; logged out
الرئيسية / هدف الناتو تجنب استعداء روسيا وعدم تصاعد الحرب لتشمل مواجهة مباشرة مع روسيا

العدد 197

هدف الناتو تجنب استعداء روسيا وعدم تصاعد الحرب لتشمل مواجهة مباشرة مع روسيا

الإثنين، 29 نيسان/أبريل 2024

مع دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث، ظلت سياسات حلف شمال الأطلسي "الناتو" تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا على ذات المنوال منذ بداية الغزو في فبراير 2022م. والتي تتمثل بشكل عام في تقديم دعم سياسي قوي، وزيادة كبيرة في المساعدات العسكرية، إلى جانب مساندة القوات الأوكرانية، واتخاذ تدابير دفاعية مُكثفة بين الدول الأعضاء في حلف الناتو، لاسيما دول أوروبا الشرقية. كما دأب حلف الناتو على إدانة الأفعال الروسية داخل أوكرانيا، التي اعتبرها "انتهاكًا للقانون والسيادة الدوليين، مؤكدًا أهمية الحفاظ على استجابة دولية موحدة ضد العدوان الروسي.

أحد المكونات الرئيسية لاستراتيجية الناتو تمثلت في تقديم مساعدات عسكرية ومالية واسعة النطاق. وقد قدم أعضاء الناتو بالفعل مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا، سواء بشكل فردي أو في إطار جماعي، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة فضلًا عن المساعدات الاقتصادية. الهدف الرئيسي لهذه المساعدات هو تدعيم القدرات الدفاعية لأوكرانيا دون أن يضطر حلف الناتو في التورط في عمليات قتالية مباشرة ضد روسيا. وردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، عمد الحلف إلى زيادة حضوره العسكري بشكل لافت على جبهته الشرقية. شمل ذلك، نشر قوات إضافية، وإنشاء مجموعات قتالية جديدة متعددة الجنسيات داخل أوروبا الشرقية، إلى جانب تعزيز جاهزية القوات وأنشطة الدوريات في منطقة البحر الأسود.

بالرغم من عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، إلا أن قضية عضويتها المحتملة تشكل محوراً لنقاشات مهمة داخل الحلف. بالتالي، في الوقت الذي تزعم فيه موسكو أن أحد أسباب عدوانها العسكري على أوكرانيا كان منع الأخيرة من الانضمام إلى الناتو، تُصبح إمكانية انضمام أوكرانيا أكثر احتمالًا لا أقل. وبالفعل تم الإعلان عن ضم كل من فنلندا والسويد إلى الناتو نتيجة الصراع الدائر. وبينما لن يوجه التحالف دعوة عضوية إلى أوكرانيا طالما ظل الصراع مشتعلًا، إلا أن الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، صرح بشكل واضح أن ضم أوكرانيا إلى عضوية الحلف سيتم في نهاية المطاف، موضحًا أن النقاش ليس حول منحها العضوية من عدمه بل بشأن توقيت اتخاذ هذه الخطوة. ويجب أن يُنظر إلى هذا البيان باعتباره التزامًا كبيرًا بشأن دمج أوكرانيا مستقبليًا تحت مظلة التحالف الغربي.

