; logged out
الرئيسية / تبادل الدعم العسكري والضغط على الغرب وتأمين الفيتو الروسي وتعزيز دور موسكو في المنطقة

العدد 197

تبادل الدعم العسكري والضغط على الغرب وتأمين الفيتو الروسي وتعزيز دور موسكو في المنطقة

الإثنين، 29 نيسان/أبريل 2024

افتتحت الحرب الروسية-الأوكرانية عامها الثالث في 24 فبراير 2024م، دون أن تظهر مؤشرات تتيح القول بأنها في طريقها نحو التسوية. ورغم أن روسيا استطاعت في المرحلة الأخيرة من الحرب تحقيق انتصارات ميدانية عديدة، كان أبرزها السيطرة على مدينة أفدييفكا، في 17 فبراير 2024م، بالتوازي تراجع الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا التي تعاني من نقص كبير في الذخائر وتمارس ضغوطاً على الدول الغربية لتعويض خسائرها، فإن ذلك في مجمله لا يعني أن نهاية قريبة للحرب أصبحت احتمالاً مرجحاً.

وفي الواقع، فإن ذلك يعود إلى اعتبارات ثلاثة رئيسية: الأول، هو غياب الحلول الوسط التي يمكن أن تؤدي إلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المنخرطة في الحرب وبالتالي تعزيز فرص الوصول إلى تسوية لها في النهاية، حيث إن الخلافات القائمة بين تلك الأطراف ليست ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة.

إذ ما زالت روسيا تصر على تلبية مطالبها الأمنية والاستراتيجية بالأساس والتي أعلنتها من البداية والخاصة بــ"حيادية" أوكرانيا- في إشارة إلى عدم انضمامها إلى حلف الناتو- والقضاء على "النازية" فيها، فضلاً عن حماية سكان المناطق التي سيطرت عليها روسيا بعد الاستفتاء الذي أجرته في الفترة من 23 إلى 27 سبتمبر 2022م، على ضم هذه المناطق إلى روسيا وهى دونتسيك ولوغانسيك أوبلاست خيرسون وأوبلاست زابوريجيا.

والثاني، هو استمرار الانقسام في مواقف الدول الغربية إزاء تطورات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والذي كان له دور في فشل الهجوم الذي شنته القوات الأوكرانية في صيف العام الماضي، وتراجع الدعم العسكري الذي قدمته تلك الدول إلى الأخيرة لمساعدتها على إدارة العمليات العسكرية ضد روسيا ومنع الأخيرة من تحقيق مزيد من التقدم الميداني بعد أن سيطرت على مناطق استراتيجية في أوكرانيا، مثل باخموت التي سيطرت عليها في 22 مايو 2023م.

والثالث، هو اتساع نطاق الأطراف المشاركة في تلك الحرب، بشكل غير مباشر، على نحو فرض تداعيات مباشرة على حسابات ومصالح تلك الأطراف، وأنتج ما يمكن تسميته بظاهرة "تشبيك الملفات"، لاسيما أن انخراط بعض تلك الأطراف كان مرتبطاً بانتزاع مكاسب استراتيجية في ملفات أخرى تحظى بأهمية خاصة من جانبها.

وتبدو إيران من بين هذه الأطراف التي كان لها دور في اتساع نطاق التصعيد الميداني بين روسيا وأوكرانيا، بعد أن تدخلت لصالح روسيا، من خلال تزويد الأخيرة بطائرات من دون طيار من طرازى "مهاجر 6" و"شاهد 136". وتتوقع اتجاهات عديدة أن يرتفع مستوى دعمها العسكري لروسيا بتزويدها بصواريخ باليستية، خاصة بعد أن تم رفع الحظر الأممي المفروض على الأنشطة المرتبطة بالصواريخ الباليستية الإيرانية في 18 أكتوبر 2023م، تاريخ انتهاء أحد أهم القيود التي كانت مفروضة على إيران بمقتضى الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015م، وانسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، في 8 مايو 2018م، قبل أن تعيد فرض العقوبات الأمريكية على إيران بداية من 7 أغسطس من العام نفسه.

