; logged out
الرئيسية / ق إثيوبيا وأرض الصومال بضوء أمريكي وتواجد إثيوبيا بجوار القاعدة الأمريكية في جيبوتي بالتوافق

العدد 195

ق إثيوبيا وأرض الصومال بضوء أمريكي وتواجد إثيوبيا بجوار القاعدة الأمريكية في جيبوتي بالتوافق

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

 يشغل البحر الأحمر جزءًا من الأخدود الإفريقي العظيم، تبلغ مساحته 438,000 كم2. وبطول يصل إلى 1900 كم، وأوسع نقطة فيه تبلغ 355 كم، وأقصى عمق 2,211 متراً، أما متوسط العمق فيبلغ 490 متراً. ومع ذلك، هناك أيضاً أرصفة ضحلة واسعة النطاق يوجد فيها الكثير من الكائنات البحرية والشعاب المرجانية.

       يتمتع البحر الأحمر بموقع جغرافي واستراتيجي مهم لأنه ملتقى ثلاث قارات (إفريقيا – آسيا – أوروبا) وهو حلقة وصل بين ثلاث مناطق إقليمية (الشرق الأوسط – القرن الإفريقي والمحيط الهندي – منطقة الخليج العربي)، وتطل عليه 8 دول منها 6 دول عربية (المملكة العربية السعودية – اليمن – مصر – السودان – الأردن – جيبوتي) ودولتان أخريان هما (الكيان الصهيوني وإريتريا) وتقع 4 دول منها في قارة إفريقيا (مصر – السودان – جيبوتي – إريتريا) والأربع دول الأخرى في آسيا (السعودية – اليمن – الأردن – الكيان الصهيوني). ويستمد البحر الأحمر أهميته الاستراتيجية من موقعه الجغرافي الذي وفر للقوى الإقليمية والدولية إمكانية الوصول إلى المحيطين الهندي والأطلنطي عبره وزادت هذه الأهمية بعد اكتشاف النفط في دول الخليج العربي.

أما امتداد أطوال السواحل على الجانبين فيبلغ حوالي 4910.4 كم مقسمة كالاتي:

-         1890 كم في السعودية بنسبة 33.9%.

-         1425 كم في مصر بنسبة 25.5%.

-         717 كم في السودان بنسبة 12.8%.

-         442 كم في اليمن بنسبة 8.11%.

-         40 كم في جيبوتي بنسبة 0.7%.

-         17 كم في الأردن بنسبة 0.5%.

-         11.2 كم في فلسطين المحتلة بنسبة 0.2%.

 

البحر الأحمر  ذو موقع جغرافي يتوسط بين جناحي العالم العربي، ويتوسط البحار والمحيطات الشرقية والغربية، ويقع بالقرب من أهم منابع النفط في العالم ويعد أهم الشرايين البحرية في عالمنا المعاصر إذ تمثل حرية الملاحة فيه مصلحة دولية وإقليمية كبرى، بالإضافة إلى أنه يزخر بالثروات الغذائية والمعدنية ومصادر الطاقة والصناعة والسياحة، ويمثل أهمية كبرى للأمن القومي العربي ، ومن ناحية أخرى فإن منافذ البحر الأحمر الثلاثة (جوبال وتيران وباب المندب) بالإضافة إلى قناة السويس جميعها تقع في مياه إقليمية عربية مما يتيح للأقطار العربية، في حال اتفاقها، أن تقيد حركة مرور السفن المعادية التي قد تشكل تهديدًا للأمن القومي لدول المنطقة استنادًا إلى القانون الدولي للبحار .

  أهمية البحر الأحمر يمكن أن ينظر اليها من جانبين:

الأول -هو الجانب الاستراتيجي العسكري الأمني حيث يتميز بتغلغله أو تجاوره مع عدة مناطق بالغة الأهمية هي: الشرق الأوسط، منطقة الخليج العربي، القرن الإفريقي، بالإضافة إلى المحيط الهندي والبحر المتوسط، أما الجانب الثاني - فهو اقتصادي فحركة الملاحة في البحر الأحمر تمثل المصدر الأساسي للدخل في اليمن, ومصدرًا هامًا للدخل في الصومال وجيبوتي، و يتصدر قائمة بحار العالم لما يحتوي في باطنه من معادن مثل الحديد، المغنسيوم وغيرها، تتشبع بها صخور قاع البحر الأحمر، هذا فضلاً عن النفط والغاز الطبيعي بالإضافة  إلى المرجان والطحالب، وجميعها يمكن أن تسهم في إنشاء صناعات متعددة تقام على الشواطئ المطلة عليه، هذا إلى جانب أهميته كطريق للنقل البحري وبالذات النفط، ومن هنا فإن أمن البحر الأحمر ينبغي أن يكون أحد قضايا ومشاغل الفكر الاستراتيجي العربي الرئيسية.

