; logged out
الرئيسية / نفط الخليج... الفرص والتحديات ومخاطر النضوب الطبيعي

نفط الخليج... الفرص والتحديات ومخاطر النضوب الطبيعي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

المؤلف: د. حسين عبدالله 

الناشر: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام

الطبعة الأولى: يونيو 2007

عرض: مروة فكري (مركز النخبة للدراسات – القاهرة)

 يحاول المؤلف في الكتاب الذي بين أيدينا الإجابة عن العديد من التساؤلات المتعلقة بتناقص مخزون النفط وقلة بدائله المتاحة من الطاقة عبر التركيز على مجموعة دول الخليج لشرح الحجم الحقيقي لعائداتها النفطية وكيف تستثمر فوائضها النفطية، مع شرح المخاطر المحدقة بنفطها لارتفاع أسعار النفط، وهو ارتفاع يرى المؤلف أنه سوف يتصاعد مع ازدياد النضوب النفطي وتصاعد الصراعات للاستيلاء على نفط العرب، فضلاً عن المخاطر الناجمة عن الاحتلال الأمريكي للعراق. ثم في النهاية يطرح المؤلف رؤيته لمقاومة الضغط الغربي لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار وذلك كله عبر أربعة محاور رئيسية:

 أولاً: الحجم الحقيقي لعائدات النفط

لقد حدث تدن في الأسعار وتقلص في العائدات النفطية في الفترة من (1986-2003م)، مما أدى إلى تراجع الاستثمار وأنشطه الاستكشاف والقدرات الإنتاجية، وانتهى الأمر بما يواجه العالم منذ مستهل عام 2004 من عجز القدرة الإنتاجية الاحتياطية عن مواجهة الزيادة غير المسبوقة في الطلب العالمي على النفط، والتي بلغت نحو 6 ملايين برميل يومياً خلال الفترة (2003-2006م).

 ويرجع السبب الرئيسي في تكرار ذلك التدني والتقلبات الحادة في سعر النفط إلى ما يمارسه مستوردو النفط خاصة الدول الصناعية الغربية التي تعتمد على الاستيراد لمواجهة أكثر من نصف احتياجاتها النفطية، من ضغوط للإبقاء على الأسعار عند مستوى متدن. فبعد أن راوح سعر البرميل من سلة أوبك خلال الفترة (1986-2000) عند حوالي 18 دولاراً قفز السعر خلال الفترة (2000-2003) إلى 25 دولاراً في المتوسط، ثم إلى 36 دولاراً في عام 2004م، وإلى 50 دولاراً عام 2006م.

 ولقد انعكس تدني الأسعار وتقلص العائدات النفطية على الدول المصدرة للنفط التي صارت ملزمة منذ سبعينات القرن الماضي بالاستثمار في البحث عن موارد نفطية جديدة لتحل محل ما ينضب منها خدمة للمستهلكين. وترتب على ذلك أن أخذت مكانة الموارد المالية لتلك الدول في النضوب لأسباب يأتي في مقدمتها تآكل القيمة الحقيقية لأسعار النفط، فلم تستطع تعويض ما ينضب من احتياطياتها، بل عجزت عن تنمية ما لديها من احتياطيات مكتشفة بحيث يمكن وضعها على خريطة الإنتاج الفعلي. وبذلك تقلصت القدرة الإنتاجية الاحتياطية واقتصر وجودها على عدد محدود من الدول أهمها المملكة العربية السعودية.

 من ناحية أخرى تحاول بعض الهيئات البحثية تضخيم عائدات أوبك في السنوات الأخيرة وتصورها بصورة الدول التي تثري على حساب الدول المستوردة للنفط وهو ما يراه الكاتب مجانباً للحقيقة، حيث إن محاولة تضخيم عائدات أوبك قد توحي بأن دول المنظمة قد انضمت إلى مجموعة الدول الصناعية الغربية، وصارت مطالبة بالعمل على خفض أسعارها، مع أن تلك الأسعار قد تدنت في صورتها الحقيقية إلى أقل من 5 دولارات في المتوسط خلال الفترة من عام (1986- 2004).

 ثانياً: كيف تستثمر الفوائض النفطية لدول الخليج؟

يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي تميل إلى الاقتراض لتمويل جانب كبير من احتياجات مشروعاتها الكبرى، وأن جانباً كبيراً مما يتوفر لديها من الفوائض النفطية سواء كان مملوكاً للحكومات أو للقطاع الخاص يتجه للاستثمار خارج المنطقة وبصفة خاصة في منطقة الدولار الأمريكي الذي اتخذته دول المجلس عملة مشتركة.