تحديات تواجه حلف الناتو داخل أوكرانيا

على الرغم من أن التزام حلف الناتو المُعلن بالدفاع عن أوكرانيا لايزال راسخًا، إلا إنه كلما طال أمد الصراع، كلما ازدادت صعوبة الحفاظ على موقف موحد داخل التحالف الغربي حول المتطلبات الراهنة والأهداف المرجوة. وتعتبر القضية الأكثر إلحاحًا حاليًا هي الاستنزاف والنضوب السريع للأسلحة والذخيرة داخل أوكرانيا، الذي بدأ في تغيير توازن القوى في ساحة المعركة لصالح الجانب الروسي. إن أحد المحاور الرئيسية المرتبطة بالإمدادات والمساعدات العسكرية التي يقدمها الناتو إلى أوكرانيا، تتمثل في تحديد نوع ومقدار الدعم الذي يجب تقديمه لأوكرانيا، حيث يواجه حلف شمال الأطلسي تحدي توفير المساعدات العسكرية الكافية لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها مع وجوب إدارة المخاطر التي تأتي مع هذا الدعم، بما في ذلك احتمال التصعيد واستنزاف مخزونَات التحالف نفسه من الأسلحة. وعلى مستوى الجبهتين لا يزال هناك خلاف بين أعضاء حلف الناتو. فعلى الصعيد الأمريكي، لا تزال حزمة الدعم الإضافية لأوكرانيا التي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار عالقة داخل الكونجرس الأمريكي، مع بدء أعضاء الحزب الجمهوري التشكيك في الحاجة إلى إرسال دعم متواصل من المعدات العسكرية لأوكرانيا. وفي ألمانيا، يصر المستشار الألماني أولاف تشولتس على موقفه الرافض للسماح بإرسال صواريخ طوروس إلى أوكرانيا خشيةً من أن مثل هذه الخطوة قد تجعل ألمانيا في نهاية المطاف طرفًا مباشرًا في الحرب، وتُعرض البلاد لمَغبة الانتقام الروسي.

ما يُشير إليه ذلك هو الصعوبة المتزايدة في الحفاظ على موقف موحد بين أعضاء حلف الناتو. فإن التحالف الدفاعي الغربي يضم دول ذات درجات متفاوتة في قابلية التعرض للتهديدات الروسية وتحمل كلها رؤى مختلفة بشأن كيفية معالجة الوضع. من ثم، فإن ضمان الدعم المتسق للقرارات الجماعية بشأن أوكرانيا مع تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية الفردية يظل مهمة معقدة. وقد أثار تصريح أخير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن عدم استبعاد وجود قوات تابعة لحلف الناتو داخل أوكرانيا، ضجة كبيرة داخل ألمانيا ودول أخرى داخل الحلف، الذين ينكرون بشكل قاطع مثل هذا الخيار. بالنسبة لحلف الناتو، يتمثل الهدف العام في تجنب استعداء روسيا وعدم رؤية الحرب تتصاعد أكثر لتشمل مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو. لذلك يتعين على الناتو إيجاد التوازن بين دعم أوكرانيا في دفاعها ضد العدوان الروسي مع إدارة مخاطر التصعيد إلى صراع أوسع نطاقًا يشمل مواجهة مباشرة مع التحالف.

الاستجابة الروسية والتهديد النووي

جاء الرد الروسي على حلف الناتو بالتلويح باستخدام السلاح النووي كأداة استراتيجية من أجل ردع الدعم الغربي لأوكرانيا والتأثير على استراتيجيات الاستجابة الدولية. وعمد القادة الروس إلى تصعيد خطابهم النووي لاسيما في الأوقات التي يواجهون فيها إخفاقات وانتكاسات داخل ساحة المعركة. وبالتالي، فهم يلجؤون إلى الاستعانة بالتهديدات النووية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف الحيلولة دون مزيد من التدخل من جانب حلف الناتو وزرع الانقسامات داخل التحالف الغربي. وبشكل عام، يُنظر إلى استعراض روسيا قدراتها النووية باعتباره شكل من أشكال الابتزاز لإخضاع الغرب إلى المطالب الروسية على الساحة الجيوسياسية. وتسمح العقيدة النووية الروسية باستخدام الأسلحة النووية في ظل سيناريوهات مختلفة، بما في ذلك الهجمات التقليدية واسعة النطاق التي تهدد وجود الدولة الروسية ذاتها، مما يسلط الضوء على الدور الهام الذي تلعبه القدرات النووية داخل الاستراتيجية العسكرية العامة لروسيا.