       وتكمن أهمية البحر الأحمر كذلك في كونه يمثل نظامًا فرعيًا من إقليم الشرق الأوسط المضطرب بالأزمات السياسية والعسكرية التي تهدد حالة الاستقرار الأمني والسياسي في دول هذه المنطقة، وكما حدده "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي الأمريكي  الأسبق، فهو القوس الذي يضم الشرق الأوسط والقرن الإفريقي ومنطقة المحيط الهندي كما يقع ضمن الإطار الجيوبولوتيكي لمنطقة الخليج العربي الاستراتيجية،  ولذا فللبحر الأحمر أهمية استراتيجية للأمن القومي العربي في ثلاث دوائر (الأمن العربي – الأمن الإفريقي- الأمن العالمي) مركزها القرن الإفريقي.

ويعد البحر الأحمر قناة الوصل بين البحار والمحيطات المفتوحة، ومن هنا تتزايد أهميته الاستراتيجية أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا، فهو الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي إلى الأسواق العالمية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحتاج أوروبا إلى نقل حوالي 60% من احتياجاتها من الطاقة عبر البحر الأحمر ونقل 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة.

                                 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                 

الخارطة السياسية للبحر الأحمر

 

                              

منطقة القرن الإفريقي:

يقصد بمنطقة القرن الإفريقي، المنطقة التي تقع شرقي قارة إفريقيا والتي تشمل كلاً من الصومال وإثيوبيا وارتيريا وجيبوتي والتي تشرف على جنوبي البحر الأحمر وخليج عدن (عدا إثيوبيا الدولة الداخلية)، وتقدر مساحة القرن الإفريقي بمفهومه الضيق (الصومال، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا) نحو 1.9 مليون كيلومتر مربع. ويبلغ عدد سكانها نحو 151 مليون نسمة وفقًا لتقديرات عام 2023م.

   

                                         خارطة منطقة القرن الإفريقي

تبلغ مساحة الصومال 637540 كم2 وتطل السواحل الصومالية التي يبلغ طولها 3025 كم على كل من خليج عدن من الشمال ومضيق جواردفوي من الشمال الشرقي والمحيط الهندي في الشرق، ووصل عدد سكانها في عام 2023م، حوالي 17.3 مليون نسمة. توقفت المساعدات بشكل كبير عن الصومال منذ تعرضها لتدخل دولي مأساوي ودموي أوائل التسعينيات.

وقد أعلنت أرض الصومال (صوماليلاند) انفصالها عن الصومال في 18 مايو 1991م، والتي لم يعترف بها أية دولة أو منظمة دولية، وعاصمتها هرجيسا، مساحتها 284899 كم2 وعدد سكانها 4 مليون نسمة تمتلك ساحلًا طويلًا على خليج عدن بطول 740كم.

          تعتبر إريتريا واحدة من أكثر دول العالم اعتمادًا على الدول المانحة للمساعدات، تبلغ مساحتها117600  كم2 وعدد سكانها 8 مليون نسمة (2023م) طول ساحلها على البحر الأحمر 1000كم  ، اللغة التغرينية هي اللغة الرسمية والقومية فيها ، والتي هي من اللغات السامية الجنوبية التي تنتشر في شرقي إفريقيا .

أما إثيوبيا التي تبلغ مساحتها   1112000كم2 وعدد سكانها 121مليون نسمة (2023م) نسمة، نسبة المسلمين منهم 36%. وهي دولة داخلية بدون سواحل بحرية، وتشكل نسبة مساعدات التنمية الأوروبية ثلث ميزانيتها السنوية، وقد تحولت من بلد فقير شهد سلسلة مجاعات أودت بحياة أكثر من مليون إنسان، حيث سجل فيها منذ سنوات أسرع معدل نمو عالمي من المجاعات، ورغم انها كانت عام 2000م، ثاني أفقر بلاد العالم، إلا أن ناتجها القومي نمى من نحو سبعة مليارات دولار عام 1994م، إلى قرابة 62 مليارًا عام 2016م.

