر. وفي العام المقبل، ستعمل الصين ودول مجلس التعاون الخليجي ممثلة بالمملكة العربية السعودية، على تعزيز التعاون الشامل لتعزيز تطوير البنية التحتية، والآليات المؤسسية المبتكرة، وإنشاء محرك جديد للنمو الاقتصادي، ونمو العمالة، وتعزيز الحيوية والمرونة الاقتصادية الداخلية. وسيواصل الجانبان الاعتزاز بعلاقَاتهما الثنائية العريقة، ودعم بعضهما البعض بقوة، والسعي إلى التنمية من خلال شراكة قوية. حيث تتشارك دول الجنوب العالمي المسؤولية في إحداث التنمية، فيما يظل إقامة نظام دولي عادل ومنصف والسعي لتحقيق السلام والتنمية أهدافاً مشتركة للبشرية جمعاء.

مقالات لنفس الكاتب