ورغم أن إيران ما زالت حريصة على نفي تقديم هذا الدعم العسكري، إلا أن تصريحات المسؤولين الغربيين، ولاسيما الأمريكيين، تشير إلى أن هذا الدعم كان له دور في تمكين روسيا من تحقيق تقدم ميداني واستهداف البنية التحتية الأوكرانية خلال الفترة الماضية. وقد أشارت تقارير عديدة بالفعل، في 22 فبراير 2024م، وبالتوازي مع حلول الذكرى الثالثة للحرب الروسية-الأوكرانية، إلى أن إيران قامت بتسليم روسيا 400 صاروخ قصير المدى، لاسيما من طراز "فاتح 110"، قادرة على مهاجمة أهداف على بعد يتراوح بين 300 و700 كيلومتر.

ووجهت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالفعل تحذيرات إلى إيران، في 23 فبراير 2024م، من العواقب الوخيمة التي يمكن أن تواجهها في حالة إقدامها على تزويد روسيا بالصواريخ الباليستية. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تستند في ذلك إلى مؤشرات عديدة منها الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إلى طهران، في 20 سبتمبر 2023م، والتي حرص خلالها على زيارة معرض إنجازات القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري، وشاهد الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار التي تقوم القوة بإنتاجها، برفقة قائدها امير علي حاجي زاده.

 

تداعيات التصعيد مع إسرائيل

 

وإذا كان إنكار تقديم دعم عسكري لروسيا قد مثل في المرحلة الماضية سياسة مستقرة لدى إيران لتجنب مواجهة موقف غربي أكثر حزماً تجاههاً، فإن هذه السياسة قد تشهد تغييراً ملحوظاً في مرحلة ما بعد التصعيد العسكري مع إسرائيل، والذي انتقل بدوره من نطاق الحرب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة.

فقد وجهت إسرائيل ضربة قوية إلى إيران بالهجوم الذي شنته على قنصليتها في دمشق، في أول أبريل 2024م، على نحو أدى إلى تدمير القنصلية وقتل 7 من كوادر الحرس الثوري، كان في مقدمتهم قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي. هذا الهجوم تحديداً اعتبرته إيران مختلفاً إلى حد كبير عن كل الهجمات التي شنتها إسرائيل في السابق واستهدفت قياداتها ومواقعها في سوريا، على غرار الهجوم الذي شنته تل أبيب في 25 ديسمبر 2023م، وأدى إلى مقتل القيادي في الحرس الثوري المسؤول عن نقل الدعم إلى الوكلاء راضي موسوي.

فقد اعتبرت إيران أن هذا الهجوم استهدف أرضاً إيرانية، وبالتالي غير قواعد الردع والتصعيد بين الطرفين، على نحو دفعها إلى شن هجمات مضادة على إسرائيل، في 13 أبريل 2024م، استخدمت فيها صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات من دون طيار.

ورغم أن هذه الهجمات لم تسفر عن وقوع خسائر بشرية لدى إسرائيل، إلا أن ذلك لم يكن الهدف الرئيسي منها. فقد سعت إيران عبر تلك الهجمات- التي تعد الأولى منذ عام 1979م، إلى تأكيد قدرتها على الوصول إلى أهداف ثمينة داخل إسرائيل نفسها. بل إنها ألمحت إلى أن لديها من القدرات ما يفوق إلى حد كبير- من ناحية السرعة والقوة والتأثير- الصواريخ والطائرات التي تم استخدامها في تلك الهجمات، بما يعني أنها تؤجل استخدام هذه القدرات إلى مرحلة لاحقة، في حالة استمرار المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل.

ويشبه ذلك إلى حد كبير المقاربة نفسها التي سبق أن تبنتها إيران إزاء الهجوم على قاعدة "عين الأسد" العراقية في 8 يناير 2020م، والتي تتواجد بها قوات أمريكية، رداً على العملية العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية، قبل ذلك بخمسة أيام، وأدت إلى مقتل القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني ونائب أمين عام مليشيا الحشد الشعبي أبومهدي المهندس.

إذ لم تسفر تلك الهجمات التي استخدمت فيها إيران الصواريخ الباليستية عن وقوع خسائر في صفوف القوات الأمريكية، بل إن الرئيس السابق دونالد ترامب سبق أن قال أن طهران أبلغت واشنطن بتوقيت الضربة. وهنا، فإن إيران لم تكن تسعى أيضاً إلى الإيقاع بخسائر في صفوف القوات الأمريكية، بقدر ما كانت تهدف إلى توجيه رسالة مفادها أن لديها القدرة على الوصول إلى مصالح وأهداف أمريكية ثمينة.