اما جيبوتي التي تقع على الجانب الغربي لمضيق باب المندب، تبلغ مساحتها 23200كم2 وعدد سكانها مليون نسمة (2023م) ولها ساحل بحري بطول 372 كم.

المخاطر والتحديات التي تواجه الملاحة والأمن الإقليمي في البحر الأحمر:

تتعرض الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن هذه الأيام إلى تهديدات من قبل الحوثيين والتي بدأت منذ 19 نوفمبر 2023م، بالاستيلاء على سفينة مملوكة من قبل بريطانيا، وقد أعلنت جماعة الحوثي أن إطلاق الصواريخ والمسيرات يأتي تأييدًا للقضية الفلسطينية، وأن إيقاف هذه التهديدات مرهون بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والسماح بدخول الإمدادات الإنسانية إلى القطاع. 

إن هذه الأعمال في حقيقتها لصيقة بسعي الحوثين إلى أحداث التغيير القسري المذهبي الذي تمارسه إيران في اليمن، تطبيقًا لأيدولوجية (ولاية الفقيه) والتي استطاعت بموجبها عن طريق مجموعات تسير حسب ما تريد من تحقيق خروقات في بنية مجتمعات في كل من العراق وسوريا ولبنان.

إننا في الوقت الذي ندين فيه الاعتداءات الصهيونية على الشعب الفلسطيني وخاصة ما قامت به من مجازر بشعة ضد المدنيين نصفهم من الأطفال والنساء ومن جرف البيوت وهدمها فوق رؤوس ساكنيها بالصواريخ وبتأييد أمريكي، يمكن القول إن أعمال الحوثيين في البحر الأحمر، رغم توقف السفن التجارية من الإبحار نحو ميناء إيلات عبر البحر الأحمر إلا إنه يصب في صالح إيران لأن الأخيرة ترغب في السيطرة على مضيق باب المندب.

 أما الحجة بأنها موجهة ضد إسرائيل ونصرة لغزة، فهذا لا يتوافق مع قيام الرئيس الأمريكي جو بايدن من رفع اسم الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية في العالم وبذات الوقت يسعون إلى تشكيل تحالف دولي لحماية السفن في البحر الأحمر. رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي برقم 2624 لعام 2022م، يعد جماعة (أنصار الله) الحوثية جماعة إرهابية. وأخيرًا قرر بايدن أن يتراجع عن قراره هذا ويعلن أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعيد أدراج جماعة أنصار الله على لائحة الإرهاب اعتبارًا من منتصف شهر فبراير 2024م، مما يشير إلى أن أمريكا لا تفكر إلا بمصالحها دون الأخذ بأية اعتبارات أخرى.

انعكاسات المخاطر والتحديات على حركة التجارة العالمية:

إن تعطيل حركة الملاحة الآمنة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب (مدخله الجنوبي) يؤدي إلى العديد من النتائج منها:

1-ارتفاع تكاليف النقل لأن العديد من شركات النقل البحري العملاقة حولت مسارات سفنها باتجاه رأس الرجاء الصالح مما يزيد مدة الإبحار إلى ما بين 10-12 يومًا لكي تصل إلى الموانئ التي تقصدها.  وهناك شركات علقت مرور سفنها عبر مضيق باب المندب إلى حين ضمان سلامة الملاحة في الممر ومنها شركات شحن بحري رئيسية مثل "ميرسك" الدنماركية و"هاباغ-ليود" الألمانية و"سي إم آيه سي جي أم" الفرنسية و"بريتيش بتروليوم" البريطانية

2-ارتفاع تكاليف التأمين على السفن التي تعبر البحر الأحمر إلى الضعفين مما يزيد من أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية خاصة في الدول النامية وعلى الأخص في اليمن الذي يستورد 90%من احتياجات السكان الغذائية والاستهلاكية والوقود.

3-ارتفاع أسعار البترول والمواد الخام المعدنية مما يضيف تكاليف على المنتجات الصناعية في العالم.