 ولا تميل دول المنطقة رغم ما تحقق لديها من فوائض مالية كبيرة، إلى سداد ديونها وتفضل أن تبقى مدينة في الوقت الذي تتصاعد فيه استثماراتها الخارجية، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول الاستثمار في الدول الغربية وخاصة في الولايات المتحدة، ووسائل توفير استثمارات آمنة تضمن تلبية احتياجات المنطقة خلال فترة ما بعد نضوب النفط.

يرى الكاتب أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة – التي تخضع الاستثمارات العربية للقيود بدعوى الحرب على الإرهاب – لا ترحب بالاستثمار العربي إلا إذا جاء في صورة ودائع مصرفية تعيد إقراضها لتثري مما تربحه نتيجة لفروق الفوائد، كما يمكنها إخضاع حركتها للرقابة والقيود، وتستطيع متى شاءت أن تجمدها كما حدث مع دول عديدة ومنها ليبيا.

 وينتقد الكاتب السياسات التي لجأت إليها بعض الدول الخليجية بشأن كيفية استخدام الثروات الناتجة عن الطفرات النفطية المتعاقبة، مشيراً إلى أن استعراض ما تحقق من استثمارات في ظل الطفرات النفطية يؤكد أن أغلب الدول العربية المصدرة للنفط لجأت إلى أسلوب التنمية القطرية والإنفاق الاستهلاكي لتلك الفوائض، بينما كان الأجدر بها أن تتجه إلى أسلوب الاستثمار الإنتاجي المتكامل على مستوى الوطن العربي أو حتى على المستوى الخليجي في ما يخص الدول العربية الخليجية.

 ودعا الكاتب إلى ضرورة التنبه للمخاطر المترتبة على توجيه الاستثمارات إلى الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة التي صار هاجسها الأول محاربة الإرهاب وإلصاق التهمة بالباطل بكل ما هو عربي أو إسلامي، مشيراً إلى أن إدراك تلك الحقيقة سوف يدفع إلى رؤية النوافذ الاستثمارية المتاحة في الوطن العربي والتي ستلبي متطلبات التكامل الحقيقي سواء توفر هذا الإطار في منطقة الخليج أو في منطقة أوسع على الصعيد العربي.

 ثالثاً: إمدادات نفطية شحيحة

تتزايد الشحة النفطية يوماً بعد يوم. وهناك العديد من الأمثلة التي تؤكد ذلك منها الإنتاج العالمي من السوائل النفطية الذي بلغ عام 2006 نحو 30 مليار برميل لم يتجاوز منها إنتاج الحقول المكتشفة حديثاً نحو 7 مليارات برميل (أي أقل من الربع) وهو ما يعكس الفجوة التي صارت تفصل بين حجم الإنتاج وحجم الاحتياطيات المكتشفة في العام نفسه والتي أخذت في الاتساع لتضاؤل حجم الحقول المكتشفة. كذلك لم يتجاوز حجم ما تمت تنميته من الحقول المكتشفة في عام 2005 نحو 11 مليار برميل وهو ما يغطي بالكاد ثلث الإنتاج الفعلي، فضلاً عن اتجاه النفقات للارتفاع.

 ويتأكد ذلك أيضاً من خلال بيانات المساحة الجيولوجية الأمريكية لعام 2005والتي أشارت إلى أن الاحتياطيات النفطية المؤكدة تقدر بنحو 959 مليار برميل وذلك بنقص 11 في المائة عن التقديرات التي تتبناها منظمة أوبك وجهات أخرى. كذلك تقدر (usgs) احتياطيات أوبك النفطية المؤكدة بنحو 612 مليار برميل وهو ما يقل بنحو 28 في المائة عما هو شائع ومعلن.

 النتائج نفسها توصلت إليها وكالة الطاقة الدولية (التي أنشئت عام 1974 لتخدم مصالح الدول الصناعية الغربية في مجال الطاقة والنفط) في تقريرها (world energy out look) الذي أذاعته عام 2005، حيث تبنت التوجهات التي تنذر بالعجز المتوقع في الموارد النفطية بحلول عام 2020م، وتتوقع أن يبلغ هذا العجز نحو 19 مليون ب/ي وهذا اعتراف صريح من منظمة دولية تمثل مصالح الدول الصناعية الغربية بأن العالم مقبل على فترة تشح فيها الإمدادات النفطية.

 ووفقاً لدراسة نشرتها وكالة (iea) يتوقع أن يزداد اعتماد العالم على نفط الشرق الأوسط بصورة متزايدة (2010-2030)، حيث يقدم الشرق الأوسط نحو 29 مليون ب/ي من الزيادة المتوقعة في احتياجات العالم، وتقدر بنحو 31 مليون ب/ي خلال تلك الفترة. كما يتوقع أن يرتفع نصيب الشرق الأوسط من صافي صادرات النفط العالمية من 17 مليون ب/ي عام 2002 إلى نحو 46 مليون ب/ي عام 2030م وهو ما يعادل نحو 70 في المائة من تلك الصادرات والتي تقدرها دراسة (iea)بنحو 65 مليون ب/ي بحلول العام المذكور.