وقد كان لافتاً أن الهجمات العسكرية التي شنتها إيران ضد إسرائيل ساهمت في تكوين تكتل غربي داعم للأخيرة، ضم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وكان له دور في التصدي لتلك الهجمات ومنع الصواريخ والطائرات من دون طيار التي أطلقتها إيران من الوصول إلى أهدافها. هذا التحالف الجديد الذي فرضه التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل قد يستمر خلال المرحلة القادمة، وربما يتجه إلى تبني خيارات أخرى في إدارة التصعيد مع إيران، سواء عبر فرض مزيد من العقوبات ضد الأخيرة، أو من خلال العمل على اتخاذ خطوات إجرائية لتطبيق تلك العقوبات على الأرض، لاسيما فيما يتعلق بمنع إيران من مواصلة تصدير النفط، حيث قد تساهم تلك الدول في احتجاز سفن النفط الإيرانية في المياه الدولية، على غرار ما كانت تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في بعض الفترات. فعلى سبيل المثال، قامت السلطات الأمريكية، في 20 أغسطس 2023م، بإفراغ حمولة سفينة "سويس راجان" التي كانت تحمل نفطاً إيرانية، بعد أن احتجزتها وصادرتها أمام تكساس، تطبيقاً للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

هذا التحول المتوقع في العلاقات بين إيران والدول الغربية سوف يكون له تأثير مباشر على السياسة التي سوف تتبناها الأولى إزاء التطورات الجديدة التي تشهدها الحرب الروسية-الأوكرانية. إذ أنها قد تقدم في المرحلة القادمة على رفع مستوى دعمها العسكري إلى روسيا، لتمكينها من تحقيق مزيد من التقدم الميداني خلال المرحلة القادمة.

أهداف عديدة

يمكن القول إن إيران سوف تحاول عبر رفع مستوى الدعم العسكري إلى روسيا تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

  • الحصول على دعم عسكري مقابل: تُعوِّل إيران على إبرام صفقات عسكرية نوعية مع روسيا لمساعدتها في تطوير قدراتها العسكرية بشكل كبير. فبالنظر إلى تلك القدرات التي تمتلكها إيران يتضح أنها تعتمد في المرحلة الحالية على ثلاث قطاعات رئيسية، هي الصواريخ، والطائرات من دون طيار، والقوات البحرية.

وقد كان لافتاً في هذا السياق، أنها استخدمت القطاعات الثلاثة في الهجمات التي شنتها ضد إسرائيل. فإلى جانب الصواريخ والطائرات من دون طيار التي تم توجيهها إلى داخل حدود إسرائيل، فقد احتجزت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري سفينة شحن تحمل العلم البرتغالي وتعود ملكيتها إلى رجل الأعمال الإسرائيلي ايال عوفر في اليوم نفسه الذي شنت فيه هذه الهجمات.

وفي هذا السياق، تراهن إيران على إمكانية الاعتماد على التعاون العسكري مع روسيا في تطوير قدرات سلاحها الجوي الذي يعتبر أحد أكثر قطاعات العسكرية بدائية، حيث ما زالت تعتمد على مقاتلات قديمة من عهد الشاه محمد رضا بهلوي ولا تصلح للانخراط في مواجهات مع إسرائيل التي تمتلك تفوقاً نوعياً في هذا الصدد، بل إنها كانت حريصة على استخدام أحدث مقاتلاتها- إف 35- في الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية وأسفر عن مقتل زاهدي.

وقد أعلن نائب وزير الدفاع الإيراني مهدي فرحي، في 28 نوفمبر 2023م، عن استكمال ترتيبات شراء مقاتلات روسية جديدة، تضم مقاتلات "سوخوي 35" من الجيل "الرابع ++"، ومروحيات "مي 28" الهجومية، وطائرات "ياك 130" التدريبية.

لكن اللافت في هذا السياق، أن إيران هي التي أعلنت عن استكمال الإجراءات الخاصة بإتمام الصفقة، في حين لم يكن هناك رد واضح من جانب روسيا، وهو ما يُضفي نوعاً من الشكوك حول مدى جدية الوصول إلى المرحلة النهائية من هذه الصفقة، وإن كان تسلم إيران بالفعل، في بداية سبتمبر 2023م، طائرتين من طراز "ياك 130" المخصصة للتدريب، يشير إلى أن الطرفين يتجهان إلى اتخاذ خطوات تنفيذية في هذه الصفقة.