هل يستطيع تحالف (حارس الازدهار) فرض الأمن في المجرى الملاحي؟

يضم تحالف "حارس الازدهار" كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وإسبانيا، والبحرين، وجزر السيشل، واليونان، وأستراليا فيما رفضت 8 دول على الأقل الكشف عن مشاركتها علنا بسبب الحساسيات السياسية للعملية مع استمرار حرب غزة

وبدلًا من أن تسعى واشنطن لوقف الحرب ورفع الحصار عن سكان غزة، تحشد أكبر عدد ممكن من الدول لحماية إسرائيل وتجارتها البحرية، لأن الحوثيين أعلنوا أنهم لا يستهدفون الملاحة الدولية في المنطقة باستثناء السفن التجارية المتجهة للموانئ الإسرائيلية. وهذا التحالف هو عبارة عن إجراء مؤقت من قبل الولايات المتحدة يشبه من يهتم بمعالجة الأعراض ويترك الداء يستفحل.

        في فجر يوم 12 يناير 2024م، وجهت ضربة صاروخية وجوية من قبل أمريكا وبريطانيا إلى الحوثيين في (صنعاء والحديدة وحجة وتعز) أعلن أنها أصابت مواقع لإطلاق الصواريخ والمسيرات والرادارات، وبمساعدة غير عملياتية من قبل كندا وأستراليا وهولندا والبحرين وأعلن أن هذه العملية لا تدخل ضمن عمليات تحالف حارس الازدهار، وتوالت الضربات بين الجانبين في الأيام التي تلتها. وهذا يمثل إجراء لا جدوى منه في فرض الأمن وإنهاء الهجمات على المجرى الملاحي المهم، فلا هجمات الحوثيين على السفن توقفت لان في ذلك مصلحة لإيران التي تريد خلط الأوراق لعل ذلك يحدث حلحلة ما في ملفها النووي أو تخفيفًا للحصار المفروض عليها، ولا توجيه ضربات لمواقع الحوثيين في اليمن خفت.

       هناك دول عربية مثل مصر والسعودية والإمارات العربية أحجمت عن المشاركة في تحالف هدفه الحقيقي حشد الدعم العسكري لإسرائيل في حربها على غزة ولو بشكل غير مباشر، ومحاولة كسر العزلة الدولية التي تعاني منها تل أبيب بسبب جرائم الحرب التي ترتكبها في غزة، وتجلى ذلك في تصويت مجلس الأمن عدا أمريكا التي استعملت حق النقض ضده والجمعية العامة للأمم المتحدة. (وهذا موضوع يحتاج إلى مقالة منفردة لتوضيح الأسباب والنتائج)

تداعيات الاتفاقية بين إثيوبيا ودولة أرض الصومال:

       تم توقيع مذكرة تفاهم بين إثيوبيا ودولة أرض الصومال الانفصالية في الأول من يناير 2024م، تضمن لإثيوبيا الحصول على منفذ بحري باستخدام ميناء بربرة، وقد أعلنت وزارة خارجية أرض الصومال في بيان لها أن الاتفاق "يضمن لإثيوبيا وصول قواتها البحرية إلى البحر، مقابل الاعتراف الرسمي بجمهورية أرض الصومال"، حيث سيؤجر إقليم أرض الصومال الانفصالي لإثيوبيا شريطًا ساحليًا بطول 20 كيلومترًا لمدة 50 عامًا، وقوبلت المذكرة بغضب شديد من مقديشو التي تعدّ إقليم أرض الصومال الانفصالي ولاية تابعة لبلادها وأنها "لن تقبل أن تؤخذ قطعة من أرض بلادها "، معتبرة المذكرة انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية ولا يمكن تنفيذها بأي حال.

 وسبق لحكومة أرض الصومال أن وقعت اتفاقيتين مع شركة موانئ دبي العالمية في عامي (2016 و2018م) لتشغيل مركز تجاري ولوجستي إقليمي يتضمن تطوير مشروع منطقة اقتصادية حرة في ميناء مدينة بربرة التجارية. وتحتفظ الشركة الإماراتية بموجب ذلك بحصة تبلغ 51% من المشروع، الذي تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام 2021م، بما يمكّن الميناء من العمل بقدرة تشغيلية تصل إلى 500 ألف حاوية سنويًا.