تُؤخذ مثل هذه التصريحات على محمل الجد داخل دوائر حلف الناتو، على الرغم من أن التقييمات العامة تشير إلى أن مثل هذه التهديدات هي مجرد "جعجعة " لا تعكس نوايا فعلية. وفي حين يتم تطويع التهديدات النووية كأداة قوية للترهيب، فإن كم المخاطر العملية وتلك المرتبطة بسمعة الاستخدام الفعلي للسلاح النووي جعلها تُستخدم كرادع في حد ذاتها ضد النشر الفعلي للأسلحة النووية داخل مناطق الصراع. حيث أن الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية ينطوي أيضًا على مخاطر كبيرة تنذر بمزيد من التصعيد، وهو من شأنه أن يخلف عواقب عالمية وخيمة تتجاوز حدود المسرح الأوكراني. كما أن التداعيات الدولية المترتبة على هذه الخطوة تعني أنه حتى الاستخدام المحدود للأسلحة النووية من شأنه أن يُحدث تغييرًا جذريًا في طبيعة الصراع والعلاقات الدولية على نطاق أوسع.

آفاق الحل

مع طول أمد الصراع بين روسيا وأوكرانيا واستمرار احتمالات التصعيد، تحول النقاش الدائر إلى كيفية إنهاء هذه الأزمة. وهنا، لا بد من إلقاء نظرة على المواقف المختلفة للأطراف المعنية.

الاقتراح المُقدم من أوكرانيا يتضمن خطة للسلام مكونة من 10 نقاط طرحها الرئيس فولوديمير زيلينسكي للمرة الأولى خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين في نوفمبر 2022م. وتتضمن هذه الخطة نقاطًا رئيسية مثل استعادة سلامة الأراضي الأوكرانية، وانسحاب القوات الروسية، وإنهاء جميع الأعمال العدائية. ومنح أوكرانيا ضمانات أمنية لمرحلة ما بعد الحرب. كما تدعو المبادرة إلى إطلاق سراح جميع السجناء والمُرحلين، والمحاسبة على جرائم الحرب، وجهود إزالة الألغام، وترميم مرافق معالجة المياه.

تشمل الاستراتيجية الأوكرانية أيضًا توسيع نطاق الدعم الدولي لخطتها من خلال نقاشات متعددة الأطراف. ولذلك، تسعى كييف لاستضافة قمة للسلام إلى جانب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف تدعيم وجود منصة مشتركة للمفاوضات. وقد أعلنت سويسرا عن استضافة محادثات سلام بشأن أوكرانيا في 15 و16 من يونيو المقبل خارج مدينة لوسيرن. في حين، أعلنت موسكو عدم مشاركتها في هذه المحادثات.

ويصر الجانب الأوكراني على المفاوضات متعددة الأطراف بدلًا من خوض مباحثات ثنائية مع نظيره الروسي، خاصة في ضوء فشل محادثات السلام التي جرت ضمن ما يعرف بــ “صيغة نورماندي". وتؤكد المقترحات الأوكرانية على مبدأ:" لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا"، أي أن أوكرانيا تظل في قلب أية مناقشات حول مستقبلها. يهدف هذا الموقف إلى مجابهة مبادرات السلام الأخرى والحفاظ على التركيز على حل دبلوماسي يحترم سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.

في المقابل، اقترحت روسيا عدة شروط من أجل التوصل إلى حل سلمي للصراع مع أوكرانيا، تشمل تقديم تنازلات كبيرة من قبل الجانب الأوكراني. ويأتي أحد المقترحات الرئيسية التي طرحتها موسكو لوقف عملياتها العسكرية، ليطالب أوكرانيا باعتماد وضع محايد رسميا وأن تقوم بتعديل دستورها ليعكس ذلك الوضع. وأن تتخلى كييف نهائيًا عن أي نية للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي أو أي تحالف عسكري آخر. وفي مُقترح أكثر تفصيلًا، اقترحت روسيا خطة سلام شاملة تتألف من 15 نقطة، وتتضمن انسحاب القوات الروسية من مناطق معينة (باستثناء دونباس)، والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من الأراضي الروسية، وإجراء استفتاء في دونباس لتقرير مستقبلها، وتقليص حجم القوات العسكرية الأوكرانية، والحياد الدائم لأوكرانيا فيما يتعلق بحلف الناتو. تضمنت هذه الخطة أيضًا تدمير الأصول العسكرية التابعة لأوكرانيا تحت إشراف روسي. فضلًا عن، تحديد خطوات من أجل إعادة التواصل السياسي والاقتصادي بين البلدين. ونظرًا إلى أن المقترحات الروسية تطالب أوكرانيا بتقديم تنازلات كبيرة حول السيادة والضمانات الأمنية، تظل قابلية تنفيذها محل خلاف في النقاشات الدولية بشأن الصراع.