  • ممارسة ضغوط على الدول الغربية: ربما تهدف إيران من رفع مستوى الدعم العسكري لروسيا إلى ممارسة ضغوط أقوى على الدول الغربية التي تتصاعد التجاذبات داخلها في المرحلة الحالية حول مستوى الدعم الذي تقدمه إلى إسرائيل وأوكرانيا في آن واحد. وقد دفعت هذه التجاذبات الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي، في 16 أبريل الجاري، إلى انتقاد السياسات التي تتبناها بعض المؤسسات داخل الدول الغربية، والتي بدأت تشير إلى ضرورة تقسيم المساعدات بين إسرائيل وأوكرانيا.

ففي رده على دعوة رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون إلى تقسيم هذه المساعدات، قال زيلينسكي: "هذا عار على العالم أجمع وعلى الديمقراطية، بالنسبة لأولئك الذين يتحدثون فقط عن الديمقراطية". وأشار زيلينسكي إلى أن هذه المواقف تعبر عن حسابات ترتبط بالانتخابات الأمريكية، حيث أضاف في هذا الصدد: "هذه سياسة محضة، لا أحد يهتم بما يحدث في أوكرانيا، إنهم يهتمون فقط بمعدل قبولهم، وهذا بيت القصيد".

ومن دون شك، فإن هذه الانتقادات التي وجهها زيلينسكي إلى الدول الغربية لا تنفصل عن التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، والذي انخرطت فيه بعض تلك الدول بشكل مباشر في الدفاع عن إسرائيل، حيث شاركت في التصدي للهجمات الإيرانية، وهو ما يعني أن الرئيس الأوكراني بدأ يتهم الدول الغربية بتبني سياسة مزدوجة إزاء تطورات المواجهة بين إيران وإسرائيل من جهة وروسيا وأوكرانيا من جهة أخرى.

  • تأمين الفيتو الروسي في مجلس الأمن: لا تستبعد إيران أن تنجح الدول الغربية، في مرحلة لاحقة، في نقل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن مجدداً، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من إمكانية تصعيد حدة الضغوط الدولية عليها مجدداً. وهنا، فإن ذلك يمكن أن يحدث في حالتين: الأولى، أن تفشل في الوصول إلى تفاهمات أو صفقة جديدة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حول الاتفاق النووي في حالة فوز الأخير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجرى في 5 نوفمبر 2024م. والثانية، أن ينجح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الفوز مجدداً بالانتخابات. وهنا، فإن إيران سوف تكون في أمس الحاجة لوجود فيتو يمثل ظهيراً دولياً يمكن أن يساعدها في تقليص مستوى الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها في حالة توقف العمل بالاتفاق النووي الحالي.

واللافت هنا، أن إيران تعتبر أن وصول الرئيس السابق ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً قد يحفز إسرائيل على شن حرب مباشرة على نطاق واسع ضدها، خاصة أنه كان يتبنى سياسة "الضغوط القصوى" ضد إيران في فترته الرئاسية الأولى، وكان المسؤول عن الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الأمريكية على إيران مجدداً، فضلاً عن إصداره الأوامر باغتيال قاسم سليماني.

من هنا، تتزايد أهمية الفيتو الروسي بالنسبة لإيران. إذ أن تصاعد احتمالات الانخراط في حرب واسعة مع إسرائيل، أو التعرض لضغوط وعقوبات أقوى وأكثر تأثيراً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية يفرض على إيران ضرورة استقطاب ظهير دولي داعم لها في مجلس الأمن، بحيث يستطيع الحيلولة دون صدور قرارات إدانة ضدها قد تكون مدخلاً لعمل عسكري أو إجراء اقتصادي أشد قوة ضدها.