هناك بعدًا دوليًا لا يمكن إغفاله في كواليس مذكرة التفاهم لكونها تأتي بضوء أخضر أمريكي، فواشنطن "تمثل أهم اللاعبين في المنطقة وتمتلك أكبر قاعدة عسكرية في جيبوتي، وطبقًا لاتفاق مع حكومة جيبوتي، تدفع الولايات المتحدة 63 مليون دولار كإيجار لهذه القاعدة، مع وجود خطة لتطويرها على مدى 20 عامًا بتكلفة 1,4 مليار دولار. ويلاحظ أن هذه القاعدة تلعب دورًا هامًا في العمليات الجوية الأمريكية الموجهة ضد عناصر إرهابية في كل من الصومال واليمن، وتقدر حجم القوة المرتكزة في هذه القاعدة بحوالي 4 آلاف فرد. وفي عام 2008م، اندمجت هذه القوات ضمن القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم)، وتحول معسكر ليمونير وهو المعسكر السابق للجيش الفرنسي في جيبوتي إلى هذه القاعدة العسكرية للولايات المتحدة في إفريقيا. ولذا فلا يمكن أن يكون لإثيوبيا قاعدة بحرية في أرض الصومال المجاورة دون موافقة أمريكية.

  كما أنه لا يمكن فصل هذه المذكرة عن "التطورات في باب المندب وإعادة تشكيل منطقة القرن الإفريقي بحيث يتماشى مع المصالح الأميركية مستقبلًا، والحد من أي نفوذ روسي صيني فيها.

إن سعي رئيس حكومة أرض الصومال وراء الحصول على الاعتراف بالاستقلال دفعه إلى منح إثيوبيا 20 كيلومترًا على الشاطئ مقابل نيل هذا الهدف، بغض النظر عن العوائد الاقتصادية.

في المقابل تبدو إثيوبيا وأرض الصومال ماضيتين في تطوير مذكرة التفاهم، مما تفسرها بعض النخب الإثيوبية بالإشارة إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تكفل للدول الحبيسة حق عقد اتفاقات مع الدول الساحلية للوصول إلى البحر والاستفادة من خدمات الموانئ.

             وعلى إثر توقيع المذكرة صدرت العديد من المواقف عن أطراف إقليمية ودولية، حيث حثت بيانات الاتحاد الإفريقي والأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية والولايات المتحدة وعدد من الدول على احترام وحدة وسيادة وسلامة الصومال، وأعربت الهيئة الحكومية لتنمية شرق إفريقيا (إيجاد) عن قلقها ودعت الدولتان العضوان في المنظمة إلى التعاون للوصول إلى حل سلمي.

ما الدور المطلوب من المجتمع الدولي والدول الإقليمية والمتشاطئة لتثبيت أمن البحر الأحمر:

في 12 ديسمبر ‏2017م، عقد اجتماع في  القاهرة ‏ بمشاركة عدد من الدول العربية والإفريقية المتشاطئة للبحر الأحمر‏‏ شكل اللبنة الأولى نحو بلورة رؤية عربية لمنظومة أمن البحر الأحمر وخليج عدن، لتأخذ في الاعتبار المصالح العربية وتنطلق من اعتبارات الأمن القومي العربي‏، حيث جاءت المبادرة المصرية بالدعوة لتطوير منظومة جديدة لأمن البحر الأحمر تأسيسًا على أرضيات التعاون المشتركة التي قد توفرها أطر التعاون الاقتصادي فيما بين الدول المتشاطئة على نحو يؤدي إلى إجراء حوار جدي حيال الأوضاع السياسية في إقليم البحر الأحمر ومحيطه وهو ما يسهم بدوره في بلورة صيغة للتنسيق المشترك الفاعل لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة  ومنها ظاهرة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر وعمليات التهريب, والجريمة العابرة للحدود وعمليات القرصنة.

          تبع ذلك اجتماع آخر لوزراء خارجية السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، في الرياض في 22 ديسمبر 2018م، الذي تم الإعلان من خلاله عن تشكيل تحالف يضم الدول العربية والإفريقية المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن يهدف إلى التنسيق والتعاون فيما بينها، كما تتنوع دوافع تأسيسه في كونه منصة دائمة للتشاور بين الدول الأعضاء من أجل إيجاد فهم مشترك للتحديات الأمنية التي تزعزع استقرار البحر الأحمر.

  ويضع التحالف على رأس أولوياته تقويض النفوذ والتأثير الإيراني على أمن البحر الأحمر وحماية أمن المجرى الملاحي الدولي لاسيما مع سيطرة جماعة الحوثي الموالية لإيران على ميناء الحديدة ومحاولتها تعطيل حركة الملاحة وتصدير النفط في مضيق باب المندب.