بالنسبة للغرب وحلف الناتو، لايزال الانسحاب الروسي الكامل من الأراضي الأوكرانية هو التسوية الوحيدة المقبولة. وفي حين يواصل التحالف الغربي الدعوة إلى حل دبلوماسي للأزمة والحفاظ على قنوات مفتوحة للحوار مع روسيا، رغم التوترات المتزايدة، لكنه يشدد أيضًا على أن أية نتيجة نهائية يجب أن تحترم سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. ونظرًا إلى أنه أدان العدوان الروسي، باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي، فإن الحل المقترح للأزمة يجب أن يتوافق مع القانون الدولي وضمان أمن واستقرار كافة الدول في المنطقة الأوروبية-الأطلسية. ومن ثم، يعارض حلف الناتو أية تعديلات قسرية تتم على ترسيم الحدود ويصر على انسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية. كما سلط الضوء على الحاجة إلى ترتيبات أمنية دائمة لمنع أي عدوان مستقبلي ولضمان حفاظ أوكرانيا على سيادتها وأمنها. ويعد هذا جزءًا من استقرار البيئة الأمنية الأوروبية الأوسع.

أما عن بقية المجتمع الدولي، فجاءت نظرته أكثر تدقيقًا وتفصيلًا. بشكل عام، تميل الرؤى ووجهات النظر إلى أن تكون أكثر تنوعًا وتعقيدًا، عاكسة مجموعة من الاعتبارات التاريخية، والسياسية، والاقتصادية. حيث أظهرت العديد من الدول خارج المعسكر الغربي ميلًا نحو الحياد أو الدعوة إلى السلام عن طريق التفاوض، وعادة ما كانت تبدي هذه الدول عزوفًا عن التوافق بشكل كامل مع الإدانة الغربية لروسيا. ويخضع هذا الموقف إلى مزيج من العوامل بما في ذلك المصالح الاقتصادية، والعلاقات التاريخية مع روسيا، وأحيانًا الشكوك في نوايا الغرب وسياساته.

وقد حافظت دول مثل الهند وجنوب إفريقيا على سبيل المثال، على موقف حيادي ويعود ذلك جزئيًا إلى سياسات عدم الانحياز التي لطالما انتهجتها الدولتان، فضلًا عن الروابط الاقتصادية التي تجمعهما مع روسيا. وانتقدوا، إلى جانب دول أخرى مثل البرازيل، توسع حلف الناتو، مُبدين تفهمًا لمخاوف روسيا الأمنية التي يعتبرونها نتاجًا للاستفزازات الغربية. يخضع هذا المنظور أيضًا إلى رغبة هذه الدول الأكبر في معايشة نظام عالمي متعدد الأقطاب بحيث يتم موازنة الهيمنة الغربية بقوى عالمية أخرى بما فيها روسيا.

