; logged out
الرئيسية / رياح التغيير.. سلبية الهدم وإيجابية البناء

رياح التغيير.. سلبية الهدم وإيجابية البناء

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

تمر المنطقة العربية حالياً بمرحلة تغيرات تاريخية، وتشهد هبوب رياح عاصفة لم تشهدها منذ نهاية النصف الأول من القرن العشرين، والرياح الحالية تمطر في أغلب الأحيان ماءً ثجاجاً يجلب الخير، ويحيي الأرض، وينبت الزرع، لكن في أحوال أخرى قد تحمل هذه الرياح رمالاً وأحجاراً وئدة، وتلقي بها على النبت اليانع، وقد تهلكه وتحوّل الأخضر إلى يابس. والمهم في هذه المرحلة التي تتداخل فيها زخات المطر وعواصف الرمال والأحجار، أن تحدد شعوب المنطقة أهدافها بدقة، وترسم الطرق المناسبة المؤدية إلى تحقيقها لجني الثمار بأقل الخسائر وأفضل الأساليب التي تحافظ على المكتسبات، وتحترم الثوابت، وتنظر إلى المستقبل، وتتحرك إليه بخطى واضحة المعالم وبأدوات سليمة وصالحة ومناسبة لتنفيذ الخطط الواقعية، وتلبية طموحات الأجيال القادمة.

أما عن الحقوق، فللمجتمعات العربية حقوق يجب على صنّاع القرار أن يضعوها نصب أعينهم، تلك الحقوق التي تتركز في معظمها على احترام (حقوق المواطن) أي العمل على الارتقاء بواقع المواطن العربي ومستقبله من النواحي كافة، وتبدأ بحقهِ في التعليم المستنير والمتطور والذي يبني العقليات الجديدة، وحقه في العلاج والسكن والعمل والعيش الكريم بالمعنى المتكامل، وهنا يجب التركيز على احتياجات الشباب بصفة خاصة لاعتبارات عديدة منها: الكثرة العددية لهذه الفئة في المجتمعات العربية، وقدرة الشباب على الإبداع، بل إنهم أهم وسيلة لتحقيق مطالب المجتمع، وهم أهم أدوات العمل والإنتاج إذا ما أًحسنَ توجيههم والاستفادة من طاقاتهم، وهؤلاء يمثلون نصف الحاضر وكل المستقبل، ومن ثم يجب إعدادهم للمستقبل بما يضمن قدرتهم على الإدارة الناجحة في بناء مجتمعاتهم.

وعن الواجبات، من الضروري على الأمة العربية كافة، والشباب خاصة، أن يتحدثوا عن مطالبهم واحتياجاتهم بلغة المواطن الواعي الذي يحافظ على المكتسبات التي تحققت، ويعمل على تجويدها والبناء عليها، لا هدمها والوقوف على أطلالها والنحيب، ثم البحث في ركام العدم عن طرق الوصول إلى العالمية، ولذلك على الشباب العربي أن يسعوا إلى التطوير والنمو انطلاقاً مما تم تحقيقه خلال العقود الماضية إن لم يكن القرون الماضية في العديد من الأقطار العربية، وألا ينظروا إلى كل ما في الماضي على أنه سيئ ويجب هدمه، وكل ما في المستقبل أفضل ويجب انتظاره، فالحضارات والمكتسبات عبارة عن حلقات في سلسلة تمتد من الماضي إلى المستقبل، ولا يمكن فصلها عن بعضها.

لقد تابع العالم ومازال يتابع ما حدث ويحدث في تونس ومصر وليبيا واليمن والعديد من الدول الأخرى، والجميع في هذه الدول يرفع شعار التغيير، ولا يقبل الحلول الوسط، وفي غمرة الفرح بالنصر يطالب الشباب في هذه الدول بالتخلص من كل ما هو قديم ومحسوب على الزمن السابق باعتبار أن القديم كله فاسد، وأن القدامى يقفون بالمرصاد للاستيلاء على مكاسب الشباب والالتفاف على ما حققوه في ثوراتهم. وفي هذا المنطق الكثير من الصواب، لكن يحتاج إلى الحكمة والترشيد والتدقيق، فليس كل القديم سيئاً، كما أنه قد لا يكون كل المستقبل إيجابياً، والمعروف أنه في مثل هذه الظروف الثورية والأجواء الشبابية المملوءة بالطموح والحماسة والمتطلعة إلى ما هو أفضل والشعور بالإحباط من كل ما هو قديم، يخشى بعض أصحاب الخبرة من الدفاع عن بعض الماضي ويفضلون السكوت حتى لا يُتهموا بأنهم من بقايا العصر البائد، لكن الحكمة تقتضي أن يستفيد المجتمع المصري أو التونسي من القدامى الشرفاء، وأن يستبعد العناصر الفاسدة أو المفسدة، والدليل أن ثورة 23 يوليو عام 1952م، لم تلغ كل الماضي الذي كان قبلها، وعندما أراد الوشاة أن يمنعوا أم كلثوم من الغناء بدعوى أنها من العهد الماضي قال الرئيس جمال عبدالناصر (إذا كانت أم كلثوم من الماضي، فالأهرامات والنيل وأبو الهول من العصر الماضي أيضاً، وإذا منعنا أم كلثوم من الغناء فعلينا إزالة الأهرامات وردم مجرى نهر النيل) وأمر عبدالناصر بإعادة أم كلثوم إلى الغناء فوراً.

ما نحن بصدده الآن ليس الدفاع عن القديم أو التشكيك في الجديد في مصر وتونس أو غيرهما، بل ندعو إلى عدم التساهل مع من أضروا بالشعوب ومكتسباتها، وفي الوقت نفسه ندعو إلى التطلع إلى المستقبل بكل قوة لتعويض ما ضاع من فرص للتقدم والنمو في العديد من الدول العربية الشقيقة، لكن في كلتا الحالتين لابد من الحكمة والاعتدال ووضع مصلحة الشعوب فوق الأفراد، بعيداً عن الغلو والإهمال.

مقالات لنفس الكاتب