     وعقد اجتماع آخر لوزراء خارجية المجلس التنسيقي للدول العربية والإفريقية المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن في الرياض في 6 يناير 2020م، حضره كل من السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن وإريتريا.

شهد اجتماع وزراء الخارجية التوقيع على ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن «بهدف تعزيز الجهود لتحقيق المصالح الأمنية والسياسية والاستثمارية وتأمين حركة الملاحة البحرية في الممر المائي الدولي».

ويهدف المجلس إلى رفع مستوى التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء، وتنسيق المواقف السياسية بينها، وتوثيق التعاون الأمني بهدف الحدّ من المخاطر والتهديدات التي يتعرّض لها البحر الأحمر، وتعزيز أمن وسلامة الملاحة البحرية والحيلولة دون أيّ تهديد يواجهها أو يعرضها لأية مخاطر، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتعزيز الاستثمارات بين الدول الأعضاء وتعزيز النقل البحري وحرية حركة البضائع والخدمات بينها، وتعزيز التعاون بين الموانئ البحرية على طول ساحل البحر الأحمر وتنسيق التعاون بينها، ويكون مقر المجلس في الرياض .
   يأتي توقيع المجلس على الميثاق استشعاراً من قيادات الدول الثمانية لأهمية التنسيق والتشاور حول الممر المائي الحيوي الذي يمثل أهمية اقتصادية وتجارية واستثمارية للاقتصاد العالمي بأكمله، باعتبار البحر الأحمر المعبر الرئيسي للتجارة العالمية بين دول شرق آسيا وأوروبا».

            يواجه المجلس تحديات مستقبلية، تتمثل في تطلعات بعض القوى الإقليمية التي تمتلك تصورات مغايرة لأمن البحر الأحمر وخليج عدن؛ منها مشكلة السودان والحرب الأهلية المستعرة منذ عدة أشهر، وبدء السودان في تحسين علاقتها مع إيران بعد انقطاع دام منذ يناير 2016م، ومحاولة قائد الجيش السوداني الفريق البرهان الحصول على أسلحة ومسيرات حربية من إيران.

واستمرار الأزمة اليمنية، وما يرتبط بها من مخاوف تتعلق بإمكانية لجوء ميليشيات الحوثي إلى تهديد حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتوظيف ذلك كورقة للضغط والمساومة في أية مفاوضات سياسية محتملة، هذا فضلاً عن اختلاف رؤى القوى الكبرى حول كيفية تحقيق أمن البحر الأحمر، وما قد يتبع ذلك من محاولات لإقامة تحالفات جديدة تعزز نفوذها وتضمن مصالحها في هذه الممرات المائية. كما أن استمرار التوتر بين واشنطن وطهران، في الوقت ذاته، قد يدفع الأخيرة إلى التهديد بعرقلة حركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن في إطار استراتيجية الردع المتبادل، ولإعطاء الانطباع بأنها ما تزال تمتلك القدرة على تهديد المصالح الحيوية التي ترتبط بالأمن والاقتصاد الدوليين.

        يمثل المجلس منظوراً جديداً للتعاون الإقليمي، حيث يأخذ في الاعتبار العلاقة الوثيقة بين الأمن والتنمية. كما أنه لا يضم دولاً تنتمي إلى إقليم موحد، كباقي التكتلات الأخرى، وإنما يضم قائمة من الدول تنتمي إلى دوائر ثلاث هي: الخليجية والعربية والإفريقية وتشترك هذه الدول في تصوراتها ورؤاها لكيفية تأمين البحر الأحمر وخليج عدن، ما يعني أن لهذا التكتل أن يشكل إطاراً أوسع لتكامل عربي إفريقي شامل يسهم في إعادة صياغة العلاقات العربية – الإفريقية وتشكيلها في ضوء التحديات التي تواجه الطرفين. وتوثيق التعاون الأمني بينها للحد من المخاطر التي يتعرض لها البحر الأحمر وخليج عدن بما يعزز أمن وسلامة الملاحة الدولية فيها، ومنع كل ما يهددها أو يعرضها للخطر بعيدًا عن نفوذ الدول العظمى والكبرى أو الدول الطامعة. ولذا لابد من وجود قوة عسكرية مشتركة تابعة له، على الأقل في المدى المنظور، لحماية أمن البحر الأحمر، بعيدًا عن الدول الأجنبية وأساطيلها وغواصاتها وسفنها وحاملات الطائرات.

مجلة آراء حول الخليج