; logged out
الرئيسية / العلاقات الخليجية ــ الإفريقية.. خيار استراتيجي

العلاقات الخليجية ــ الإفريقية.. خيار استراتيجي

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

العلاقات الخليجية ــ الإفريقية ليست جديدة أو طارئة أو مجرد حالة عاطفية أو هبة دبلوماسية، بل هي علاقات قديمة وتاريخية بدأت منذ عصر ما قبل الإسلام، ثم تطورت وبلغت شأناً كبيراً في صدر الإسلام، ولعل هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة ومواقف الملك النجاشي ملك الحبشة في ذلك الوقت تعكسان مدى التلاحم الإفريقي الإسلامي منذ بداية الدعوة الإسلامية، ثم تعاقبت الحضارات والدول، وتعمقت السياسات أحياناً بين دول شبه الجزيرة العربية والدول الإفريقية في جنوب الصحراء، لكنها تأرجحت صعوداً وهبوطاً بسبب سياسات الدول الاستعمارية والوجود الأجنبي الذي ظل جاثماً في القارة السمراء حتى الربع الأخير من القرن العشرين، وبعد أن أكملت الدول الإفريقية جنوب الصحراء استقلالها وفرضت سيطرتها على قرارها السياسي والاقتصادي شقت طريقها نحو التعاون مع دول الجوار الجغرافي ذات العمق التاريخي، ودول الخليج العربية هي النموذج الجيد لهذا التعاون لاعتبارات عديدة منها القرب الجغرافي والتنوع الاقتصادي وما يملكه الطرفان من إمكانات اقتصادية واستثمارية، وموارد طبيعية كثيرة ما يفتح الباب أمام فرص حقيقية للتكامل الاقتصادي وليس التنافس أو استفادة طرف على حساب آخر، فالدول الخليجية لديها كميات كبيرة من النفط ومشتقاته، ومنتجات استهلاكية وصناعية وطبية وغيرها من السلع الضرورية التي تحتاج إليها الأسواق الإفريقية وتستوردها من بلدان بعيدة ما يحمّلها الكثير من تكلفة الشحن وإجراءات التصدير والاستيراد والمدد الزمنية الطويلة للنقل ومتطلبات التخزين وغير ذلك، في حين أن الدول الإفريقية لديها وفرة من الموارد الطبيعية غير المستغلة بالشكل الأمثل، وتمتلك أيضاً مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية أو القابلة للزراعة، كما تحتضن القارة السمراء مصادر كبيرة من المياه العذبة الصالحة للاستخدام في الري وزراعة المحاصيل الغذائية والغابات التي تحتاج إليها الأسواق الخليجية والعالمية، لكنها تحتاج إلى الكثير من مشاريع البنية التحتية، المرافق، الخدمات، المواصلات، والاتصالات وغير ذلك من الاحتياجات الضرورية للسكان كالصحة والتعليم. وفي المقابل تستطيع الاستثمارات ورؤوس الأموال الخليجية أن تقوم بدور شديد الأهمية في قطاعي الاستثمارات الاقتصادية بمختلف أنواعها، والاستثمارات الخدمية والتنموية في حال وجود أطر قانونية وضمانات على أرض الواقع لتشجيع هذه الاستثمارات وحمايتها بالقوانين والتشريعات المرنة، في ظل دور مهم للحكومات الإفريقية، والمؤسسات المعنية بقطاع الاستثمار والتعاون الدولي في هذه الدول.

ولعل مؤتمر الاستثمار الخليجي ـــ الإفريقي 2010 الذي تستضيفه الرياض تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز يومي 4 و5 ديسمبر 2010م، بحضور 6 من رؤساء الدول الإفريقية جنوب الصحراء، ونخبة من الأمراء، والمعالي الوزراء من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول الإفريقية جنوب الصحراء، يعد تأسيساً لمرحلة جديدة من التعاون بين الكتلتين الخليجية والإفريقية، ولبنة مهمة في بناء صرح كبير في المستقبل قوامه التعاون المفيد والشراكة الناجحة بين مجموعتين اقتصاديتين متجاورتين ولديهما ما يؤهلهما لتحقيق فوائد اقتصادية مهمة إذا تم تفعيل التعاون المرتقب بالصورة الصحيحة وإجادة استغلال الفرص المتاحة لدى الجانبين.

وما يدعو إلى التفاؤل والأمل هو اهتمام القيادات السياسية وعلى أعلى مستوى في قمة الهرم السياسي بتحسين هذه العلاقات ودفعها إلى الأمام، وتجلى ذلك في رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لهذا المؤتمر الذي يشهد أيضاً إقبالاً كبيراً وحماسة شديدة من الزعماء الأفارقة، حيث يتوقع أن يشارك منهم 6 رؤساء، بالإضافة إلى كوكبة من الوزراء والمسؤولين التنفيذيين، ورجال الأعمال والمحللين والأكاديميين والخبراء الاقتصاديين من مختلف التخصصات.

كما أن الإعداد لهذا المؤتمر الذي يأخذ صفة ( الدورية) أخذ عاماً كاملاً، وركز هذا الإعداد على الاحتياجات الواقعية التي تحقق تفعيل التعاون، وتناول بالتمحيص دراسة وتحليل العقبات التي تعيق زيادة حجم وقيمة التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة بين الجانبين، وتقديم توصيات واقعية مدعومة بالحلول المقترحة اللازمة لتجاوز هذه العقبات ورفعها إلى الجهات المعنية بصناعة القرار في الجانبين لتبصيرهم بهذه العقبات ولفت انتباههم إلى الحلول العملية.

وللحقيقة هناك مسؤولية ملقاة على عاتق الحكومات في الجانبين، ومسؤوليات أخرى ومهام يجب أن يضطلع بها القطاع الخاص، فالمطلوب من الحكومات تيسير إجراءات وقوانين الاستثمار وتحفيز رجال الأعمال وتشجيعهم على الاستثمارات المشتركة، أو إقامة الاستثمارات المناسبة في إفريقيا، باعتبار أن هذه المنطقة من العالم تمر بمرحلة مهمة من مراحل النمو، وهي أكثر احتياجاً لمثل هذه المشاريع التي تحتاج إليها في تلك المرحلة. وفي المقابل يجب على القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي أن يأخذ زمام المبادرة، ويتجه إلى الاستثمار في إفريقيا، وأن يستفيد من الظروف المؤاتية ورغبة الدول الإفريقية في رؤية الاستثمارات الخليجية على أراضيها، وإذا تحقق ذلك فسوف يستفيد الجميع من المردود المتوقع، في ظل عالم يشهد قفزات هائلة لتكتلات اقتصادية ناشئة، وتبدل في مواقع الريادات الاقتصادية وظهور كيانات اقتصادية جديدة تعتمد على اقتصاديات غير تقليدية قائمة على اقتصاد المعرفة. ولذلك لا بد من زيادة التعاون الإقليمي والدولي وسبر أغوار أسواق جديدة للمنافسة الحقيقية في ظل ما تفرضه متطلبات وشروط العولمة، حيث لا مجال للتردد أو التقوقع في عالم ما بعد العولمة.

 

مقالات لنفس الكاتب