في الوقت ذاته، لا تعد استجابة المجتمع الدولي الأوسع متجانسة. فهناك بعض الدول التي دعت، خلال مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى التوصل إلى حل للأزمة على أساس التفاوض لكن مقترحاتها افتقرت إلى التفاصيل بما يعكس نهجًا حذرًا في استجابتها للصراع. هذا الاختلاف في الآراء ينعكس من خلال أنماط التصويت المتباينة على قرارات الأمم المتحدة حيث امتنعت بعض البلدان عن التصويت على قرارات تدين الجانب الروسي. علاوة على ذلك، يختلف الرأي العام داخل هذه الدول بشكل ملحوظ عن المواقف الرسمية التي تتبناها حكوماتها. على سبيل المثال، أظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت في دول مثل البرازيل والهند، قدرًا كبيرًا من الدعم الشعبي لأوكرانيا، على الرغم من المواقف الأكثر حيادية التي اتخذتها حكوماتها أو التي تميل إلى روسيا. ويُشير هذا إلى تفاعل معقد بين السياسات الحكومية، والرأي العام، والدبلوماسية الدولية قيد العمل. بالتالي، فإن النهج الشامل تجاه الصراع الأوكراني -الروسي يستدعي ضرورة تحقيق توازن دقيق، يسمح لهذه البلدان بإدارة مصالحها الاستراتيجية الخاصة مع الانخراط في الوقت ذاته في الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع التي شكلتها الحرب.

ومن الواضح أنه بعد أكثر من عامين على الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال احتمالات التوصل إلى حل للحرب في أوكرانيا غير مؤكدة إلى حد كبير، حيث يرتبط أي تقدم إيجابي بعدة عوامل جيوسياسية معقدة ومتغيرة. وبرغم الجهود الدبلوماسية الجارية، بما في ذلك مقترحات ومبادرة السلام المطروحة من جانب مختلف اللاعبين الدوليين، لم يتم إحراز تقدم يذكر نحو إجراء مفاوضات ذات مغزى من شأنها أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام. وتظل مواقف أوكرانيا وروسيا متباعدة، حيث تطالب أوكرانيا باستعادة سلامة أراضيها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، ولا تبدي روسيا أي استعداد للانسحاب من الأراضي المحتلة دون تقديم تنازلات كبيرة.

تشكل الديناميات الداخلية عاملًا رئيسيًا بالنسبة لروسيا وأوكرانيا على حد سواء. فعلى مستوى الداخل الروسي، فإن السردية الرسمية حول الحرب وقدرة الحكومة في إدارة المعارضة الداخلية تعد أمرًا بالغ الأهمية، وحتى هذه اللحظة لا تزال الحرب تحظى بالدعم. أما في أوكرانيا، فقد ساعدت الوحدة الوطنية والقدرة على الصمود في مواجهة الغزو الروسي في تدعيم موقف كييف التفاوضي، وإن كان قد يؤثر ذلك على مرونة الموقف الأوكراني خلال محادثات السلام.

في الوقت ذاته، فإن مشاركة القوى الكبرى سيكون لها بطبيعة الحال دور مؤثر على مجريات الصراع. فقيام حلف الناتو والغرب بتقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا يعزز موقفها في ساحة المعركة ولكنه قد يؤدي أيضا إلى تعقيد مفاوضات السلام. وفي حين تنظر روسيا إلى هذا الدعم على أنه تهديد مباشر يؤثر على استراتيجياتها الدبلوماسية والعسكرية. تتمتع دول أخرى، مثل الصين والهند وغيرها بدرجات متفاوتة من النفوذ والاهتمام بالصراع، وبالتالي فإن مشاركتها الدبلوماسية ومصالحها الاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بإمدادات الطاقة والمخاوف الأمنية، يمكن أن تلعب دورًا في تشكيل أو دعم المفاوضات المستقبلية.

السيناريوهات المستقبلية

فيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية، يُعد السيناريو الأكثر ترجيحًا هو الجمود المطول، حيث لا يحقق أي من الطرفين نصرًا عسكريًا حاسمًا. وقد يتمخض عن ذلك صراع طويل الأجل يتسبب في تجميد الحرب لفترات ممتدة على غرار الصراعات الأخرى التي طال أمدها في مناطق عدة حول العالم. وفي ضوء هذا السيناريو، قد تستمر الاشتباكات المتقطعة على خطوط الصراع المتصلبة، بين التصعيد تارة والتهدئة تارة أخرى.