 أما في جانب الصادرات للنفط، فإن سيطرة أوبك عليها ستظل قوية، إذ يتوقع أن ترتفع من نحو 60 في المائة إلى 63  في المائة خلال الفترة (2003-2030م) وذلك رغم ارتفاع حجمها من 53 مليون ب/ي إلى 77مليون ب/ي. ومع الازدياد المطرد في الطلب العالمي على النفط وأيضاً ازدياد إمداداته شُحة، بالإضافة إلى تركز قدراته التصديرية في عدد محدود من الدول يقع أهمها في الخليج العربي وفنزويلا وروسيا مما يرجح ازدياد قوتها التفاوضية، فإنه لا يوجد منطقياً ما يجعل تلك الدول تتنافس فيما بينها بشكل يؤدي إلى تدني الأسعار كما يتمنى أنصار المصالح الغربية.

وهنا يتأكد أن تجارة النفط لا تخضع بطبيعتها لاقتصاديات السوق الحرة التي تحتدم فيها المنافسة، ويتجه السعر إلى الاقتراب من النفقة الحدية، كما هو الحال في أغلب الصناعات التحويلية، وإنما تخضع تجارة النفط العالمية لاقتصاديات سوق بنيتها (المنافسة بين القلة)، وبذلك يسهل التفاهم فيما بينها لوضع وتنفيذ سياسة إنتاجية وتصديرية رشيدة.

 رابعاً: مقاومة الضغط الغربي لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار

تحاول الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة استخدام أساليب ضغط عديدة من بينها استخدام سياسة نفطية منفردة ومجتمعة بمعاونة وكالة الطاقة الدولية – من ترشيد الاستهلاك ورفع كفاءة الطاقة بصفة عامة وتنشيط الإنتاج النفطي خارج دول أوبك ولو بتكلفة أعلى، وذلك كوسيلة للضغط على أوبك ومحاصرتها أو إزالتها إذا أمكن.

 كذلك كان الضغط الغربي يأخذ شكلاً دبلوماسياً في أحيان أخرى، إذ يقوم كبار المسؤولين من الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة، بزيارة الدول المصدرة للنفط خاصة دول الخليج لإقناعهم بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار. وهناك أيضاً الأساليب الابتزازية التي تمارسها الهيئات التشريعية والهيئات القضائية في الدول الغربية ضد دول منظمة أوبك عامة، وضد الدول العربية فيها خاصة.

وأخيراً وباحتلال العراق انتقل الضغط الأمريكي إلى مرحلة أكثر خطورة، إذ لم يعد مساومة تجارية أو ضغطاً دبلوماسياً أو ابتزازاً سياسياً، بل صار استعماراً سافراً من نوع الاستعمار التقليدي الذي مارسته الدول الأوروبية في الحقبة الاستعمارية لنهب ثروات الشعوب المستعمرة.

 وفي نهاية كتابه يدعو الكاتب دول الخليج النفطية، والدول العربية عامة، إلى تدقيق وتحقيق ما لديها من احتياطيات النفط والغاز على وجه اليقين، ثم تحسين طرحه في الأسواق العالمية في إطار سياسة جماعية رشيدة وبما يحقق أفضل عائد لاستغلال تلك الثروات الناضبة، سواء باتباع سياسة تسويقية تحافظ على القيمة الحقيقية لأسعار النفط، أو الاحتفاظ بقدر معقول من الاحتياطيات النفطية لمواجهة احتياجات الأجيال القادمة استهلاكاً ودخلاً، وذلك مع العمل على ترشيد ورفع كفاءة الطاقة عموماً، في الاستهلاك والإنتاج.

 ومن جانب الدول المستوردة للنفط، خاصة المجموعة الصناعية الغربية بقيادة الولايات المتحدة، فإن عليها أن تنتهج سياسة مخالفة لسياستها التقليدية التي تسعى إلى تأمين احتياجاتها النفطية بالضغط والإكراه وبأسعار متدنية مما انعكس سلبياً على حجم الاستثمار اللازم لتوسيع قدرات النفط الإنتاجية. كما ينبغي عليها إذا رغبت في تأمين احتياجاتها النفطية أن تعمل على تلك الغاية بمعاملة الدول المصدرة للنفط معاملة الشريك التجاري، كما تتعامل هي فيما بينها، وليس باحتلال أراضي الدول المنتجة للنفط مع ما يقترن بذلك من تدمير للمنشآت النفطية وإحباط لفرص الاستثمار الباحثة عن النفط وتنميته وإنتاجه خدمة لمستهلكيه.

مقالات لنفس الكاتب