ورغم وجود تباينات في المقاربتين الروسية والإيرانية إزاء الملف السوري، الذي يحظى باهتمام خاص من جانب موسكو وطهران، بل ورغم بروز اتهامات من جانب اتجاهات في إيران لروسيا بالتغاضي عن الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد مواقع وقيادات إيرانية في سوريا، على نحو ساهم في تعرضها لخسائر بشرية كبيرة على مستوى تلك القيادات وكان آخرهم قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي، في ظل التنسيق الأمني والعسكري القائم بين روسيا وإسرائيل داخل سوريا، إلا أن ذلك في مجمله لا يمنع القيادة الإيرانية، ممثلة في المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، إلى جانب الرئيس إبراهيم رئيسي، من الدعوة إلى ضرورة التعويل على العلاقات الاستراتيجية مع روسيا في مواجهة الضغوط التي تفرضها الدول الغربية وإسرائيل.

وقد كان لافتاً أن روسيا صاغت بياناً في مجلس الأمن لإدانة الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، في 3 أبريل 2024م، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا عرقلته، حيث قال نائب المندوب الروسي في الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي في هذا الصدد: "هذا بمثابة مثال صاروخ للمعايير المزدوجة التي تستخدمها الترويكا الغربية ونهجها تجاه الالتزام بالقانون والنظام في السياق الدولي". في حين دافعت الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها بالإشارة إلى أنها "ليست متأكدة من وضعية المبنى الذي تعرض للهجوم، لكنها ستشعر بالقلق إذا كان منشأة دبلوماسية".

  • تعزيز الدور الروسي في المنطقة: وهو هدف يرتبط بالجهود التي تبذلها إيران من أجل تقليص الدور الأمريكي في المقابل. إذ ترى إيران أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تعمل على صياغة ترتيبات أمنية في المنطقة تعتبر أن الهدف منها هو مواجهة طموحاتها النووية والإقليمية. وربما تستغل واشنطن الدعم الغربي لإسرائيل الذي وفرته الهجمات الإيرانية ضد الأخيرة في 13 أبريل 2024م، في إتمام تلك الترتيبات.

من هنا، فإن إيران تعتبر أن أحد الخيارات الأساسية التي يمكن أن تلجأ إليها لمواجهة هذه التحركات الأمريكية يتمثل في العمل على تعزيز دور القوى الدولية الأخرى المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية مثل الصين وروسيا. وإذا كانت الصين قد قامت برعاية اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية وإيران في 10 مارس 2023م، فإن روسيا يمكن، في رؤية إيران، أن تضطلع بدور أيضاً على مستوى المنطقة، قد يمثل خصماً من الدور الأمريكي، لاسيما في الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبها، على غرار الملف السوري، فضلاً عن الملف الفلسطيني والملف الأفغاني وغيرها.

ومن دون شك، فإن تعزيز هذا الدور الروسي في الشرق الأوسط لن يتأتي، وفقاً للمقاربة الإيرانية، إلا من خلال دعم روسيا في مواجهة الضغوط والعقوبات التي تفرضها الدول الغربية. إذ أن هذا الدعم قد يمكن روسيا من مواصلة إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا وفي الوقت نفسه الاضطلاع بأدوارها في المنطقة، على نحو يتوافق مع حسابات ومصالح طهران.

 

سيناريوهات متعددة

مع ذلك، ورغم هذا الدعم الذي تقدمه إيران إلى روسيا، إلا أن ذلك لا ينفي أن إيران قد لا ترغب في انتهاء الحرب الروسية-الأوكرانية بنصر كامل لروسيا ولا بهزيمة كاملة لها. فالسيناريو الأخير- الهزيمة الكاملة- قد يضعف روسيا إلى حد كبير، على نحو يمكن أن يضاعف من حدة الضغوط الغربية المفروضة على إيران ويساعد إسرائيل في تنفيذ أجندتها خلال المرحلة القادمة.

في حين أن السيناريو الأول- النصر الكامل- قد يفرض مفاعيل عكسية لا تتوافق مع حسابات إيران بشكل كبير، على غرار اتجاه روسيا إلى تبني المقاربة العسكرية نفسها في وسط آسيا والقوقاز، والتي تتزايد فيها الخلافات بين طهران وموسكو لأسباب استراتيجية واقتصادية وتاريخية عديدة.

ومن هنا، فإن السيناريو الأكثر توافقاً مع حسابات طهران في المرحلة الحالية هو انتهاء الحرب وفق تسوية سياسية تستوعب جزءًا من مصالح وشروط طرفيها، دون أن يكون هناك طرف منتصر وآخر مهزوم.   

مقالات لنفس الكاتب