السيناريو الثاني، يتضمن تقدمًا لروسيا تحقق من خلاله انتصارًا في الحرب. فمن الناحية الجيوسياسية، فإن النصر الروسي من شأنه أن يغير المشهد الجيوسياسي داخل منطقة أوروبا الشرقية وما بعدها، كذلك من الممكن أن يشجع موسكو على ممارسة نفوذ أكبر على الدول المجاورة لها وتحدي الهيمنة الغربية، لاسيما، النفوذ الذي يتمتع به حلف الناتو في المنطقة. علاوة على ذلك، فإن نجاح الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا قد يرسي سابقة بشأن إمكانية السعي وراء تحقيق الطموحات الإقليمية من خلال الأدوات والسبل العسكرية، بما قد يفضي إلى تقويض القوانين الدولية والأعراف الحاكمة لسيادة الدول وسلامة أراضيها.

أما بالنسبة لحلف الناتو، فإن انتصار روسيا في الحرب قد يؤدي إلى إعادة تقييم جذري للاستراتيجيات الأمنية والدفاعية داخل الحلف والاتحاد الأوروبي. وربما يترتب على ذلك العمل على تعزيز القدرات العسكرية وتسريع التكامل الدفاعي بين دول الاتحاد الأوروبي. كذلك فإن نصرًا روسيًا يحمل في طياته مخاطر التصعيد، بما في ذلك نشوب مواجهة مباشرة بين دول حلف الناتو وروسيا.

وحتى في حال استطاعت روسيا تحقيق نصر عسكري، من الممكن أن تستمر المقاومة وحرب العصابات داخل أوكرانيا، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى معضلة أمنية طويلة الأمد بالنسبة للجانب الروسي. كذلك سيكون إعادة إعمار المناطق التي مزقتها الحرب مهمة شاقة. وقد يصبح الحكم داخل هذه المناطق تحديًا إذا نظر السكان المحليون إلى القوات الروسية باعتبارهم غزاة وليس محررين. وعلى هذا النحو، فإن احتمالات النصر العسكري الروسي تحمل في طياتها أيضًا آثارًا سلبية كبيرة على موسكو.

بالطبع، يمكن أن تؤدي التغييرات في القيادة في روسيا أو أوكرانيا إلى تحول في الاستراتيجية وفتح إمكانيات للتفاوض أو التصعيد، اعتمادًا على طبيعة وآراء القادة الجدد. على سبيل المثال، قد تسعى حكومة روسية جديدة أقل التزامًا بالحرب إلى استراتيجية للخروج من المأزق، أو يمكن لحكومة أوكرانية جديدة أن تدفع باتجاه شروط مختلفة في مفاوضات السلام. ومن المحتمل أيضًا أن ينتهي الصراع إذا استُنفِدت قوى أحد الطرفين أو كليهما بسبب التكاليف الاقتصادية، والسياسية، والبشرية لاستمرار القتال. وقد يؤدي ذلك إلى حالة يتم فيها السعي إلى السلام باعتباره مجرد ضرورة، وإن كان من المحتمل أن يُخلِف قضايا بدون حل، وقد يتجدد اشتعالها في المستقبل. وبرغم إمكانية وقف إطلاق النار بشكل مؤقت لأسباب إنسانية أو لأغراض استراتيجية محددة، فإن أي حل جذري على المدى الطويل يتطلب على الأرجح تقديم تنازلات جوهرية من كلا الطرفين، وهو أمر يبدو غير مرجح في السياق الراهن حيث يرى الجانبان تهديدات وجودية في التنازلات التي يطالب بها الطرف الآخر.

وبشكل عام، فلا يزال الوضع يشهد تطورات متسارعة ورغم أن الرغبة في التوصل إلى حل سلمي قوية على المستوى الدولي، فإن الطريق إلى تحقيق هذه الغاية محفوف بالتحديات ويعتمد على تحولات جوهرية في المشهدين العسكري والسياسي والدبلوماسي. وعليه، يبدو احتمال حدوث حل سريع ضئيلاً في ظل غياب تغييرات كبيرة في مواقف الأطراف الفاعلة الرئيسية المعنية بالصراع.

مقالات لنفس الكاتب